عبد النور إدريس
كاتب
(Abdennour Driss)
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 15:37
المحور:
الادب والفن
مغامرات باحميد:مفهوم التكتوكر المرقمن
الحلقة رقم 8
الجزء رقم 1: الشخصية التكتوكية
كان باحميد جالسًا بمقهى شعبي مكتظٍّ بالشباب، يراقب أضواء الهواتف المتناثرة حوله، كأنها نجوم معلقة في سماء افتراضية. أمامه، جلس NOURI19، شخصية افتراضية، يرتدي قميصًا يحمل شعار "ميتافيرس"، ويبدو كمن يعيش في عالمٍ موازٍ لا ينفصل عن شاشة هاتفه.
تنحنح باحميد وقال، وهو يضع كوب القهوة على الطاولة:
— "واش كاين شي جديد في داك التيك توك ديالك، الدكتور نوري؟"
رفع NOURI19 عينيه، كأن السؤال أيقظه من غيبوبة رقمية، ثم ابتسم ابتسامة جانبية وقال:
— "أها!أنا أكتب في موضوع خطير تحت عنوان الشخصية التكتوكية، وتحولها إلى ميتا مورفوز رقمي."
شدّ باحميد حاجبيه باهتمام:
— "ميتامورفوز؟ بحال التحول ديال كافكا؟"
قهقه نوري وهو يلوّح بهاتفه في الهواء:
— "شبيه، ولكن هاد التحول ماشي من إنسان لحشرة، بل من إنسان لشبح رقمي! شوف أبا حميد بحالك أنت دابا كلما فتحت بثا افتراضية يذوب منك جزء ما، حتى ما يبقى منك والو فالعالم الواقعي."
رشف رشفة من قهوته الباردة وبدأ يشرح:
— "في الأول، الإنسان كيدخل التيك توك فضولًا، كيبدا كيتفرج فالفيديوهات و البثوث بحال شي طفل تايه في مدينة الألعاب. ولكن، مع الوقت، يبدا يخلق شخصية، شي نسخة محسّنة من راسو. كينقي الصوت، كينقي الملامح، وكيسيني السيناريو ديال حياتو بحال شي مخرج محترف. ومع الأيام، كيتحوّل كليًا، كيبدا يحس بأن الشخصية الرقمية ديالو هي النسخة اللي تستاهل الوجود، والواقع ما كيبقى عندو قيمة كبيرة."
أعاد نوري رشفة من كأس قهوته التي ازدادت برودة، تلمضها بشغف وضحك بسخرية:
— "هادي اللي كنسمّيها ميتامورفوز الشخصية التكتوكية ... كيدخل الإنسان بحميد بدون ماكياج، كيتحوّل لـ باحميد المؤثر المشهور ، ثم كيتحول لـ شبح رقمي ، كتولي حياته الحقيقية مجرد ملحق للفيديوهات والبثوث اللي كيدير."
تأمل باحميد في كلام نوري، ثم سأله بفضول:
— "وهاد الشي كيدّي للإدمان السائل؟"
أخذ نوري رشفة من القهوة وأومأ برأسه:
— "بالضبط! الإدمان السائل هو اللي كيدوّب الحدود بين الحقيقي والافتراضي. بحال الماء، ما عندوش شكل محدد، كينساب فالعقل ديال الإنسان حتى ما كيبقى يميّز واش هو كيعيش فعلاً، ولا مجرد محتوى معروض على شاشة. داك الشي اللي خلا بزاف ديال الناس يعيشو في العوالم الافتراضية بلا رجعة. TikTok ما بقا مجرد منصة، ولى حياة كاملة."
سكت لحظة، ثم أضاف بنبرة ساخرة:
— "تصور معايا... واحد النهار نفيق ونلقاو بأن التيك توك هو الواقع، والعالم اللي كنعيشو فيه هو مجرد استراحة مؤقتة بين بث وبث و فيديو وفيديو!"
