أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إشبيليا الجبوري - ت: من اليابانية أكد الجبوري















المزيد.....


بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إشبيليا الجبوري - ت: من اليابانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 13:31
المحور: الادب والفن
    


"مثقف المشهد.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية": أمراض المثقف في العصر الحديث. إذ إننا نعيش في زمن يتميز بوفرة متناقضة من الفراغ. فلم يسبق لنا قط أن تمكنا من الوصول إلى هذا الكم الهائل من المعلومات والاتصالات والإمكانيات؛ ومع ذلك لم نكن قط قريبين إلى هذا الحد من هاوية العبث والسطحية والنشوة بالعدم. لقد حولتنا الحداثة السائلة، كما شخّصها ببراعة زيجمونت باومان (1925-2017)، إلى متفرجين على مشهد خالٍ من الجوهر، ولكنه لامع بما يكفي لإغواء الحواس وخداع الروح. إن هذه الظاهرة، التي يمكننا أن نطلق عليها "علم الأمراض المتمثل في البهرجة المبهرة بالعدم"، تشكل سمة أساسية من سمات العصر الحالي، وتعكس أزمة وجودية تتخلل الفرد والجماعة.

- مثقف المشهد مثل الفقاعة؛
إن مثقف المشهد حال الفقاعة. بل إنه فقاعة. و ليس لا شيء. في هذا السياق، لا يشير إلى المفهوم الفلسفي العميق، كما هو الحال عند هايدغر (1889-1976)، حيث "اللا شيء" هو عنصر وجودي يشكك في الوجود ويكشف عن أصالته. هنا، يتعلق الأمر بالفراغ المطلق، وغياب المعنى، والاحتفال بما هو غير ذي أهمية. يتجلى نشوة العدم في أشكال لا حصر لها: الهوس بالمظاهر الافتراضية، وتمجيد الشخصيات الفارغة، وعبادة الزوال، والاستهلاك الجامح للمحتوى الخالي من العمق.

ما يميز هذا المرض هو قدرته على إخفاء غياب الأهمية بجماليات ذات صلة. على سبيل المثال، تحول الشبكات الاجتماعية اللحظات التافهة إلى أحداث عظيمة، والإيماءات التافهة إلى عروض فيروسية، والجمل الفارغة إلى ارتفاعات وجودية. هناك إنتاج متواصل لـ "اللاشيء" الذي يقدم نفسه على أنه لا غنى عنه، بينما يظل الجوهر مهملاً.

- جذور الأمراض؛
إن الانبهار بالعدم هو أحد أعراض مجتمع مجزأ بعمق فقد مراسيه الرمزية والمتعالية. ومن بين أسباب هذه الحالة، يمكننا تسليط الضوء على:
1. موت السرديات العظيمة:
مع تفكيك السرديات العظيمة التي كانت تقدم ذات يوم المعنى والغرض (الدين، والأيديولوجيات، والفلسفة)، يجد المثقف الحديث نفسه في مواجهة فراغ وجودي. وعجزه عن ملء هذه المساحة بالمعاني الأصيلة، يتجه إلى الزائل والسطحي والقابل للاستغناء عنه.
2. دكتاتورية العرض:
تنبأ جاي ديبورد (1931 - 1994)، في كتابه ("مجتمع المشهد". 1967)، بهذا العصر الذي يحل فيه "المشهد/العرض" محل "الوجود". لا يسعى المثقف المعاصر إلى فهم العالم، بل إلى الأداء من أجله. وفي هذه الديناميكية، يصبح العدم - الفارغ في العمق، ولكنه غني بالصورة - جذابًا بشكل لا يقاوم.
3. الفردية المتطرفة:
إن الوعد بالاستقلال المطلق، الذي تحرص عليه الحداثة، قد أنتج جيلاً منعزلاً لا تربطه أي روابط عميقة. ويؤدي هذا العزل إلى خلق فراغ تملأه عوامل تشتيت عابرة، ويصبح العدم الرفيق الدائم الوحيد.

- أعراض الأمراض؛
تتجلى أمراض البهجة المفرطة في سلوكيات وقيم المجتمع المعاصر:
• سطحية العلاقات: استبدال الروابط الحقيقية بتفاعلات فورية يمكن التخلص منها. تحل الإعجابات والرموز التعبيرية والرسائل السريعة محل الحوار العميق والتواصل الحقيقي.
• تمجيد الزوال: ما يهم ليس الدوام، بل التأثير اللحظي. تُقاس قيمة الشيء بمدى انتشاره، وليس بحقيقته.
• النرجسية الجماعية: بناء هويات لا وجود لها إلا على المستوى الأدائي، وتعتمد على التحقق من صحة الآخرين، ولكنها غير قابلة للربط بأي تأمل أصيل.

