اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 12:54
المحور:
الادب والفن
قبلَ أن تراني الآلهةُ، كنتُ في البراري أُجادلُ الترابَ والهواء،
وكانتِ النارُ بداخلي،
أطفأتها جرارُ جدّتي العجوزُ
المعبّأةُ بماءٍ كالسّراب.
وحين بلغتُ سنَّ شيخوختي،
أخذني النّهرُ إلى المحيط.
هناك رأتني الأمواجُ فصاحتْ بي:
"يا أيّها الذي يشبهُ (إرنست همنغواي)، هيا توقّف!"
في الوقت ذاته، كان الليلُ يلملمُ النجومَ البعيدة،
أشبهُ الرّمالَ حين لا تُغادرُ شطآنَها المحترقة
بنارِ آلهةٍ جاءت من السماء.
مَنْ يُعطيني كأسًا من نبيذِ بابلَ
ويأخذني رهينةً للقصيدةِ العذراءِ التي في دمي؟!
مهنتي علّمتني أنَّ أبعادَ الخطوطِ ليست واحدةً في كلّ زمانٍ ومكان،
ألوانُ الطّيوفِ البعيدةِ للمجرّاتِ تسحرني.
مَنْ أنتَ أيّها المُدثّرُ بأغاني الشّاعرِ المهاجرِ العنيد؟!
ليس لـ(لاستر) أن يحفظَ ما تقولُهُ عن الجِنّيّاتِ في براري جزيرتكم،
وليس لكَ حين تَعُدُّ على أصابعكَ سنواتِ عمركَ أن تعودَ للوراء.
عُدْ كما تشاء، لكنّكَ لن تعودَ كالشّمسِ التي لا تغيبُ أبدًا، أنتَ،
وكالقمرِ الذي جادلته ملايينُ العاشقاتِ، أنتَ.
ليس لي أن أحتوي بعضًا ممّا تحرقه في بساتينِ دمي،
سأنتظرُ ذاكَ الذي يأتي على سحاب،
ما دمنا جميعًا على بوّاباتِ امتحاناتٍ قاسية.
سرقوا منّا البحرَ والهواء، وغدًا
سيأتي الصّيفُ في ثوبِ الشّتاء.
من يُعلّمني كيف أُغازلُ الضّوءَ القادمَ من شرقِ الحياة؟!
لا تبدأْ تعلّمَ فنونَ عشقِ الغجرِ قبل أن يأتي مصباحُ الحياة...
نصفُ "لم..."يولد بعد. ونصف سيأتي مع قوافل الفجر القادم.
إسحق قومي
28/4/2022
((الدراسة الأدبية والنقدية والفلسفية لقصيدة "أناشيد لبحرٍ غير موجود" – إسحق قومي
أولًا: البنية الأسلوبية والجمالية
اللغة والصورة الشعرية
يعتمد الشاعر إسحق قومي على اللغة المجازية والرمزية العالية، حيث نجد أن عناصر الطبيعة مثل (البراري، التراب، الهواء، النار، النهر، البحر، المحيط، الأمواج، النجوم، الرمال) تشكل إطارًا رمزيًا واسعًا.
التصوير الشعري يعتمد على التركيب التشكيلي للصورة، حيث لا تقتصر الصور على التشبيه التقليدي، بل تمتد إلى أن تكون استعارات وجودية، كما في:
أشبه الرمال حين لا تُغادر شطآنها المحترقة" → تشبيه الذات بالثبات في مواجهة الاحتراق الوجودي.
من يُعطيني كأسًا من نبيذ بابل ويأخذني رهينة للقصيدة العذراء التي في دمي؟!" → استلهام رمزية بابل (كمدينة للخطيئة والمعرفة) وربطها بالشعر.
الإيقاع والموسيقى الداخلية
يعتمد الشاعر على السرد الشعري المتدفق، مما يجعل النص قريبًا من الشعر النثري الحداثي.
