|
الدولة والثورة بين لينين وبريمر وخامنائي!!
مكسيم العراقي
كاتب وباحث واكاديمي
(Maxim Al-iraqi)
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 09:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
1—الدولة والثورة عند لينين وعند شيوعيو العراق! 2-- آلية تحطيم الدولة عند لينين في "الدولة والثورة" 3—هل ان أفكار لينين عن تحطيم الدولة صالحة اليوم؟ وما خطورتها على الدول؟ 4—بول بريمر وفلاديمير لينين! 5-- دور إيران وبرزان وصهيون في تحطيم الدولة العراقية وتناغمها مع بول بريمر 6—خدمات بريمر لايران
(1) الفكرة الأساسية في كتاب "الدولة والثورة" ل لينين هي تحليل دور الدولة في المجتمع، خاصة في سياق الثورة الاشتراكية، وتوضيح كيفية زوال الدولة البرجوازية وإحلال ديكتاتورية البروليتاريا محلها تمهيدًا لاضمحلال الدولة بشكل نهائي! فهمت أفكار لينين كانها قران وانجيل منزل من السماء يصلح لكل مكان وزمان! كما هم سدنة لاهوت الإسلام السياسي بأن القران صالح لكل مكان وزمان! وفي العراق فان شيوعيين أرادوا تطبيق تلك النظرية عبر الكفاح المسلح بقيادة عزيز الحاج ومن ثم عزيز الملا محمد وقتال الجيش ومن ثم السيطرة على البلاد وإقامة نظام جديد وفق أفكار لينين! ولم يدعو أساسا لينين الى كفاح مسلح بل الى ثورة وقد تحولت الى حرب أهلية طاحنة! ان اوضاع الدولة العراقية والجيش العراقي يختلف تماما عن الأوضاع الروسية او الاوربية التي حللها ماركس ولينين. وبدلا من الاستيلاء على السلطة بسلاسة او بعملية فنية بانقلاب عسكري عندما كان ذلك ممكنا, فانهم ذهبوا للطريق الطويل عبر رفع السلاح وتكبد الخسائر الفادحة من الطرفين دون أي مصلحة للبلاد والعباد وانتهى كل ذلك الى فشل ذريع بسبب الفهم الاعوج للافكار! وعن سبب عدم الاستيلاء على السلطة بعملية انقلابية قالوا ان الإقليم المحيط ورجال الدين والغرب وامريكا لايسمح بذلك وان موسكو رفضت ذلك ولما رفعوا السلاح لم يتغير عامل من تلك العوامل فما عدا مما بدا! ينظر في كثير من الأحيان الى ان أي صدام مع الجيش في أي مرحلة هو اضرار خطير بمقدرات العراق وخدمة لاعداءه المتربصين ودعم غير مباشر لإسرائيل! واوهن من ذلك كثيرا تبني تصفية فيادات النظام الاجرامية! بدلا من قتال الجنود البؤساء المجبرين على ذلك! وعند النقاش مع بعض الشيوعيين يقولون لك ان الحزب لايؤمن بالانقلابات! ويتحدثون عن الحتمية التاريخية والتطور الاجتماعي والظروف الذاتية والموضوعية ودرجة تطور البرجوازية والبروليتاريا! الخ من ايات الكتب المقدسة لديهم! ان الحزب يؤمن اذن, بمقتل الالاف من رجال ونساء الحزب وهم لاموهلات لديهم للحرب ولا مصادر ولادعم ومعهم الالاف او مئات الجنود الأبرياء, كل ذلك من اجل اهداف مريبة صنعتها لجان مركزية مريبة! اما القيام بعملية فنية للسيطرة على الأوضاع فان ذلك خارج حسابات الحزب! والحل امامهم بامرين اما دعم النظام الحاكم وإقامة (الجبحة) الوطنية وكشف تنظيمات الحزب او رفع السلاح في الاهوار او الجبال –ودعم طرف كردي على حساب طرف اخر مما أدى مثلا الى مذبحة بشتاشان المسكوت عنها لاسباب انتهازية! او الدعوة لقتال الانقلابيين في 8 شباط والحزب لاسلاح لديه ولاتدريب ولامؤهلات ولاخطط بينما كان الزعيم قد سلم الانقلابيين قيادة الوحدات الفعالية ووضع الشيوعيين في السجون! ثم بدا النواح ضد البعث ولما ينتهي! ولم يحدثوا انفسهم بكل تلك الأخطاء التي تصل لمرحلة اتهام خطيرة بمن كان ورائها!
