|
الحقيقة تستحق السعي اليها وإن كان ثمنها بعضٍ من قناعاتك..
موسى فرج
الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 20:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هوامش على سؤال سلوى زكو حمّال الأوجه.. ورسالة عدنان الظاهر المحفزة للسعي وراء الحقيقة.. تعلمنا في مرحلة الدراسة المتوسطة إن الفلسفة مصطلح يوناني يعني البحث عن الحكمة، لكن الوعي الجمعي السائد بين الأوساط الشعبية في العراق كان مستخفاً بالفلسفة والبحث عن الحكمة معاً، فبمجرد أن يقول الواحد منا كلاماً مرتباً متناسقاً يزم الآخر شفتيه ويتمتم: "بدأ الأخ يتفلسف..!"، والحال نفسه يواجه به من يحتكم للمنطق فيتمتم المقابل: "بدأ الأخ يتمنطق..!"، لكني وجدت أن السعي وراء الحقيقة أولى من البحث عن الحكمة، والاحتكام الى المنطق كلاهما، ويستحق بلوغها أن يتنازل المرء عن بعض قناعاته أو كلها وإن طال تمسكه بها، أو طال مكوثها معشعشة في رأسه. منذ سنوات وفي شباط وتموز من كل عام يوضع تمثال عبد الكريم قاسم على قاعدة مكعبه ويتجمع الناس حولها منتظمين في أربع مجموعات حسب أضلاع القاعدة الأربعة : -الذين ينظرون إليه من أمام يجدون قميصه قد من دبر وهو من الصادقين وفي سجله حسنات لا تحصى في مقدمتها العفة والوطنية والتعامل مع العراقيين بعين المواطنة، وانحياز الرجل لفقراء الشعب وتحقيق منجزات لهم، ووقوفه مدافعاً عن سيادة العراق وثروته النفطية ضد الاستعمار وشركات النفط الأجنبية.. الخ وكل تلك الأمور وغيرها صحيح. -والذين ينظرون إليه من خلاف يجدون فيه التسبب بمقتل العائلة المالكة والإيذان بعهد الانقلابات والاستيلاء على السلطة بالقوه.. ويحملونه مسؤولية كل ما حصل بعده من دمار للعراق وليومنا هذا. -والذين ينظرون إليه من يمين يرون فيه باذر بذرة المروق على الملة واحكام الدين وتقاليد المجتمع ، وتسليم الحكم للشيوعيين، ويحملونه وزر كل من تحالف معه من الأقربين والأبعدين. -والذين ينظرون إليه من يسار يرونه قد انحرف بالثورة وأمعن بضرب حلفائه، ونهج نهجاً فردياً وسلم نفسه وأنصاره والثورة والشعب بيديه وفرديته وغفلته الى القتله، فتسبب بكارثة ماحقة لم تبق ولم تذر عاني منها الشعب العراقي والعراق منذ 8 شباط عام 1963 ولغاية اليوم. ولأني من جماعة البعد الواحد فقد بقيت طيلة العقود السابقة مرابط ومقفّل دون أن أبرح أو أتزحزح من مكاني لأرى الصورة من أوجهها الأربعة ولم أنفرد بذلك وحدي فغيري كثر ، حتى ان دكتور قاسم حسين صالح الذي "أخذوه في مثل هذه الليلة من مركز شرطة الشطره معصوب العينين فيفتح عينه في مركز شرطة الناصرية، ليباغته البعثي القيادي نعيم حداد بصفعة قوية تلتها رفسة من آخر مصحوبة بـ "أنعل أبوك لابو كل شيوعي".. وفي اليوم التالي حقق معه منير روفا الطيار الذي هرب بطائرته الميكَ لاحقاً الى إسرائيل وانتهى به المطاف منتحراً في أمريكا لشعوره بوزر خيانته لبلده.. صديقي وزميلي في البعد الواحد دكتور