أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الضمير بين الوعي والدين (3)














المزيد.....


الضمير بين الوعي والدين (3)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 18:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الله
"قل هو الله أحد. الله الصمد؛ لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد." هذا الإله العربي المُبين، الذي لا نزال حتى اليوم نوقن ونؤمن بعلمنا بوجوده المطلق وكونه يرانا ولا نراه، يسمع حتى سكوتنا ونجوانا ونُصلي له ونتوسل رحمته ورضاه، كان وجوده بين الأرضيين، أبناء الإغريق على وجه التحديد، سابقاً على معرفة العرب به بأكثر من ألف عام. لقد بدأت السيرة الذاتية لهكذا إله ذو صفات مُجردة، لا مثيل ولا شبيه له بين أبناء البشر وأشياء الطبيعة الحسية، خلال النصف الأخير من الألفية السابقة على الميلاد، أي قبل نحو الألفين ونصف الألف عام من الآن. قبل هذا التاريخ، وخلال عشرات آلاف السنين على أقل تقدير، كانت الآلهة الحِسية- تلك المتاحة للذهن البشري من خلال الحواس الطبيعية المُزود بها الجسم- من شتى الأنواع والأصناف تملأ حياة البشر وتمرح فيها طولاً وعرضاً؛ وما من جماعة أو قبيلة أو قومية أو عرقية أو أمة بشرية عجزت عن أن تُدبر لنفسها إلهاً ما لتعبده. وكعادتهم إلى اليوم، بقي المؤمنون يصلون بلغاتهم المختلفة لآلهتهم المختلفة، يتضرعون لها لكي ترزقهم الخير وتقيهم الشر، ويحجون إلى معابدها حاملين الأدعية والصدقات والأضاحي والقرابين حتى ترضى وتغفر الذنوب.

قد تشكلت نُطفة هذا الإله التجريدي المتسامي على العالم الحسي، الواحد الأحد، الأكبر والأوسع انتشاراً لا يزال حتى الزمن الحاضر، في رحم الوعي الذاتي لأحد النوابغ اليونان يُدعى فيثاغورس، الذي كان بمثابة أول رائد فضاء فكري في تاريخ البشرية، حين أطلق العنان لتأملاته الفلسفية من قيود الطبيعة وهام بها في الأجواء العُلى وسماوات ما وراء الطبيعة، محاولاً الهرب من شوائب عالم المادة والحواس المحدود والمنتهي والفاني إلى نقاء الملاذ الروحاني، اللامحدود واللامنتهي والأبدي. قبل فيثاغورس، كانت الآلهة متعددة بلا حصر، تتخذ لنفسها صفات وهيئات وأجساد مادية حسية من انتاج وعي جمعي بشري لا يزال قاصر عن تجاوز حدود عالمه الطبيعي وغرائزه الحسية؛ لكن بعد فيثاغورس، بدأت المسيرة لتوحيد الآلهة في إله واحد، مجرد، أزلي، مُطلق وليس كمثله شيء (من كافة الأشياء كما نعلمها بحواسنا في دنيانا الطبيعية، ومن ضمنها بالطبع نحن البشر أنفسنا).

فيثاغورس هو عبقري الأرقام الذي، للمفارقة، يعتبر أيضاً الأب الروحي لما يُعرف اليوم "الثورة الرقمية". لكن الثورة الحقيقية التي فجرها فيثاغورس آنذاك، قبل أكثر من 2500 عام، حدثت عندما استقدم إلى عالم الفكر والتفلسف فكرة الرقم كمبدأ أساسي ووحيد لأصل الحياة ونشأة الكون. أصل الوجود، كما فكر فيثاغورس، يكمن في الرقم (1) الذي، بالضرورة المنطقية، تتفرع منه الأرقام (2) و(3) و(4)... إلى ما لا نهاية. هذا الواحد ليس معادلاً، ولا مرادفاً أو كفواً لأي شيء حسي مُعين بالذات مهما يكن هذا الشيء، لكنه فكرة الوحدانية المجردة ذاتها التي تنبثق وتتفرع منها تعددية الأشياء بلا حصر، لكي تعاود هذه الأخيرة الاندماج في وحدانية الواحد في نهاية المطاف؛ الوجود كله واحد لا ينقص منه ولا يزيد عليه مثقال ذرة، مهما بدت مفرداته متعددة بلا حصر؛ من دون الواحد ما نشأت بلا حصر الأعداد، التي لا أصل ولا مرجع لها إلا إليه؛ أو، بصيغة دينية، ’إنا لله (الواحد) وإنا إليه راجعون.‘ فيما بعد سيطور البشر من هذه النظريات الفلسفية الفيثاغورسية معتقدات دينية تبقى راسخة في أذهان المؤمنين بها إلى اليوم، مثل مذاهب التوحيد من الواحد في ذاته (1x1)؛ التثنية من الاثنين في الواحد (2x1)؛ والتثليث من الثلاثة في الواحد (3x1)- جميعها تنشأ من الأصل واحد وليس لها أي مرجع آخر على الإطلاق إلا إليه.