كانت أبرز أفكار الكتاب: 1. نقد الدولة البرجوازية: يجادل لينين بأن الدولة ليست كيانًا محايدًا، بل هي أداة قمعية تخدم الطبقة الحاكمة (البرجوازية)، وتُستخدم للحفاظ على سيطرتها على الطبقات العاملة. 2. تحطيم الدولة وليس الاستيلاء عليها: وتلك اخطر نقطة! حيث ينتقد لينين وجهة النظر الإصلاحية التي تدعو إلى الاستيلاء على الدولة البرجوازية واستخدامها لخدمة البروليتاريا. بدلًا من ذلك، يرى أن على العمال تحطيم الدولة البرجوازية بالكامل واستبدالها بسلطة جديدة. 3. ديكتاتورية البروليتاريا: يرى لينين أن الثورة البروليتارية يجب أن تؤسس "ديكتاتورية البروليتاريا"، أي حكم الطبقة العاملة، عبر مجلس السوفييتات (المجالس العمالية) كبديل للديمقراطية البرجوازية الزائفة. 4. اضمحلال الدولة: يؤكد أن الدولة، حتى وإن كانت اشتراكية، ليست هدفًا نهائيًا، بل هي مرحلة انتقالية. فمع تحقق الشيوعية، تزول الحاجة إلى الدولة كأداة قمع، مما يؤدي إلى اضمحلالها التلقائي. 5. نقد التحريفية: ينتقد لينين التيارات الاشتراكية التي تحاول التوفيق بين الماركسية والنظام البرجوازي، وخاصة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي دعت إلى التغيير التدريجي بدلًا من الثورة. وقد اكد التاريخ ان تلك الأحزاب ( التحريفية) بنت مجتمعات متقدمة وشعوب سعيدة اكثر من التجربة السوفيتية! وقد هاجر الى دول تلك الاشتراكية (التحريفية) أعضاء الحزب قبل وبعد سقوط الأنظمة الممثلة للاشتراكية (الحقيقية)! يعتبر كتاب "الدولة والثورة" دليلًا نظريًا للحركات الشيوعية، حيث يوضح كيف يجب أن تتعامل البروليتاريا مع الدولة في سياق الثورة. كما أنه كان بمثابة رد على الاشتراكيين (الإصلاحيين) الذين أرادوا تحقيق الاشتراكية عبر الوسائل البرلمانية!! هذا الكتاب كان ذا تأثير كبير على الثورة البلشفية (1917) وألهم العديد من الحركات الثورية لاحقًا. مع ان أمريكا ذاتها كانت قد قلبت أنظمة اشتراكية وصلت للسلطة عبر الديمقراطية كما هو حال تشيلي بانقلاب بينوشيت على اليندي عام 1973 لو تم دعم الملكيين ضد الجمهوريين الذي وصلوا للسلطة ديمقراطيا في اسبانيا من قبل المانيا وإيطاليا وصمت الغرب عن دعم الديمقراطية! مما تسبب بالحرب الاهلية الاسبانية المروعة بين عامي 1963-1939. او دعم انقلاب شباط 1963 ضد زعيم مدعوم من غالبية الشعب ولكنه لم يعمل استفتاء او انتخابات مع انه سيفوز فيها!!!
