ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 16:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لفت انتباهي في اليومين الماضيين الزيارات التي قام بها الرئيس أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى عدة مدن ومحافظات سورية، حيث استُقبل بالهتافات الحماسية والزغاريد، تماماً كما كان يحدث في عقود مضت عندما كان الأسد الأب، ثم الابن، يجوبان البلاد وسط مهرجانات مدبرة من الولاء المصطنع. المشهد نفسه يتكرر، فقط الوجوه تتغير، أما العقلية فلا تزال قابعة في مستنقع التبعية والخضوع.
إنها متلازمة الاستبداد والتصفيق، تلك الظاهرة التي تزدهر في المجتمعات المتخلفة التي أُبعِدت قسراً عن أبجديات الديمقراطية، حتى صار الحاكم فيها نصف إله، وجوده يستوجب الطاعة العمياء، واسمه يجب أن يُبجَّل في الشوارع، في المدارس، وحتى في المناهج الدراسية. لكي تحظى برغيف خبزك وأمان يومك، عليك أن تهتف بحياة القائد، أياً كان اسمه أو لونه أو أيديولوجيته.
هذا الإرث البائس، الذي ترسّخ في الوعي الجمعي للسوريين طيلة أكثر من نصف قرن، جعلنا مشوهين نفسياً واجتماعياً. لقد تحوّل المواطن إلى مؤدٍّ في مسرحية إجبارية، حيث التهليل والتصفيق ليس خياراً، بل شرطاً للبقاء. نحن لا نمارس الولاء، بل نحترف النفاق السياسي، خشية أن نصنَّف في خانة الأعداء، لا سمح الله، فإما أن تكون مع الجوقة، أو تُسحق تحت الأقدام.
من يحكم، لا يهم! المهم أن نصفق
سواء كان المستبد يرتدي بزة عسكرية، أو عمامة دينية، أو عباءة ثورية، فإن الطقوس ذاتها تُعاد وتُكرر: صور ضخمة تُرفع، موكب مهيب يسير، وحشود تهتف بنشوة، كأن الجماهير مسلوبة الإرادة، أو كأنها تُمارس طقوس الخضوع الجماعي بملء إرادتها! ما الفرق بين "بالروح بالدم نفديك يا حافظ أو يا بشار" التي ترددت لعقود، وبين صيحات الولاء الجديدة التي تصدح اليوم؟ لا شيء! مجرد استبدال قناع بآخر، أما العبودية، فهي ذاتها، متغلغلة في بنية المجتمع، مزروعة في لا وعينا الجمعي.
كم سنحتاج من السنوات للتخلص من هذه الآفة؟
كم جيلاً يجب أن يأتي ليغسل هذا الإرث المهين؟ متى نكسر الدائرة؟ متى يتوقف السوري عن التصفيق للحاكم، أيّاً كان، ويدرك أن القائد ليس أكثر من موظف عند الشعب، لا كائناً مقدساً؟
آه يا بلد! متى تتحرر العقول قبل أن تتحرر الأرض؟
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