قاسم كتب بالمناسبة يقول: "قل ما شئت عن عبد الكريم قاسم.. قل عنه انه عقلية عسكرية يعوزه النضج السياسي، ولك ان تدين شنّه الحرب على الكرد عام (61)،واستئثاره بالسلطة ،ومعاداته لقوى عروبية وتقدمية، وما حدث من مجازر في الموصل، واصطناعه حزبا شيوعيا بديلا للحزب الشيوعي العراقي الذي عاداه رغم انه ناصره حتى في يوم الانقلاب عليه (8 شباط 1963). ولك ان تحمّله ايضا مأساة ما حصل لأفراد العائلة المالكة، وتصف حركته بأنها كانت انقلابا وضعت العراق على سكة الانقلابات. ولك ايضا أن تتغاضى عن انصافه الفقراء واطلاقه سراح المسجونين السياسيين وعودة المنفيين وفي مقدمتهم الملا مصطفى البرزاني الذي استقبله اهل البصرة بالأهازيج.. ولكن، حتى أبغض اعدائه، لا يمكنهم أن يتهموا الرجل بالفساد والمحاصصة والطائفية والمحسوبية والمنسوبية..وتردي الأخلاق". إلا أن سؤل أم المثقفين سلوى زكو حمّال الأوجه الذي رددت عليه بحمية مشهودة، حفزني لأن أدور ولو سريعاً حول جوانب عبد الكريم قاسم الأخرى بحثاً عن الحقيقة وليس الحكمة أو المنطق.. وفي هذه الأثناء وجدت ان صديقي دكتور عدنان الظاهر قد بعث لي رسالة يقول فيها: ]] إليك عزيزي رأيي بصاحبك عبد الكريم قاسم سميِّ نجلك الصغير الكريم : عدنان الظاهر شباط 1962 حين كسروا رأسي وتناثر دمي على رصيف شارع الثقافة والمكتبات دنا (شريف صبيح) ملازم الانضباط الفاشي قريبا مني ومسدس عسكري يتدلى من حزامه, قال, ووجهه الجميل يقطر لؤما ونذالة : تستأهل أكثر ! ترك ميدان المعركة مسرعا وكان العريف المسلح يجري خلفه. في الطريق الى مركز الشرطة اعترضت سيارة متصرف اللواء (محافظ اللواء) خيري الحافظ - عقيد متقاعد ومتآمر سابق- لم يتبين سائق سيارته ملامحي "وكان زميلا لي في الابتدائية"، كذلك نائب العريف حمدان مرافق السيد المحافظ، " كان الدم الحار ما زال يسيل بغزارة" ، قلت للمحافظ هل أستأهل هذا ؟ وأشرت الى وجهي ودمي، افتعل السيد المحافظ الجد وهز رأسه الضخم موافقا. في حجرة حاكم التحقيق لدى استجوابي دخلت عصابة الحرس الأسود/ الحرس القومي فيما بعد، وأمام حاكم التحقيق وضباط الشرطة بنجومهم اللامعة وجهوا لي بعض الإهانات. لم يعترض أحد وكان علم الدولة ما زال يرفرف فوق السطوح. في غرفة العمليات الكبرى في المستشفى الجمهوري خدرني الطبيب المناوب وخاط جروح رأسي - وكنت ما زلت أنزف بين يديه - وفجأة تناهى الي صوت شقيقتي باكية تصرخ أين أخي ؟ أين أخي ؟ واأخياه ! قتله البعثيون الفاشست . طلبت من الطبيب أن يفتح لها الباب كي تراني جريحا لا قتيلا دخلت فرأتني ممدا غارقا في بركة من دم لطمت وجهها وناحت وبكت, طلبت منها الرجوع الى البيت. قلت لها لم أقتل بعد, سيقتلونني فيما بعد ! في منتصف الليل جاء حاكم التحقيق السيد فاروق (زميل الثانوية) وأيقظني من نومي - وكنت ما زلت تحت تأثير المخدر - قرأ علي أمرا لم أفهمه , ثم قال انك موقوف وأمر شرطيا جاء معه أن يضع القيد في معصمي وأن يأخذني مقيدا الى حجرة التوقيف - حتى في المستشفيات حجر للموقوفين - ربطوني بالسلاسل الى قوائم السرير الحديدي أطفأوا النور ومضوا . عند الفجر سمعت صوت المرحومة والدتي تحاول اقناع الشرطي حارس الموقف بالدخول لرؤيتي وبعد شجار عنيف دخلت مع شقيقتي تحملان فطورا وشايا أمسكت والدتي بالسلاسل وقالت: أمصاب ويخشونك ؟؟ "مزنجليك يمه بالحديد ؟؟" فأنشدتها للجواهري: سلام على مثقل بالقيود ويشمخ كالقائد الظافر كأن القيود على معصميه مفاتيح مستقبل زاهر.. شفيت جروح الرأس والصدر فاستأنفت التدريس في المتوسطة على ساحل نهر الفرات أدرس الكيمياء وعلم الأحياء وسحر بابل وشرائع ( حمورابي ) و( المسيح ) و (محمد) و ( ماركس). قام طالب ضئيل الحجم وأقترب مني قائلا : هذه ساعتك أستاذ !! وأين وجدتها يا صباح ؟؟ أجهش الطفل بالبكاء . أعدت عليه سؤالي : أين وجدتها ؟؟ بين الدموع والنشيج قال : كنت أشهد ما دار بينك وبين العصابة السوداء في المقهى بالقرب من مكتبة والدي رأيتك جريحا تنزف بغزارة وكنت أبكي أراك وحيدا ولا من يدافع عنك " تذكرت الحسين في كربلاء " التقطت ما وقع منك فاذا هي ساعتك التي تضبط بها حصصنا المدرسية . شكرته . واصل البكاء والنحيب حتى كدت أن أبكي معه, طلبت منه مغادرة حجرة الدرس ليغسل وجهه رفض. وضع رأسه على ذراعه وظل ينتحب بصوت عال. من خلال الدم الذي سال مني غزيرا وما تبع ذلك من محاكمات ومحاكم رأيت أن الدولة وكل البلاد آلت الى أيدي " الجبهة القومية " التي خططت لقتلي رمزا لحرية التنظيم النقابي في مسقط رأسي جبهة العهد الملكي والدين والبعث والوحدة: "نوري السعيد + الحكيم + عفلق + ناصر"، علام يجتمع هذا الخليط الغريب ؟؟ أما )الزعيم الأوحد ) ...( فكان وحيدا يحصن عرينه في وزارة الدفاع) ( هل كان حقا فوق الميول والاتجاهات ؟؟ ) كان العراق , كل العراق في واد والأسد وعرينه في واد آخر. وظل العراق ينزف, ينتظر حلول اليوم الثامن من شباط 1963 ليرى حريته ومصيره يتوقفان على معركة واحدة فقط تدور حول وفي قلعة الأسد الحصينة وليسمع أن الزعيم الأوحد يستسلم للخصوم ولا يموت كما مات عبد الكريم الجدة ووصفي طاهر ولا ينتحر كما فعل هتلر، وأنه يساوم لإنقاذ رأسه ثم يؤخذ في مدرعة أسيرا ليعدم في مبنى الإذاعة والتلفزيون في بغداد ويراه العالم قتيلا وسط بركة من دم محاطا بأجساد ثلاثة ضباط قتلى كانوا آخر من تبقى معه في معركة وزارة الدفاع وظلوا معه حتى لحظات الحياة الأخيرة : طه الشيخ أحمد وفاضل عباس المهداوي والملازم كنعان خليل، 8 شباط 1963 حرس قومي أسود أسود...أسود...أسود، دم...دم...دم ...دم ... دم ... دم ... دم ... دم ، البيان العسكري رقم 13 قاسم يطفو على سطح نهر ديالى ثم يغوص الى أسفل النهر.