مضت الفلسفة اليونانية في تجريد المبدأ الكلي للوجود من شوائب العالم الحسي وتطهيره وتصفيته من رواسب المادة حتى خفَ وزنه كالأثير، ليعلوا في ملكوت الفكرة الطلق بلا جسم، الصورة الفارغة من الشكل، والمعلول عِلَّة ذاته دون حاجة لسبب، حتى غادر بالكامل دنيا البشر الطبيعية وبهتت صورته حتى غابت تماماً عن حواسهم ومشاعرهم وأفهامهم. كان من نتائج هذا الجموح التجريدي الجامح إسقاط آلهة الأولين الحسية والنابضة بالحياة عن عروشها، ليحل الشك المؤلم محل الإيمان المطمئن. في النهاية، يتشكل وعي الانسان، وتفكيره وفهمه، من تراكمات خبراته الحسية المعيشية، المباشرة أو المتراكمة عبر التقاليد من أزمنة سحيقة. إذا كانت هذه هي طبيعته، كيف يُطلب منه أن يحس بفكره، يشعر وينفعل بها، وهي أصلاً أبعد من متناول وعيه الفردي وخبرته الجمعية القائمين على الحواس؟!

كان لزاماً أن تقوم ثورة كبرى تُعيد للإنسان آلهته المفقودة بسبب فلسفة مجردة، عديمة الروح والإحساس والمشاعر الحية؛ كان لزاماً أن تعود الآلهة من منفاها الإجباري في سماوات نظريات فلسفية إلى مواطنها الطبيعية داخل حياة البشر. بالفعل، تَنزَّلت الآلهة أخيراً من سماوات الفلسفة إلى دنيا الأديان، لتستأنف حياتها كعادتها بين البشر، لكن بصورة أكثر تطوراً. عادت الآلهة تُناجي الناس، تهمس في آذانهم وتسمع شكواهم، تكلمهم بنفس لغاتهم المحلية ويفهمون كلامها، تُنصفهم من الباغين وتنصرهم على الظالمين...الخ. لم يعد الله فقط واحد أحد لا مثيل ولا شبيه له في دنيا البشر والأشياء كما أراده فيثاغورس، بل أصبح أكثر شبهاً ومقربة من الإنسان؛ أصبح يعيش داخل وعي الإنسان ذاته، الذي يحتاجه لكونه رحيماً، عادلاً، عليماً، خبيراً، وحتى منتقماً وجباراً مثلما يفعل عباده أنفسهم أو يريدون من غيرهم أن يفعلوا معهم. لم يكتسب الإله صفات بشرية بصيغة المطلق فقط، بل سنجده يقاسمهم حتى في بعض من هيئاتهم وأبدانهم أيضاً، سواء في التوحد الصوفي أو حين يتحد الثالوث (3)- الأب والابن والروح القدس- في الواحد (1) الفيثاغورسي.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضمير بين الوعي والدين (2)
- الضمير بين الوعي والدين (1)
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة


المزيد.....




- جهود ترامب الجديدة الشاملة لتوسيع سلطته.. مراسلة CNN تشرح لك ...
- قمة عربية مصغرة في السعودية: ما هي الخطة العربية البديلة لمق ...
- مدير مكتب محمد بن سلمان ينشر لقطة لروبيو ولافروف وبالخلفية ا ...
- حماس تعرض توابيت الرهائن الـ4 وهذا ما كتبته بلوحة على المنصة ...
- محكمة الاستئناف الأمريكية: ترامب لا يستطيع إنهاء حق الجنسية ...
- ترامب: شي جين بينغ سيزور الولايات المتحدة عاجلا أم آجلا
- قبيل تسليم الجثامين الأربعة.. -كتائب القسام- توجه بيانا للإس ...
- أمير سعودي يعلق على كلمة وزير الطاقة في مؤتمر (إيجبس 2025) ب ...
- زاخاروفا عن تصريحات ماكرون وزيلينسكي: شبح نابليون يتجول الآن ...
- وزير التجارة الأمريكي: ترامب يريد إلغاء خدمة الضرائب


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الضمير بين الوعي والدين (3)