خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
إذا استبعدنا خوف أو شك الرأي العام السوري,تاريخياً, لمبدأ المعارضة السياسية للنظام الاستبدادي الأسدي فإن هناك خلط واضح لدى الكثير من السوريين لمفهومين سياسيين اساسيين و هما مفهوم الدولة و مفهوم السلطة حيث الفكرة السائدة هي إن الدولة هي السلطة و السلطة هي الدولة, هنا يُلغى مفهوم الدولة لمصلحة فكرة السلطة و الحكم و التسلط و هذا الخلط هو البنية الاساسية التي اقام عليها نظام حافظ الأسد نظامه الاستبدادي و الذي عانينا و مازلنا و سنعاني منه كثيراً.
إن هذا الخلط المقصود لمفهومي الدولة و السلطة ليس وليد نظام الاستبداد الأسدي البائد, بحكم أننا كسوريين ضحايا ذاك الاستبداد و قد تحررنا لتونا منه, بل هو حدث تاريخي واجهته دول كثيرة: حدث في فرنسا يوم أعلن الملك لويس الرابع عشر: "أنا الدولة و الدولة أنا" و كذلك تجلى في النظرية الماركسية التقليدية القائلة "إن الدولة ستتلاشى و ستنطفئ في المجتمع الشيوعي المنشود" و هو ما رفضته الاحزاب الشيوعية في العالم الغربي حين رفضت موقف الماركسية في اعتبار الدولة جهاز طبقي لسحق الطبقات المعادية في تناقض صريح لتعريف الدولة لدى أفلاطون و أرسطو, فوصف الدولة, سياسياً, يتجاوز الطبقة حتى و لو كانت دولة طبقية لأن الدولة لها ارتباطاً بالناس و بالمجتمع.
مفهوم الدولة
ينطلق مفهوم الدولة من اصلها اللغوي إن كان باللغة الفرنسية أو الانكليزية حيث توحي ترجمتهما بالثبات و الاستقرار, حتى لو كانت هناك تقلبات فإن الدولة موجودة.
بالتعريف الدولة هي, مجموعة من المؤسسات القانونية و الادارية و العسكرية يتم انشاؤها من قبل المجتمع بموجب عقد اجتماعي مشترك لغرض تنظيم حياتهم, حيث يؤسس كياناً بيروقراطياً ذا اختصاص سيادي في نطاق اقليمي محدد و يمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائم.
تعرف الدولة بخمس خصائص اساسية تميزها عن المؤسسات الاخرى:
1- ممارسة السيادة: الدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع و هي بهذا تعلو فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى في الدولة.
2- الطابع العام لمؤسسات الدولة: الدولة مسؤولة عن صياغة القرارات العامة الجمعية و تنفيذها في المجتمع و لذلك تحصل على تمويلها من المواطنين.
3- التعبير عن الشرعية: عادة ما ينظر إلى قرارات الدولة بوصفها ملزمة للمواطنين حي يفترض أنها تعبر عن المصالح الأكثر أهمية للمجتمع.
4- الدولة أداة للهيمنة: تملك الدولة قوة الارغام لضمان الالتزام بقوانينها و معاقبة المخالفين بذلك فهي تحتكر العنف لمنع أي طرف من سحق الطرف الأخر و إبادته حيث كل مجتمع فيه اشكال متعددة للصراعات.
5- الطابع الاقليمي للدولة: الدولة تجمع إقليمي مرتبط بجغرافيا محددة, و يعامل كوحدة مستقلة داخلياً و دولياً.
مفهوم السلطة
السلطة هي الهيئة السياسية و الادارية العليا التي تقع على عاتقها تسيير شؤون المواطنين و الحفاظ على الاستقرار داخل الدولة و الصلاحيات المعطاة لهذه السلطات تختلف تبعاً لعوامل متعددة كطبيعة النظام السياسي و مستوى الديمقراطية في بلد ما, وهي تعمل على وضع صياغة الأنظمة و القوانين و تطبيقها بغية صيانة الحقوق و الحريات في المجتمع و تنظيمه للحد من الفوضى التي قد تؤثر على العلاقة بين الحكام و المحكومين.
بذلك نقول أن السلطة ليست سوى جزء من الدولة بحكم أنها الوسيلة التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها, فهي بمثابة عقل الدولة.
مفهوم المعارضة
هي مجموع القوى و الهيئات التي تعبر عن آراء و مصالح فئات اجتماعية لها أهداف و مشاريع و خطط تختلف عن أهداف و خطط السلطة السياسية القائمة و هي قد لا تملك الأدوات و الآليات ذاتها التي تمتلكها السلطة في تنفيذ خططها و برامجها و لكن لها وسائلها الخاصة في الوقوف بمواجهة السلطات الحاكمة و الوصول لتحقيق أهدافها.
أهداف المعارضة السياسية
تختلف أهداف المعارضة السياسية مع اختلاف جملة الظروف السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية لكل دولة و لكنها تهدف بكل الحالات إلى:
1- اجراء تقويم لعمل السلطة القائمة على إدارة الشأن العام و توجيه النقد و تقديم التوجيهات و المقترحات للسلطة في حال عجزت أو أهملت أو انحرفت عن مصالح المجتمع.
2- رصد الاخطاء المبكرة للسلطة القائمة بغية إيقافها و الحد منها و التدخل المباشر عبر مؤسسات الدولة عند أي ممارسات تقوم بها السلطة القائمة تخالف فيها المصلحة الامة و ذلك منعاً للتفرد في السلطة.
3- الدفاع عن حقوق و حريات المواطنين و حرية العمل السياسي للتيارات المعارضة.
