أحمد زكرد
الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 02:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في قرية صغيرة تعاني الجفاف والفقر، يقف فتى أمام المصير الذي رسمته له الظروف، لكنه يختار أن يرسم مصيره بنفسه. هكذا تبدأ رحلة ويليام كامكوامبا، الفتى الذي تحدى العجز وصنع الريح، في فيلم The Boy Who Harnessed the Wind، لكن هذه الحكاية تتجاوز حدود الإلهام البسيط؛ إنها استعارة سينمائية لحركة الفكر الإنساني بين المعرفة والحرية، بين الضرورة والاختيار، بين الاستسلام والفعل.
يمسك ويليام بخيط من المعرفة وسط عالم ينظر إليه كأنه من المحرومين منها. المدرسة، تلك المؤسسة التي يفترض أن تفتح الأبواب، تصبح جدارا أمامه حين تعجز عائلته عن دفع الرسوم الدراسية. لكنه، كفيلسوف بالفطرة، يدرك أن المعرفة ليست مجرد امتياز يمنح، بل ساحة تغزى. يتسلل إلى المكتبة، يقرأ، يكتشف، ثم يعيد تشكيل الواقع بيديه. هنا، تنبض الفلسفة البراغماتية في أنقى صورها: المعرفة ليست ترفا، بل أداة للتحرر. وكما قال جون ديوي، التعلم الحقيقي يحدث حين يتفاعل الفكر مع التجربة، وحين يتحول العقل من متلق سلبي إلى قوة خلاقة.
لكن المعرفة وحدها لا تكفي. أمامه عالم يرزح تحت ثقل البؤس، حيث الجفاف يقتل المحاصيل، والجوع يخنق النفوس، والسلطة عاجزة أو متواطئة في صناعة هذا الألم. في هذا السياق، يلتقي الفيلم بماركس، حيث تحكم القرية بنظام اقتصادي يجعل التعليم امتيازا لا حقا، ويجعل الوصول إلى التكنولوجيا حكرا على من يملكون رأس المال. ومع ذلك، يثبت ويليام أن وسائل الإنتاج ليست مجرد آلات ومصانع، بل أيضا العقول القادرة على إعادة اختراع العالم.
غير أن هذه الرحلة ليست فقط مادية، بل هي أيضا وجودية بامتياز. مع كل خطوة، يواجه الفتى الشكوك، لا فقط من الآخرين، بل حتى من أقرب الناس إليه. الأب، الذي يختزن في ملامحه انكسارات جيل كامل، يرى في أحلام ابنه تهورا، وفي إصراره غرورا. لكنه، في نهاية المطاف، يستسلم لتلك القوة الغامضة التي تدفع الإنسان نحو الممكن، نحو المستقبل. هنا، يحضر سارتر: الإنسان ليس مجرد كائن تحدده الظروف، بل هو مشروع مفتوح، حرية تتجدد في كل فعل يقوم به. ويليام لا يتوقف عند رفض واقعه، بل يعيد تشكيله، مؤكدا أن الفعل هو أصدق تجل للوجود.
حين تدور الطاحونة، حين تهب الريح وتحمل معها الماء، لا يكون هذا مجرد انتصار ميكانيكي، بل فعلًا فلسفيًا بامتياز. إنه إعلان أن الإرادة قادرة على أن تجعل من الضرورة اختيارًا، ومن المستحيل حقيقة. إنها لحظة التقاء الإنسان بمصيره، لا كقدر محتوم، بل كإمكانية صنعها بنفسه. وكما قال نيتشه: "يجب أن تحمل في داخلك فوضى، لتتمكن من إنجاب نجم راقص."
فيلم The Boy Who Harnessed the Wind ليس مجرد قصة نجاح فردي، بل درس فلسفي في ماهية الإنسان: كائن يتعثر لكنه ينهض، يُحاصر لكنه يبتكر، يسقط لكن عينيه تظل معلقة بأفق بعيد، حيث تهب الريح حاملةً بذور الأمل
#أحمد_زكرد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