محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كتابه العبودية الاختيارية (Discours de la servitude volontaire)، يشرح الفيلسوف الفرنسي إتيان دي لابويتي (Étienne de La Boétie) كيف أن القمع المستمر والممارسة الطويلة للاستبداد تؤدي إلى تكوين أجيال لا تبحث عن الحرية، بل تتأقلم مع الظلم والديكتاتورية. يصبح هؤلاء الأفراد أسرى لهذه الحالة من الاستسلام، ويكتفون بالبحث عن لقمة العيش، في ظل غياب الوعي بالحقوق أو الحرية الحقيقية.
من أبرز مظاهر هذا التأقلم هو أن الأفراد يختزلون حياتهم في الطقوس الدينية الشكلية أو الانغماس في أمور مثل كرة القدم، التي تصبح بالنسبة لهم بمثابة الهروب من الواقع، ووسيلة للتعويض عن الحقوق المسلوبة. قد يبدو هذا للكثيرين نوعًا من التكيف مع الوضع الراهن، لكن في الواقع هو انغماس في العبودية الاختيارية التي يفرضها الاستبداد على العقول.
ما يميز هذا الشخص الذي يتأقلم مع القمع هو أنه يتحول إلى "المواطن المستقر". وهذا ليس استقرارًا حقيقيًا بل نوع من الرضا الزائف بالواقع، حيث يرى في الاستقرار غايةً في حد ذاته، ولا يعتبره مجرد وسيلة للعيش الكريم أو لتحقيق التقدم. يعيش هذا الفرد في دوامة من الرتابة، لا يبحث عن تحسين وضعه أو تحسين مجتمعه، بل يقنع نفسه بأن هذا هو أقصى ما يمكن أن يحصل عليه.
لكن الحقيقة أن هذا "الاستقرار" يصبح في النهاية عائقًا أمام التغيير الحقيقي. لا يمكن أن تحدث أي نهضة أو تقدم في مجتمع تسود فيه هذه العقلية التي تعتبر البقاء على قيد الحياة هدفًا كافيًا. التغيير يتطلب أن يدرك الناس أن الحياة ليست مجرد البقاء، بل هي سعي مستمر نحو العدالة والكرامة. الحقيقة التي يجب أن يدركها الأفراد هي أن الاستقرار ليس الغاية، بل هو وسيلة لتحقيق حياة أفضل وأكثر حرية.
التغيير الحقيقي يبدأ عندما يرفض المواطن الاستسلام لأفكار العبودية الاختيارية، ويدرك أن له الحق في البحث عن العدالة، والحرية، والكرامة الإنسانية.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