أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قراءة نقدية لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام .















المزيد.....


قراءة نقدية لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام .


علي فضيل العربي

الحوار المتمدن-العدد: 8256 - 2025 / 2 / 17 - 02:56
المحور: الادب والفن
    


المجنونة ، قصة قصيرة ، للقاصة البحرينيّة فاطمة النهام ، بطلتها الفتاة ( بركة ) ، و هي طفلة غير مرغوب و لا مرحَب لها ، منذ ولادتها في أسرة شرقيّة ، مازالت تسكن جوانحها عادات جاهليّة قديمة و مذمومة ، تنم عن رفض الأنثى ، لدرجة كراهية ولادتها ، و مقت وجودها . و هي قصة ( أقصوصة ) اجتماعيّة ، يجري حدثها في زمكان ( مكان و زمان ) شرقيّ ، عربيّ ، تدير دواليبه ثقافة مهترئة ، رثّة ، و توجّهه اللاعقلانيّة ، باسم العادات و التقاليد الميّتة و المُميتة .
لقد وسمها والدها بـ ( المجنونة ) ، و حاول بشتى السبل حذفها من النسيج الاجتماعي ، فقد حاول و أصرّ على منعها من ممارسة فطرتها الاجتماعية ، بحجة أنّها مختلة و متخلّفة عقليا حسب الطبيب الهندي ، و مثيرة للمشاكل لأطفال الحي ( اقبعي في مكانك .. ستسببين لنا المشاكل ) ( هذا هو رزقي في الحياة .. إنّها مجنونة ) .
( بركة ) الطفلة البريئة المحاصَرة من المحيط الأسري ، المتمثل في أبيها ، حيث كان المفروض أن تجد في كنفه الحنان و المودة و الرعاية و الكفالة ، و من الوسط الاجتماعي المتمثل في أترابها من أطفال الجيران و الحيّ ، حيث المفروض أن تجد الصداقة و المحبة و تنعم باللعب و الترفيه . ( أمي ..لماذا لا يلعب معي أولاد الجيران ؟ ) ( لماذا يرفضون اللعب معي ؟ لماذا يبتعدون عني حينما أقترب منهم ؟
تعكس قصة ( المجنونة ) للقاصة فاطمة النهام صورة المجتمع الشرقي ، الصحراوي ، الريفي ، الأمي ، المحكوم بثقافة الاستعلاء الذكوري على الأنوثة ، و الذي مازال يمقت الأنثى عند ولادتها . و يعبر وجودها في الأسرة مجلبة للعار و الفضيحة ، و ينعتها بكلّ الصفات السلبيّة من أجل إلغاء ماهية وجودها و كيانها ، كالجنون و النقصان في العقل و الدين . و هو اعتقاد ساد عند بعض القبائل العربية ما قبل الإسلام في جزيرة العرب ، و في غيرها من القبائل البدائيّة . و لولا القرآن الكريم الذي وثّق تلك الظاهرة الشنيعة ، المتمثّلة في وأد الأنثى أو قتلها للتخلّص منها ، و من عارها كما كانوا يزعمون ، لاعتبرنا ذلك من مخرجات الأساطير و الترّهات و الخرافات . قال تعالى في سورة النحل الآيتان : 58 و59 ( و إذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا و هو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بُشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) .
إنّ إقدام الفتاة ( بركة ) بطلة قصة ( المجنونة ) ، على إشعال الحريق الذي التهم كل شيء حول القرية ، يوحي برغبة بركة في الانتقام لتغيير الوضع ، و التخلّص من واقع معيش ، مزر و مسودّ يحتقر الأنثى ، و يمارس ضدّها كلّ ألوان الاحتقار و الإذلال و العدميّة و الإلغاء . إنّ سلوكها ذاك – و إن بدا عنيفا – يشفي غليلها ، و يخمد غضبها ، و يثلج غيظها . إنّه ثورة المستضعف ، حين لا يجد آذانا صاغية لآلامه و معاناته ، و لون من ألوان التعبير عن المشاعر المكتومة و المقموعة في خضم واقع قاس . ( كانت تشعر برغبة في إضرام النار بالأشجار تماما كما فعل والدها ) ، لكنّ نار والدها لم تكن لتطهير الأنفس و العقول من الفوقيّة الذكوريّة و شوائبها ، بل أصابها سعال من أثر دخانها ( سعلت بشدّة بفعل الدخان الكثيف ) . و هي صورة لتكريس تراكم معاناتها النفسيّة و عذاباتها الاجتماعية .
( اشتعلت النيران بسرعة البرق و بدأت تنتشر لتغطي الزرع و الحقل و كل شيء ) ( اختبأت بركة خلق احدى الصخور الكبيرة ، و هي تتأمل المشهد بعينين متّسعتين و ابتسامة بريئة ) . لقد حاول أهل القرية إطفاء تلك النيران و إخمادها ، ( بكل ما أوتوا من قوة ، و لكن دون جدوى ) .
فعلا ، كانت نهاية القصة ، كارثيّة بالنسبة لأهل القرية ) المجتمع المتخلّف و الظالم ، سعيدة بالنسبة لبطلة القصة ( بركة ) .
فالنيران ( الحريق ) ترمز إلى الطهارة ، أي تطهير القرية ( المجتمع ) من مخلّفات الجاهلية . و كأنّي بالبطلة ، قد وجدت أن الكيّ هو آخر العلاج و التداوي من الداء ، و هو أحسن سبيل إلى تطهير المجتمع . فإذا كان الحريق الذي التهم كلّ ما حول القرية ، نقمة و كارثة و جريمة و فعل شنيع في نظر أهل القرية ، فهو في عرف ( بركة ) نعمة و خلاص و انبعاث جديد قادم ....
وكان اختباء بطلة القصة ( بركة ) خلف تلك الصخور الكبيرة ، و هي ( تتأمل المشهد بعينين متسعتين و ابتسامة بريئة ) بمثابة الإجهاز على الدونيّة التي عوملت بها من لدن أبيها و المجتمع ، و محاولة الخلاص من مأساة الأنثى في مجتمع شرقيّ غارق في مستنقع العادات الزائفة و أوحال الجهل المميت .
و المتأمّل ، لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام ، يستخلص العناصر التاليّة :
1 – التزام القاصة بالمذهب الواقعي ، فقصة المجنونة ، تعبّر بصدق عن واقع محلّي و قومي معيش ، يعكس أزمة العلاقة بين الذكورة ، كرمز للفوقيّة و القوة و الاستبداد و التسلّط و الظلم ، و الأنوثة ، كرمز للدونيّة و الضعف و الصبر .
2- استغلال عنصر الرمز ؛ ( النار، اللهب ، الصراخ ، الأشجار ، الزرع و الحقل ، الصخور الكبيرة ، ابتسامة بريئة ) لإعطاء الحدث القصصي بعدا دراميّا متأزّما و حلاّ يتماهى مع البعد النفسي المأساوي للبطلة ، و سعيها إلى التخلّص من واقعها المعيش ، و إصرارها على التغيير الدرامي ، و لو كان بشكل عنيف . و كأنّ إفلاس التغيير السلمي ،سبب الرئيس فشل الحوار الديمقراطي و المنظومة التعليميّة و التربويّة و الدينيّة داخل الأسرة و المجتمع ، في تغيير الذهنيّة الذكوريّة المتخلّفة.
3 – خلاص الأنثى الشرقيّة من قيود و أغلال التقاليد و الأساطير المُميتة ، بيدها ، لا بيد الذكر . و الأمر يحتاج إلى مجاهدة و صبر و وعي و عزم . فالعلاقة بين الذكورة و الأنوثة مبنيّة على التكامل و التراحم و التوادد ، لا على القوّة و القهر و الاستعباد . إنّ الأب الذي نعت ابنته بركة بالجنون هو المجنون الفعلي و الحقيقي ، و ليس هي ، رغم أنّها مارست حقها في الدفاع عن ماهية وجودها بأسلوب عنيف . فمثلها كمثل الثائر الذي يمتطي صهوة الثورة من أجل استعادة حريته و كرامته ، و عندها تبرّر الغاية الوسيلة .
4 – تميّز أسلوب القاصة فاطمة النهام بالبساطة السرديّة و الوضوح ، و هذا ما يجب أن يميّز المعمار السردي ، دون الإغراق في المجازات و الرموز الغامضة .
و في الأخير ، وجب التنويه ، بقدرة القاصة فاطمة النهام ، على التحكّم في سيرورة الحدث القصصي ، و هذا دليل على امتلاكها موهبة القصّ و ملكتها .