(2) آلية تحطيم الدولة عند لينين في "الدولة والثورة" لينين يرى أن تحطيم الدولة البرجوازية هو شرط أساسي!! لقيام المجتمع الاشتراكي، وهو لا يقصد مجرد الاستيلاء على مؤسساتها بل تفكيكها بالكامل واستبدالها بنظام جديد. يستند في ذلك إلى أفكار ماركس وإنجلز، خاصة ما استخلصاه من تجربة كومونة باريس (1871)!! 1. تحطيم جهاز الدولة البرجوازية مرة أخرى الدولة البرجوازية ليست أداة محايدة، بل جهاز قمعي يخدم مصالح الطبقة الحاكمة (البرجوازية)، عبر أدوات مثل الجيش، الشرطة، القضاء، والبيروقراطية. لذلك، لا يمكن ببساطة استخدامها لمصلحة العمال!! (وهذا فتراض خطير يتعلق بالتجربة الروسية او الاوربية في فترة ما من التاريخ وليس افتراض يجب ان يكون دائميا) بل يجب تحطيمها واستبدالها بسلطة جديدة قائمة على مجالس العمال (السوفييتات). 2. دور الثورة في إسقاط الدولة لينين يؤكد أن الثورة العنيفة ضرورية! لأن البرجوازية لن تتخلى عن سلطتها طوعًا. ويشير إلى أن كل التحولات الكبرى في التاريخ، من الإقطاع إلى الرأسمالية، جاءت عبر الصراع العنيف وليس الإصلاح السلمي. 3. إقامة ديكتاتورية البروليتاريا بعد تحطيم الدولة القديمة، يجب بناء سلطة جديدة تستند إلى مجالس العمال والفلاحين (السوفييتات)، والتي ستشكل حكومة عمالية ديمقراطية تمثل الأغلبية وتدير الاقتصاد والمجتمع لصالح العمال، بدلًا من طبقة الأقلية الرأسمالية. 4. القضاء على البيروقراطية والجيش الدائم استبدال الجيش الدائم! بميليشيات عمالية للدفاع عن الثورة!! جعل جميع المسؤولين المنتخبين قابلين للعزل في أي وقت وبراتب لا يتجاوز راتب العامل العادي!! ( اسهل وسيلة لطرد الكفاءات خارج البلاد)، لمنع ظهور طبقة بيروقراطية جديدة! 5. التحول نحو اضمحلال الدولة بمجرد تحقيق المجتمع الاشتراكي وإلغاء الفوارق الطبقية، ستبدأ الدولة في التلاشي تدريجيًا. في المرحلة الشيوعية المتقدمة، حيث يصبح الإنتاج مشتركًا والطبقات الاجتماعية تزول، لن تكون هناك حاجة إلى أي سلطة قمعية، مما يؤدي إلى اضمحلال الدولة نهائيًا. (وهل الدولة فقط هي سلطة القمع واحتكار السلاح)!!
