|
1-الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل
عبدالباسط سيدا
الحوار المتمدن-العدد: 1794 - 2007 / 1 / 13 - 10:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد أدت - وتؤدي- التفجيرات اليومية المتلاحقة سواء العسكرية أم السياسية التي تشهدها المواقع الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة العراق ولبنان وفلسطين، إلى تشكيل حواجز كثيفة تحد من وضوح الرؤية، وترغم المرء غير المحصّن على التعايش مع نوازعه وهواجسه؛ وتغدو القبيلة بمسمياتها كافة الملاذ والمبتغى. وتنفلت الأهواء والرغبات اللاعقلانية من عقالها؛ ويصبح الكل في مواجهة الكل. والكل يعاني من تصدعات افقية وأخرى عمودية، الأمر الذي ينذر بتشظيات لايعلم سوى الباري بتبعاتها، وبتخوم طاقتها التدميرية. لكننا إذا تمكنّا في لحظة صفاء فكرية - ضميرية من اختراق ربقة الهيجانات العمياء؛ وتجاوزنا سلبية الحزين المتقوقع على الذات؛ وقطعنا مع حسابات مشاريع اللاهثين من أجل استمرارية الاستبداد والإفساد، نستطيع حينئذٍ أن نحدد بوضوح بحثي طبيعة القوى المتصارعة، وماهية دوافعها؛ وبات في مقدورنا متابعة الخطوط، سواء الرئيسة أم الفرعية- التي تتحرك عليها، والتعرجات التي تحدث هنا وهناك.
إن ما يجري في المنطقة هو حصيلة تقاطعات وتداخلات بين أهداف متمايزة، تتلاقى إلى حد التماهي، أو تتباعد إلى درجة التعارض والتناقض. كما انها متباينة على صعيد المستوى والتبلور، مما يضيف تعقيداً استثنائياً إلى المعقد أصلاً. وامتثالاً لمقتضيات التوضيح والتحديد، يمكننا هنا أن نكتفي بتناول ثلاثة مستويات من العوامل المتشابكة الفاعلة التي يؤثر بعضها في بعضها الآخر، ويتكيّف معه سلباً أو أيجاباً. أما الحصيلة المتمخضة عن تفاعل الجهود التغييرية، والأخرى المقابلة المحافظة، فهي تتشخص في الواقع المعاش الذي ترتسم ملامحه عبر اصطفافات واستقطابات، فضلاً عن تجاذبات تتعارض بدرجات متفاوتة، تصل أحياناً إلى الذروة، تتعارض مع مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية، الأمر الذي يثير الخوف من الحاضر، ويشكك في المستقبل؛ فيغدو الماضي بوجهه السلبي هو المعيار والحكم؛ ويتكوّر كل مكوّن على ذاته، باحثاً عن مسارات الإنقاذ لذاته، بعيداً عن التزامات الوطن وأهله، وبمعزل عن مقتضيات الشراكة في الحقوق والواجبات والمصير. أما المستويات الثلاثة التي نرصدها بتأملنا في اللوحة الشرق أوسطية الراهنة التي تشهد تمازجاً ودافعاً بين مختلف العوامل، سواء تلك التي تنتمي إلى مستوى ما بعينه، أم تلك التي تخص المستويات المختلفة، فهي: الدولي، الاقليمي، المحلي. ولنبدأ ب:
1- المستوى الدولي:
والمعني به هو الصراع الدولي على المنطقة، نظراً لما تجسده الأخيرة من أهمية اقتصادية على صعيد الثروات الباطنية، والقدرة الاستيعابية في ميدان الاستهلاك، وأهمية استراتيجية تتصل بالموقع الجغرافي، وبمكانة روحية وحضارية متميزة من دون منازع. والصراع هذا قديم يعود بجذوره إلى بدايات التاريخ، ويبدو أنه سيستمر هكذا طالما لم تتمكن المنطقة من امتلاك أسباب قوتها الخاصة، وعوامل التنمية الحقيقية، وكل ذلك سيمكّنها - في حال تحققه- من الإسهام الفاعل في عملية التواصل الحضاري التي باتت معلماً أساسياً من معالم عصرنا الراهن. فمع انهيار المظومة الاشتركية في بداية التسعينات، وتداعيات ذلك على المستوى الدولي والاقليمي؛ وبروز الولايات المتحدة قوة كونية وحيدة مهيمنة؛ اعتقد الكثير من المراقبين والحللين أن المنطقة مقبلة على مشروع كبير من شأنه كبير من شأنه إعادة ترتيب الأمور والأوضاع فيه بالشكل الذي يتناسب مع التحولات