5/مقتبسات من كتابنا( النقد العام وصناعة الجهل في ظل نظام التفاهة )

سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 02:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الجزء الثاني



مقدمة
في الجزء الأول من المقتبسات ، ناقشنا كيف أصبحت التفاهة منهجًا ثقافيًا مدعومًا بآليات اقتصادية وإعلامية، مما أدى إلى تسطيح الفكر وإعادة إنتاج الجهل. في هذا الجزء، سنبحث في الأدوات التي تكرّس هذه الظاهرة، مثل الإعلام والتعليم ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم ننتقل إلى استراتيجيات نقدية لمقاومتها.

أولًا: المنظومات الإعلامية وصناعة الترفيه السطحي
---------------
الإعلام هو أحد المحركات الأساسية لنشر التفاهة، حيث يقوم بتحويل المعلومات إلى سلعة خفيفة وسريعة الاستهلاك. هذا يتم عبر:

1. آلية الإثارة والمحتوى العابر.
التركيز على الأخبار الصادمة والعناوين المثيرة،وتقليل التحليل العميق لصالح الإثارة العاطفية.

2. إعلام النجومية وإعادة إنتاج التفاهة وفق نظرية التلقين بالتكرار
-----------
تضخيم شخصيات لا تمتلك قيمة فكرية حقيقية لكنها تحظى بشعبية( شارك الإعلام في تشكلها )،وتقليل مساحة الفكر النقدي لصالح الترفيه الخالي من المضمون.

3. توظيف الإعلانات للتأثير على الذائقة
----------
صناعة رغبات استهلاكية تضع الترفيه والتسلية في المقدمة على حساب القضايا الجوهريةكما يحدث في دول الخليج العربي ومنها المملكة العربية السعودية .

ثانيًا: التعليم كأداة لإعادة إنتاج الجهل
-------------
التعليم يمكن أن يكون وسيلة للتحرر، لكنه أيضًا قد يُستخدم كأداة لإعادة إنتاج الجهل رغم أن ذلك يشكل مفارقة ولكنها واقعية وملموسة عمليًا من خلال:

1. مناهج تعليمية سطحية
--------
التركيز على الحفظ والتلقين بدلًا من التفكير النقدي،وتغييب الفلسفة والمنطق من المناهج الدراسية واعتماد مناهج تركيبة في ضخ الموضوعات عبر التراكم الكمي الخطي عوضًا عن دعم عملية تمرين العقول على التحليل والبناء على المستخلصات النوعية العمودية من تراكم المعارف الخطية الأفقية .

2. تحييد المعرفة النقدية
--
استبعاد النظريات الفكرية التي تحث على التساؤل والبحث والتنقيب والتحري عن الحقيقة وسبر غور المعلومة والموضوع للوصول إلى كنهه وجوهره.
كما ان الحد من دراسة العلوم الإنسانية لصالح المواد التقنية التي تخدم سوق العمل دون بناء وعي حقيقي، وانتخاب علوم بعينها والتثقيف المركز على اعتبار أن العلوم لا ايديولوجية تقف خلفها وإبقاء بعض العلوم الإنسانية الحيوية بعيدة عن التطور وغير مدعومة بآخر ما استجد من درسات علمية والتي هي التي تؤسس لمفاهيم متقدمة للعقل المدروس ضمن العلم الإنساني كالتاريخ وعلم الاجتماع وعلم الانثروبولوحيا على سبيل المثال وليس الحصر .التخلف العميق في مناهج هذه العلوم في الأكاديميات والمدارس ينتج انصاف متعلمين وعقول خشبية لا تعي مجتمعاتها وتعزف عن تطوير أدوات التسبير لدراسة الواقع وحيثياته وانساقه ومجموع نظم الفعالية فيه .

3. تحويل التعليم إلى سوق استهلاكي
---------
انتشار الجامعات الخاصة كاستثمارات ربحية بدلًا من مؤسسات تعليمية حقيقية،وبيع الشهادات على حساب الجودة التعليمية ودون مؤهلات هو الإمعان بالتسليع وفرض قوانين السوق على الساحة التعليمية بله العلمية ..

