أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ضيف جديد الليلة على مقبرة خزنة














المزيد.....


ضيف جديد الليلة على مقبرة خزنة


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 00:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وداعاً أبا مسعود
بعد منتصف ليلة أمس، تفاجأت بهاتف وردني من إقليم كردستان من بعض أفراد العائلة، يعلمونني بإسعاف ابن عمي- السيد محمد أمين سيد أحمد- إلى أحد مشافي قامشلي، وأن وضعه الصحي خطير، وطلبوا مني تأمين موافقة السفر، لدى أولي الأمر، بشكل عاجل، إلى قامشلي، لعدد من أفراد العائلة. قلت لهم: توجهوا إلى حدود سيمالكا، وإن شاء الله ستسبقكم الموافقة.
كان الوقت متأخراً. الثالثة ليلاً وفق توقيت أوروبا. اتصلت بابن عمي عبدالباقي شيخ عبدالله، أحد كبار العائلة، لأسأله عن وضع ابن عمنا أبي مسعود، فرد علي: لقد توفي قبل قليل، وها نحن نمضي بالجنازة إلى البيت، بعد انتهاء الإجراءات. أعدت مهاتفة متصلي لأعزيهم- على عجل- ولأتأكد أنهم أيضاً سمعوا بالنبأ الأليم. شددت عليهم: انطلقوا الآن، لكي تصلوا إلى الوطن، وتشاركوا بمواراة جسد فقيدنا إلى مأواه الأخير، في قرية خزنة، إلى جانب كوكبة من راحلينا: جدي الشيخ إبراهيم- جدنا الشيخ محمد- أمي- عماتي- أعمامي: الشيخ عبدالرحيم- الحاج حسن- العم ملا عبدالحكيم- طفلي الشيخ حسن، وليس أخيراً: ابن العم عدنان، شقيق أبي مسعود، الذي خصص لذاته قبراً قرب أخيه وجدي وأباهما العم السيد أحمد، بل وكثيرين من رجالات ونساء العائلة.
عندما توفي أ. عدنان سيد أحمد، شقيق محمد أمين، أحسست أن أحد أضلاعي قد انكسر، فهو أول من عمل في التعليم من عائلتنا، وكان رجل أعمال كريماً، شهماً، شجاعاً، فقلت في نفسي: ها هو شقيقه محمد أمين، الرجل الهادئ، الكريم، الشهم، الذي لم يعرف الضغينة يوماً. كان، كأبناء العائلة في منطقة الشيتية، رسولاً في الوئام وخدمة الناس. إذ لم يكن هناك مجلس عزاء في المنطقة، وليس في قريتهم سحيل والقرى المجاورة، إلا وكانوا وأبناء عمومتنا: السيد محمد نذير شيخ صالح- السيد سراج- السيد محمد نوري، في طليعة المعزين.
استعرضت شريط ذكرياتي مع ابن العم محمد أمين، والذي كنت أناديه: عمي، كما هو متبع في عائلتنا، في مخاطبة الأكبر ولو بمجرد سنة واحدة، بالقول: يا عم. أو يا عمة بالنسبة لنساء العائلة. تذكرت كفاحه الحياتي في سبيل تنشئة وسعادة أسرته، مع شقيقه عدنان أبي عادل، ما جعلهما، كذويهما، محط احترام جيرانهما، وموئل رجاء كل ذي حاجة، وفق إمكاناتهما. تذكرت غيرتهم في الدفاع عن أي مظلوم، وإن بأضعف الإيمان، عبر الموقف، وليس فقط في الدفاع عن ذويهما، كرجلين شجاعين ومسالمين، كما عائلتنا، باعتبارنا:
أهل الصلح!
كما كان يردد أبي على مسامعنا.
كما كان يردد أهلنا دائماً، أنى تعرضوا لمظلمة، قائلين: ليس لنا إلا العفو. العفو ليس من منطلق الضعف الذي نأنفه، بل العفو من موقع القوة بالموقف الصائب، ما جعل العائلة محبوبة في منطقة الشيتية بين كاسكييها ومحلمييها. إذ إن آل غيدا كانوا ولا يزالون يعدون ذوينا- خؤولتهم- امتداداً لهم، كما يفعل ذوونا، وهكذا بالنسبة إلى بقية عشائر المنطقة: عربها وكردها على حد سواء، بل وهكذا بالنسبة لمسيحييها، ويزيدييها الكرد. ومن بين هؤلاء من تربوا مع أجدادنا وكنا في مقام العائلة الواحدة.
حاولت أن أتواصل مع أفراد العائلة، ممن لدي هواتفهم، لاسيما شقيقهم العالم الجليل الشيخ محمد سعيد- حامل الماجستير في الشريعة- ومدرس المعهد الشرعي أو الثانوية في كوباني، وهو يعاني نوعاً من الشلل منذ سفره من تركيا قبل سنتين إلى الوطن، للمشاركة في مجلس عزاء أخيه عدنان، وتعرض لهذه الصدمة. اتصلت بمن لدي أرقامهم الهاتفية من أفراد العائلة فرداً فرداً، نتبادل العزاء، وأتلقى في الوقت ذاته تعازي العائلة والأصدقاء. أتابع وصول بنات وأبناء العمومة الذين تقاطروا إلى قرية خزنة، التي باتت تحتضن الأجساد الطاهرة لعدد من أفراد العائلة.
يوم جد حزين مر علي، وأنا أودع ابن عمي السيد محمد أمين، الذي غادرنا بلا وداع، بعد إصابته وزوجته بفيروس الرشح أو الكريب، وتأكيد الأطباء: عد إلى بيتك، فإنك سوف تتعافى. في مثل هذه الليلة، قبل سنوات، توفيت عمتي الشيخة حنيفة، لتتوفى بعدها والدتي، ومن ثم عمتي الشيخة خديجة، ضمن فضاء يقل عن أسبوع واحد. إنه شهر شباط الحزين، الذي يطوي صفحة أبي مسعود. الرجل الوطني، الاجتماعي، الشهم، الطيب، البسيط، الهادئ، رجل الفعل قبل القول، رجل الموقف.
أواه:
"ها هي قرية خزنة تفتح ذراعيها من جديد، كما اعتادت، تحتضن الغائبين واحداً تلو الآخر، كأنها أم تواسي أبناءها بترابها الحنون. تهمس الريح في أذن القبور، تروي قصص من رحلوا ومن سيلحقون، تطرق نوافذ الذكريات، وتبعثر صمت المكان بنشيج الفقد. الليلة، تضيء نجمة جديدة في سماء القرية، تعكس ضوءها على القبور الطاهرة، كأنها تلقي التحية الأخيرة على روح أبي مسعود، فيما تراب خزنة يحتضنه برفق، كما لو أنه يهمس له: أهلاً بك، بين الأهل والرفاق، فهنا لا وداع، بل لقاء دائم في حضن الأرض، حيث يسكن السلام الأبدي".



