أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 04:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
السؤال قد يظهر غريبا، وقد يكون مضحكا خصوصا في منطقة مقدسة أصول ثقافتها الكراهية... كراهية الآخر المختلف في الدين والهوية أي الغير مسلم والغير "عربي"؛ وعن الأخيرة أقول نعم، ففي بلدي "العلماني جدا"، أذكر جيدا، بعد الهجمة الإخوانجية في 2011، تكفير مقدمة برامج لأنها قالت أنها أمازيغية وليست عربية... من أين جاءتنا الكراهية إذن؟ أصل من الأصول هو الإسلام التوحيدي وعروبته التوحيدية أيضا، والتوحيد رفض مطلق للآخر فالإله واحد والهوية واللغة واحدة والثقافة واحدة والتاريخ واحد وحتى الجغرافيا فمثلا تقول الرواية الرسمية أننا "مغرب عربي" وهي تسمية أيديولوجية صرفة لا تعطي حتى للجغرافيا وزنا فهذه أفريقيا وهذا شمالها، لكن الدين الإلهي والهوية المزيفة واللغة المقدسة والتاريخ الأصفر كلهم يقولون غير ذلك، ومعهم تقول الشعوب المغيبة وراء الأراجيف والأوهام والعنتريات...
بعد الدين والهوية تأتي فلسطين وما أدراك ما فلسطين، أصل عظيم من أصول الكراهية في المنطقة المقدسة (من لا يعرف موقفي من اليهودية وإسرائيل، عليه ببساطة بعناوين مقالات عديدة سابقة... فقط.)، كراهية الغرب الداعم لإسرائيل، كراهية الحكام والدول "العربية" ومع عجز الشعوب ينتج الشعور بالإحباط الذي يليه شعور وحيد: الكراهية! الكراهية لأن لا أحد استطاع وسيستطيع التغيير! كراهية تُرى حتى عند النخب فهي مخصية بدورها كشعوبها... وأنا هنا افترضتُ أن هذه النخب تعرف الطريق... "افترضتُ"!
كراهية الغرب الرأسمالي أيضا، والبركة في اليساريين وحربهم الضروس ضد الإمبريالية ورأس حربتها إسرائيل... يعني من الآخر: نحن شعوب تتنفس كراهية، والكراهية دماء تجري في عروقنا، فهل يُعقل أن يطالب بها كـ "حق"، أحد؟
هل يمكن الفصل بين الفكرة ومعتنقها؟ بين الدين والمتدين؟ بين الأيديولوجيا وتابعها؟ الجواب صعب، وواهم من سيقول نعم هكذا ببساطة. أكره خرافة الشيوعية وقصة لعب الذئب مع الخراف، لأنها يوتوبيا ووهم وصاحبها لا شك عندي أنه لم يتخلص من رواسبه اليهودية المسيانية: "شالوم"! السلام في كل شبر من الأرض بعد قدوم مسيح اليهود! أكره دكتاتورية البروليتاريا لأنها إرهاب وإجرام وصعلكة يُخدع فيها الرعاع فيسلّمون رقابهم لجلاد جديد أوهموهم أنه "رفيق"! لكني لستُ وحدي من يرفض الفكرتين بل كثير من الماركسيين مثلي... فرق شاسع إذن بين الفكرة ومعتنقيها، ولا يمكن الحكم على المعتنق انطلاقا من الفكرة، من الأيديولوجيا وأصولها، من الدين ونصوصه المؤسسة. لكن كراهية الأفراد تبقى مشكلة حتى عندما يمتثل ويُطبق التابع الفكرة بالحرف: هل يمكن كراهية المسلمين قطاع الرؤوس؟ الأنتلجنسيا اليهودية في الغرب؟ كل المجرمين الكبار على رأس اللوبيات المالية والأسلحة والأدوية والنفط والهاي تاك ووو...؟!
