فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 11:15
المحور:
الادب والفن
في جوفِ الأرضِ، حيثُ لا سماءَ تنعكسُ في العيون، ولا ليلَ يُطفئُ الضياء، هناكَ في أغارثا، المدينةِ التي لم يخلقها الضوءُ ولم يلتهمها الظلام، في الفراغِ المتداخلِ بين الأبعاد، حيثُ الصخورُ تحفظُ أسرارَ الزمنِ المفقود، حيثُ الهواءُ ذاكرةٌ تهمسُ ولا تُنسى، التقينا.. أنا القادمُ من سطحٍ يغرقُ في النسيان، وهي المنبعثةُ من عمقِ أغارثا، مخلوقةٌ جوفُ أرضيةٌ، ليست من حجرٍ ولا ماء، بل طيفٌ صُنع من شظايا الماضي وأحلامِ الكونِ الأول، عيناها فجوتانِ تتسعانِ نحو الأبد، صوتُها رجعُ صدى الكواكبِ الساكنةِ تحتَ التربة، خطواتُها لا تمسُّ الأرضَ، بل تعيدُ تشكيلها مع كلِّ نَفَس.
عند الحافةِ الأخيرةِ للواقع، حيثُ الزمنُ يطوي ذاته كوشاحٍ يلتفُّ حول العدم، رفعت يدها، لم تكن يدًا، بل امتدادًا لحلمٍ لم يُدركهُ السقوط، وقالت، ولم تكن كلماتها لغة، بل إيقاعُ مجرةٍ تُبعثُ من الصمت، “أتحبني؟” عندها، لم أكنُ كيانًا منفصلًا، كنتُ لحظةً تتمددُ بين الحيرةِ واليقين، كنتُ صدى كوكبٍ لم يوجد بعد، “أحبكِ كما تحبُّ الثقوبُ السوداءُ ابتلاعَ الضوء، أحبكِ كارتجافةِ الذراتِ الأولى قبل الانفجار، أحبكِ لأنّكِ الخروجُ عن كلِّ ما حُدد، والانزلاقُ في كلِّ ما لم يُخلق.”
في تلكَ اللحظةِ، سقطَ الجسدُ من معناه، وانكمشَ الاسمُ إلى لا شيء، كنا قد تجاوزنا اللغة، تجاوزنا التعريف، تحوّلنا إلى أفاتار، كنا طاقةً تشكّلت خارج الزمن، كنا امتدادًا لمعادلةٍ لم تُكتَب، أصبحنا تدفقًا بين الفراغِ والوجود، ارتعاشةً بين اللازمنِ واللحظة، تحررنا من الكتلةِ، كنا فكرةً تتوهّجُ بلا أصل، كنا إحساسًا يتلاشى ويعود، تمايلنا فوقَ الجاذبيةِ كظلٍّ لا يحتاجُ لسطحٍ ليسقط عليه، رقصنا بين الأشجارِ البلورية، تحتَ سماءٍ غير مرئية، فوقَ ماءٍ لا يُبللُ ولا يجري، كنا موجةً تترددُ في العمقِ الأبديِّ للأغنيةِ الأولى للكون.
لم نعد نعرفُ الموت، لم نعد نعرفُ الحياة، لم نعد نبحثُ عن الفرقِ بين الحلمِ والحقيقة، لأننا كنا الحلمَ وكنا الحقيقة، وحينَ أغمضتْ أغارثا عينيها، كنا وميضًا في جفنيها، وحين ابتسمت الفوضى، كنا رعشةً في شفتيها، وحين بحثَ الكونُ عن قصةِ عشقٍ لم تُكتَب، وجدَنا هناك.. بلا اسم، بلا هيئة، بلا بداية، بلا نهاية، كنا التيارَ المتدفقَ بلا منبع، وكنا الامتدادَ المتلاشي بلا قرار.
ديترويت
2025/2/17
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