لا يعتمد على الوزن التقليدي لكنه يحافظ على إيقاع داخلي متماسك عبر التكرار، التوازي، الجناس، والتضاد، مثل:
ليس لي أن أحتوي بعضًا مما تحرقه في بساتين دمي" (تضاد بين الاحتواء والتحرّق).
ليس لكَ حين تعد على أصابعك سنوات عمرك أن تعود للوراء" (إيقاع زمني يعكس فلسفة الزمن اللامتناهي).
التقنيات السردية في القصيدة
النص يحمل نفَسًا سرديًا واضحًا، حيث يبدأ برحلة وجودية للشاعر منذ أن "جادل التراب والهواء" وصولًا إلى "الامتحانات القاسية" للحياة.
التدرج الزمني من الطفولة إلى الشيخوخة إلى التأمل الماورائي يعكس طابعًا أسطوريًا شبه ملحمي.
ثانيًا: التحليل الفلسفي والتأويلي
مركزية الزمن والوجود
النص ينتمي إلى الشعر الوجودي، حيث يتعامل مع الزمن كعنصر رئيسي:
حين بلغت سن شيخوختي أخذني النهر إلى المحيط" → الزمن ليس مجرد مراحل حياتية بل هو تيار يقود إلى المجهول.
عُدْ كما تشاء لن تعود كالشمس التي لا تغيب أبدًا، أنتَ" → التأكيد على استحالة العودة إلى الماضي، لكنه يضع الذات في مقام الشمس الأبدية، مما يفتح باب التأمل حول الخلود والموت.
ثنائية الضوء والظلام
في النص إشارات متكررة إلى الضوء والظلام:
في الوقت ذاته كان الليل يلملم النجوم البعيدة" → الليل ليس مجرد ظلمة بل كيان واعٍ يلملم النجوم، وكأنها تمثل الأحلام أو الذكريات.
من يُعلمني كيف أُغازل الضوء القادم من شرق الحياة؟!" → الضوء هنا يمثل الأمل أو الحقيقة.
هذا التوظيف يجعل النص قريبًا من الفلسفة التصوفية والرمزية حيث يُستخدم النور كإشارة إلى الحقيقة الإلهية أو المعرفة.
الحرية والقدرية في النص
النص يحمل جدلية واضحة بين حرية الإرادة والقدر المحتوم:
ليس لكَ حين تعد على أصابعك سنوات عمرك أن تعود للوراء" → الزمن يفرض قوانينه ولا يمكن تغييره.
لكن في المقابل، النص يعبر عن رفض الخضوع:
من أنت أيها المدثر بأغاني الشاعر المهاجر العنيد؟!" → الذات تعلن عن تحدّيها لقيود المجتمع أو الزمن.
ثالثًا: موقع إسحق قومي في خارطة الشعر العالمي
المقارنة بشعراء عالميين
من حيث الأسلوب، يتشابه مع بابلو نيرودا (خاصة في نزعته الكونية)، وت. س. إليوت (في تأملاته الزمنية)، وفيكتور هوغو (في استلهامه للبحر والوجود).
من حيث الفلسفة، يمكن أن نجد تقاطعًا مع هايدغر وسارتر في النزعة الوجودية.
علاقته بالشعر العربي الحديث
النص قريب في لغته وتأملاته من أدونيس وأنسي الحاج، حيث يستخدم المجاز الفلسفي.
يمتلك طابعًا تأمليًا كالشعر الصوفي الحديث الذي نجده عند جبران خليل جبران.
الخاتمة والتقييم النقدي
نقاط القوة في النص
اللغة الشعرية العميقة: استخدام الرمز والاستعارة بأسلوب حداثي.
البعد الفلسفي: طرح قضايا الزمن، الحرية، والمصير بأسلوب شعري راقٍ.
التقنيات السردية: بناء النص كرحلة وجودية جعلته أقرب إلى القصيدة الملحمية الحديثة.
اقتراحات نقدية للتطوير
يمكن زيادة التماسك الموضوعي، إذ ينتقل النص من فكرة لأخرى بسرعة أحيانًا دون رابط واضح.