لكن... الكراهية طاقة جبارة مهدرة، ولا يُضيع طاقته واعي وعاقل! الكراهية أيضا طاقة تدميرية تُدمر صاحبها من الداخل وتقضي على كل إمكانية إبداع وإنتاج وتفوق! فما العمل؟
الشعوب، الأتباع، العوام، الرعاع... أناس بسطاء مخدوعون دائما، وحالهم كالخراف التي تساق إلى المذبحة دون أن تعي ما ينتظرها، فهل يُعقل أن يكره مثقف وواعي هؤلاء المساكين؟ الجواب سيكون بالتأكيد لا، مع توضيح فرق مهم بين المسلمين واليهود: حال كل الجماعات البشرية أن يكون فيها قادة وأتباع، أقليات نشطة وأغلبيات خرفانية. الأقليات النشطة عند المسلمين هم القتلة والإرهابيون، أما عند اليهود فهم ما أسميه الأنتلجنسيا اليهودية الفاعلة في الغرب: قاطع الرؤوس والانتحاري المسلم يُقابله من يغسل عقول الغربيين كل يوم على الإعلام وفي المدارس والكليات والسينما، الداعشي المسلم يقابله المصرفي اليهودي... والفرق شاسع في التأثير! وكذلك النتيجة: كراهية كل المسلمين فـ "كلهم" إرهابيون وقتلة وهمج، لكن بالمقابل لا أحد يشعر بالتأثير اليهودي ولا أحد يراه أصلا ومن تجرأ وفتح فمه فالمقبول الوحيد منه هو الشكر والذمية وإلا فسيف معاداة السامية لن يتأخر عن قطع رقبته... الإرهابي المسلم لا يستحق كراهية بل شفقة، فهو كطفل صغير ضُحك عليه وبُرمج كأي أبله يُبرمج، الإرهابي اليهودي يستحق فهو عالم وفيلسوف ومفكر وإعلامي وفنان وسينمائي ومصرفي ووو...
أكيد، سيقفز أحد الذميين وسيقول أن مقارنتي لا تصح، فأنا قابلتُ النخب اليهودية برعاع المسلمين، والجواب يكون أني أتكلم عن الأقليات النشطة، أي لولا ما فعلته تلك الأقلية ما سمع العالم أصلا بفرقتها... كيف يسمع العالم بالمسلمين اليوم؟ أليس من إرهاب وإجرام رعاعهم؟ بالمقابل كيف يسمع العالم باليهود؟ أليس من خلال إسرائيل وأعوانها في الغرب؟ وهل لإسرائيل وحروبها وجود أصلا دون دعم الغرب؟ وكيف ولماذا يدعم الغرب إسرائيل؟ الأجوبة كثيرة، ومن أهمها تأثير أنتلجنسيتها على القرار الغربي... إذن من يُسمع العالم باليهود؟ الجواب: الأقليات الفاعلة في الغرب! ومن يُسمع العالم بالإسلام والمسلمين؟ أقلياتهم الفاعلة في الغرب أي القتلة والمجرمين!
لماذا سميته بالذمي؟ لأنه يعتقد، علم ذلك أو دون أن يشعر، أن اليهود شعب مختار، فقد قدموا للبشرية العلماء والفلاسفة ووو... الإسلام في أيامه فعل نفس الشيء بالمناسبة، وكانت كما يُزعم حضارة عظيمة وعلماء وفلاسفة ولولا هذا الإسلام وأهله ما خرج الغربيون من عصورهم المظلمة... إذا قلتَ بالثانية فأنتَ -مع الاحترام- إما مؤمن وإما جاهل، وإذا قلتَ بالأولى فأنتَ إما ذمي وإما أيضا جاهل: دليل بسيط ولا حاجة لغيره، هل يمكن أن تكون حضارة وتقدم دون حرية تعبير؟ الجواب قطعا لا! ومن يهدد حرية التعبير في الغرب؟ هل ستقول الإرهاب الإسلامي؟ أجيبك تلك الواجهة التي خدعوكَ بها! الإسلام والمسلمين في الغرب لا قوة لهم ولا تأثير! فقط بعض المشاكسات من حين لآخر، وعليكَ أن تبحث جيدا من كان وراء ذلك المسلم القاتل: مثلا هل يُعقل أن تترك دولة السويد المتحضرة الديمقراطية من حرق القرآن دون حماية؟ أليس ذلك ضوءا أخضر للقتلة المسلمين؟ إذا قال أحد أن الدولة ليست مسؤولة عن تهور كل من هب ودب، رُدّ عليه أن هذه الدولة سمحت بذلك التهور وحمته وقالت أنه حرية تعبير وحرية التعبير مقدسة لا يُمكن لأحد أن يعتدي عليها... القاتل مسلم أكيد، لكن من كان وراءه؟ ولماذا في ذلك الوقت بالذات؟ من دمّر العراق حقيقة؟ من أشعل الدنيا بين السنة والشيعة؟ نعم الإسلام إرهاب لا شك في ذلك، لكن من يقف وراء المسرح؟ لا تقل أمريكا، بل اللوبيات أو الدولة العميقة سمّها ما شئت... ومن لا يغيب عن تلك اللوبيات؟ نعود إلى نفس الجواب ونفس الأقلية اليهودية النشطة والفاعلة! أرجو على القارئ، ومهما كان سخطه على الإسلام، ألا يُخدع وألا يسقط هذه السقطة العظيمة! الإسلام في المنطقة المقدسة شيء، وفي الغرب أمره آخر لأنه "مكنسة إسرائيل"؛ شعب إسرائيل وليس الدولة، أي مجرد كنّاس يكنس بأوامر وتخطيط سيده اليهودي، والتعبير ليس لي بل لراباي يهودي شهير غير الذي ذكرته في مقال سابق، يقول بنفس قصة الديكة... الديك الإسلامي والديك الغربي.. ثم يفوز الديك الصغير اليهودي... [Rav David Touitou – « L Islam est le balai d’Israël » https://balancetoncrimineldeguerre.org/element-de-preuve-39/]
هل يمكن كراهية المسلمين؟ عندما أسأل نفسي هذا السؤال أذهب مباشرة إلى أسرتي، وأقول قطعا لا فهم أناس "طيبون" لم يضروا بأحد، وهو جواب عاطفي كما ترى، أجيب تلك العاطفة بسؤال: وكيف كان حال المسلمين "الطيبين" العراقيين أيام داعش؟ ألم تتحول نسبة كبيرة منهم إلى داعمين للقتلة وشامتين في المسيحيين والأيزيديين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الفرق بين أهلي "الطيبين" وأولئك العراقيين "الطيبين"؟ العقل سيقول: لا فرق! (أسرتي في الحقيقة لا تصح معها المقارنة لأن دينها الحقيقي ليس الإسلام وليس العروبة بل فلسطين، أي أستطيع الجزم أن ما حدث مع العراقيين يستحيل أن يحدث معها، لكني لا أضمن موقفها مع اليهود، أي لو وجد شيء كداعش في بلدي وقام فقط بتقتيل اليهود لا ضمان عندي... أضيف شهادة جانبية أخرى عن السلفية الفلسطينية كما سميتها في مقال سابق، وأسميها هنا بالدين الفلسطيني، ففي أسرتي قول أن الإسلام استعمار يمرّ، العروبة كذلك يمرّ، أما قول ذلك عن فلسطين فيُستهجن ويثير غضب أغلب أفرادها: محمد كان مغتصب صغيرات وسفاح قاطع طريق يمرّ، أما متى ننتهي من فلسطين وقضيتها فيُمتعض منه! سبتة ومليلية قضية المغرب وحده وأهله أدرى بشؤونهم! أما فلسطين فـ "قضيتنا"! وقضيتنا لا تعني قضية بلدنا أو شعبنا بل قضية أسرتنا حتى لو تبرأ منها البلد والشعب! دعوة للقراء الكرام هنا بما أني أشك في وجود ما قلتُ عنه هنا القليل: هل تعرف منطقة، مكان، أسرة، في المنطقة المقدسة، يوجد فيها الدين الفلسطيني المشار إليه؟ قل ما شئت في عائشة وحفصة وخديجة وفاطمة لكن إياك أن تقترب من سهى، أبو بكر وعمر وعلي العب بهم كرة طاولة لكن حذاري من أبي إياد وأبي جهاد... بمعنى الرسول ليس محمد بل أبا عمار، سهى=عائشة وفاطمة وخديجة معا، لا يوجد أربعة راشدون بل فقط اثنان أبو إياد وأبو جهاد... ومكة والمدينة هما الضفة وغزة... وغزة دون حماس بالطبع، لأنها تنظيم إرهابي، وقولي أن فلسطين للفلسطينيين "تعلمتُه من حماس" لأني "أكره" أبا عمار... ربما سأكتب مقالا موسعا عن هذا الدين في المستقبل، وحتى ذلك الحين أضيف فتوة... جديدة أصدرها إمام الأسرة بحرمة الحج مطلقا على جميع أفرادها الراغبين، ما بقي آل سعود يحكمون وخصوصا الحاكم الحالي، لماذا؟ لأنه حرام أن يُدفع فلس لمن ساهم في قتل الفلسطينيين: "الفلسطينيين" فقط وليس المسلمين أو الفلسطينيين المسلمين! تحدثتُ مباشرة مع هذا الإمام الذي يعرف خلفيتي الإلحادية، وسألته عن الفلسطينيين المسيحيين واللادينيين فأجاب أنهم فلسطينيون ولا فرق بينهم وبين المسلمين، الإمام حاصل على إجازة وماجستير في الشريعة، وكلامه ليس تقية ولا مصالح مرسلة لأنه يعلم جيدا معرفتي بالدين، بل قناعة راسخة عنده، لا علاقة لها بحقيقة الإسلام بالطبع، لكنه تعلمها من دينه الفلسطيني! الأغرب عند هذا الإمام أنه تقريبا لا يذكر الأقصى بل فقط الفلسطينيين وأرضهم المحتلة: أرض الفلسطينيين لا أرض الإسلام! وهو "كلام كفري" و "جاهلية" كما هو معلوم وصعب جدا أن يتجرأ على قوله شيخ! و... عذرا على القوس الطويل...)
