عبدالرحيم كمال
كاتب
(Abdulrahim Kamal)
الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 13:03
المحور:
الادب والفن
في روايته "جمهورية كأنّ"، تغلب اللغة الخطابية على الفن، لكنها تأتي صرخة من "علاء الأسواني" محملة بالألم مما حدث، وتنبيه لما يحدث حاليا أو سيحدث أو يمكن أن يحدث مستقبلا، اليوم أو غدا أو بعد سنوات -وإن طالت-.
تسرد رواية "جمهورية كأن" لـ "علاء الأسواني" وقائع بعض ما جرى في ثورة 25 يناير 2011 على عدة مستويات، وتَخْلُص للتأكيد على نقاء الثورة ومن شاركوا فيها، مع رصد ما حدث بالتوازي على مستويات الأمن والسياسة والإعلام والمصالح الخاصة.
خيانة جماعية
يوجه "الأسواني" من خلال أحداث الرواية الاتهام بشكل مباشر وصريح إلى المجلس العسكري والجهات الأمنية بخيانة الثورة والتعاون مع الأخوان المسلمين لوأد الثورة في مهدها.. وللأسف، فإن الوقائع التي يسردها "الأسواني" في "جمهورية كأنّ"، نشرتها في حينها جميع وسائل الإعلام، ويعرفها الجميع، ويبقى الفارق هو المواطن/ المتلقي، الذي يصدّق أو يكذّب ما نُشِر وقتها، أو الانضمام لحملة تخوين المشاركين في الثورة، واتهامهم بأنهم مرتشون هدفهم تدمير الوطن.
مخاوف طائفية
يطرح "الأسواني" الأحداث على عدة مستويات، فردية/ شخصية، أو جهوية/ مؤسسية.. هناك المواطنون المشاركون في الثورة عن إيمان بأهمية التغيير، وهناك الرافضون لها.. هناك الثري المسيحي المقتنع بنقاء شباب الثورة "أشرف ويصا"، أو الرافض لها "ماجدة ومنير"خوفاً من أخونة مصر أو أسلمة الحكم فيها، لأن الأقباط لن يكون مرحباً بهم وقتها.. وهناك المناهضون للثورة لأنها ضد مصالحهم.
مصالح متقاطعة
تضم الرواية نماذج من المعارضين لقيام الثورة والكارهين لها، بينهم رجل الدين الداعي لإطاعة أولي الأمر "الشيخ شامل"، ورافعو لواء الإسلام السياسي، وعلى رأسهم الأخوان المسلمون، كما أن من بينهم منتمون للجهات السيادية "اللواء علواني"، ورجال أعمال "الحاج شنواني"، وإعلاميون "نورهان" مذيعة التليفزيون التي تقدم برنامجها حسب تعليمات الأمن، وتمارس بمهارة دورها في تزييف الحقيقة، وغسل أدمغة المشاهدين، لخلق ثورة مضادة.
طبقات اجتماعية متباينة
على أن الشباب هم نسيج الثورة، وحتى هؤلاء تتباين مستوياتهم الاجتماعية بين الطبقات المختلفة، معظمهم من الطبقة الوسطى والكادحة "إكرام، أسماء، مازن"، لكن كثيرين من شباب الطبقات المرفهة ينضمون للثورة، على هدي تجاربهم الحياتية مع زملائهم الطلاب أو العمال من كافة طبقات المجتمع، ومنهم "دانية" إبنة اللواء "علواني".
نقاء وشفافية
في "جمهورية كأنّ" يجمع النقاء والشفافية والصدق بين المشاركين في الثورة -ومعظمهم من الشباب-، يشاركون إيماناً منهم بسوء الوضع وأهمية التغيير، وهنا تذوب الطبقات وتتلاشى الفوارق الاجتماعية، لتضم الثورة "دانية" إبنة اللواء الأمني "أحمد علواني" مع الخادمة "إكرام" و"أسماء" مدرّسة اللغة الإنجليزية و"مازن" المهندس بمصنع الأسمنت والذي يخوض معركة شرسة للحفاظ على حقوق عمال المصنع، و"خالد" طالب الطب الذي يُستشهَد في الميدان، وهناك عنصر هام هو "أشرف ويصا" الثري المسيحي الخمسيني الذي ينضم لشباب الثورة ويتحول لعنصر فاعل فيها بالدعم المادي والمجهود.
تحولات فكرية
لا يغفل "علاء الأسواني" في روايته "جمهورية كأنّ" المتحولين سياسياً، ويمثلهم "عصام" عضو مجلس إدارة مصنع الأسمنت مستنداً إلى تاريخه النضالي وقضائه سنوات طويلة سجيناً سياسياً، لكنه يتحول ليعتنق الفكر المضاد للثورة من زاوية قناعته بسيطرة الدولة وأجهزتها الأمنية على كل شيء.