(3) هل ان أفكار لينين عن تحطيم الدولة صالحة اليوم؟ وما خطورتها على الدول؟ تخرج عدة أسئلة من هذا السؤال! 1. مدى صلاحية أفكار لينين اليوم؟ أفكار لينين حول تحطيم الدولة البرجوازية وإقامة ديكتاتورية البروليتاريا كانت نتاجًا لحقبة تاريخية معينة (أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20)، عندما كانت الرأسمالية الصناعية في أوجها، والاستغلال الطبقي واضحًا جدًا، والأنظمة السياسية غير ديمقراطية في كثير من الدول. ولكن عند تقييم هذه الأفكار اليوم، نجد عدة نقاط: الدولة لم تعد مجرد أداة قمع برجوازية كما تصورها لينين، بل أصبحت تحتوي على آليات ديمقراطية، وتمثيل سياسي، وحماية قانونية للحقوق. الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مثل الضرائب التصاعدية، أنظمة الرفاه، ونقابات العمال، ساعدت على تقليل الفجوة الطبقية دون الحاجة إلى ثورة عنيفة. وفي الأنظمة السلطوية، التي تسيطر فيها النخب على السلطة دون تمثيل حقيقي للشعب، قد يجد البعض في أفكار لينين إلهامًا للثورة والتغيير الجذري. وحتى هذا الالهام لايجعله ميكانيكيا في الأداء أي تحطيم الدولة بعد الاستيلاء على السلطة! لكن التجارب التاريخية، مثل الاتحاد السوفييتي والصين، أظهرت أن "ديكتاتورية البروليتاريا" غالبًا ما تؤدي إلى أنظمة ودولة سلطوية جديدة بدلًا من مجتمع شيوعي بلا دولة. ان الاقتصاد العالمي مترابط بشكل غير مسبوق، مما يجعل فكرة "التحطيم الكامل" صعبة التطبيق دون إحداث انهيار اقتصادي واسع النطاق. والشركات متعددة الجنسيات أصبحت أقوى من بعض الدول، مما يجعل الصراع الطبقي أكثر تعقيدًا من مجرد صراع بين العمال والرأسماليين المحليين.
2. مخاطر تطبيق هذه الأفكار على الدول اليوم إذا حاولت أي حركة سياسية تطبيق أفكار "تحطيم الدولة" اليوم، فستواجه عدة مخاطر كبيرة: انهيار المؤسسات: في حال تفكيك مؤسسات الدولة بدون بديل مستقر، سيؤدي ذلك إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، مثلما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أو بعض الثورات الفاشلة في الدول النامية. العنف والحرب الأهلية: أي محاولة لإسقاط الدولة بالقوة ستؤدي إلى حروب داخلية وصراعات دموية، كما حدث في الثورات الشيوعية في روسيا والصين. ظهور أنظمة قمعية جديدة: التاريخ أثبت أن النظم التي حاولت بناء "ديكتاتورية البروليتاريا" تحولت إلى أنظمة شمولية (مثل ستالين وماو تسي تونغ)، حيث أصبحت الدولة أكثر قمعًا من النظام السابق. الضرر الاقتصادي: تفكيك الدولة البرجوازية بدون آليات اقتصادية بديلة سيؤدي إلى شلل اقتصادي، هروب رؤوس الأموال، وارتفاع معدلات الفقر، كما حدث في فنزويلا أو بعض دول أوروبا الشرقية بعد انهيار الاشتراكية.
3. البدائل الممكنة بدلًا من تحطيم الدولة بدلًا من تحطيم الدولة بالكامل، يمكن السيطرة على السلطة بثورة شعبية او عمل فني وتنقية وتشكيل تلك الدولة لمصلحة الشعب دون حلها ويمكن حسب الظروف اجراء إصلاحات شاملة سريعة او يمكن اتباع إصلاحات اشتراكية تدريجية مثل: • تعزيز الديمقراطية الاجتماعية (مثل النماذج في السويد، النرويج، ألمانيا). • فرض ضرائب أعلى على الأثرياء وتمويل برامج الرفاه الاجتماعي. • تقوية نقابات العمال والمجتمع المدني لتحقيق العدالة الاجتماعية دون الحاجة إلى ثورة عنيفة. • محاربة الفساد والإرهاب والتدين السياسي بعنف مبرر تماما ووفق القانون الموجود حاليا والمسكوت عن تطبيقه أيضا! • اجراء تحولات ثورية في مختلف القطاعات بمشاركة فعالة من الجماهير! ان أفكار لينين حول تحطيم الدولة ربما كانت مناسبة في سياقها التاريخي وان كلفت روسيا الكثير, لكنها غير عملية اليوم، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية. ان تطبيقها قد يؤدي إلى فوضى سياسية، انهيار اقتصادي، وظهور أنظمة أكثر استبدادية بدلًا من تحقيق مجتمع عادل.
