فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 07:55
المحور:
الادب والفن
المريخ لم يعد كوكبًا… بل جرحٌ مشتعل، فتنةٌ متوهجة، شوقٌ ينزفُ في الفراغ، يطوف حول الزهرة كما تطوف اللعنة حول القديس، مسحورًا بحُسنها الذهبيّ الذي يضيءُ بلا احتراق، يدورُ ويدورُ كأن الجاذبية ليست قانونًا، بل قدرٌ مغوي، دوامةٌ تُبقيه محبوسًا في مساره، لا يقترب، لا يبتعد، فقط يحترقُ في اشتعالٍ أبديّ. الزهرة ليست جرمًا سماويًا… بل جسدٌ من الضوء، غوايةٌ مكتملة، كائنٌ من الجمال المطلق، تغوي المريخَ بنورها كما تغوي النيرانُ العُثّ الهائم، تدورُ بلا اكتراث، كأن العاشقَ الأحمر ليس إلا ظلًّا في مدارها، كأن الفتنةَ هي الجاذبيةُ الحقيقية، كأن المداراتِ ليست إلا أوامرها السرمدية!
وزحلُ، المغرورُ المُتوّجُ بحلقاته، ليس ملكًا كما يظن، بل أسيرُ الشمس، مقيدٌ في مدارٍ لا هروب منه، يدورُ حولها كإلهٍ خائف، يُحاولُ الاحتفاظَ بكبريائه لكنهُ يُحرقُه وهجُها شيئًا فشيئًا، كلّما تكلّمَ الضوءُ سقطَ ظلهُ صامتًا، كلّما اشتدّت الجاذبيةُ زادَ انحناؤه، لا يقدرُ أن يقترب، لكنهُ لا يستطيعُ الإفلات، الشمسُ ليست مجرد نجمة… بل قاهرةُ الأفلاك، حاكمةُ المدارات، سيّدةُ الاحتراقِ الذي لا يُطفأ!
أما الأرض، فهي ساحرةٌ تحتضنُ القمر كأنّهُ نَفَسُها، تتركُ ظلّها يلتفُّ حوله، تمنحهُ بحارًا من الضوء ليكتبَ بها عشقه، لكنهُ يظلُّ خجولًا، غامضًا كعاشقٍ جبان، يُغيّر وجههُ كل ليلة كي لا يُكشف ضعفه، يُفيضُ بنورهِ ثم ينحسر، يُغويها بأنهُ قريب، لكنهُ دائمًا بعيد، لا يملكُ الاقتراب، لا يملكُ الاختفاء، يدورُ حولها كما يدورُ السؤالُ في ذهنِ المجنون، كأن العشقَ قيدٌ لا ينكسر، كأن المداراتِ هي الأصفادُ التي لا تتحطم! وفي ظلالِ المجرّة، هناك كواكبُ مجهولةٌ تُغازلُ بعضها بلا شهود، تدورُ في أفلاكٍ سرية، تتلامسُ دون أن تلتقي، تتحركُ في إيقاعٍ لا يسمعهُ أحد، تهيمُ كما يهيمُ الشِعرُ في عقلِ شاعرٍ هائم، تسقطُ في بعضها دون أن تتلاقى، تعشقُ دون أن تبوح، لأن الغزلَ الكونيّ ليس كلمات… بل انجذابٌ قسريّ، دورانٌ أبديّ، فتنةٌ لا تُقاوم، لعنةٌ لا خلاص منها!
ميشيغان
2025/2/15
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