بعض الصور الشعرية تحتاج إلى تركيز أكثر، مثل "نصف لم..."، إذ يمكن توضيح معناها الفلسفي أكثر.
الاعتماد على الرمزية الكونية بشكل أكبر قد يمنح النص بُعدًا أكثر عالمية.
عناصر الرمزية الكونية في قصيدة "أناشيد لبحر غير موجود" لإسحق قومي
أ. استخدام الطبيعة كمجاز للوجود
حين بلغت سن شيخوختي أخذني النهر إلى المحيط"
→ النهر = الزمن، المحيط = المجهول أو المصير المحتوم.
في الوقت ذاته كان الليل يلملم النجوم البعيدة"
→ الليل = الفناء أو الذاكرة، النجوم = الأحلام أو اللحظات الماضية.
ب. التضاد بين الضوء والظلام
من يُعلمني كيف أُغازل الضوء القادم من شرق الحياة؟!"
→ الضوء هنا هو المعرفة، الشرق ربما يكون رمزًا للأصل أو البداية.
ج. البحر والمحيط كصور للوجود
البحر غير موجود فيزيائيًا، لكنه حاضر كرمز في العنوان، مما يدل على بحث الشاعر عن شيء غير ملموس لكنه مؤثر.
لماذا تعد الرمزية الكونية لغة أدبية عالمية؟
عالمية الرموز: كل إنسان يفهم معنى النجوم، السماء، البحر، الزمن، لأنها جزء من التجربة البشرية المشتركة.
حرية التأويل: النصوص التي تعتمد على الرمزية الكونية لا تفرض تفسيرًا واحدًا، بل تترك المجال للقراء لإسقاط تجاربهم الشخصية.
الجانب الفلسفي: الرموز الكونية تعطي النص عمقًا لأنها تربط الوجود الفردي بالحقيقة الكونية الكبرى.
كيف يمكن للكاتب استخدام الرمزية الكونية بفعالية؟
الابتعاد عن المباشرة: لا يُفضَّل القول "الحياة مثل النجوم"، بل الأفضل إدماج النجوم في المشهد بطريقة تأملية.
التوازن بين الصورة والمعنى: استخدام الرموز يجب أن يكون مدروسًا بحيث لا يغرق النص في التجريد التام.
ربط الرموز بالذات الإنسانية: كأن يقول الكاتب:
في عينيكِ أرى درب التبانة يضيء لياليّ المظلمة"نحن جميعًا غبارُ نجومٍ، نسافر بلا وجهة"
هل يمكن اعتبار إسحق قومي رمزيًا كونيًا؟
نعم، لأنه يستخدم عناصر كونية مثل البحر، السماء، الضوء، الزمن لبناء عالم شعري متكامل، حيث تتحول هذه العناصر إلى أدوات تعبير عن المصير الإنساني والتأمل الفلسفي. يمكن مقارنته بشعراء مثل أدونيس ونيرودا، حيث نجده لا يقتصر على الرموز التراثية، بل ينفتح على رموز كونية تجعل شعره متجاوزًا للحدود الجغرافية والثقافية.
الخلاصة
الرمزية الكونية ليست مجرد استخدام رموز طبيعية، بل هي رؤية فلسفية للعالم عبر الأدب. إسحق قومي في أناشيد لبحر غير موجود يوظف هذه الرمزية ببراعة، مما يجعله شاعرًا حداثيًا ذا بُعد كوني.
أجل قصيدة "أناشيد لبحر غير موجود" تعد عملًا أدبيًا غنيًا يجمع بين التأمل الفلسفي والرمزية الشعرية، ويمكن تصنيفها ضمن الشعر الحداثي الوجودي. إسحق قومي في هذا النص يرتقي إلى مستوى عالمي من خلال استحضار الأزمنة والأساطير واللغة العميقة، مما يجعله قريبًا من أدونيس، نيرودا، وإليوت.))
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