|
في الذكرى 53 لحركة فيفري1972 المجيدة، أو ملحمة استقلالية وديمقراطية ونضالية المنظمات.
علي الجلولي
الحوار المتمدن-العدد: 8250 - 2025 / 2 / 11 - 16:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحيي الحركة الطلابية ومنظمتها النقابية ومجمل تقدميي تونس الذكرى 53 لحركة فيفري 1972 المجيدة، تلك الحركة التي اعتبرها العديد من المؤرخين والنشطاء بمثابة انتفاضة طلابية لا بحم حجم المشاركة الطلابية فيها فحسب، بل أيضا وأساسا لأهمية المضامين التي عبرت عنها الشعارات والمطالب التي لم تقف حبيسة الجامعة والمنظمة الطلابية بل تعدتها إلى صياغة مواقف جذرية وعميقة وواضحة من مجمل القضايا التي كانت مطروحة يومها على جدول أعمال الطلاب والشعب. 1ـ حركة فيفري: السياق العام والخصوصي السياق السياسي العام يرتبط بأوضاع البلاد نهاية الستينات/بداية السبعينات وما عرفته من أزمة حادة ضربت النظام الذي ألغى نظام التعاضد وحاكم بن صالح وبدأ في التخلّي عن رأسمالية الدولة (المسماة الاشتراكية الدستورية) وعوضها بالتوجهات الليبرالية بتسمية أحد صقورها الهادي نويرة وزيرا أول مقابل الحفاظ على الانغلاق والاستبداد رغم الوعود الكاذبة بتجاوزه. أما السبب المباشر لأحداث فيفري 1972 هو ما تعرضت له المنظمة الطلابية من انقلاب على يد الأقلية الدستورية الموالية للسلطة في المؤتمر 18 الذي انعقد في قربة في شهر أوت 1971 إذ رفضت هذه الأقلية القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية من خلال الإصرار على فرض رأيها وتصورها كما تعودت ولم تقبل بوجود أغلبية تطالب بتثبيت استقلالية المنظمة عن السلطة وباحتكامها للتسيير الذاتي من خلال هياكلها المنتخبة التي تعبر عن هواجس وتطلعات قواعدها وأن تكون قيادة الاتحاد منتخبة انتخابا شفافا من مؤتمرها لا مزكّاة من طرف هياكل الحزب كما دأب عليه النظام البورقيبي منذ 1969. ولما فشلت الأقلية في تمرير مقاربتها تدخلت قوات القمع لتعتدي على النواب و تنهي الأشغال وتصدر مساء قائمة الهيئة القيادية المنصّبة. لقد رفضت الأغلبية الديمقراطية الانقلاب وصاغت للتو عريضة أمضاها 105 (من أصل 180 نائبا) وتم تشكيل لجنة إعلامية من خمسة نواب تمثل أهم الحساسيات الرافضة للانقلاب والتي تحولت سريعا إلى قيادة فعلية للنضال الطلابي الذي انطلق منذ الأيام الأولى للعام الدراسي الجديد رغم الإجراءات العقابية التي سنها النظام ضد الطلبة (تخفيض بخمسة دنانير في المنحة وإلغاء الحصول على تأجيل الخدمة العسكرية للطلبة)، مقابل الرفض الجماهيري للقيادة المنصبة التي رفض الطلبة دخولها للأجزاء الجامعية مما اضطر النظام إلى إقالتها يوم 31 ديسمبر 1971 وهو ما أعطى دفعة هامة لمطلب استكمال أشغال المؤتمر وهو ما سيتجلى في النضالات العارمة التي قادتها اللجنة الإعلامية يوم 31 جانفي من خلال التجمع الطلابي الكبير ضد إحالة المناضل رياض بن شهيدة أمام مجلس التأديب في كلية العلوم، والمسيرة الضخمة التي انطلقت صبيحة 1 فيفري من كلية الآداب إلى محكمة باب بنات رفضا لمحاكمة المناضل أحمد بن عثمان وزوجته سيمون للوش، وهو زخم دفع الحركة للدعوة إلى تجمع عام في كلية الحقوق يوم 2 فيفري حضره 5ألاف طالب (من 11ألف مرسمين) مما سهل تحويله إلى مؤتمر استثنائي للاتحاد العام لطلبة تونس وقبيل الاعلان عن نهاية أشغالة زوال يوم 5فيفري دخلت قوات القمع مسنودة بمليشيات الحزب الحاكم إلى فضاء الكلية لتعتدي على الطلاب وتوقف المآت منهم، ويعلن النظام مساء غلق الجامعة إلى أجل غير مسمى بعد أن استشعر الخطر الداهم من هذه الانتفاضة الطلابية الجريئة التي شرعت في تنظيم مؤتمر مستقل كليا عن إرادتها، وكان مسنودا بعشرات المسيرات وسط العاصمة والجهات (صفاقس أساسا) وفي المعاهد وأيضا في الأحياء الشعبية خاصة المتاخمة لكلية الحقوق (الجبل الأحمر). 