#علي_فضيل_العربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحسّ المأساوي في المجموعة القصصية - متنزّه الغائبين - للقاص ...
- ثقافة البؤس و بؤس الثقافة
- 19 مارس عيد النصر في الجزائر
- أدب التوقيعات ، ذلك الفنّ المنسي
- ترحيل تمثال الحريّة إلى غزّة
- جدليّة الثقافة و السياسة في المجتمع الشرقي المعاصر . قراءة ...
- المقامة الغزّاوية ( 2 )
- المقامة الغزّاوية ( 1 )
- أمريكا و أخواتها والمسلمون و مأساة غزة
- مكانة المرأة الريفيّة و دورها في ثورة التحرير الجزائريّة
- تحية إلى أبناء نيلسون مانديلا
- انقلاب النيجر : إصرار في نيامي و هلع في باريس .
- إفريقيا للأفارقة
- ما زلت تلميذا
- سلام على هيروشيما و نكازاكي
- مليونا ين يابانيّ من أجل التحوّل إلى كلب
- أقدام على منصّات التتويج
- المنظور الصوفي في رواية بياض اليقين . قراءة نقديّة في رواية ...
- جناية الصوفيّة على الحضارة الإسلاميّة
- يُخرّبون بيوتهم بأيديهم


المزيد.....




- وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي فضيل العربي - قراءة نقدية لقصة ( المجنونة ) للقاصة البحرينية فاطمة النهام .