(4) بول بريمر لم يستلهم أفكاره من لينين في تحطيم الدولة العراقية بعد الغزو الأمريكي عام 2003 ، ولكن هناك تشابه في النتائج وليس في الأيديولوجيا أو الأهداف. الفرق الأساسي بين تحطيم الدولة عند لينين وبريمر يكمن في الغاية والآلية. لينين كان يسعى إلى تحطيم الدولة البرجوازية من أجل إقامة ديكتاتورية البروليتاريا وبناء مجتمع شيوعي، حيث يتم استبدال مؤسسات الدولة القديمة بمؤسسات عمالية جديدة مثل السوفييتات. أما بول بريمر، فقد عمل وفق سياسة أمريكية تهدف إلى إعادة بناء العراق بطريقة تخدم المصالح الأمريكية، وليس إقامة نظام جديد بقيادة الطبقة العاملة.
الأسلوب الذي اتبعه كل منهما كان مختلفًا، إذ دعا لينين إلى تحطيم الدولة عبر ثورة شعبية مسلحة بقيادة العمال والفلاحين، بينما قام بريمر بتفكيك مؤسسات الدولة العراقية بعد الاحتلال الغاشم من خلال قرارات إدارية أمريكية دون دعم شعبي. من حيث تفكيك مؤسسات الدولة، قام لينين بحل الجيش القديم والشرطة والقضاء البرجوازي لكنه استبدلها بهياكل عمالية مثل السوفييتات، بينما قام بريمر بحل الجيش العراقي والشرطة وأجهزة الدولة دون توفير بديل جاهز، مما أدى إلى فراغ أمني وسياسي خطير.
النتائج التي ترتبت على ذلك كانت متشابهة في بعض الجوانب، فبينما نجح لينين في تحطيم الدولة القيصرية وبناء نظام جديد، إلا أن الدولة السوفييتية سرعان ما أصبحت أكثر قوة واستبدادًا. ركزت تلك الدولة على السلاح الذي بدا انه متخلف تقنيا والذي استنزف طاقات الدولة بينما اهمل الشعب بشكل كبير وأصبحت تلك الأسلحة أخيرا مجرد خردة! لانفع منها كما جرى التضييق على الحريات السياسية وعلى القطاع الخاص وحرية السفر والعمل والثقافة دون مسوغ حقيقي ووفق أفكار صادمة وحديدية اعتمدت على الحتمية التاريخية الخ! ووضعت السلطة بيد رجل او مجموعة وقام الرجل الأوحد أخيرا وهو غورباتشوف بتفكيك تلك الدولة الكبرى!
أما في العراق، فقد أدى تفكيك الدولة إلى فوضى عارمة وحرب طائفية ونمو الجماعات المسلحة الإرهابية المدعومة من ايران وسوريا الخ مثل القاعدة وداعش، ولم تستطع الدولة العراقية استعادة استقرارها بسهولة. لذلك، إذا كان هناك تشابه بين التجربتين، فهو في النتيجة وليس في الفكرة، إذ أن كلاهما أدى إلى تفكيك الدولة المركزية، ولكن الفرق الجوهري هو أن لينين كان لديه مشروع بديل يتمثل في السوفييتات والحزب البلشفي، بينما بريمر لم يكن لديه بديل جاهز، مما أدى إلى الفوضى.
(5) دور إيران وبرزان وصهيون في تحطيم الدولة العراقية وتناغمها مع بول بريمر بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لعبت إيران دورًا محوريًا في إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي، مستفيدة من انهيار الدولة العراقية الذي تسبب فيه الاحتلال وقرارات بول بريمر، الحاكم المدني الأمريكي في العراق. رغم أن الولايات المتحدة وإيران كانتا خصمين استراتيجيين، إلا أن هناك تناغما واتفاقا وعمل مشترك غير معلن بين الطرفين، حيث ساهم كل منهما، بطرق مختلفة، في تفكيك الدولة العراقية القديمة وبناء (نظام) جديد يخدم مصالحه. قال بول بريمر في كتابه عامي في العراق ان قادة الأحزاب الشيعية وقادة الأحزاب الكردية فرضوا عليه حل الجيش والموسسات الأمنية بل ان الاكراد هددوا بعدم الدخول في العملية السياسية!!! وقد صدقهم الرجل!