ثالثًا: وسائل التواصل الاجتماعي كآليات لنشر التفاهة
------
رغم أن هذه المنصات قد تكون أدوات تواصل فعّالة تخدم المعرفة ، إلا أنها أصبحت أيضًا محركات رئيسية لإنتاج التفاهة المؤسساتية والمدعومة من دوائر عالية التمويل من دول وجماعات تشكل كارتلات ضغط غير منظور في المجتمعات المختلفة ولها إمكانيات التغيير وتعديل القوانين وتغيير التوجهات العامة للرأي العام وعبر:

1. الهيمنة الخوارزمية وما سيعقبها من هيمنة كمومية
-----------
سيعجز العقل النقدي على ملاحقة خروقاتها وهيمنتها التي تستوعب كل القواعد النفسية العالية للإقناع و التي ستكاد تكون مطلقة على السلوك والوعي والمدارك والارادات الجمعية والفردية وحسب الشرائح والفئات المستهدفة تبعًا للعمر أو المؤهل أو الخلفية الأثنية أو الدينية أو الطائفية ،بل حتى تبعًا للمناطق.
"إن السيطرة على المجتمعات تتطلب في الوقت الحاضر الاستخدام الموجّه للكلمات والصور، فمهما كان جبروت القوّة التي يمكن استخدامها ضدّ مجتمع مّا؛ فإنها لا تفيد على المدى البعيد إلا إذا تمكنت القوّة المسيطرة من أن تجعل أهدافها مقبولة إن لم تكن جذابة لهؤلاء الذين تسعى لإخضاعهم "..كما يقول،
"هربرت شيللر" وهنا يكون الخطر أعظم من مجرد إشاعة نظم التفاهة والتجهيل إلى سيادة السلطة والمهيمنات الأخرى ومنها تلك الخارجية المسيطرة على وسائل التواصل وعلى مؤسسات الإعلام وأدواته .من ثم فيما مابعد ذاك فرض مهيمنات عميقة التأثير النفسي والعقلي والسلوكي والأخلاقي والقيمي والعقدي ....ولنا في تطبيقات "عقيدة الصدمة " وتأثير الإعلام في تعظيم أثارها المدمرة على الوعي الجمعي وبتضافرها مع بقية التقنيات تقود المجتمعات إلى الخضوع الكامل للمخطط المرسوم لها .

فالترويج للمحتوى الأكثر شعبية بغض النظر عن جودته بل خلق مناخات لذيوع شهرته وتمكينه من امتلاك أرضية شعبية عريضة هو أحد وجوه الهيمنة المعززة خوارزميًا. والتضليل Manipulation سيرافق كل تلك الفعاليات الغير منظورة بتفعيل أعمال عالية التوجيه Management ومقادة لإقصاء الفكر العميق بسبب عدم توافقه مع متطلبات السوق الرقمية وصناعات عوامل تعويق وبذر التشكيك بقيمته واهميته وشعبيته ...

2. تحول المستخدم إلى منتَج
---------
استغلال البيانات الشخصية في توجيه المحتوى بما يعزز السطحية وينشر التفاهة والتسطيح والابتذال ...
خلق قاعدة للإدمان الرقمي يمنع التركيز على القضايا الجادةويحجب قدرت توجيه العقل نحو إمكانيات الخلق أو النقد للظواهر بغية البحث عن بدائل بحيث يصبح المدمن الرقمي يعيش في فضاء متخيل ذاتوي شبيه بعالم المصابين باضطراب التوحد Autism وهي حالة أخطر من إدمان المارغوانا..

3. إضعاف التفاعل النقدي
-----------
تحويل النقاشات إلى معارك جدلية عقيمة لا تستند إلى منطق وتكون مدخلًا لصنع عداوات متوهمة لا أرضية حقيقية لها ...

ذلك سيمكن جهات متطفلة أو عديمة المسؤلية أو لديها نوايا مغرضة وغالبًا مدفوعة الثمن تصنع منصات انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة

#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات