|
عبد الرزاق عبد الواحد. للذين سخروا من شاعريته
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 19:56
المحور:
الادب والفن
كثرت مؤخرا منشورات لكتّاب وشعراء تنال من شاعرية عبد الرزاق عبد الواحد ،وتنعته بأقبح الصفات، مدفوعين بحقيقة سيكولوجية تنفرد بها الشخصية العراقية..حين تنال من أحدهم فأنها.. تمسح به الأرض!
بدءا نقول ..ان القاريء للعلاقة بين السلطة والشاعر من بدء الدولة الأموية الى الآن يجد انها تتمحور في موقفين:اما ان تغدق على الشاعر ليكون مداحّها واذاعتها واعلامها الجماهيري،واما ان تضطهده اقتصاديا ونفسيا،وان تطلب الأمر قطعت رأسه الذي فيه لسانه. قليل من الخلفاء والسلاطين والأمراء في امتنا تصرفوا مع الشعراء والفنانين تصرفا حكيما وانسانيا و(براغماتيا) كما تصرف الملك (فيليب)مع الفنان (فيلاسكس).فقد كان هذا الفنان مشتركا في مؤامرة ضد الملك الاسباني فيليب،فاعدم المتآمرين جميعهم الا فيلاسكس فقد جعله فنان البلاط.كان قتله سهلا كالآخرين،غير ان الملك فكّر بذكاء بأن الموهبة تكون في العادة نادرة،وأنه يمكن ان يستثمرها..وكان له ما اراد .فلقد انتج فيلاسكس لوحات فنية رائعة خلدت الملك فيليب،والأهم انها شكلّت انعطافة جديدة في تطور الفن الاسباني،على العكس تماما من موقف سلطة فرانكو التي اعدمت شاعر اسبانيا العظيم الشاب (لوركا)..فخسرت اسبانيا والانسانية موهبة وعبقرية لا تعوّض.
اما في تاريخنا العربي والاسلامي فالحال ادهى وأمّر..اترك استحضار مآسيه لذاكرتكم.لكن اللافت ان سيكولوجيا العلاقة هذه بين الشاعر (والفنان والعالم والمفكر) وبين السلطة لم تتغير.والتساؤل هنا: ما الذي فعله عبد الرزاق عبد الواحد اكثر من مدحه لصدام حسين؟.والواقع ان مدحه له كان لقاء ثمن يحتاجه مزاج الشاعر:بيت قيل عنه أنه فاخر.وكان (السلطان)ينفّذ له رغباته،حتى انه طلب منه ذات يوم ان تكون في البيت (مسنايه)..فكانت!.
نعم ..مدح عبد الرزاق الطاغية صدام حسين ،ولكنه لم يفعل اكثر مما فعله شاغل الدنيا الهائل العظيم (المتنبي)الذي مدح حاكما وضيعا مغتصبا للسلطة ليوليه على امارة ولو بسعة مدينة حلب.ولما لم يستجب كافور لطلبه هجاه المتنبي بافضع ما في قاموس لسان العرب من مفردات بذيئة!.ولم يفعل اكثر مما فعل شاعرنا الخالد الهائل العظيم (الجواهري) الذي كان سكرتيرا للملك فيصل الأول ومدحه بقصائد كثيرة..ومدح ملك المغرب وملك الاردن(يبن الملوك وللملوك رسالة..من حقها بالحق كان رسولا)..ونوري السعيد ايضا :(أبا صباح وأنت العسكري..)..وحتى احمد حسن البكر وصدام حسين:(نعمتم صباحا قادة البعث واسلموا...).
ثم ،ألم يكن (عبد الرزاق) افضل من شعراء (كبار) يتنفسون الآن هواء الوطن الذي حرموه منه؟.ومن من هؤلاء الشعراء نظم قصائد وجدانية غاية في الرقة والمشاعر الانسانية الراقية كالتي نظمها عبد الرزاق؟.