- الاستمرارية؛
إن الوهم بالعدم له عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع. فهو يولد ثقافة التعب، حيث يتعرض الشخص باستمرار لقصف من المحفزات التي لا معنى لها، مما يؤدي إلى شعور مزمن بعدم الرضا. وعلاوة على ذلك، فإنه يديم دورة الاغتراب، حيث يبتعد الفرد، الذي يبحث عن المعنى في الفراغ، أكثر فأكثر عن جوهره.

- الطريق إلى العدم؛
إن التغلب على هذا المرض يتطلب إعادة توجيه العين البشرية. ومن الضروري استعادة قيمة العمق في عالم تهيمن عليه السطح. وهذا يعني:
1. إعادة اكتشاف الصمت والتأمل: استعادة المساحة للتأمل الذاتي، بعيدًا عن ضجيج الحداثة المتواصل. ففي الصمت يمكننا مواجهة الفراغ بشكل أصيل وتحويله إلى قوة إبداعية.
2. العودة إلى الأساسيات: إعادة تعلم التمييز بين المهم والتافه. وتتطلب هذه العودة الشجاعة لمقاومة الضغوط الثقافية لتمجيد غير ذي صلة.
3. بناء العلاقات الحقيقية: استبدال الكمية بالجودة، وتنمية الروابط التي تتجاوز مجرد الوظيفة والمصلحة اللحظية.
4. الاعتراف بالهشاشة: قبول حقيقة مفادها أن الحياة لن تخضع للسيطرة الكاملة أو الهيمنة. ففي مواجهة حدودنا ينشأ الحس، على النقيض من وهم الكمال الذي يبدو أن "اللاشيء" يقدمه.


- المثقف المشهد... المخلوق المتناقض؛

المثقف، هذا المخلوق المتناقض، يرتفع كصانع للعالم، يبني الجسور التي تربط المستحيل، والكاتدرائيات التي ترتفع مثل صلوات من الحجر والصلب، والمدن التي تتنفس على إيقاع خياله. لكن الروح نفسها التي تدفعه إلى الخلق تحمل في داخلها بذرة الدمار. كيف نفهم مثل هذا التناقض؟ هل يمكن للإنسان أن يكون بروميثيوس الذي يسرق النار ولا يضيء الليل فقط بل يشعل النار أيضًا في الحقول التي يزرعها؟

إن تقلبات المثقف، ورقصه بين الخلق والدمار، تعكس جوهره الوجودي: فهو، في نفس الوقت، الرغبة والنهاية. على حد تعبير نيتشه، بمفهوم أدق إلى"المثقف - المشهد". فإن الإنسان هو "الحبل الممتد بين الحيوان والإنسان الأعلى"، وهو مخلوق في حالة اختلال دائم، يرمي بنفسه في المستقبل للهروب من فراغ حالته. لكن عندما يسعى لتحقيق أهداف يعتبرها مطلقة، فإنه يكتشف في ذروة إنجازاته الطعم المرير للزوال.

هذه الثنائية ليست مجرد مرض، بل هي علامة مميزة للنوع. يخلق المثقف للتغلب على الزمن، لينقش على الرخام وفي الفكر وعد الخلود. ولكنه حين يلمس الأبدية يدرك أن البناء الذي حققه لا يرضيه، بل يتحداه: ما الذي يبقى للنحات بعد انتهاء عمله؟ ماذا يبقى للمنتصر بعد إخضاع الإمبراطورية الأخيرة؟ ولعل الدمار هو التوازن الحتمي مع الخلق. إنه يفتح المجال لمشاريع جديدة، ويجدد الدورة التي لا نهاية لها من البحث وعدم الرضا.

المثقف أكثر من متقلب، فهو مأساوي. إنه لا يبني لأنه يريد ذلك فحسب، بل لأنه يعلم أن الموت يلاحقه. إن إبداعاته تشكل آثاراً ضد النسيان، ولكنها أيضاً اعترافات بفنائه. وهكذا فإن التدمير، بعيداً عن كونه انحرافاً، يكشف عن حميمية الحالة الثقافية - الإنسانية: فمن خلال التدمير، تؤكد الحالة الإنسانية قدرتها على البدء من جديد، وإعادة اختراع نفسها في مواجهة الهاوية.

