أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الضمير بين الوعي والدين (1)














المزيد.....


الضمير بين الوعي والدين (1)


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 18:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عكس الاعتقاد السائد، الدين لا يُقوي الضمير بقدر ما يُضعفه. هذا القول قد يصدم الكثيرين، خاصة أصحاب القناعات والمبادئ والأخلاق الدينية الصادقة والمخلصة. لكن حقيقة صدق من كذب هكذا قول لا تتضح قبل الخوض أكثر فيما نقصده ونعنيه على وجه التحديد من مفاهيم "الضمير"، "الوعي" و"الدين". وحيث أعتبره، فيما أظن، هو الأساس المتين الذي ينمو ويتطور أعلاه الآخران، سأبدأ بتعريف الوعي أولاً.

لا شك أن الإنسان يشترك في صفة الوعي مع الحيوان، إضافة إلى بقية الكائنات الحية ذات القدرة على الاتيان بالحركة الذاتية الواعية، بناء على موازنة حذرة بين فرصة مواتية وخطر وشيك، ثم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. من دون القدرة على الحركة، ما استطاع الإنسان ولا الحيوان التجوال في محيطه بحثاً عن طعامه وشرابه وفرائسه، وما استطاع النجاة من المخاطر التي تهدد وجوده. هذه الحركة ولو كانت وسائلها مرئية ومعلومة في أعضاء جسدية معينة، إلا أن منبعها الحقيقي أبعد كثيراً من مرآي العين والملاحظة المباشرة- يختبئ داخل جزء صغير من الدماغ نُسميه المخ. ومما لا شك فيه أن الحيوانات لها رؤوس كما لنا، وبداخلها أمخاخ شبيهة بما لدينا.

حتى يكتمل الوعي ويعمل لكي يؤدي وظيفته في حفظ بقاء الأنواع، لابد أن تتوفر ثلاثة شروط أساسية: (1) أن يعي الفرد (إنسان أو حيوان) وجوده ذاته أولاً؛ (2) أن يعي وجود محيطه الطبيعي ثانياً؛ ثم (3) أن يتمكن من بناء علاقة بين (1) و(2)، بين ذاته ومحيطه الطبيعي. عبر هذه العلاقة، يتحقق الاتصال بين رغباته ومخاوفه الذاتية الداخلية وبين العناصر المختلفة في محيطه الطبيعي التي تشبع له هذه الرغبات وتجنبه الأخطار. ولما كان الرغبات والمخاوف مصدرها الوعي الذاتي، سيكون هذا الوعي الداخلي تحديداً وحصراً هو المعيار الرئيس الذي على أساسه سيقدر ويقيم ما ينفع أو يؤذي وجوده من بين عناصر محيطه الطبيعي الكثيرة من نباتات وحيوانات وجمادات وبشر، وحوادث طبيعية كالبرودة والدفيء والزلازل والبراكين والرياح والعواصف وخلافه.

قد يندهش أغلبنا حين يقرأ أن الحيوانات تُفكر مثلما نفكر. لكن هذه هي الحقيقة، التي من دونها لكانت الكائنات الحية مجرد جمادات أخرى كالمعادن وصخور الجبال لا تأكل ولا تتكاثر ولا تنتقل عن قصد ووعي من موئل لآخر بحثاً عن الكلأ والماء والمأوى، ناهيك عن قدرات مثل التواصل وتنظيم علاقات العيش المشترك المعقدة ضمن عائلات وقطعان وأسراب ضخمة. نعم، الحيوانات تفكر، ولديها عقل مثل الإنسان تماماً. ومقولة أن الإنسان يتميز على الحيوان بملكة العقل مقولة خاطئة بالكامل.