فعند وصوله إلى العراق، اتخذ بول بريمر قرارات كارثية، كان أبرزها حل الجيش العراقي، وإقصاء البعثيين من مؤسسات الدولة عبر سياسة اجتثاث البعث. هذه القرارات أدت إلى خلق فراغ أمني وسياسي هائل، حيث فقد مئات الآلاف من العسكريين وظائفهم ورواتبهم في استنساخ للتجربة الألمانية بحل الجيش الألماني والقاء اعضاءه جانبا دون رواتب مع اجتثاث النازية!!! مما دفع الكثيرين منهم إلى الانضمام إلى حركات التمرد المسلحة، كما تسبب في انهيار المؤسسات التي كانت تدير الدولة. في هذا الفراغ، بدأت إيران بالتدخل، ليس فقط لدعم حلفائها السياسيين، بل أيضًا لتوسيع نفوذها الأمني والعسكري داخل العراق. إيران رأت في سقوط نظام صدام حسين فرصة تاريخية فبدأت بالتحرك عبر أدوات متعددة: 1. دعم ذيولها من الأحزاب الشيعية: كانت الأحزاب المعارضة لصدام حسين، مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة، تتلقى دعمًا من إيران منذ الثمانينيات. بعد الغزو، لعبت طهران دورًا رئيسيًا في تعزيز نفوذ هذه الأحزاب داخل الحكومة العراقية الجديدة. 2. تأسيس الميليشيات المسلحة: قامت إيران بتمويل وتدريب جيش المهدي، ومن ثم مليشيات أخرى, التي أصبحت قوة فاعلة في الفساد والإرهاب وفي المشهد الأمني والعسكري العراقي. لاحقًا، برزت ميليشيات أخرى مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، والتي انبثقت من جيش المهدي والتي عملت كأذرع إيرانية داخل العراق. 3. اختراق الأجهزة الأمنية: بعد حل الجيش العراقي، لعبت إيران دورًا مهما في تشكيل الأجهزة الأمنية الجديدة، حيث تم تعيين شخصيات موالية لها في وزارتي الداخلية والدفاع، عبر قانون دمج المليشيات لبريمر الذي مازال فاعلا ويعمل به! مما سمح لها بالتغلغل في مفاصل الدولة. 4. التأثير الاقتصادي: فرضت إيران سيطرتها الاقتصادية من خلال التجارة والاتفاقيات الثنائية، واستغلت الأوضاع غير المستقرة لربط الاقتصاد العراقي بها، خاصة عبر تهريب النفط والبضائع وعقود الغاز واعمال شركاتها التابعة للحرس الثوري! 5. الاعمال المخابراتية والاغتيالات والتصفيات المروعة للطيارين والضباط وقادة الراي والفكر والكفاءات العلمية وأساتذة الجامعات! 6. تدمير قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري والسياحي وقطع الأنهار وتدمير البيئة وتسميم الأنهار وجعل العراق ملعبا لإيران!