ضحك باحميد، لكنه شعر بوخزة في صدره. شيء ما في حديث نوري جعله يتساءل: تُرى، هل بقي له من ذاته الحقيقية شيء؟ وهل هو أيضًا مجرد شبح رقمي دون أن يدري؟
مغامرات باحميد
الحلقة رقم 8
الجزء رقم 2
نوري 19 و الشخصية التكتوكية
في الليلة التي انطفأت فيها أنوار المدينة، وأضاءت شاشات الهواتف وجوه الجالسين في المقهى، جلس باحميد SMART يتابعان NOURI19 وهو يتحدث بانفعال عن ظاهرة غامضة أصبحت تشكل ملامح الحياة الحديثة: الشخصية التكتوكية.
كان نوري، الذي يلقبه أصدقاؤه بالدكتور نوري بسبب هوسه بالتحليل السيكولوجي لكل ما هو رقمي، يمسك بهاتفه كما لو كان كائنًا حيويًا ينبض بين يديه. أشعل سيجارة، ونفث دخانها ببطء، ثم قال بنبرة واثقة:
— "تيك توك ليس مجرد منصة، بل مختبر اجتماعي لصناعة الهوية. إنه فضاء لاكتشاف الوجه الآخر للإنسان، الوجه الذي لا تراه في الشارع، ولا تسمعه في حديث الصباح. إنه وادي سيليكوني تسبح فيه شخصيات لم تكن لتحصل على فرصة للوجود في الواقع. وكلما غاص الفرد أكثر في عالمه الرقمي، كلما بدأ نوع جديد من التحول السيكولوجي، ما أسميه Tiktokpathe."
رفع SMART حاجبيه:
— "وهذا يعني؟"
ابتسم نوري ابتسامة خفيفة، ثم قال وهو ينقر على شاشة هاتفه:
— "إنها ظاهرة سيكولوجية، حيث يتحول الفرد من كائن اجتماعي واقعي إلى كائن رقمي خالص، مسلوب من قيود الواقع. في البداية، يرتدي قناعًا، شخصية مختلقة تتناسب مع احتياجات الجمهور الرقمي، ولكن مع الوقت، يبدأ هذا القناع في التهام وجهه الحقيقي. تدريجيًا، تذوب شخصيته الواقعية في حساباته، ويتحول إلى كائن سائل سيليكوني، يعيش وفق خوارزميات تحدد له ما يحب، وما يكره، وما يريده دون أن يدرك ذلك."
تنهد باحميد، وأشعل سيجارته بدوره، كأنه يحتاج إلى ضوء في متاهة هذا الحديث العميق، ثم قال:
— "إذن، الشخصية التكتوكية مجرد وهم؟"
هز نوري رأسه:
— "ليست وهمًا، بل واقعًا موازياً. المشكلة تبدأ عندما يختفي الخط الفاصل بين الحقيقي والافتراضي. في علم النفس الرقمي، هناك ثلاث مستويات أساسية للشخصية التكتوكية:
1. المستوى الأول: التنكر – حيث ينخرط الفرد في التيك توك بهوية مزيفة، سواء عبر اسم مستعار أو شخصية مختلقة. هنا، يتحرر من رقابة الأنا الأعلى، ويتجاوز الكبت الاجتماعي الذي يعانيه في الواقع. يصبح لديه القدرة على الحديث بحرية عن مواضيع كان يقمعها المجتمع.
2. المستوى الثاني: التكيف السيكولوجي – في هذه المرحلة، تبدأ الشخصية التكتوكية بالتغلغل داخل عقل الفرد، وتؤثر على طريقة تفكيره وسلوكه حتى خارج المنصة. يصبح محتوى الفيديوهات التي يشاهدها ويشارك فيها جزءًا من تكوينه النفسي، وتتغير عاداته وفق ما تفرضه عليه المنصة.
3. المستوى الثالث: الغرق في وادي السيليكون – هنا، يفقد الفرد تمامًا الاتصال بشخصيته الواقعية. لم يعد يرى في نفسه إلا ما تعكسه عليه الشاشة. يبدأ في قياس قيمته بناءً على الإعجابات، والتعليقات، والمشاركات. يعيش في عالم TikTokpathe، حيث كل شيء مؤقت، وكل إحساس هو مجرد محتوى قابل للاستهلاك."
