أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 4-














المزيد.....


الشمس المعتمة - 4-


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:57
المحور: الادب والفن
    


كان أبوه ينتظره عند الباب. يدمدم بغضب: كيف يحرق الكهرباء؟ يلبس جلابية وفوقها سترة وعلى رأسه عقال. يحمل بيده خيزرانة من وقت إلى آخر يختبر قوتها أن يضربها بخفة على الأرض. حين رآنا نادانا قائلا: تعالوا احضروا قتلة عزو الكلب مخرب الكهربا.
اجتمعنا بشوق وخوف في الوقت نفسه، مشاعر مضطربة نحن الجائعون أمام هذه الوجبة الغنية بالدسم. كان "كميل" يغلي من الفرح أصبح وجهه أحمر قان، ينتظر معنا كي يأتي عزو ليرى كيف يرضخ ويصبح دجاجة أمام أبيه.
ظل الأب واقفا نصف ساعة، وكنا معه نلتفت الى المكان الذي سيأتي منه عزو، لكننا لم نر شيئا سوى الوهم. الطريق برية ونبت ممتد الى حد نهر جقجق.

عندما جاء الملل، كانت زوجته من وراء الباب تناديه بكلمات لا نفهمها لكننا نعرف ماذا تقول: تعال ادخل، حين يراك واقفا هكذا لن يأتي... تعال ادخل "ورك".

كانت الخيزرانة تهتز بيده بشكل لولبي رنان، يستدير الى الخلف وله هيئة مسافر خلال الاحباط، مع التصميم ومشاعر مختلطة داخله، يريد ان يؤكد لنا كيف سيضرب ابنه ضربا مبرحا. ابتسامة ساخرة على فمه وفي عينيه الصغيرتين اللتين لم تعدا تريان شيئا همّ داخلي غير مفصح عنه.
ظننا أننا رأيناه من بعيد يتلصص، وعندما رأى ما رآه غاب واختفى. العالم بالنسبة له صغيرا كأنني أحسست أنه خارج الكوكب.

شيء مباشر كلي متعارف عليه أن يقف الأتراب يراقبون أحدهم يتلقى الضرب المبرح من أبيه. يرفع الأب صوته قائلا: "سرسري، ها!" ثم حين ينتهي من الضرب ينهت بوجه احمر، وعلينا أن نقيس العبء الكبير الذي حمله الأب على ابنه. الذي يضرب هو الذي يتلقى الضرب الحقيقي، وليس الأبن الذي يتوجع لبضع دقائق ثم يزول الألم، لكن الأب الذي ضرب لم يكن لينام في تلك الليلة.

الضرب هو عرض ضعف بصورة قوة.
والقوي لا يضرب.

ثم عدنا حين حل المساء ولم يأت عزو، مكبلين بالمرارة وضياع مشهد كنا سنتندر عليه طوال الحياة ونجعل ( جوليانوجيما) عزو حين يغضبنا يشعر بالذل والهوان إذ نذكره بالخيزرانة.

الأكراد هم غجر الجزيرة السورية، كل منهم قصيدة حياة.
يـُكتب هذا الكلام الآن في وقت سيطرة "قسد" على الجزيرة السورية، في تلك المنطقة التي يتم الكتابة عنها، القامشلي... يحولون المشاعر والضمائر الى خبايا وظنون.
وعلى السوريين أن ينتبهوا كي لا يضيّعوا الأكراد.

على وقع الطبل والمزمار تلتف أمام بيتنا في الساحة الواسعة دائرة كبيرة من الصبايا والشباب، أكتافهم تهتز مثل نابض، في المقابل تهتز اثداء الصبايا تحت ثياب العرس، دبكة الأكراد تشابه دبكة العرب لكنها أنظف ويشعر من يراقب الدبكة المتدفقة مثل موجة مياه تسافر في خطوط دائرية الى المركز أنها للتأمل الروحي الضائع. لهم جذور تغلغلت في قلب البحر.
وعندما جاءت العاصفة رفعت الجذور تتلوى عائمة على السطح.