2ـ حركة فيفري: المطالب والشعارات لم تتوقف مطالب الحركة عن استقلالية الاتحاد وديمقراطيته ونضاليته، بل صاغت مقاربتها حول الجامعة والتعليم والثقافة مضمونا ومحتوى من خلال الانحياز للتعليم العمومي والديمقراطي والنير والوطني، وبالانحياز للطبقات والفئات الشعبية والمفقرة (طلاب وتلاميذ وعمال وفلاحون كلهم متحدون) ورفضت القمع وانحازت للحرية (لا للقمع، الحرية السياسية للشعب) كما أدانت الحكم الفردي المطلق (لا مجاهد أكبر إلا الشعب) وتبعيته وعمالته للخارج (بعتو تونس بالفرينة)، وانحازت بكل وضوح للقضايا العادلة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لقد عبّرت الشعارات التي تم كتابتها على جدران كلية الحقوق طيلة أيام فيفري المجيدة عن هوية الحركة الطلابية والاتحاد العام لطلبة تونس كما تراه قوى التقدم لا كما تمارسه زبانية النظام. لذلك تعد حركة فيفري نقطة فصل وتحول في وعي الشبيبة وممارستها كان لها آثار على حركة النضال لا في تونس فحسب، بل في الوطن العربي والعالم حيث اكتسبت الحركة الطلابية التونسية صيتا باعتبارها حركة كرست استقلالية منظمتها الطلابية و افتكتها من براثن السلطة الدكتاتورية وقدمت من أجل ذلك ضريبة نضالية عالية في إطار معركة استمرت منذ بداية الستينات صلب هياكل الاتحاد ونجحت في قربة في فلب موازين القوى وفي فيفري في التخلص من عدو الاستقلالية الذي أصبح ملفوظا وممنوعا بما خلق معادلة لم توجد إلا في الحركة الطلابية التونسية: طلبة الحزب الحاكم تنظيم سري داخل أسوار الجامعة. 3ـ حركة فيفري: الآثار والتداعيات لم تنته الحركة يوم 5 فيفري بالتدخل العنيف للنظام وميليشياته، بل عرفت ذروتها بعد ذلك من خلال التعبير على أرقى أشكال النضال الواعي والمنظم والذي كرسته من خلال القدرة على إدارة الصراع مع السلطة الذي استمر 17عاما حتى استعادة المنظمة الطلابية وانجاز المؤتمر 18 خ ع سنة 1988. لكنها سنوات حبلى بالأحداث والنضالات العارمة بدأت بعد ساعات من التدخل القمعي من خلال تعبئة الرأي العام الطلابي والجامعي والديمقراطي لمواجهة دعايات السلطة لتشويه الحركة التي انخرطت فيها الحكومة ومنظماتها بما فيها الحبيب عاشور مما فرض إعادة فتح الجامعة في أفريل والشروع في مسار ضغط على النظام انتهى إلى اعترافه بالأزمة وقبوله بالحل الطلابي الذي تبلور قاعديا في ما بات يعرف ببرنامج 1973 لحل أزمة التمثيل الطلابي الذي أوقفته السلطة في وسط الطريق بعد الشروع في انتخاب الهياكل النقابية المؤقتة على أسس مبادئ حركة فيفري (التمثيل النسبي، سحب الثقة، مراقبة الهياكل السفلى للعليا،حق القواعد في مراقبة القيادة...)،وبتعثر هذا المسار صاغت الحركة الطلابية المواجهة الجماهيرية و النضالية الشاملة التي أثبتت فيها قدرات رائعة في التصدي لإرادة التعسف وتدجين المنظمات وهو ما كلفها التضحيات الجسام (آلاف من المعتقلين والمطرودين والملاحقين والمجندين)وقد أثبتت الحركة قدرات خارقة في إدارة الصراع مع السلطة وزبانيتها كما مع بقية القوى الرجعية وأساسا التيار الذلامي الذي شق وحدة الحركة ببعث منظمة حزبية بدفع من السلطة. لقد بنت حركة فيفري المجيدة وعيا جديدا وممارسة نضالية جديدة للطلاب تأسست على الهوية التي صاغتها شعارات فيفري المتعلقة بالمنظمة الطلابية والنضال النقابية والتزاماته الطبقية والسياسية الوطنية والقومية والأممية لذلك اكتسبت الحركة الطلابية التونسية موقعا رياديا عربيا وأمميا واكتب الاتحاد صيتا عاليا. وبروح فيفري المجيدة تسربت الأفكار وتسلل الوعي إلى الحركة العمالية و النقابية التي ستخوض أول إضراب لها في الوظيفة العمومية منذ 1956 في جانفي 1975 في قطاع التعليم الثانوي تنديدا بمحاكمة أساتذة ينتمون إلى منظمة "العامل التونسي"، ورغم تشريدهم من قبل عاشور سيلعب اليسار النقابي، وليد حركة فيفري المجيدة دورا محوريا في معركة استقلالية ونضالية وديمقراذية العمل النقابي صلب اتحاد الشغل، كما سيؤسس وعي فيفري المجيد الحرة الثقافية والفكرية والحقوقية والنسائية والشبابية التقدمية والمناضلة والتي شكلت أحد أهم مفاخر تونس المعاصرة. 4ـ حركة فيفري: راهنية التوجهات لعل شعارات فيفري ومطالبها التي خُطت على الجدران وشكلت لعقود وأجيال "دستور الطلاب" بما عبرت عنه من قيم ومبادئ تقدمية ومنحازة وملتزمة، والحركة الطلابية وأداتها الاتحاد العام لطلبة تونس الذي يحيي ذكراه ال73، هما في حاجة ماسة إلى استلهام تلك المبادئ حتى تلعب الحركة الطلابية دورها كاملا كحركة شبيبة مثقفة لها دور نشيط في استنهاض الهمم وهو ما عبرت عنه الحركة في عديد البلدان بمناسبة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني حيث استعادت دورها الحركي والمبدع والجرئ في الدفاع عن القضايا العادلة. إن شعبنا وبلادنا في حاجة اليوم إلى الحركة الطلابية ومنظمتها الجماهيرية بزخمها وعطائها وقدراتها للمساهمة في مواجهة الاستبداد الشعبوي الذي يعيق بلادنا ويريد توطين الدكتاتورية فيها.
#علي_الجلولي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الرفيق حنا غريب،الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
...
-
حوار مع الأسيرة المحررة المحامية ديالا عايش: الانتقام من الأ
...
-
حوار مع الأسيرات المحررات،الرفيقة عبلة سعدات والرفيقة دانيا
...
-
حوار مع الرفيق فهمي شاهين، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الف
...
-
من الضّفّة الغربيّة، الرفيقة ماجدة المصري، نائبة الأمين العا
...
-
مستجدات الوضع السوري وتداعياته على القضية الفلسطينية
-
الشعبوية والمرفق التربوي: الشعارات الخاوية عوض الا
...
-
الشعبوية والقيم: وهم الأخلقة ينكشف أمام التدهور والسقوط
-
التونسيون والقضية الفلسطينية: ما سرّ هذا التراجع؟
-
في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى: بعض الدروس وبعض العبر
-
فلسطين ولبنان في قلب معركة العالم ضد الهمجية والعربدة.
-
على هامش العودة المدرسية والجامعية: أوضاع التربية و التعليم
...
-
خالدة جرار أيقونة فلسطينية واقفة رغم ضيق التنفس.
-
في حوار شامل مع -صوت الشعب-: الصحفي المقدسي -راسم عبيدات- يق
...
-
محمد الغول من قلب النار، من غزة: من وسط الألم يصنع الفلسطيني
...
-
حوار مع الرفيق فهد سليمان،الأمين العام للجبهة الديمقراطية لت
...
-
حوار مع الرفيق ماهر الطاهر،القيادي بالجبهة الشعبية لتحرير فل
...
-
القضية الفلسطينية في منعرج جديد: هل تتحرك شعوبنا لإسناد الان
...
-
النتائج النهائية للباكلوريا: تواصل نفس العوائق الهيكلية للمن
...
-
مشكل الماء في تونس: الشعب التونسي يعطش
المزيد.....
-
مراسلة تسأل إيلون ماسك عن زعم -إرسال واقيات ذكرية- إلى غزة..
...
-
-تذكرة في اتجاه واحد فقط-.. زاخاروفا تعلق على عقود -18-24- ل
...
-
القاهرة تعلن عن اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي يلي القم
...
-
روسيا.. اكتشاف آثار تعود إلى العصر البرونزي
-
مفتاح الوقاية من السمنة والسكري مع التقدم في العمر
-
وزارة الدفاع الروسية: القوات الأوكرانية قتلت معظم رجال قرية
...
-
بسبب -الخليج-.. البيت الأبيض يمنع مراسل -أسوشيتد برس- من حضو
...
-
عمدة موسكو: حديقة الحيوان في موسكو الأولى في العالم من حيث ت
...
-
-عربات النار-.. سلاح الكوريين السري!
-
محكمة اتحادية ترفض طلب ترامب تجميد مليارات الدولارات من التم
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|