نظر با حميد إلى هاتفه، وكأنه أدرك فجأة أنه لم يكن ممسكًا به بل كان الهاتف هو الذي يمسك به. قال بنبرة مترددة:
— "وهل يمكن للإنسان أن يعود بعد وصوله إلى هذا المستوى؟"
ابتسم NOURI19 ابتسامة شاردة، وقال بصوت خافت:
— "العقل مثل الطين، يمكن تشكيله، لكن إن تركته ليجف في شكل معين، فلن تستطيع إعادته إلى ما كان عليه. من يصل إلى المرحلة الأخيرة، غالبًا لن يعود. سيبقى شبحًا رقميًا، يطفو في التيك توك، يبحث عن المزيد من الوجود في عالم لم يكن يومًا حقيقيًا."
ساد صمت ثقيل بين الثلاثة. أطفأ باحميد سيجارته ببطء، ونظر إلى شاشة هاتفه المضيئة. كان يشعر، لأول مرة، بأنه ليس وحده من يراقبها... بل هي أيضًا تراقبه.
مغامرات باحميد
الحلقة رقم 8
الجزء رقم 3
الميتافيرس وأنترنت الأشياء
في ذلك المقهى الرقمي الذي يجتمع فيه نوري 19 وأصدقاؤه، كان الحوار يشتدّ بينه وبين YM، الصديق الذي لا يكف عن طرح الأسئلة العميقة. هذه المرة، كان السؤال عن الميتافيرس (Metaverse).
سأل YM نوري 19، ما رأيك في هذا العالم الموازي الذي يسمّونه الميتافيرس؟ هل هو مجرد تطور للإنترنت، أم أننا أمام شيء أكبر، ربما أشبه بماتريكس MATRIX جديد؟
تأمل نوري 19 قليلاً، أخذ نفساً عميقاً، ثم قال بصوت هادئ لكنه مشحون بدلالات فلسفية:
الميتافيرس ليس مجرد فضاء رقمي بديل، بل هو انعكاس لرغبتنا البشرية القديمة في تجاوز المحدود والملموس. إذا كانت الإنترنت قد حررت المعلومة من قيود الورق، فإن الميتافيرس يحررنا نحن من قيود المكان والجسد. لكنه ليس مجرد "لعبة" أو تجربة ترفيهية، بل هو تأسيس لمرحلة جديدة من "إنترنت الأشياء"، حيث يصبح الإنسان ذاته كائناً قابلاً للرقمنة.
لكن ماذا عن تأثيره على الهوية؟ هل نحن أمام ذوبان تام للفرد في عالم رقمي؟ يسأل YM في اندهاش
ابتسم نوري 19 وأشار إلى شاشة هاتفه حيث كانت تظهر شخصيته الافتراضية على تيك توك، تلك الشخصية التي صارت تكتسب حياة تتجاوز وجوده الفيزيائي:
أجاب نوري 19وهر يتلذذ بطرح هذا المفهوم التداول العام،على تيك توك، ليست شخصيتك الافتراضية مجرد انعكاس لك، بل قد تصبح أنت انعكاساً لها! هنا يكمن الخطر الفلسفي. إذا كان المتفيرس فضاءً نعيش فيه، فمن يضمن أننا لسنا داخل ماتريكس فعلاً، لكن هذه المرة بإرادتنا؟ نحن نتجه إلى مرحلة حيث تتلاشى الحدود بين الواقعي والافتراضي، حيث يصبح الوجود نفسه مسألة اختيارية: هل تريد أن تكون إنساناً، أم أن تصبح كوداً في منظومة أوسع؟
ساد الصمت للحظة. بدا أن الجميع يدرك أن السؤال لم يعد نظرياً، بل أصبح واقعاً يبتلع كل شيء…
يتبع
#عبد_النور_إدريس (هاشتاغ)
Abdennour_Driss#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