أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سي مختار حمري - استنطاق في الساعة صفر مضاعف














المزيد.....


استنطاق في الساعة صفر مضاعف


سي مختار حمري

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 17:34
المحور: الادب والفن
    


في مكانٍ ما، تحت الأرض، على عمقٍ غير محدد. تقع غرفة خاصة بإضاءة خافتة في جوف دهليز يمتد ليعانق ظلامًا دامساً.في وسطها مكتب حديدي عليه معدات غريبة، أسلاك كهربائية، وحبال .على أحد الكراسي، جلس رجل بجثة وحش ضخم مخيف، ملامح وجهه صوانية، توحي بالكارثة، يبدو ككائن أسطوري من العصور الجوراسية، متأهبًا للافتراس...
يقابله، في الجهة الأخرى، رجل مرعوب، بجثةٍ نحيفةٍ، يتشبث بالجدار كأنما هو لبلابٌ متسلق، يتلصص من شقٍّ في بابٍ حديديٍّ سميك.
من شدة خوفه، اخضرّ دمه، كتعفّنٍ فات أوان علاجه...
يحتضنه هواءٌ مثقلٌ بروائح الدم الفاسد والبول المتراكم، تتردد فيه أصداءُ صراخٍ وأنينٍ لا يبالي بالتوقف أو النهاية...
يؤكد ويقرّ أنه كان يسير على الرصيف الأيسر.
يرى من بعيدٍ دخاناً يتصاعد من منازل محترقة، سيارات تمر مسرعة، حافلة غاصة برؤوس سوداء، تتدافع بين صعود ونزول، يرافقها ضحك صاخب...
تمرّ بالقرب من الرصيف الأيمن، المُزدان بأطياف نباتات صدئة تعانقها شرفات متآكلة...
هو ليس بعيداً عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
وحده يسير على الرصيف الأيسر...
أمامه شجرة توتٍ عارية، تحتضن أعشاشَ طيورٍ هاجرت إلى ربيع آخر...
يقول:
كانت الطريق تعوج فأعوجُّ معها، تنحرف فأنحرف، تصعد فأصعد، تنحدر فأنحدر، تتموج فأتموج، تمزح فأمزح، تقف فأمشي، أقف فتمشي...
الرصيف الأيمن كان مكتظاً بأرجلٍ بلا رؤوسٍ مفكرة...
تمشي في فوضى عارمة، جيئة ذهاباً، تدخّن، تصرخ، تضجّ، تلعن، تتعارك...
هو ليس بعيدًا عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
رأى شجرة التوت تبكي جثة عصفورةٍ داستها عجلة...
سمع أصوات منبهات سيارات الإطفاء والإسعاف، تتسابق نحو الدخان المتصاعد...
رأى رجالًا ونساءً، مسلحين ببنادق لامعة، يترجلون من مركبات مصفحة...
ينتعلون أحذيةً ثقيلة، يرتدون دروعاً واقية، يحملون مناديل ورقية، ورقائق شوكولاتة، وقوارير فاخرة عليها بطاقات سوداء...
هو ليس بعيدًا عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
رأى امرأةً تقيم حفلة شواءٍ للخضر على موقد نار...
وفي كأس ماء، تذوب قطع أفكارٍ مجمدة...
شربتها دفعة واحدة، على عجل، دون أن تتردد أو تفكر...
علّقت صورتها مقلوبةً على اليمين، وهي واقفة على يسار أعتاب الظلام.رأى رجالًا يذهبون إلى الحانات والمعابد، يصلّون ويدعون من أجل أن تمطر السماء.لكن الأرض ظمآنة، والسماء تمطر نبيذاً وأدعية...
هو ليس بعيداً عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
يرى الدخان يتزايد، ينتشر من المنازل المحترقة...
يقول "منازل"؛ يعني منازل.
لا يقول "قصوراً"، لا يقول "ثكنات"، لا يقول "فيلات"...
السيارات تسير في الاتجاه المعاكس، تصطدم، تتوقف، تغلق الطريق في الاتجاهين...
تنزل منها أحذيةٌ ملمعة بلا رؤوس...
تتخاصم، تتدافع، تتهادى، تركب في عصبية وتغيب في ضباب الدخان...
يقول "الأحذية"، لا "ربطات العنق"...
يقول "السيارات"، لا "العربات"...
هو ليس بعيدًا عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
وحيدًا يمشي على الرصيف الأيسر...
انطلقت الرصاصة من الرصيف الأيمن...
لم يرها، لكنها رأته...
سقط الرجل على الأرض...
يقول "رجلاً "لا "امرأة"...
لم يتعثر على الرصيف، كان واقفاً على قدميه...
ارتطم بالرصاصة، ثم سقط...
كان يسير على يسار الرصيف الأيسر، والرصيف الأيسر يمشي على يمين الرصيف الأيمن...
لم يكن يمشي على الرصيف الأيمن...
كان يسير على يمين الأيسر، وليس على يسار اليمين...
هو ليس بعيدًا عن فكره، هو نفسه من يفكر..!
يقول "الأيسر"، والآخر يسجل "الأيمن"...
يقول "رجلاً "، والآخر يسجل "امرأة"...
يقول "منازل"، والآخر يسجل "قصوراً" و"ثكنات"...
يقول "كنت أسير"، والآخر يسجل "أمير"...
هو يقول "حفلة خضر"، والآخر يسجل "حزب الخُضر"...
يقول "رصاصة"، لا "قذيفة"...
لا يقول ما يقوله، يقول ما يكتبه الآخر...
وحين يكتبه، يقوله...
وقبل أن يقوله، يكون قد قاله...
لم يعد يفكر، صار بعيداً عن فكره...
ظل فكره معلقاً في مصباح الغرفة الخافت، بحبال لا ينفع معها التفكر.
صار هو نفسه جثة برصاصة داخلية، انفجرت في جمجمته..
لم يقع على الأرض، بل وقع في دوامة ثقب فكر أسود، ابتلع لسانه، مسح أفكاره...
لم يمت، لكنه دُفن حياً...
وهو يوقّع على أنه لن يفكر...!
وعن "لماذا لن يفكر؟"
الأديب سي مختار حمري



#سي_مختار_حمري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سباق بلا معنى
- قراءة نقدية في نص هوية حلم
- عقدة بريميثيوس


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سي مختار حمري - استنطاق في الساعة صفر مضاعف