محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 22:13
المحور:
الادب والفن
لم يكن محمود رجلاً عاديّاً، بل كان قصةً تُكتب بحبر الخيبةِ وسُطورِ الحظِّ العاثرِ. كلّما خطا خطوةً إلى الأمام، سحبه القدرُ عشرَ خُطواتٍ إلى الوراءِ، وكأنّ الحياةَ أبرمت معهُ عقداً لا فَسخَ له، عنوانه: "لن تنالَ ما تُريد."
منذُ صِغره، كان محمود يُسابقُ الريحَ في طُموحهِ، لكنّه لم يكن يدري أنّ الريحَ تلهو به، تدفعه إلى الأمامِ ثم تُسقطه أرضاً.
اجتهد في دراسته، لكنه كان كمن يملأ كوباً مثقوباً، لا يكادُ ينتهي من تعبٍ حتى يتبخر كلُّ شيءٍ في لحظة.
كان طالباً مُتفوقاً في دراسته، إلى درجة العبقريةِ، لكنه اكتشف متأخراً أنّ العبقريةَ وحدها لا تكفي إذا كان الحظُّ خصماً لك. تفوّقَ في دراسته، لكنه تأخر في حياته، كأنّ النجاحَ كان نهراً يمرُّ بجانبه دون أن يرويه، أو سراباً يُطارده في صحراءَ قاحلةٍ، كلّما اقتربَ منه، ازداد بُعداً.
وفي العمل، كانت الأبوابُ تُفتحُ له، لكنها سرعانَ ما تُغلقُ في وجههِ قبل أن يَعبُرَ العتبة.
كلّما توسّلَ إلى الفُرصِ أن تبتسمَ له، ابتسمت للحظات، ثم أدار له الزمنُ ظهرَهُ ببُرود.
كان كمن يَزرعُ الأملَ في أرضٍ جرداء، يُسقيها من تعبه، لكنه لا يَحصدُ إلا الخذلان. الأيامُ تمضي، والفُرصُ تضيع، ومحمود يركضُ بلا وجهةٍ، كطائرٍ جريحٍ يبحثُ عن عُشٍّ، لكنه لا يَجدُ إلا العواصف.
أمّا الحبّ، فقد كان كحُلمٍ عَذبٍ يراهُ من بعيد، كلّما اقتربَ منه، استحالَ سراباً. أحبّ بصدقٍ، لكنه لم يُحبَّ بصدقٍ، وكأنّ قلبه كُتب عليه أن يكون مجرد محطةٍ عابرةٍ في قطارِ الآخرين.
أعطى بلا حسابٍ، لكنه لم يأخذ سوى الوجعِ، كأنه وُلد ليكون قصةً تُروى عن الحزن، لا قصةً تُروى عن السعادة.
كلّما أهدى روحهُ لأحد، ردّها له مكسورةً، كزُجاجٍ سقط من شاهقٍ، تتناثرُ شظاياه في كلّ مكانٍ، ولا أحدَ يَكترثُ بجمعها.
كان محمود يعرفُ أنّ هناك ضوءاً في نهايةِ النفقِ، لكنّ نفقَه كان بلا نهايةٍ، وطريقَهُ كانت مليئةً بلافتاتٍ كُتِبَ عليها: "عُد من حيثُ أتيت." جلس ذات ليلةٍ يتأملُ نُجومَ السماءِ، وتمتمَ بسُخرية: "حتى النجومُ... تلمعُ بعيداً، لا يحقّ لي أن أقطفها." تساءلَ في داخله: "لماذا تبدو الحياةُ كأنها تكرهني؟ لماذا أعيشُ كالغريبِ في عالمٍ لا يعرفني؟"
والآن، يجلسُ محمود على رصيفِ الانتظارِ، يُراقبُ قطاراتِ الفُرصِ تمرُّ أمامهُ دون أن تتوقّف.
ربما كان قدرهُ أن يكون مجردَ شاهدٍ على نجاحِ الآخرين، وربما كان حُلمُهُ أكبرَ من أن تحتملَهُ حياتُه. أصبحَ كهلاً رغمَ شبابِه، مُرهقاً رغمَ أنه لم يحمل في يديه سوى الخيبة.
في النهاية، لم يَبقَ له سوى الصَّمت... فقد تعب حتى من الشَّكوى.
كان يَحلمُ بأن يكونَ شخصاً يُذكر، لكنه أدركَ، متأخراً، أنّ بعض الأحلامِ خُلِقَت فقط لتتحطمَ على صُخورِ الواقع.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