ومن من شعراء الاسلام ،والشيعة تحديدا،نظم قصائد في (الحسين) كالتي تدفقت بها عبقريته،وهو الصابئي اصلا وفصلا؟!. ثم من (الأخطر)،ان كان في الأمر خطورة سياسية او اخلاقية:الشاعر العبقري والفنان الموهوب والعالم المبدع،أم بعثيون كانوا كبارا في الجيش والمخابرات احتلوا مراكز مهمة في حكومة ما بعد 2006؟،أم الآف الفاسدين الذين نهبوا ملايين الدولارات ولم يحاسبوا؟أم سياسيون في النهار وقادة ميلشيات وارهاب في الليل؟
انا شخصيا( وبيننا لقاءات وجلسات سمر) اكره في عبد الرزاق عبد الواحد سلوكه،وأدين مدحه للطغاة والطغيان،واساءاته لعدد من المثقفين..غير اننا لا نختلف بشأن عبقريته،بل نكاد نضع موهبته فوق منارة لا تقل علّوا عن منارات المتنبي والمعري والجواهري.نعم..منحه الطاغية لقب (شاعر القادسية)..ولكن، منح ايضا وسام بوشكين بمهرجان الشعر العالمي في بطرسبرج،ودرع جامعة كامبردج وشهادة الاستحقاق في مهرجان ستروكا بيوغسلافيا وجوائز وتقديرات اخرى..فلماذا ضحينا بعبقرية شاعر في عصر صار فيه ميلاد شاعر معجزة ؟.ولماذا لا نتفق من الآن على ان يكون هؤلاء،اعني الشاعر العبقري والفنان الموهوب والعالم المبدع والمفكر الأصيل ..خارج الممنوع من الصرف..السياسي؟
كثيرون يدينون مدح عبد الرزاق للطاغية صدام ،وهو موقف مشروع، شرط ان يكون مبدء" ينطبق على جميع الشعراء الذين امتدحوا الطاغية ونظامه. فالواقع يشير الى ان عددا من الشعراء الذين امتدحوا صدام يتولون الآن مسؤوليات ثقافية وعلمية ..يتصدرهم شاعر(دكتور) كان يتباهى في الصباح امام طلبته بأنه مدح (البارحة السيد الرئيس صدام حسين بقصيدة عصماء)..ويتولى الان مسؤولية علمية كبيرة براتب وزير!...ما يعني ان عبد الرزاق افضل منهم لأنه لم يتلوث برذيلة النفاق!
ليس هذا فقط ،بل اننا ارتكبنا موقفا خاطئا اننا تركنا شاعرا عبقريا يموت في الغربة،والخطأ الآخر،الذي كان بالأمكان تداركه وما تداركناه، ان نحرمه من رغبته في ان يدفن في وطن احبه بصدق وشفافية:
( ياعراق هنيئا لمن لا يخونك،هنيئا لمن اذ تكون طعينا يكونك، هنيئا لمن يلفظ آخر انفاسه تتلاقى عليه جفونك).
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شباط 1963 يوم الدم العراقي (توثيق 3). ليلة التحقيق
-
شباط 1963 يوم الدم العراقي (توثيق 2)
-
8 شباط 1963 يوم الدم العراقي
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟ 10 . ابو حيان التوحيدي
-
مسلسل..مع الديم؟ ضد الدين. 9. معروف الرصافي
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟ 8.أحمد بن يحيى الراوندي
-
مسلسل..مع الدين ؟ضد الدين؟ 7 . الأمام جعفر الصادق
-
جواد سليم تحليل سيكولوجي لشخصيته واهم اعماله - لمناسبة ذكرى
...
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟ 5. موقف الفيلسوف ابو بكر الرازي
-
العراقيون بين زيارتين للأمام موسى الكاظم..هل ما تزال عرض مظا
...
-
بعد عشر سنوات ..جهة(...) تطلب من ادارة جريدة الصباح حجب صفحة
...
-
لأن ما طالب به العراقيون لم يتحقق..رأيكم في تجديده؟
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟ 4 - فرانكل مع الدين
-
يتباهون بالأمام علي ولا يقتدون بأخلاقه!
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟. اريك فروم
-
مسلسل ..مع الدين؟ ضد الدين؟ يونغ ..مع الدين (2)
-
مسلسل..مع الدين؟ ضد الدين؟. الدين بمنظور فرويد (1)
-
اشكاليات المثقف بعد التغيير
-
نهاية العراق..هل هي مؤجلة؟
المزيد.....
-
اختيار بغداد عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي للعام 2026
-
مهرجان برلين السينمائي 2025 .. مئات الأفلام ومن بينها عربية
...
-
من قصر الكرملين.. بوراك أوزجيفيت يقدم عرضا فنيا ويكشف انطباع
...
-
اختتام الدورة العاشرة لمهرجان نواكشوط للشعر العربي في موريتا
...
-
الحب والأفلام.. وصفة سحرية لعلاقة رومانسية قوية مع الشريك؟
-
ابن بشار الأسد يقدم رواية جديدة لليلة الفرار من سوريا
-
بالصور والموسيقى والجلسات التفاعلية .. ابوظبي تحتفي بقامات ع
...
-
المغرب يشهد تصوير فيلم -أوديسة- للمخرج البريطاني كريستوفر نو
...
-
وزير الثقافة السوداني يدعو الإيسيسكو لدعم استعادة آثار السود
...
-
كلاكيت: الفيلم الكوميدي الذي نسعى إليه
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|