أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 03:17
المحور:
الادب والفن
إننا نعيش في زمن كافكوي حقيقي، حيث يسحق الفرد تروس غير مرئية، وأنظمة متاهية بلا منطق واضح، وبيروقراطية غير شخصية تحول الوجود إلى كابوس إداري. ومثل غريغور سامسا، الذي يستيقظ متحولاً إلى حشرة دون أن يفهم سبب حالته، يستيقظ الإنسان المعاصر، يومًا بعد يوم، سجينًا لواقع يذوب فيه المنطق ويتلاشى المعنى.
إن البيروقراطية، هذا الكيان الذي لا وجه له والذي يتخلل روايات كافكا، تتخذ اليوم أشكالاً جديدة: تتحكم الخوارزميات في تفاعلاتنا، وتتخذ القرارات بواسطة الذكاء الاصطناعي بلا روح، وتتحدد الحرية الفردية بشكل متزايد بقواعد لا يفهم أحد أصلها تمامًا. الفرد الحديث، تمامًا مثل جوزيف ك. في "العملية"، يُحاكم من قبل قوى لا تعرفها، ويُجبر على تبرير وجوده أمام محاكم غير مرئية، سواء في عالم الشركات، أو على الشبكات الاجتماعية أو في الهياكل القمعية للدولة.
إن الألم الكافكوي لا يكمن فقط في الاستبداد الصريح، بل وفي العبثية الصامتة للروتين، وفي الشعور بالعجز في مواجهة الآليات اللاإنسانية التي تحولنا إلى مجرد أرقام وكلمات مرور وكوادر. لم يعد الإنسان يناقش فقط وجود إله غائب، كما في حالة دوستويفسكي، بل يناقش أيضًا الوجود الخانق لنظام يطالبه بالخضوع التام دون تقديم أي تفسير معقول.
هل من الممكن الهروب من هذا المنطق الخانق؟ أم أننا جميعًا، مثل شخصيات كافكا، محكوم علينا بالتجول عبر ممرات لا نهاية لها بحثًا عن باب قد لا يُفتح أبدًا؟ في العصر الكافكوي الذي نعيش فيه، ربما تكون الثورة الأعظم هي استعادة الإنسانية التي تحاول سلبنا ــ التفكير فيما وراء الهياكل القمعية، ومقاومة الأتمتة، ورفض أن نكون مجرد عنصر آخر ضائع في آلة العبث.
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