4- تعزيز الديمقراطية و التدخل لمنع أي نزعات استبدادية أو دكتاتورية.
5- حق الوصول للسلطة عن طريق وضع برامج سياسية و اقتصادية تقدم بها نفسها كبديل للسلطة الحاكمة من خلال الانتخابات الدورية أو الاستثنائية المنصوص عنها بالقانون, فتصبح المعارضة في السلطة و تنتقل السلطة الحالية إلى صفوف المعارضة.
وسائل المعارضة السياسية
1- الأحزاب و هي من أرقى الوسائل السياسية و التي اصبحت ضرورة اساسية في المجتمعات الحديثة, و المعارضة من خلال الاحزاب السياسية تعمل على تنظيم الجهود لتحقيق أهداف المعارضة و تكون احياناً صلة وصل بين أهداف المجتمع و بين الدولة و قد تكون جسر تواصل بين السلطة الحاكمة و المواطنين.
2- المنظمات و الجمعيات و النقابات, حيث تعبرمن خلالها المعارضة السياسية عن رؤياها لتحقيق اهداف النقابات و المنظمات و الجمعيات المطلبية و تكون كمجموعات ضغط على السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية و على الرأي العام و لها بذلك حق التظاهر و الاضراب و الاحتجاج و الضغط على اصدار القوانين.
3- المنظمات غير الحكومية و هي إحدى الوسائل السياسية للمعارضة حيث تكون متحدثاً باسمها و تقوم بالضغط على السلطة القائمة لاجراء تعديلات أو اصدار تشريعات تؤثر على المواطنين.
بالنتيجة
إن المعارضة السياسية هي أهم اساس من اسس المجتمعات الديمقراطية حيث الشعب هو مصدر السلطات و تطبيق مبدأ الفصل بين تلك السلطات (السلطة التشريعية, السلطة التنفيذية و السلطة القضائية) و مبدأ تدوال السلطة عن طريق الانتخابات و ضمان و صيانة الحريات الاساسية و حقوق الانسان المواطن الفرد, فالمعارضة هي ضمانة للتنوع في المجتمع و تقف سداً منيعاً أمام الاستئثار بالسلطة و وأد أي نزعات استبدادية.
في الانظمة الحضارية و الديمقراطية تمتلك المعارضة السياسية كل الحقوق و الحريات بالعمل السياسي و تقوم الدولة عبر دستورها و قوانينها بضمان ذلك و تكفل الحماية و الدعم المالي و القانوني لها دون قمع لصلاحياتها من خلال قوانين الاحزاب و الانتخابات و الجمعيات و المنظمات و تضمن حق التجمع و التظاهر و الاضراب و كل الوسائل السلمية.
سورية و بناء الدولة
تمتلك سورية هذه الايام فرصة تاريخية لبناء دولتها الجديدة بعد عقود من السلطة الاستبدادية الذي دمرت أو عطلت مؤسسات الدولة السورية عندما اغتصبتها و خلطت بين مفهومي الدولة و السلطة و جعلتهما كتلة واحدة, فسقطا معاً.
امام هذا الاستحقاق الوطني المصيري و حيث يشهد السوريون وصول سلطة أمر واقع جديدة تتصف ببعدها التاريخي المتطرف و واقعها الضبابي المثير للريبة نتيجة الممارسات الانتقامية المناقضة للتصريحات الاعلامية لرأس السلطة الجديد السيد أحمد الشرع و من تعينات لاوطنية داخل مؤسسات الدولة و خاصة في مؤسسة الجيش و القوات المسلحة بذريعة التوافق بينما هي بالحقيقة تعتمد الولاء العقائدي كاستنساخ واقعي لتجربة السوريين المرة مع بدايات حكم حافظ الأسد في سبعينيات القرن الماضي.
إننا مدعون و بحكم الضرورة بأن نقوم جميعنا بدورنا في بناء الدولة الحديثة, دولة ذات سيادة. دولة مواطنة حيث المواطنة المتساوية و الكرامة الانسانية و حقوق المواطن الفرد و حرية التعبير و النشاط السياسي, دولة القانون و فصل السلطات و تداول السلطة, كل ما سبق محكوم بوثيقة دستورية, تقر كبنود فوق دستورية في دستور سورية الدائم.
إن الدولة في الدول الحضارية و الديمقراطية و في دولة سورية المنشودة, هي المكون الثابت المستقر بينما السلطة و المعارضة فهي مكونات متحولة عبر صناديق الانتخابات تسعى لتأدية واجبات وطنية تحقق مصالح المجتمعات و مصالح الوطن و عندما يتم بناء المكون الثابت (الدولة) فلا ضير في وصول أي مكون للسلطة طالما هناك قوانين تحكم عملها و فترات زمنية لمنحها الثقة و هناك أيضاً معارضة ترصد عمل السلطة و تعمل على تقديمها النصح أو للمحاسبة أمام مؤسسات الدولة عند الاهمال أو التقاعس أو التواطئ ضد مصالح الشعب و الوطن.
أعتقد, ليس ترفاً بل هو الظرف الموضوعي الذي يتحتم على السوريين العمل مع سلطة الأمر الواقع الحالية حيث هناك تحديات عظيمة سياسية و اقتصادية و اجتماعية و أمنية تواجه سورية ناهيك عن شعبها المنهك منذ عقود الاستبداد الأسدي و هذا العمل يتطلب حتمية ترسيخ مبدأ المعارضة على كل ما يحرف مسار بناء الدولة السورية و إيجاد البدائل الوطنية دائماً و بكل الأوقات.
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