أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - مغامرات با حميد الحلقة رقم 9 تحلل على المباشر – صياغة فلسفية جديدة














المزيد.....


مغامرات با حميد الحلقة رقم 9 تحلل على المباشر – صياغة فلسفية جديدة


عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)


الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 20:42
المحور: الادب والفن
    


مغامرات با حميد
الحلقة رقم 9
القاص عبد النور إدريس


1- ولوج المتاهة الرقمية

لم يكن باحميد يرى في تيك توك سوى ملاذٍ خفيف من ضغوط يومه الطويل. في البداية، لم يكن أكثر من عابر في فضاء رقمي، يلقي نظرة على المقاطع الساخرة والتحديات العابثة. قال لنفسه:

"ما المشكلة؟ مجرد دقائق قليلة ثم أعود إلى واقعي."

لكن كما في أسطورة المتاهة، لم يكن هناك مخرج سهل. فكلما أنهى مقطعًا، قذفت به الخوارزميات إلى آخر، ثم آخر، حتى وجد نفسه غارقًا في تيار جارف من الصور السريعة، والكلمات المكررة، والانفعالات المستعارة.

لم يكن ذلك مجرد تصفح عابر، بل كان انزلاقًا تدريجيًا نحو ذوبانٍ غير محسوس. ومع أول تجربة للبث المباشر، أحس بشيء مختلف. كان الناس يتفاعلون، يعيدون كلماته، يطلبون منه المزيد. فجأة، لم يعد مجرد مشاهد، بل أصبح جزءًا من المشهد نفسه.

أحد متابعيه الدائمين كان Smart-FIBONCCI، شابٌ مهووس بالرياضيات والنماذج الرقمية والتريدينغ، يردد دائمًا نظريات عن "الانجراف السيبراني" وكيف يمكن للمنصات أن تعيد تشكيل هوية الإنسان دون أن يشعر.

2- المسخ الرقمي: بين نيتشه وأوسكار وايلد

مع مرور الأسابيع، صار باحميد أكثر من مجرد مستخدم عادي. أصبح شخصية، أداءً يوميًا، نصًا رقميًا مفتوحًا على التعديل المستمر. وجد أن الجماهير تحب الدراما، فبدأ يفتعل المشاحنات، يرفع صوته، يصطنع الغضب والانفعال. في كل مرة، كان الجمهور يصفق، وكأنهم يطلبون المزيد.

وذات ليلة، دخل NOURI19 إلى البث المباشر وقال له بنبرة هادئة:
"هل تدرك أنك لم تعد أنت؟"

ضحك باحميد ساخرًا:
"بل أصبحت نسخة أفضل من نفسي! هذا العالم منحني فرصة لم أجدها في الواقع."

ابتسم نوري19 وقال بنبرة تشبه أصداء نيتشه في "هكذا تكلم زرادشت":
"بل منحك قناعًا يلتصق بوجهك حتى لا تستطيع خلعه. في كل مرة تبث، أنت لا تمثل نفسك، بل تمثل توقعات الجمهور، تُصبح ما يريده الآخرون لا ما تريده أنت. أليس هذا ما قاله أوسكار وايلد في صورة دوريان غراي ؟ الوجه الحقيقي يبهت، بينما الصورة المصنوعة تزداد بريقًا؟"

تلعثم باحميد للحظة، لكنه رد مدافعًا:
"لكن هنا أنا مرئي، لي جمهور، لي تأثير!"

هز نوري19 رأسه قائلاً:
"ولكن بأي ثمن؟ أنت لست المؤلف، بل الشخصية. أنت لست صانع المحتوى، بل المحتوى نفسه. لقد تحولت إلى مجرد انعكاس داخل مرآة لا نهائية، حيث كل خطوة تأخذك بعيدًا عن ذاتك الأصلية."

3- نظرية التحلل الهوياتي: بين باشلار والفينومينولوجيا

مرّت الأشهر، وبدأ باحميد يشعر بشيء غريب. لم يعد يعرف الفرق بين لحظاته الخاصة ولحظاته المصورة. لم يعد يعرف إن كان يضحك حقًا، أم فقط يؤدي دور شخص يضحك. صار يعيش وفق إيقاع الترندات، يتحدث بعبارات جاهزة، يغيّر قناعاته وفق ميول الجمهور.

وذات مساء، عاد Smart-FIBONCCI إلى البث وسأله فجأة:
"باحميد، هل تعرف المتتالية الفيبوناتشية؟"

أجابه متعجبًا:
"أعرفها كأرقام رياضية، لكنها لا علاقة لها بما نفعله هنا!"

ابتسم Smart-FIBONCCI وقال:
"بل هي قلب ما تعيشه الآن. إنها نموذج للتمدد المتكرر، حيث يبدأ كل شيء صغيرًا ثم يكبر وفق نسق لا نهائي. كما بدأت بخمس دقائق، ثم ساعة، ثم يوم، ثم حياة كاملة داخل الشاشة. هذا ليس عشوائيًا، بل نظامٌ رياضي يجعلك تعتاد على البقاء، حتى تذوب تمامًا في الشبكة."