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتقام وتشفٍّ بالجملة: عنصريون يستثمرون خلافاتنا ويحرضون علي ...
- وسائل التواصل الاجتماعي في وجهها الإيجابي: دعونا نستفد منها ...
- الانقلاب الثقافي والتنمر الديسمبري
- الثورة السورية و تشريح التشريح بين المسار والانحراف
- شارع مشعل التمو تخليد لرمز الحرية!
- خريطة مقابر السوريين: مأساة أمة مشرّدة بين المنافي والبحار
- الشيوعيون السوريون وقرار الحل: بين الامتحان والمراجعة
- الحربائيون:بين ألوان الولاء وسموم التحريض
- من يقنع سيادته أن يغادر القصر؟
- لغة البقر: خطاب التحريض وإعدام الآخر1
- الكرد بين نيران الاحتلال التركي ونداءات الوحدة
- الكرد السوريون وخطاب المهادنة: مراجعة تاريخية وواقع معاصر
- سوريا عبر التاريخ و تبدلات الأسماء والهوية الوطنية من المملك ...
- سوء استخدام ثنائية الأقلية والأكثرية: نقد قانوني وإنساني في ...
- تاريخ الأعلام السورية: من الاستقلال إلى الوحدة وما بعدها نحو ...
- بين فرحة الكرد وأصدقائهم: الرئيس مسعود بارزاني وتدشين مرحلة ...
- أخوة الكرد والعرب في سوريا: تاريخ مشترك ومسؤولية مصيرية
- حزب الملايين: كيف اختفى خلال ساعات؟ الأسدان الكبير والصغير أ ...
- اختلال المعايير: استتفاه الكبائر واستعظام الصغائر
- ما بعد سقوط الأسد: إعادة قراءة المشهد السوري


المزيد.....




- القبض على إيد شيران في الهند بعد عزفه في الشارع دون إذن
- تونس.. وفاة طفل جراء انفجار -جسم مشبوه- في منطقة تابعة لمحاف ...
- نيبينزيا: موسكو لطالما صرحت عن دعم USAID للمتطرفين
- الرئيس الجزائري يقدم وساما لوزير السكن محمد طارق بلعريبي…فما ...
- ترامب: لن أرحل الأمير هاري بسبب ميغان
- الشرع: آلاف المتطوعين ينضمون إلى الجيش السوري الجديد بعد الإ ...
- الرفيقة نزهة مقداد، تسائل السيد وزير التعليم العالي والبحث ا ...
- الجيش الإسرائيلي يخرق اتفاق وقف إطلاق النار ويطلق مسيّرات في ...
- الوفد الإسرائيلي يعود فجأة من محادثات وقف إطلاق النار في قطر ...
- -عقب إعلان أبو عبيدة-.. وزير الدفاع الإسرائيلي يوعز للجيش با ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - ضيف جديد الليلة على مقبرة خزنة