أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - نظرية هابرماس في الاتصال: من فلسفة الوعي إلى العقلانية التواصلية














المزيد.....

نظرية هابرماس في الاتصال: من فلسفة الوعي إلى العقلانية التواصلية


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 12:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يُعد يورغن هابرماس واحدًا من أبرز الفلاسفة الألمان في العصر الحديث، وقد أسهم بعمق في تطوير النظرية النقدية من خلال إعادة صياغة مفاهيم الحداثة، والعقلانية، والتواصل، والمجال العام. جاءت نظريته في الاتصال كاستجابة لنقده للعقلانية الأداتية التي رأى أنها سادت في العصر الحديث، مما أدى إلى هيمنة المنطق التكنوقراطي والسيطرة البيروقراطية على المجال العام، وإضعاف قدرة الأفراد على المشاركة الفعلية في تشكيل القرارات السياسية والاجتماعية. سعى هابرماس إلى تجاوز هذا الإشكال من خلال طرح مفهوم "العقلانية التواصلية"، التي تؤسس لفعل تواصلي يقوم على التفاعل الحر والمتكافئ بين الأفراد، بما يسمح بتكوين توافقات اجتماعية قائمة على الحجة العقلانية بدلًا من القوة أو السلطة.
الأسس الفلسفية لنظرية الاتصال عند هابرماس

تستند نظرية الاتصال عند هابرماس إلى عدد من الركائز الفلسفية التي تجعله مختلفًا عن سابقيه في النظرية النقدية، وعلى رأسهم مفكرو مدرسة فرانكفورت الأوائل مثل أدورنو وهوركهايمر. فقد انتقد هؤلاء العقلانية الغربية باعتبارها أداة للهيمنة، لكنه رأى أن العقلانية يمكن إعادة تشكيلها بحيث تصبح أساسًا لتحرر الإنسان بدلًا من استعباده. بناءً على ذلك، قسّم هابرماس الفعل البشري إلى نوعين رئيسيين:

الفعل الأداتي: وهو الفعل القائم على استخدام العقل لتحقيق أهداف مادية أو تكنولوجية، وغالبًا ما يكون أداة للسيطرة.
الفعل التواصلي: وهو الفعل القائم على الحوار والتفاعل بين الأفراد لتحقيق الفهم المشترك، بعيدًا عن القوة أو الهيمنة.

يهدف الفعل التواصلي إلى تحقيق التفاهم بين الأفراد في المجتمع من خلال النقاش الحر، حيث يكون لكل مشارك الحق في التعبير عن رأيه دون قيود، مع التزام الجميع بمبدأ الحجة الأفضل بدلًا من فرض الآراء بالقوة.
المجال العام عند هابرماس ودوره في تشكيل الرأي العام

يرى هابرماس أن المجال العام هو المساحة التي يمكن للأفراد فيها ممارسة النقاش العقلاني حول القضايا العامة، وهو مجال مستقل عن الدولة والسوق، حيث يتم تبادل الأفكار بحرية بعيدًا عن الضغوط السلطوية أو الاقتصادية. يستند المجال العام إلى مبدأ المداولات الديمقراطية، بحيث يكون الفاعلون فيه متساوين، ولا يتم فرض أي رأي إلا عبر الحجة العقلانية المقنعة.

لكن هابرماس يحذر من أن هذا المجال يتعرض لخطر التلاعب من قبل النخب السياسية والاقتصادية، مما يؤدي إلى تزييف الوعي العام وتحويل النقاش العام إلى أداة لتبرير السلطة بدلًا من مساءلتها. لذا، فهو يدعو إلى ضرورة إعادة بناء المجال العام على أسس عقلانية تواصلية تضمن مشاركة حقيقية وفاعلة للمجتمع المدني.
أخلاقيات النقاش عند هابرماس

يركّز هابرماس في نظريته على ما يسميه "أخلاقيات النقاش"، والتي تقوم على عدة مبادئ رئيسية:

الشفافية والشمولية: يجب أن يكون كل فرد قادرًا على المشاركة في النقاش العام دون تمييز.
حرية التعبير: لا يجب أن تكون هناك قيود على الأفكار المطروحة للنقاش.
التزام الحجة الأفضل: يجب أن يكون معيار قبول الآراء هو قوة الحجة، وليس القوة أو السلطة.
تحقيق التفاهم المشترك: الهدف النهائي للنقاش ليس الانتصار لرأي معين، بل الوصول إلى توافق عقلاني.

هذه المبادئ تجعل النقاش عملية ديمقراطية حقيقية، حيث يتم التوصل إلى قرارات عادلة من خلال العقلانية التوافقية، بدلًا من فرضها عبر القوة أو الإكراه.
نقد نظرية هابرماس

على الرغم من عمق وأهمية نظرية الاتصال عند هابرماس، إلا أنها لم تسلم من النقد. يرى بعض الفلاسفة أن افتراضه وجود "عقلانية تواصلية" يمكن أن تحكم النقاشات الاجتماعية هو أمر مثالي، إذ إن الواقع السياسي والاقتصادي مليء بالعوامل التي تجعل النقاش غير متكافئ. كما أن نظريته تفترض أن الأفراد قادرون على الانخراط في نقاش عقلاني دون تأثيرات خارجية، في حين أن الإعلام والسلطة يلعبان دورًا كبيرًا في تشكيل وعي الأفراد وتوجيه النقاشات العامة.