الاستراتيجية الدولية. وما عزّز هذا التوجه، تمثّل في التحالف الدولي الكبير الذي تشكل بقيادة الولايات المتحدة بهدف اخراج القوات العراقية من الكويت؛ وانعقاد مؤتمر مدريد بغرض معالجة الصراع العربي - الاسرائيلي. لكن عملية التغيير وإعادة الترتيب المرتقبة جمدت لأسباب عدة، بعضها واضح ظاهر، في حين أن البعض الآخر- وربما هو الأهم والأكبر- ما زال قابعاً في دوائر السرية والكتمان، هذا على الرغم من أن مقوّمات النجاح - بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية - كانت أوفر وأقوى؛ فالاتحاد السوفييتي كان جسماً يترنح من دون رأس؛ وايران كانت خارجة لتوّها من حرب انهكتها عسكرياً واقتصادياً، ودفعتها الأزمات الناجمة عنها نحو تصدعات واقتسامات مجتمعية حادة. أما العراق فقد كان مصيره في مهب الريح، بعد أن رُفع عنه الغطاء العربي، وفقد الدعم الدولي، واُُثقل بالديون والجراح. هذا في حين أن النظام السوري كان يبحث عن أية وسيلة للبقاء والاستمرار؛ وقد أفصح في السر والعلن عن استعداده للقيام بأي دور مقابل تجديد العقد. ولكن على الرغم من كل ذلك، يبدو أن القوى الصديقة للولايات المتحدة أبدت رغبتها في الحفاظ على الأوضاع من دون أي إعادة ترتيب جذرية، واعتماد سياسة الاحتواء بدلاً عن التغيير والاقصاء. أما القوى الدولية الأخرى، خاصة الأوربية منها، فقد كانت معقودة اللسان والإرادة، مشدوهة حائرة أمام التداعي السريع للخصم الايديولوجي، والشريك الأقرب والأكبر في القارة. وكل ذلك أدى بها إلى اختيار طريق التوافق والانقياد، مما مكّن الولايات المتحدة من التفرّد والتحرر من قيود المنافسة وحساباتها المعرقلة. وعلى الرغم من ذلك، أُرجئت مشاريع التغيير في المنطقة؛ ويبدو أن نصائح ورغبات القوى الاقليمية الصديقة كان لها فعلها في ذلك، هذا إلى جانب عوامل مستترة تتصل بالحسابات الاستراتيجية في مناطق أخرى من العالم. وبعد مرور أكثر من عقد على اخراج قوات النظام العراقي من الكويت، أعادت الولايات المتحدة العمل مجدداً بالمشروع القديم، وذلك استناداً إلى حسابات ذاتية، استهدفت تعزيز ركائز الريادة الدولية، بعد ان افلحت في افغانستان، وتمكنت من استمالة العديد من حلفاء روسيا السابقين، وضمت قسماً منهم إلى الحلف الأطلسي. ولكن في الأثناء كانت روسيا قد بدأت تلملم قواها، وتعيد ترتيب أوضاعها الداخلية، تمهيداً لاستعادة دورها المؤثر في الميدان الدولي، كما ان اوربا، الغربية منها تحديداً، تمكنت خلال العقد المنصرم من تفعيل مؤسساتها الاتحادية، واعتمدت الوحدة النقدية المشتركة لتكون بذلك قوة اقتصادية قادرة، تبحث عن دور مشارك في أجواء الهيمنة الشمولية الأمريكية. أما الصين، فهي الأخرى ماضية في رفع سقف النمو الاقتصادي الوطني - الأعلى وفق المقاييس الدولية- لتكون قوة اقتصادية عملاقة، تستوجب دوراً سياسياً لحماية المصالح، وبلورة التطلعات، هذا بالإضافة إلى اليابان التي تظل اهتماماتها أقل تأثيراً من القوى السالفة، وذلك بموجب المعادلات القائمة حالياً. إن التعددية المركزية علىالصعيد الدولي تُعد من دون شك مدخلاً لنظام دولي ديمقراطي على المستوى البعيد، ولكن شرط احترام ارادة الشعوب، من دون الأنظمة الاستبدادية التي تمكنت من السيطرة نتيجة المباركة الامريكية وغيرها من القوة المؤثرة ايام الحرب الباردة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الضعف الأساسي الذي تعاني منه السياسة الأمريكية في المنطقة يتشخص في التناقض الصارخ بين الأهداف المعلنة، والممارسات الفعلية على الأرض، الأمر الذي يسلبها المصداقية، ويجعلها موضع شك وقلق من قبل الشعوب. و ما