عزالدين محمد ابوبكر
الحوار المتمدن-العدد: 8257 - 2025 / 2 / 18 - 08:35
المحور:
الادب والفن
يدور مقال اليوم عن الأسطورة المصرية لنهاية العالم و فناء البشر على يد حتحور آية الجمال التي وجهها يُشرق نور !
أولاً ما هي الأسطورة ؟
الأسطورة تلك القصة التي سحرت الصغير و الكبير و أنارت عقول المثقفين في زمن الحرب المرير و من منا لم يسمع بكلمة أسطورة؟ لا يوجد أحد لم يسمع في حياته بكلمة أسطورة حتى أنها ذكرت في النصوص الدينية ذات الأصل الإبراهيمي مثل القرآن الكريم و من منا لم يتسائل في نفسه عن أساطير الأولين عند استماعه لـ القرآن؟ و نظراً لما كانت فيه الحضارة الإنسانية القديمة التي كان موقعها الشرق القديم و ما يُعرف الآن بـ الأوسط أصبحت الأساطير متعددة و كثيرة الأهداف و فيها من الرموز ما حير العقول و أصاب الإنسان بـ الذهول! وهذا قد صعب على العلماء تعريف الأسطورة و فهمها مثلما فهمها المجتمع القديم.
الأسطورة ببساطة هي قصة - أيًّا كان ما تمثله من أشياء أخرى - و هذه القصة دائماً ما يكون لها مؤلف لكننا نجهل اسمه إلا في حالات قليلة و نادرة و تدور أحداث الأسطورة غالباً في عالم الإلهي و المقدس وهناك أساطير ذات أصل إلهي أو وحي ويسمى حاكي هذا الوحي بـ الـ «نبي» في حالة الأديان الإبراهيمية و مصطلح النبي هو مصطلح ذو جذر لغوي عبري له أصل سامي قديم و غالباً ما يكون الهدف من هذه القصة هو الإشارة إلى أحداث دينية هامة مثل ما جاء في سفر التكوين بخصوص قصة نبي الله نوح و هناك قصص أخرى ذات أصل شعبي وعادةً ما تسمى بـ "الخرافات" و خير مثال عنها قصة أوديب (التي استخدمها سيجموند فرويد في مؤلفاته بالمناسبة) و قصة الشيطان بس التي كانت مشهورة في مصر القبطية و الأسطورة تتحدد بحسب سياقها و زمنها و شخصياتها و الهدف من القصص و الخرافات عموماً هو جعل الفرد يشعر بالطمأنينة و يتخلص من القلق و الإنسان من نفسه منجذب بشكل طبيعي إلى الأسطورة و القصة و حتى الرواية لكي تقوم بـ إشباع حاجاته لمعرفة المجهول!
و خير أسطورة و حكاية هي أسطورة الفيضان العراقية و أسطورة الفيضان حسب تعبير الدكتور فاضل عبدالواحد علي في كتابة عن الطوفان في المراجع المسمارية هو "واحدة من تلك الروائع التي جاء بها كتاب السومريون أصلاً والتي أضاف إليها من بعدهم الكتاب البابليون ثم الآشوريون آفاقّا و أبعادًا جديدة. وهي مثل غيرها من الروائع الأدبية التي سرعان ما انتشرت في أنحاء واسعة من الشرق القديم وتركت أثرًا واضحاً في معتقدات الشعوب. (صـ ٧ ، الطوفان في المراجع المسمارية ، فاضل عبدالواحد علي).
و المدلول اللغوي لكلمة (a-ma-uru5) السومرية التي تعني "طوفان" يشير إلى ارتفاع مستوى المياة لدرجة غمر الأراضي وهو حادث تصوره القدماء أنه قد وقع في فترة موغلة في القدم و كان هذا الحدث كونياً أي أنه شمل العالم كـ كل وليس وادي الرافدين فقط (صـ ١٧ الطوفان) و يلاحظ قارئ قصة الطوفان السومرية أن هذه القصة قد أخذت محتوياتها و مضمونها من الواقع الرافديني في زمن تدوين نص قصة الطوفان حيث يلاحظ القارئ الواعي لنصوص القصة أن مضمون قصة الطوفان (غمر الأراضي و ارتفاع مستوى المياة) مرتبط ارتباطًا وثيقًا مع واقع ظاهرة فيضان النهر و روافده في فترة الفيضان.
