فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 18:18
المحور:
الادب والفن
لم تكن الجزيرة جزيرة، بل ذاكرة تتنفس، تُعيد تكوين نفسها كلما فتح البحر عينيه على الأفق. كنتُ هناك قبل أن أكون، قبل أن يولد الرمل، قبل أن يفهم الضوء كيف يرسم ملامحه فوق الموج. رأيتها، ولم يكن اللقاءُ لقاءً، بل انحرافًا في مسار الزمن، تصحيحًا لخطأ ارتكبته لحظةٌ مجهولة حين بعثرت أرواحنا في اتجاهين متعاكسين. لم يكن لصوتها صوتٌ، بل كان ارتعاشة المدّ حين يعترف للشاطئ أنه ظلّ يبحث عنه قرونًا دون أن يصل. لم تقترب، لم أقترب، بل اختصر الكون المسافة، تراجع الزمن، سمح للحظة بأن تنحني كي تتشكل من جديد. حين تلامست يدانا، لم يكن اللمس لمسًا، بل احتراقٌ كونيّ، انفجارُ ضوءٍ يتشظّى داخل مجرّات غير مرئية، كأنّ الموج نفسه لم يعد يعرف كيف يعود إلى البحر بعد أن غمرته النار. الورود لم تكن زهورًا، بل تعاويذٌ محفورة في الهواء، تهتزّ حين نمرّ، تتلاشى وتُعاد ولادتها كلما تنفّس العشق. الزمن لم يكن يتحرك، بل كان يراقب، يخشى أن يتدخل، يتراجع خطوةً إلى الخلف كي يمنحنا الأبدية التي لا تكفي. وحين رحلنا، لم نرحل، بل صرنا جزءًا من المكان، صار صوتها في نسمات المساء، وصارت خطواتي ظلًا لا يفارق الرمال. لم يعد البحر بحرًا، بل كتابٌ أزرقٌ مفتوحٌ على آخر صفحة لم تُكتب بعد، حيث تُعاد قصتنا مع كل موجة، وتولدُ من جديد كلما حلم البحر.
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