يفرض ذاته هنا أكثر من غيره يتمحور حول موضوعة الرغبة في نشر الديمقراطية وترسيخها، الأمر الذي سيمكن في حال انجازه من تعزيز الاستقرار، وتهيئة المقدمات الأكيدة لنهضة فعلية، تستطيع المنطقة بفضلها تجاوز الأزمات والمآزق، وتصبح قادرة على الإسهام الإيجابي في التوازن الاقليمي والدولي. فالإلتزام بدعم الديمقراطية، والعمل على تعميمها في منطقة الشرق الأوسط كان الهدف الثاني الأساسي، إلى جانب مكافحة الإرهاب، اللذين الزمت الادارة الأمريكية بهما نفسها علناً وصراحة، في سعي منها لتسويغ جهودها في المنطقة؛ لكنها على الصعيد الفعلي الممارساتي لم تقدم على أية خطوات ملموسة من شأنها طمأنة الشعوب، واقناعها بأن الديمقراطية التي عملت وضحّت من أجلها وسعت إليها، قادمة، بل ما زالت تقيم أوثق العلاقات مع الأنظمة اللاديمقراطية المكلفة بضبط الأوضاع في المنطقة. وما زالت تتغاضى عن التجاوزات الصارخة للديمقراطية التي تحدث من قبل الأنظمة الصديقة لها في المنطقة، سواء ما يتصل منها بسلوكية اسرائيل تجاه الفلسطينيين أم بالسياسة التركية الموجهة نحو الكرد. كما ان قضايا الاصلاح في كل من مصر والخليج والسعودية والمغرب العربي، وغيرها من المناطق ما زالت خاضعة لمعايير المصالح والعلاقات بين الدول، بعيداً عن آراء الشعوب وتطلعاتها. وكل ذلك يمنح قوى الإرهاب سواء الراعية له والمشرفة عليه، أم المشاركة فيه المنفذة له، مقداراً رحباً من الأريحية والحرية، وقدرة أكبر على استمالة الشباب الحالم، الفاقد للآمل، الجريح الكرامة. والأنكى من هذا وذاك. ومما يرفع من وتيرة الشك، ويضعف المصداقية أكثر وأكثر، يتجسد في أخبار الصفقات المريبة التي تطفو على السطح بين الحين والآخر مع دول بعينها، راعية للقتل والإرهاب؛ أو جماعات القتل، وذلك إما بهدف التحييد أو الاحتواء، أو الاتفاق؛ وكل ذلك يثير هواجس الشعوب الراغبة في التغيير الديمقراطي الحقيقي، ويمنح في الوقت ذاته قوى الإرهاب دفعة اضافية، تؤدي بها إلى التمادي في مشاريع القتل والإرهاب، وذلك لرفع السقف في أية صفقات محتملة. إننا إذا أمعنا النظر في خارطة المنطقة، لوجدنا أن القوى الاقليمية الأساسية تتمثّل في أربع رئيسة، تظل محتفظة بأهمية أدوارها بصورة شبه ثابتة، على الرغم من بعض التباينات هنا وهناك، نتيجة المستجدات التي تحصل، والمتغيرات الناجمة عن وضعية التفاعل ما بين الاقليمي والدولي. أما القوى الأخرى، فهي فرعية تحوم حول الأساسية هذه، وإن سعت في ظرف ما إلى أداء أو تقمّص دور أكبر من حجمها الفعلي.
#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام
-
اللهاث خلف السراب تكتيك سئمناه
-
جهود مستمرة في مواجهة مأساة مستمرة
-
حزب البعث: مؤتمر بائس وموقف حائر
-
كردستان العراق: ضرورة تجاوز العصبية الحزبية إلى المؤسساتية ا
...
-
حول خلفية وطبيعة موقف حزب البعث من المسالة الكردية
-
إلى الانتخابات أيها العراقيون من أجل ألاّ يتحكّم صدام آخر بر
...
-
الحضور الكردي القوي في الجمعية الوطنية القادمة ضمان لوحدة ال
...
-
المعارضة السورية وضرورة الاعتراف بالوقائع
-
تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - أهمية الاعتراف
...
-
تفييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
-
تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب
-
تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
-
تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - 1
-
الإعلام العربي: واقع... وآفاق
-
لنتضامن مع الدكتور الشهم عارف دليلة وسائر النبلاء
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|