وإذا كان التدمير عاطفيًا في كثير من الأحيان، فربما يكون ذلك راجعًا إلى قرابة ما هو سامي. هناك شيء رائع في مشاهدة ما كان يبدو ثابتًا وهو يستسلم، وفي التأمل في انهيار الهياكل التي كانت ترمز إلى الدوام. وكأن الإنسان، بالتدمير، يؤكد قوة التغيير التي لا تقاوم، وهي قوة تتجاوز وجوده وتربطه بديناميكية الكون.

إن الهدف الثقافي الإنساني، إن وجد، ليس تحقيق الكمال، بل الاستمرار في التوتر بين البناء والتدمير. هذا التذبذب هو الذي يبقيك على قيد الحياة، ويمنعك من الاستسلام للركود. فالحياة، في نهاية المطاف، ليست حالة، بل هي حركة. وكما هو الحال في كل رقصة، هناك لحظات من الصعود والهبوط، من الخلق والدمار، من الضوء والظل.

ربما لن يجد الإنسان أبدًا إجابة للتناقض الذي يميزه. ولكن طالما واصلتم السعي لتحقيق أهدافكم، وطالما قمتم ببناء وهدم نصبكم التذكارية، فسوف تؤكدون، بشكل متناقض، ما يجعلكم بشراً: القدرة على تجاوز أنفسكم، حتى عندما تواجهون الفراغ الذي يطاردكم. إن الدمار ليس النهاية، بل هو مقدمة لقصص جديدة، وطرق جديدة للوجود والحلم في فقاعة. إن شئتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيو ـ 02/13/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إضاءة: رواية -كاميلا- لفرانسيس بورني/إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- بإيجاز؛ التناقض كجوهر للوجود الفكري/ إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (6- 7)/ الغزالي ال ...
- النزاع حول التاريخ الحقيقي
- إضاءة: رواية -كما أحتضر- لويليام فوكنر/إشبيليا الجبوري - ت: ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (5 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -السقوط- لألبير كامو/ إشبيليا الجبوري - ت: من ا ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق --رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- الليل داكن - هايكو - السينيو
- إضاءة: رواية -الاراضي القروية العظيمة: المسارات-/ لجواو غيما ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -فترة ويعود أوغستو ماتراغا- لخواو غيماريش روزا ...
- قصة قصيرة: -مرآة الموت-/ بقلم ميغيل دي أونامونو - ت: من الإس ...
- -السونتات 1-20- لشايكسبير - ت: من الإنكليزية أكد الجبوري
- إضاءة: -تأملات دون كيخوته- لخوسيه أورتيغا إي غوست / إشبيليا ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (3- 7)/ الغزالي ال ...
- إضاءة: رواية -لمن تقرع الأجراس- لإرنست همنغواي/إشبيليا الجبو ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (2- 7)/ الغزالي ا ...
- إضاءة: رواية -حكاية الجزيرة المجهولة- لجوزيه ساراماغو/إشبيلي ...
- صراع التكنولوجيا والديمقراطية/ لموروزوف - ت: من الإنكليزية أ ...


المزيد.....




- سوريا.. رحلة البحث عن كنوز أثرية في باطن الأرض وبين جدران ال ...
- مسلسل -كساندرا-.. موسيقى تصويرية تحكي قصة مرعبة
- عرض عالمي لفيلم مصري استغرق إنتاجه 5 سنوات مستوحى من أحداث ح ...
- بينالي الفنون الإسلامية : أعمال فنية معاصرة تحاكي ثيمة -وما ...
- كنسوية.. فنانة أندونيسية تستبدل الرجال في الأساطير برؤوس نسا ...
- إعلاميون لـ-إيلاف-: قصة نجاح عالمي تكتب للمملكة في المنتدى ا ...
- رسمياً نتائج التمهيدي المهني في العراق اليوم 2025 (فرع تجاري ...
- سلوكيّات فتيات الهوى بكولكاتا نقلها إلى المسرح.. ما سرّ العي ...
- الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة تصل إلى ليبيا لتول ...
- الرئيس اللبناني: للأسف الفساد بات ثقافة


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إشبيليا الجبوري - ت: من اليابانية أكد الجبوري