التحول السياسي يوازيه ضبط البوصلة الشخصية على مصدر المنفعة، وهو ما يشترك فيه معظم رافضي الثورة: "عصام"، "الشيخ شامل"، "نورهان"، "الحاج شنواني"..
دلالة الأسماء
تلفت "جمهورية كأن" نظر القارئ إلى دلالة أسماء شخصيات الرواية، فالرافضون للثورة هم الشيخ "شامل" ويمكن أن يرمز إلى الفكر الشمولي، أو شمولية المنفعة، وهو ما تهدده الثورة.. ويحمل رجل الأعمال اسم "شنواني" وهو اسم مناسب لتاجر ورجل أعمال، فيما يختار "الأسواني" اسم "نورهان" لمذيعة تليفزيون تخضع لرجل لأعمال الذي يملي عليها ما تقول، ويأتي الاسم معاكسا لدور صاحبته وسخرية فاضحة لما تقوم به.. فيما يحمل شباب الثورة أسماء "إكرام- مازن- دانية"
تحليل نفسي
على أن هناك خطاً آخر مُهماً يحرص "الأسواني" عليه وهو التحليل النفسي لشخصيات الرواية، فهو يبرز مدى التناقض في شخصية اللواء "علواني" الملتزم دينياً، لكنه يتحول لكائن آخر عند ممارسة عمله ومن بين مهامه الحصول على اعترافات المتهمين بأبشع أساليب التعذيب البدني والنفسي.. وهناك خيط فكري درامي لتناقض الطبقة المرفهة، المشاركة في السلطة حيث تنضم "دانية" إلى الثورة وهي إبنة اللواء "علواني".
فساد الدولة العميقة
يشير "علاء الأسواني" في "جمهورية كأنّ" إلى الفساد المؤسسي، صحيح أن هذا الفساد ليس فقط ابن سنوات قريبة مضت، بل هو ربيب "الدولة العميقة"، لكن الأحداث تستدعي بعضها بعضاً، لتقدم الرواية نظرة بانورامية شاملة لما كان يحدث في مصر، مما يمثل خلفية هامة يتكئ عليها "الأسواني" لشرح أسباب تجذّر وكمون الثورة في النفوس.
شخصنة القضية
لكن "الأسواني" يناقض نفسه في هذه النهاية التي اختارها للرواية، فهو "يشخصن الأمر" ويحوّل الأمر لقضية شخصية، فالأب "مدني" يثأر لمقتل ابنه "خالد" الطالب بكلية الطب، فيقتل الضابط الذي قتل "خالد"، بعد أن برّأت المحكمة الضابط.. وهو ما يدفعنا للتساؤل عما إذا كان نوعاً من الصدفة لجوء "الأسواني" للعنف لحل مشكلة المدنيين مع الشرطة، ففي روايته الأشهر "عمارة يعقوبيان" يتكرر نفس الحدث بين ابن البواب الذي فشل في الالتحاق بكلية الشرطة، فيلجأ لقتل الضابط الذي عيّره بمهنة أبيه.
كذلك، يعكس "الأسواني" فكره ويصدّره إلى شخصياته، فيرى أن الهجرة للدول الغربية هي الملاذ الآمن لأبناء الثورة للهروب مما ينتظرهم من قرارات جائرة جاهزة للتنفيذ بالسجن لمدد تصل 25 عاما "تأبيدة"، وهو ما تفعله "أسماء" فوراً فتهاجر إلى بريطانيا، وتدعو "مازن" لنفس الحذو.
في الحالتين، يأتي التناقض حين يجعل "الأسواني" نهاية الرواية تصب في عدم جدوى أي ثورة مصرية، والمؤلف يستند إلى دراسات في شخصية الإنسان المصري المسالم والخانع والراضي بالقليل على جميع المستويات الاقتصادي والصحي والتعليمي والثقافي والحقوقي، وكأن "الأسواني" يعلن كفره بأي ثورة مصرية، لأن أي ثورة -في رأيه- ستواجه بالإجهاض، معيداً بث رسالة الإحباط، ومساهماً في رفع الشعار اليائس "مافيش فايدة".. وينسى -أو يتناسى- أن الصبر هو حكمة الشعب المصري الخالدة، استقاها من ارتباط الفلاح المصري الذي تعود الصبر في انتظار طرح المحصول، ولم يصل لفهم أن الشعب المصري غير مأمون و"غدار جدا" على رأي "عبدالرحمن الأبنودي"، وإلا ما قامت ثورة 2011 التي فاجأت العالم.
#عبدالرحيم_كمال (هاشتاغ)
Abdulrahim_Kamal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