من ناحية أخرى، يرى بعض المفكرين أن نموذج هابرماس للنقاش العقلاني لا يأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ البعد العاطفي والوجداني في التواصل البشري، إذ يركز بشكل أساسي على البعد العقلاني، متجاهلًا كيف يمكن للعواطف والقيم الثقافية أن تؤثر على قرارات الأفراد ومواقفهم في النقاشات العامة.

تمثل نظرية هابرماس في الاتصال إحدى أهم المحاولات الفلسفية لإعادة بناء الحداثة على أسس ديمقراطية عقلانية، بعيدًا عن السيطرة الأداتية للسلطة والسوق. فهي تقدم نموذجًا للحوار المجتمعي القائم على التفاعل الحر والمتكافئ، بما يسمح بتشكيل قرارات اجتماعية عادلة تستند إلى قوة الحجة وليس إلى قوة النفوذ. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه النظرية في الواقع لا يخلو من التحديات، إذ يواجه المجال العام تهديدات متزايدة من الإعلام الموجه، والتلاعب السياسي، والهيمنة الاقتصادية، مما يجعل من الضروري تطوير آليات جديدة تضمن تحقيق المبادئ التأسيسية للعقلانية التواصلية في بيئة ديمقراطية حقيقية.

يبقى فكر هابرماس دعوة مفتوحة لإعادة النظر في كيفية بناء المجتمعات على أسس أكثر عدلًا وشمولًا، بحيث يكون الحوار والنقاش الحر هو الأساس الذي تقوم عليه القرارات السياسية والاجتماعية، وليس المصالح الضيقة أو الهيمنة السلطوية.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية مستقبلية: كيف يمكن تحقيق مشروع عربي نهضوي متكامل؟
- الرأسمالية والأخلاق: هل يمكن تحقيق توازن بين الربح والقيم ال ...
- الإسلام وأزمة القيم في العالم المعاصر: رؤية حضارية بديلة
- الوعي والعقل: جدلية الإدراك والوجود في الفكر الفلسفي
- النظرة الاستعلائية في الحضارة الغربية: الجذور التاريخية والت ...
- من التطور إلى التفكيك: كيف تؤثر علمنة الدين على المجتمعات ال ...
- الأخلاق السياسية وحقوق الإنسان في فكر ديتريش بونهوفر
- الفيزياء الحتمية والمعادلة الكبرى هل يستطيع العلم فك شفرة ال ...
- السياسات العامة: رؤية شاملة لإدارة الدولة والمجتمع
- الدولة في الاشتراكية رؤية روزا لوكسمبورغ نحو التحرر والديمقر ...
- الدفاع الفلسفي عن وجود الله: رؤية وليام كريج في مواجهة الإلح ...
- إسرائيل كأداة للهيمنة الأمريكية: قراءة في الأدوار والوظائف ا ...
- الحروب الناعمة والعلاقات العامة: صناعة السرديات وإعادة تشكيل ...
- الأمن القومي العربي بين الواقعية السياسية والتحديات غير التق ...
- حق العودة الفلسطيني: جوهر القضية أم عقبة أمام التسويات السيا ...
- الوجود الإسلامي في أوربا: بين العزلة والاندماج
- الموت في الفكر الفلسفي: بين الوجود والعدم
- الدارك ويب: الوجه المظلم للإنترنت بين الحرية والجريمة
- الولايات المتحدة والسياسة الخارجية: من الهيمنة إلى التراجع؟ ...
- التغير المناخي: التحدي الأكبر في تاريخ البشرية وآفاق المواجه ...


المزيد.....




- اُعتبرت إدانته انتصارًا لحركة -MeToo-.. ماذا تعني إعادة محاك ...
- الحرب الأهلية في السودان تدخل عامها الثالث… نزيف أرواح متواص ...
- فيديو متداول لاكتشاف قاذفات أمريكية شبحية في الأجواء الإيران ...
- الإليزيه: استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر وطرد 12 من موظف ...
- إطلالة محمد رمضان وجدل -بدلة الرقص- في مهرجان -كوتشيلا-.. ما ...
- هل كشفت فيديوهات الصينيين التكلفة الفعلية للماركات الفاخرة؟ ...
- مطرب يقسم اليمنيين بأغنيته -غني معانا-.. ما القصة؟
- لقطات حصرية من الفاشر المحاصرة وسكانها يوثقون لبي بي سي صراع ...
- كيف جلب -بيع- جنسية الدومينيكا مليار دولار للدولة؟
- غزة.. موت ينتشر وأرض تضيق


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - نظرية هابرماس في الاتصال: من فلسفة الوعي إلى العقلانية التواصلية