قرع الباب بخجل وحين فتحت له أمي قال: أبوي يضربني إن ذهبت!
نادتني وهي تقول له تفضل - تعال يا سامر صديقك عزو هنا.

وكم تبدلت الروح والنفس. الآن أجدني في لحظة واحدة مدافعا عنه ذلك حين وقف امامي ذليلا. ليس جوليانوجيما بل فقير فقد في لحظة السلاح والمأوى.

على الإنسان في بلادنا أن يلد نفسه بنفسه، يلد نفسه من رحم الأم، ثم يلد نفسه عن الطوق الذي يحده إبان الطفولة كي يطوف في الأنحاء بشكل عشوائي...

بعد ان غابت الشمس جاءت أمه وسيلة تعتذر عن سلوك ابنها تقول له: عيب..عيب..تعال معي! وهو يشد يده قائلا: ابوي يضربني!
وهنا تدخل والدي قائلا: يا وسيلة، عزو لن يذهب معك حتى يقول أبوه إنه لن يضربه.

قالت: واخ واخ ....واخ...

ولم افهم ماذا تعني واخ واخ، اليوم أرغب في استرجاع معنى هذه الكلمة الضائعة...

تبدو وسيلة إنسانة فاقدة شيئا ما من الحياة، فاقدة ربما تاريخ الذات، وجودها كما نفهمه لا معنى له، فهي مجرد أداة معزولة لشغل البيت وإطعام الأولاد. السبب كما أظن انها لم تأبه يوما للتواصل معنا نحن الأولاد أو الإهتمام بنا، فعملت عقولنا جاهدة على عزلها عنا وعن العالم الذي نملكه.
من الضروري نشوء وشائج بين الكبار والصغار، والاهتمام الذي يوليه الكبار للصغار سيبقى مطبوعا طيلة الحياة حتى الى أجيال الأجيال حين ينقلون التاريخ والوجدان لأولادهم وأحفادهم عن الحياة الماضية.

قال ابو عزو: امرك على راسي ابو سامر، نحن ما راح (نلق) نلمس ابننا. قال ذلك وهو بين كلمة وأخرى يقول: عيب علينا..صغرت أنفسنا أيها الابن.

أمام البيت الآن – يبقى العرس لسبعة أيام. نصف دائرة واسعة من الصبايا اللواتي التصقن باكتاف بعضهن البعض، كما لو أنهن جدار متداع لا يقع بل يتمايل نحو اليمين والشمال، ونظرات الشباب في الطرف الآخر من الدائرة فخر ومحاولة لفت انتباه لرجولة مقواة.
كنا نظن ان كل شاب امام خطيبته ولم يكن في ذلك الوقت في عقولنا مفهوم الحبيبة سوى انها خطيبة وستكون بعد وقت قصير زوجة. كان الحب في عقولنا هو ضعف الرجل امام المرأة أو العكس، الحب هو الطريق الى العيب.

انطلق بعض الأولاد واقتربوا من الصبايا وراحوا يلمسون الثياب الملونة المزركشة ويتعرفون على أشياء جديدة فتلتفت الصبايا الى الخلف كي تطردهم قائلات: أدب سز!

وفي المنتصف صاحب الطبل يتبعه الزمار ينفخ اوداجه وتصعد الدماء وتبدوا العروق في العنق يرتدي عمامة مائلة ينضح من داخلها حبيبات عرق يشعشعها مصباح اللوكس حتى ساعة متأخرة.

أحسب أنني أمشي في الفضاء حين اخطو تلك الخطوات القديمة في مكان له علاقة مع الله، الله الذي في داخلي من دون أن أعبده، ولد فيّ قبل أن أصل الى هذه الدنيا.



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشمس المعتمة (3)
- الشمس المعتمة - 2
- الشمس المعتمة
- سبب اختفاء انسان النياندرتال
- منبع الحب - وجه الوحي (3)
- منبع الحب، وجه الوحي - 2
- الحب والحرية ، وجه الوحي -1
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة - 4-