[[ وفي الوقت الذي أكبر فيه شجاعة ومبدئية صديقي العزيز الظاهر خصوصاً وهو يرفع جفنيه المثقلين بالدم المتيبس عليهما بصعوبة لينظر الى وجه أمه وهي تخاطبه بقولها: "مزنجليك يمه بالحديد ؟؟" فأنشدها للجواهري: سلام على مثقل بالقيود ويشمخ كالقائد الظافر كأن القيود على معصميه مفاتيح مستقبل زاهر.. وربما سمع تمتمتها الخافتة وهي تقول: يمه يا مستقبل زاهر..؟! وبعد إن عرفت ان ذلك حصل في شباط 62 وليس في شباط 63 وتذكرت أني رأيت في السماوه البعثي "ف.ح.ع" وهو يقود ثلة من الشرطة يجوب بهم السوق ليتوقف أمام المقاهي فيؤشر بيده على أحد الجالسين ويقول لثلة الشرطة التي ترافقه: ذاك شيوعي جلب جيبوه فيأتمرون بأمره وينقضون على الجالس.. وإن كل ذلك حصل خلال الفترة 59-62 وليس بعد شباط 1963 فإذن: من كان يحكم قبل شباط 63 الشيوعين أم البعثيون..؟ ومن مكنهم من ذلك.. عبد الكريم قاسم ؟ أليس صحيحاً..؟ وماذا فعلوا به والناس لاحقاً..؟ في هذه الحالة هل كان الشعب العراقي والعراق ضحية بين نزيه يتخبط وبين وقتلة مجرمون..؟؟ الحقيقة تستحق البحث عنها وإن كان ثمنها تغير بعضٍ من قناعاتك..
#موسى_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلوى زكو وسؤالها حمال الأوجه..
-
لماذا لم يعد الأدب والفن مؤثرًا كما السابق..؟ مناقشة أصل الم
...
-
هل يستمر القتل في غزه المنحوسه..؟
-
عون.. بنسخته الجديدة غير عون صاحبي...
-
شقشقة على بقايا الفرات..
-
السوداني يكشف عورة ساسة -المدنية- في العراق..
-
الانتخابات في العراق.. أداة للتغيير أم وسيلة للتكريس..؟
-
لو كنت مكان حميد الشطري لفعلتها..
-
مفارقة بيننا وبين بنو عمومتنا...
-
استغلوا -خرطة السوكَ- لا أباً لكم...
-
حول موقف العراق مما يجري في سوريا...
-
صفحات من كتاب تحت الطبع...
-
أوراق من كتاب تحت الطبع: نظام الحكم مختلفٌ عليه ويلزمه إثبات
...
-
خوازيق ميزوبوتاميا المعاصرة
-
موقف...
-
محنة النزاهة في العراق... موقف القضاء من هيئة النزاهة
-
محنة النزاهة في العراق...ح/2 الصدق والمكاشفة هو السبيل لمواج
...
-
محنة النزاهة في العراق: غريب في ثقافة حكم لم تألفه....
-
نور زهير ليس بطل -سرقة القرن- بل مجرد شيّال لحقيبة أبطالها..
...
-
هل نحن أمام -نصبة القرن- ، بدلاً من -سرقة القرن-...؟ وهل أن
...
المزيد.....
-
مطاردة على الأقدام تنتهي باجتياز مراهق طريقًا سريعًا بشكل جن
...
-
ملك الأردن: أكدت لترامب رفض المملكة تهجير الفلسطينيين في غزة
...
-
وسائل إعلام عربية: السيسي يؤجل زيارته إلى واشنطن بعد تصريحات
...
-
برلماني هولندي: دعم حكومة امستردام لأوكرانيا يضع بلدنا هدفا
...
-
إيطاليا تعتقل حوالي 130 شخصا في عملية مكافحة المافيا
-
-الشفافية الدولية- تطالب بمكافحة صارمة لرشى نواب البرلمان ال
...
-
-الشفافية- و-استراتيجية مكبر الصوت-- سلاحا أمريكا ضد روسيا!
...
-
منظمة الشفافية الدولية تحذر من الفساد بوصفه -قاتل- المناخ وا
...
-
إلقاء القبض على تاجر مخدرات خطير في محافظة ريف دمشق السورية
...
-
برلماني أوروبي عن قضية أسامة نجيم: ميلوني أعادت مجرم حرب لوط
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|