هنا قاطعهم NOURI19 قائلاً بنبرة تأملية:
"غاستون باشلار قال إن المكان هو الذي يشكّل ذواتنا. إذا كنت تعيش داخل فضاء رقمي، فإنك تصبح كينونة رقمية. فينومينولوجيا الإدراك تحتم علينا أن نفهم أن وعينا مشروط ببيئته. وأنت، بيئتك الآن هي هذا البث، هذا التفاعل، هذه الوجوه التي لا تراها لكنها تحدد وجودك."

أحس باحميد برعشة غريبة. نظر إلى الشاشة فرأى وجهًا لم يعد يعرفه. هل يمكنه العودة؟ أم أن التحلل كان قد بدأ منذ زمن طويل، ولم يعد هناك طريق للرجوع؟

4- الانهيار داخل المرآة

في تلك اللحظة، انطلقت تنبيهات الدونات والورود الرقمية، انطلقت أصوات التعليقات المتحمسة، وكأن الجمهور لم يكن يرى ما يراه باحميد. كان يتوقع أن يصرخوا معه: "انتبه، أنت تذوب!" لكنه لم يسمع إلا: "أعطنا المزيد!"

تنهد NOURI19 وقال بصوت أشبه بالهمس:
"هل تعرف قصة نرسيس؟ ذلك الشاب الذي وقع في حب صورته حتى غرق فيها؟ أنت الآن أمام بحيرة تيك توك، لكن الفرق أنك لا ترى نفسك، بل ترى نسخة منك صنعها الجمهور، وأصبحتَ تحاول التشبه بها."

في لحظة صمت، رأى باحميد أن كل شيء كان يتكرر: نفس الحوارات، نفس التحديات، نفس الضحكات المفتعلة. لم يكن يعيش، بل كان يُعاد إنتاجه مرة بعد أخرى.

أغلق البث فجأة. وقف أمام مرآته الحقيقية. نظر إلى وجهه خارج الشاشة. لكن السؤال ظل يلاحقه:

"أيّهما الحقيقي؟"



#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)       Abdennour_Driss#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مغامرات با حميد ومفهوم التكتوكر المرقمن
- قصيدة -غروب عشق-
- مغامرات با حميد صانع المحتوى والمؤثر ونظرية القهقهة للقاص عب ...
- مغامرات با حميد في عوالم اللايف، للقاص عبد النور إدريس
- إيفا...سيدة التكتوك، شعرعبد النور إدريس
- اطْحَن ْالدولار! للقاص إدريس عبد النور
- مغامرات باحميد : وجوه في المرآة العمياء للقاص عبد النور إدري ...
- صراخ باحميد وصمت الجبناء للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات باحميد وصراخ التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- مغامرات BH ومنصة التكتوك للقاص عبد النور إدريس
- قصيدة - الأناني - للشاعر عبد النور إدريس
- قصيدة -زوبعة المشاعر- عبد النور إدريس
- قصيدة: أَخافُ عَلَيْكِ شعر:عبد النور إدريس
- قصيدة -أغار عليكِ- شعر عبد النور إدريس
- قصيدة غناء النجوم شعر عبد النور إدريس
- قصيدة -دهشة المطر- شعرعبد النور إدريس
- قصيدة الرقص عند الفجر شعر عبد النور إدريس
- قصيدة: الشاعر الفينيكس شعر عبد النور إدريس
- قصيدة:هَمس الطين شعر عبد النور إدريس
- قصيدة : أميرة البنفسج شعر عبد النور إدريس


المزيد.....




- مسلسل -كساندرا-.. موسيقى تصويرية تحكي قصة مرعبة
- عرض عالمي لفيلم مصري استغرق إنتاجه 5 سنوات مستوحى من أحداث ح ...
- بينالي الفنون الإسلامية : أعمال فنية معاصرة تحاكي ثيمة -وما ...
- كنسوية.. فنانة أندونيسية تستبدل الرجال في الأساطير برؤوس نسا ...
- إعلاميون لـ-إيلاف-: قصة نجاح عالمي تكتب للمملكة في المنتدى ا ...
- رسمياً نتائج التمهيدي المهني في العراق اليوم 2025 (فرع تجاري ...
- سلوكيّات فتيات الهوى بكولكاتا نقلها إلى المسرح.. ما سرّ العي ...
- الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة تصل إلى ليبيا لتول ...
- الرئيس اللبناني: للأسف الفساد بات ثقافة
- فضاء يضم الإبداع و-كل ما كرهه الدكتاتور-.. فيلا -أنور خوجا- ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد النور إدريس - مغامرات با حميد الحلقة رقم 9 تحلل على المباشر – صياغة فلسفية جديدة