يمكن تعريف خاصية التفكير بأنها هذه العلاقة التي يُنشئها الكائن ما بين (1) ذاته من جهة وبين (2) محيطه الطبيعي في المقابل. من دون وعي الكائن أولاً بوجوده ذاته وبرغباته التي يريد إشباعها، ما كان احتاج أصلاً في شيء إلى، أو تكون لديه أي وعي بوجود، محيطه الخارجي، حتى رغم الوجود الفعلي المحسوس لهذا المحيط الخارجي. فقط بعد تكون الوعي الداخلي بالذات، ستولد الرغبات التي تستنفر الكائن وتحركه سعياً وراء إشباعها، الذي يُضفي بدوره قيمة ومعنى (وعي) على مفردات البيئة الطبيعية. هذا الوعي الخارجي، الثانوي، يُولد من رحم رغبات ومخاوف الوعي الداخلي، الأولي، ولا يمكن أبداً أن يوجد الثاني من دون أن يَسبقه ويُحدده ويُنشئه الأول، الذي يتكون في داخل الكائن الحي الفرد ذاته. من رحم العلاقة بين هذين الوعيين، الأولي والثانوي، أو الذاتي والخارجي، تُولد خاصية التفكر، الذي هو في نهاية المطاف مجرد قناة اتصال بين الوعيين الأول والثاني، من خلالها يقرر الكائن العناصر الخارجية الأنسب لإشباع رغباته الداخلية المنشأ.

تبقى نقطة أخيرة، الادعاء بمحدودية وعي- ومن ثم فكر وعقل- الحيوان الذي لا يشغله سوى إشباع غرائزه اللحظية والآنية، دون القدرة على استدعاء الماضي وتعلم دروسه أو التخطيط للمستقبل والتحوط له. هذه أيضاً مقولة خاطئة. لا شك، من الملاحظة العادية، أن الحيوانات تملك ذاكرة أقوى مما لدى البشر، وتخطط للإيقاع بفرائسها والنجاة من الأخطار بكفائه تفوق البشر. الحيوانات تتذكر جيداً ما تحب وما تخاف، حتى لو لم تصادفه وتختبره إلا مرة واحدة في حياتها قبل سنوات طويلة؛ تتفوق على البشر في جمع وتخزين ما يكفيها من الطعام لمواسم وأحياناً سنوات؛ تبني لنفسها بيوتاً حتى من قبل التزاوج، وتحتفظ بها وتدافع عنها لسنوات لاحقة؛ تقطع آلاف الأميال سفراً في خطوط برية وجوية متناهية الدقة والانتظام إلى حيث الدفيء ووفرة الغذاء أو حواضن الأفراخ...الخ

إذا كان الحيوان يتساوى بهذا الشكل مع الإنسان في وعيه بذاته، وعيه بمحيطه، والقدرة على التفكر باستخدام نفس العقل كالذي لدى الانسان كوسيلة ربط بين وعيه بذاته ومحيطه الخارجي، ما هي، إذن، ميزة الإنسان على الحيوان؟ وكيف يمكن تفسير منحنى التطور الشاسع التباين بين الكائنين؟ التفسير لا يكمن في ميزة العقل التي نعتقد خطئاً في تفرد الإنسان بها دوناً عن غيره من الكائنات، بل في قدرة الإنسان على مد نطاق تفكيره لأبعد من بيئته وعالمه الطبيعي كله، ليصل إلى عوالم أخرى أبعد من الطبيعة وفيما ورائها نسميها روحانية أو ميتافيزيقية، حيث لا يسكنها سوى الآلهة والجان والملائكة والشياطين...الخ. هذا بالتحديد هو ما لا تستطيعه الحيوانات أبداً. الإنسان يتميز على الحيوانات وكافة الكائنات الحية الأخرى بملكة الروحانية، لا التفكير أو العقل كما نعتقد.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ضاعت غزة حقاً؟
- بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي


المزيد.....




- مراسلة تسأل إيلون ماسك عن زعم -إرسال واقيات ذكرية- إلى غزة.. ...
- -تذكرة في اتجاه واحد فقط-.. زاخاروفا تعلق على عقود -18-24- ل ...
- القاهرة تعلن عن اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي يلي القم ...
- روسيا.. اكتشاف آثار تعود إلى العصر البرونزي
- مفتاح الوقاية من السمنة والسكري مع التقدم في العمر
- وزارة الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية قتلت معظم رجال قرية ...
- بسبب -الخليج-.. البيت الأبيض يمنع مراسل -أسوشيتد برس- من حضو ...
- عمدة موسكو: حديقة الحيوان في موسكو الأولى في العالم من حيث ت ...
- -عربات النار-.. سلاح الكوريين السري!
- محكمة اتحادية ترفض طلب ترامب تجميد مليارات الدولارات من التم ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الضمير بين الوعي والدين (1)