هل توجد أسطورة طوفان مصرية؟
من واقع النصوص المصرية القديمة لم تعرف الأساطير المصرية فكرة الطوفان السومري لعدة أسباب أهمها أن المصري القديم كان ينظر إلى نهر النيل على أنه واحد من ضمن عدة قوى إلهية تحافظ على النظام الوجودي الذي أوجده الإله في الزمن الأول بعد انتصاره على قوى الفوضى والظلام وكان هناك اعتقاد مصري قديم يرى أن فيض مياة نهر النيل هو جزء من فيض الإله نون ممثل الهيولي العظيم الذي خرج منه الوجود وكل أشكال الحياة إلى النور. وهناك سبب آخر لعدم وجود أسطورة طوفان مصرية وهو أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بـ مياة الفيضان عند وصولها إلى أراضي كمت (اسم من أسماء مصر القديمة معناه أرض الخصب) لأن فيضان النيل يمثل دموع إست (إيزيس) على زوجها أوزير عندما علمت بما حل بـ زوجها الشاب على يد أخيه الغاضب ستخ وهذا بـ الإضافة إلى العوامل البيئية المستقرة التي كانت تتمتع بها كِمت خلال فترات الأسرات المصرية.
لكن قد وصلتنا إشارة إلى إعادة العالم المنظم الذي أوجده المعبود رع إلى الفوضى الأولية التي سبقت الوجود و تُعد هذه الإشارة ضمن نصوص الفصل رقم ١٧٥ من كتاب الروج إلى النهار (للعلم توجد ترجمة حديثة و جيدة لهذا العمل الأدبي قام بها الأستاذ شريف الصيفي وقد صدرت عن المركز القومي للترجمة منذ عدة سنوات). لكن تتفق الأساطير السومرية مع الأساطير المصرية في أن أحداثها تدور في العصر الذهبي عندما كانت الآلهة تشارك البشر حياتهم على الأرض ولم يكن هناك فصل بين عالم الإلهي و الإنساني حتى غضب رع من البشر!
لماذا غضب رع من البشر؟
لقد وصلتنا قصة فناء الجنس البشري عن طريق الأسطر من ١ إلى ١٠٠ من كتاب البقرة السماوية المدون في إحدى الحجرات الجانبية الملحقة بحجرة دفن الملك سيتي الأول (KV-17) المحفورة في صخر وادي الملوك.
و كتاب البقرة السماوية ليس كتابًا بالمعنى الحرفي للكلمة بل هو مجموعة نصوص ذات هدف ومغزى جنائزي تدون في مقابر الملوك (والأمراء نادرًا) من أجل مساعدة الملك في حياته الأخروية وقد وصلنا نص كتاب البقرة السماوية على شكل نص مدون على المقصورة الذهبية للملك توت عنخ إمن و مقابر الملوك مثل مقبرة الملك سيتي الأول و البرديات مثل تلك البردية المحفوظة في المتحف البريطاني و موضوع نص هذا الكتاب هو تمرد البشر على المعبود رع الذي بلغ من العمر أرذله وأصبح ضعيفًا وعاقبهم على فعلهم هذا بواسطة عين المعبودة حتحور (سخمت/القوية)* التي بدأت تعاقب البشر على فعلتهم حتى أصابها الجنون والهوس بعقاب البشر و إيذائهم وقد رأى رع هذا الأمر وأرسل لها المعبود جحوتي لكي يهدئها عن طريق الفاكهة المجلوبة من منطقة الفنتين والتي تسمى "تاتات" ويعتقد العالم بروجش أنها نوع من النبات المخدر (وقد ذكره أحمد باشا كمال في كتابة عن النباتات المصرية) وقد تم إعطاء هذه الفاكهة إلى أحد المعبودات في إيونو (هليوبوليس/عين شمس) لـ طحنها و مزجها مع لون أحمر لتشبه لون دم البشر الذي أدمنته حتحور و تم وضع هذا المزيج في سبعة آلاف إناء ممزوجةً مع الجعة وقد أتت حتحور إلى مكان تواجد البشر لتجد أمامها تلك الآنية وتتذوقها فتجد طعمها قد راق لها وجلست تشرب حتى أصبحت ثملة ونست أمر الفتك بالبشر... وبعد هذه القصة تأتي قصة أخرى مليئة بالرموز والوقائع التي حدثت في العالم الإلهي وهي قصة صعود رع إلى السماء وانفصال الآلهة عن البشر.
والتي قد سبق وأخرجتها في شكل قصة حديثة بها العديد من القضايا الفلسفية والحياتية لكن سوف احكي لك ايُها القارئ النجيب المتعطش للمعرفة في المقال القادم ... القصة المصرية من واقع النص المصري ... وعلى رأي شهرزاد : ليلة غد ، سأخبركم بما هو أفضل و أكثر إمتاعًا.
#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