(6) قد يبدو من المفارقة أن الولايات المتحدة وإيران كانتا تعملان في نفس الاتجاه رغم العداء الظاهري بينهما. لكن عند النظر إلى الأحداث، نجد أن قرارات بريمر ساعدت بشكل غير مباشر في تمكين النفوذ الإيراني داخل العراق. 1. بريمر حطم الدولة العراقية، وإيران سارعت إلى ملء الفراغ. الاجتثاث الطائفي للبعثيين أضعف السُنّة، مما عزز سيطرة الأحزاب الشيعية الموالية من إيران. إيران لم تواجه مقاومة أمريكية جدية خلال سنوات الاحتلال، بل استفادت من الديمقراطية الجديدة لإيصال حلفائها إلى الحكم عبر الانتخابات ودعم المرجعية الرشيدة. والنتيجة دولة ضعيفة تحت نفوذ إيران! والدمج بين سياسات بريمر التخريبية والتدخل الإيراني أدى إلى نشوء دولة عراقية ضعيفة، غير قادرة على تحقيق استقلالها السياسي أو الاقتصادي. أصبحت بغداد تحت تأثير النفوذ الإيراني، خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011، حيث توسعت سيطرة الميليشيات الموالية لإيران وأصبحت جزءًا من المنظومة الأمنية الرسمية عبر الحشد الشعبي.
من الصعب تصور أن بول بريمر، الذي كان يستند إلى أعظم الأجهزة الاستخباراتية في العالم مثل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاغون، لم يكن يدرك العواقب الكارثية لقراراته في العراق، وخاصة حل الجيش العراقي واجتثاث البعث. لكن تفسير ما حدث يتراوح بين سوء التخطيط والأهداف الخفية التي تتجاوز الأخطاء العشوائية.
الرواية الرسمية الأمريكية تقول إن قرارات بريمر، خاصة حل الجيش العراقي، كانت ناتجة عن سوء تقدير للوضع، حيث افترض الأمريكيون أن القوات العراقية ستعيد تنظيم نفسها تحت قيادة جديدة، لكنهم لم يدركوا أن حل الجيش سيدفع آلاف الضباط والجنود إلى التمرد والانضمام إلى الجماعات المسلحة. غير أن هذه الحجة ضعيفة، لأن التجارب التاريخية أثبتت أن تفكيك الجيوش يؤدي إلى فوضى وانهيار أمني، كما حدث عند حل الجيش الألماني بعد الحرب العالمية الأولى، مما ساهم في صعود النازية. كما أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية كانت تضم خبراء في شؤون الشرق الأوسط، وكان من الواضح أن تفكيك الجيش العراقي سيخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا لا يمكن السيطرة عليه بسهولة.
هناك رأي آخر يقول إن الولايات المتحدة كانت تدرك تمامًا ما كانت تفعله، وإن تحطيم الدولة العراقية لم يكن مجرد خطأ، بل كان خطة متعمدة لإضعاف العراق وجعله غير قادر على النهوض كقوة إقليمية مرة أخرى. هذه الفرضية تستند إلى عدة نقاط، منها أن العراق كان يشكل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل ودول الخليج، وحل الجيش العراقي أزال هذا التهديد نهائيًا. كما أن إضعاف العراق ساهم في تقسيمه طائفيًا، مما جعله سهل السيطرة من قبل القوى الخارجية. علاوة على ذلك، خلق الفراغ السياسي والأمني فرصة لنفوذ إيراني متزايد، وهو ما قد يكون مفيدًا لتبرير وجود أمريكي طويل الأمد في المنطقة بحجة مواجهة التهديد الإيراني.
إيران كانت المستفيد الأكبر من سقوط العراق، وقرارات بريمر ساعدت بشكل مباشر في تمكين الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. ومن الصعب تصديق أن هذا كان مجرد صدفة، بل ربما كان هناك تناغم خفي بين أمريكا وإيران. فقد سمحت الولايات المتحدة بعودة شخصيات سياسية شيعية كانت مدعومة من إيران، مثل نوري المالكي، كما أن الحرس الثوري الإيراني دخل العراق بسهولة بعد عام 2003 دون مقاومة أمريكية حقيقية. ولم تقم أمريكا بأي تحرك جدي للحد من نفوذ إيران في العراق، رغم أنها كانت تراقب كل شيء عن كثب.