إذا لم تجز الكراهية فهل يجوز الخوف والحذر؟ والجواب هنا سيكون بالتأكيد نعم، ومهما زُعم عن سلبيات ذلك الخوف، إلا أنه يبقى مشروعا! لا أحد يستطيع معرفة ما يدور في عقل ذلك المتدين، وهل هو يعرف النصوص أم لا، وهل هو ملتزم بها أم لا! نحن نعرف النصوص ونعرف جيدا أنها إرهاب وقطع رؤوس! من لا يعرفها، من يعرفها ويتجاهلها لا يُخشى منه لكن كيف ستعرف؟ وبما أنكَ لا تستطيع من حقك أن تخاف والخوف بمعنى الحذر والحيطة! حق أصيل ومشروع أن يخاف العاقل من الأديان وممن يطبقون نصوصها من أتباعها، كذلك كل الأيديولوجيات دون استثناء فهي كلها تدعي الكمال وتُشيطن غيرها! ولمن لا يزال قابعا في سجن الهولوكوست أقول وبكل ثقة: لا فرق بين مجرمي الحرب العالمية الثانية، كلهم سواسية... لا فرق عندي بين النازية والشيوعية والرأسمالية، الفرق الوحيد الذي خُدعتْ به البشرية هو الهولوكوست وهو خرافة وأكذوبة يستطيع تفنيدها طفل صغير فقط بسؤال بسيط عن الغرفة التي يحج إليها المؤمنون في أوشفيتز: كيف يُمكن علميا أن تكون تلك الغرفة غرفة غاز؟ احترامي لمن سيُستفز هنا، لكن كلامي يشبه تماما قولكَ للمسلم بعد أن تعطيه خطأ لغويا في كتابه المحفوظ إلهيا: هل الله هذا لا يعرف اللغة أم ماذا؟ للمسيحي: كيف تقول أن عذراء تحمل وتلد؟ آمنة عندها راية ومريم قديسة ومطوبة؟ لليهودي: إله أم سمسار أراضي هذا الذي تتكلم عنه؟ ولماذا اختار أولئك البدو الهمج عوض من كانوا أرقى منهم؟
رأيي الشخصي بخصوص الكراهية والحق فيها، سأقوله لبعض الملحدين وخصوصا من خلفيتهم مسيحية، حيث يستعملون أحيانا عبارات من قبيل "لست المسيح على الأرض"، مرددين خرافة تسامح المسيح ومحبته لأعدائه التي لُقِّنوها في صغرهم... الكراهية عندي تُشبه التفاؤل والتشاؤم من ناحية، ومن الأخرى الكلام البذيء والشتم في الحوارات: التفاؤل والتشاؤم لا يقول بهما عاقل، ولا يجب لهما أن يوجدا أصلا في قاموس البشر. والشتم والغلظة طرق تعبير لا أتبناها لكن لا يمكن أن أطالب بمنعها... هل أنا إذن أعظم من المسيح بما أني أدعي ألا وجود أصلا لشعور الكراهية بعكس تلك الشخصية الأسطورية الكاذبة؟ جوابي بالتأكيد نعم! أنا أعظم منه ومنهم جميعا وأنتَ أيضا! لكن عدم الكراهية ثمنه باهظ جدا، ولمن جرّب سيعرف أن السخرية واللامبالاة هما الثمن، وهما ثمن باهظ جدا!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.