أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل















المزيد.....

ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 14:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في السابع من فبراير 2025، وقع الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإنشاء “مكتب الإيمان” في البيت الأبيض، مكلفًا بمهمة مكافحة التحيز ضد المسيحيين وتعزيز حقوقهم داخل الولايات المتحدة. لم يكن هذا القرار مجرد خطوة إدارية، بل جاء محمّلًا بدلالات سياسية وأيديولوجية تتجاوز حدود أمريكا، ليعيد إلى الواجهة النقاش حول العلاقة بين الدين والسياسة، وليثير تساؤلات عميقة حول مستقبل التوازن بين الحريات الدينية والحقوق المدنية.
أن يُطرح في الولايات المتحدة، بلد الحريات والدستور العريق، موضوع التمييز ضد المسيحيين، هو أمر يثير الدهشة للوهلة الأولى. فالبلاد التي تأسست على مبادئ الحرية الدينية طالما احتضنت المسيحية في قلب مؤسساتها السياسية والاجتماعية، ورؤساؤها، على اختلاف توجهاتهم، لم يترددوا في إعلان إيمانهم، بل واتخاذه ركيزةً في خطاباتهم وسياساتهم. كيف إذن أصبح المسيحيون – الذين يشكلون الأغلبية – بحاجة إلى مكتب رئاسي يحميهم من التحيز؟
الإجابة تكمن في التحولات الاجتماعية العميقة التي شهدتها الولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة. فمع تصاعد الحركات الحقوقية وتعزيزها لقيم المساواة المطلقة، بات هناك شعور لدى قطاع من المسيحيين المحافظين بأن هويتهم الدينية مهددة، وأن القيم التي نشأت عليها أمريكا تتآكل لصالح تيارات فكرية جديدة. ومن هنا، أصبح الحديث عن “تمييز ضد المسيحيين” مرتبطًا بشعور قطاع من المؤمنين بأن أصواتهم لم تعد مسموعة في عالم يتغير بسرعة.
ترامب، الذي لطالما أتقن مخاطبة هذا التيار، لم يكن بعيدًا عن هذه المخاوف، بل استغلها في حملاته الانتخابية، مقدمًا نفسه كمدافع عن “أمريكا المسيحية” في مواجهة ما يصفه بـ”الليبرالية الراديكالية”. لم يكن إنشاء “مكتب الإيمان” سوى خطوة أخرى في هذا الاتجاه، تعزز صورته كحامٍ للمؤمنين، وتؤكد التزامه بسياسات تعيد الدين إلى قلب الدولة، في مواجهة ما يراه تيارًا يسعى إلى إقصاء الإيمان من الحياة العامة.
لكن اللافت في سياسات ترامب الدينية المحافظة، أنها لم تقتصر على حماية حقوق المؤمنين المسيحيين، بل ترافقت مع إجراءات تستهدف مجموعات أخرى، أبرزها المتحولون جنسيًا. فمنذ ولايته الأولى، انتهج ترامب نهجًا متشددًا تجاه هذه الفئة، بدءًا من حظر الجنود المتحولين جنسيًا في الجيش، وصولًا إلى إلغاء توجيهات تحمي حقوقهم في أماكن العمل والمدارس. وبينما يدافع أنصاره عن هذه السياسات باعتبارها إعادة لترتيب الأولويات بما يتماشى مع القيم الدينية التقليدية، يرى المعارضون أنها انتهاك لحقوق أساسية كافحت الحركات الحقوقية لعقود من أجل انتزاعها. وهنا تبرز الإشكالية الكبرى: هل يمكن تحقيق التوازن بين حرية العقيدة وحماية الأقليات الجنسية دون أن يُفسَّر ذلك على أنه تقييد لحقوق أحد الطرفين؟
لم يكن لهذا التوجه أن يمر دون أن يكون له تأثير خارج الولايات المتحدة. فالسياسة لا تتحرك في فراغ، بل تتفاعل مع أمواج التيارات الفكرية والأيديولوجية التي تجتاح العالم. فحين يقرر رئيس أكبر قوة في العالم تبني سياسات أصولية، فإن تأثير ذلك لا يقتصر على الداخل الأمريكي، بل يتجاوز الحدود ليعيد تشكيل المشهد الأيديولوجي عالميًا. ففي أوروبا، حيث تتنامى الحركات القومية ذات التوجهات المسيحية المحافظة، قد يمنح هذا النهج دفعة إضافية للأحزاب والجماعات التي تسعى إلى فرض سياسات أكثر تشددًا ضد التعددية الثقافية وحقوق الأقليات، بحجة “حماية الهوية المسيحية”. أما في العالم الإسلامي، فقد يُنظر إلى هذا التوجه الأصولي من زاويتين: الأولى باعتباره استهدافًا ضمنيًا للإسلام والمسلمين، مما قد يؤدي إلى تصاعد تيارات أصولية مضادة تتبنى نهجًا أكثر تشددًا كرد فعل على ما يُ perceived كـ “حرب دينية” جديدة، والثانية كعامل تقارب بين التيارات الأصولية المختلفة، فبرغم الاختلافات العقائدية، فإن الأصوليين من مختلف الأديان يشتركون في رفضهم للتعددية ودفاعهم عن نموذج مجتمعي ديني صارم.
لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الأصوليات بطبيعتها لا تتسامح مع أي فكر مخالف، حتى لو كان قريبًا منها أيديولوجيًا. وإذا كان العالم قد شهد في العقود الماضية صدامات بين الأصولية الإسلامية والليبرالية الغربية، فقد نكون أمام مشهد أكثر تعقيدًا، حيث تدخل الأصولية المسيحية على الخط، ليس فقط ضد الليبراليين، بل أيضًا في مواجهة أصوليات أخرى ترى فيها تهديدًا دينيًا وثقافيًا. وهكذا، فإن التوجهات الأصولية لترامب قد تفتح الباب لصدام حضاري عالمي، حيث تتحول الأديان إلى وقود لمعركة سياسية وثقافية، لا أحد يعرف كيف يمكن أن تنتهي.
ليس من السهل التنبؤ بمستقبل هذه الموجة. فبينما يحظى ترامب بدعم قوي من التيار المحافظ، إلا أن المجتمع الأمريكي، بكل تحولاته، لن يتقبل بسهولة سياسات تبدو وكأنها رجوع إلى الوراء في ملف الحقوق المدنية. الديمقراطيون والمنظمات الحقوقية سيقفون في وجه أي محاولات للتراجع عن المكتسبات التي حققتها الأقليات الجنسية، والمحاكم ستكون ساحة لمعركة قانونية طويلة الأمد.
لكن ما يحدث اليوم ليس مجرد سياسة داخلية أمريكية، بل هو جزء من موجة عالمية تعكس قلقًا متزايدًا من التحولات الاجتماعية والثقافية. وفي ظل هذه الظروف، يمكن أن يتحول خطاب ترامب المحافظ إلى شرارة تُشعل موجات أصولية حول العالم، تدفع بالمجتمعات إلى حالة من التراجع الحضاري، حيث تُعاد صياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية وفق منطق ديني صارم.
المخيف في الأمر هو أن هذه التحولات لا تحدث في فراغ، بل تترافق مع استقطاب عالمي متزايد، قد يؤدي إلى صدامات غير مسبوقة بين التيارات المتشددة، أو إلى تحالفات غير متوقعة تُعيد رسم المشهد السياسي والثقافي في العالم. نحن إذن أمام منعطف تاريخي بالغ التعقيد، حيث يمكن للأصوليات أن تكتسب زخمًا جديدًا، ما يثير مخاوف مشروعة حول مستقبل التعددية، والديمقراطية، والحريات الفردية.
فهل نشهد في السنوات القادمة ارتدادًا نحو العصور القديمة، حيث يحكم العالم منطق العقائد المتشددة؟ أم أن العقلانية ستنجح في احتواء هذه الموجة، قبل أن تتحول إلى إعصار يجتاح كل ما تحقق من تقدم؟