الاحتمال الأكبر هو أن أمريكا كانت تعلم جيدًا أن قراراتها ستؤدي إلى انهيار العراق، لكن هدفها لم يكن بناء دولة قوية، بل إعادة تشكيل الشرق الأوسط بطريقة تخدم مصالحها. سواء كان ذلك عبر السماح لإيران بالتغلغل في العراق لإبقاءه ضعيفًا، أو من خلال خلق بيئة فوضوية تبرر التدخل الأمريكي طويل الأمد، فإن النتيجة النهائية كانت تحطيم العراق وتحويله إلى ساحة صراع دائم، حيث باتت الدولة العراقية هشة وعاجزة عن استعادة سيادتها الكاملة وسط صراعات طائفية وتدخلات خارجية مستمرة.
#مكسيم_العراقي (هاشتاغ)
Maxim_Al-iraqi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استهتار تشريعي وتخبط قضائي وانبطاح اطاري!
-
الحتمية التاريخية للماركسية وللمذهب الشيعي ...الى اين وصلت!
-
ماهي مصلحة الراسمالية العالمية وايران في الاقتصاد الريعي الأ
...
-
ماهي مصلحة الراسمالية العالمية وايران في الاقتصاد الريعي الأ
...
-
ماهي مصلحة الراسمالية العالمية وايران في الاقتصاد الريعي الأ
...
-
ماهي مصلحة الراسمالية العالمية وايران في الاقتصاد الريعي الأ
...
-
21 علامة بارزة لحكم الاطار!
-
وعاظ السلاطين ووعاظ السياسيين!- ازمة قانون العفو انموذجا!
-
بعد تصفير السجون من الفاسدين والخاطفين والإرهابيين, يتم القب
...
-
تحذيرات الرؤساء الامريكان وبعضاً من المؤشرات التي تحتم عزل ا
...
-
التلوث البيئي الخطير المتعمد في العراق و7 مؤشرات دولية عامة
...
-
شركات نفطية فاسدة بعقود حكومات إسلامية اكثر فسادا!-3
-
شركات نفطية فاسدة بعقود حكومات إسلامية اكثر فسادا!-2
-
شركات نفطية فاسدة بعقود حكومات إسلامية اكثر فسادا!-1
-
الغاء الاتفاقيات المجحفة... أولى مهمات السلطة الوطنية الثوري
...
-
الغاء الاتفاقيات المجحفة... أولى مهمات السلطة الوطنية الثوري
...
-
الموشرات الاقتصادية الأساسية للعالم المتقدم والمتخلف وموشرات
...
-
الموشرات الاقتصادية الأساسية للعالم المتقدم والمتخلف وموشرات
...
-
إلاعادة القسرية للعراقيين مع منح الامتيازات النفطية الخرافية
...
-
الموشرات الاقتصادية الأساسية للعالم المتقدم والمتخلف وموشرات
...
المزيد.....
-
نحل وحماية من الفِيَلة.. غرائب يقوم بها مزارعون بتنزانيا لجن
...
-
فيضان مخيف في كاليفورنيا يجرف سيارة نحو المحيط.. شاهد ما فعل
...
-
أول تعليق من ترامب بعد إفراج -حماس- عن 3 رهائن من غزة
-
مئات البيض في جنوب أفريقيا يحتشدون دعما لترامب ومزاعمه بتعرض
...
-
نائب رئيس المجلس السياسي في -حزب الله-: نرفض أن نكون تحت الا
...
-
إسرائيل وحماس تتبادلان الدفعة السادسة من الرهائن والسجناء ضم
...
-
هل تصاب الحيوانات بالأمراض العقلية مثل البشر؟
-
روسيا تعرب عن شكرها لـ -حماس- بعد الإفراج عن الأسير ألكسندر
...
-
مراسلتنا: تحليق للطيران الحربي الإسرائيلي بأجواء بيروت وضواح
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن البقاء في 5 مواقع استراتيجية على الحدو
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|