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...
- بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل
- الحضارة الغربية بين القيم والانتقادات: رؤية متوازنة
- من هزيمة المغول إلى كسر أوهام الشرق الأوسط الجديد: مصر مقبرة ...
- المستقبل في ظل الاعتماد على الروبوتات: العالم بين الابتكار و ...
- لماذا ينتظر العقل الجمعي العربي والإسلامي انهيار الحضارة الغ ...
- العقل الديني واستغلال الكوارث: بين الادعاء والحقيقة
- مجدي يعقوب: أيقونة الإنسانية والعلم في مسار نحو نوبل وجامعة ...
- الأسرى في ظلال الكهف: رحلة العقل من القيود إلى النور
- العقل المسلم بين تأكيد القناعات الذاتية والوقوع في فخ الأخبا ...
- العقل العربي بين الشماتة والكوارث: قراءة في الانهزام الحضاري


المزيد.....




- لِمَ انتظر هذا الرجل سن التقاعد حتى يمارس شغفه بتحويل الخردة ...
- -إن مت أريد موتا صاخبا-.. مقتل المصورة الصحفية فاطمة حسونة ب ...
- نعيم قاسم: لن نسمح لأحد بنزع سلاح حزب الله وسنواجه من يسعى ل ...
- قصة عروس في غزة فقدت عريسها قبل الزفاف بيوم
- الصحافة في عصر التزييف العميق: رؤى وتحديات من منتدى الإعلام ...
- اليمن: غارات أميركية على صنعاء والحديدة والجوف تخلف أكثر من ...
- محاكمة -التآمر-..أحكام بالسجن بين 13 و66 عاماً على قادة المع ...
- -نوفوستي-: المحتالون الذين يهاجمون الروس عبر الهاتف يعملون ت ...
- رابطة صينية تتهم واشنطن بانتهاك قواعد التجارة الدولية بشكل ص ...
- أورتاغوس -تتثاءب- ردا على أمين عام حزب الله


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بهجت العبيدي البيبة - ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل