أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - ترامب لديه خطة - تنظيم الفضاءات الكبرى















المزيد.....


ألكسندر دوغين - ترامب لديه خطة - تنظيم الفضاءات الكبرى


زياد الزبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 16:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع


* اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*



ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر
وكالة ريا نوفوستي للأنباء

6 فبراير 2025

"من غير الطبيعي أن يكون في العالم قوة أحادية القطب... إنه أمر يدل على المرض. "هذا هو نتاج نهاية الحرب الباردة، ونحن الآن في وضع يمكننا من العودة إلى عالم متعدد الأقطاب مع العديد من القوى العظمى في أجزاء مختلفة من العالم"، -
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو. 30 يناير 2025.
*****
أيديولوجية ترامب

ما يفعله ترامب منذ وصوله إلى السلطة في الولايات المتحدة صادم. إنه يغير بسرعة وبشكل لا رجعة فيها بنية النظام العالمي بأكمله. إذا كان ترامب قد ألمح خلال ولايته الأولى كرئيس إلى الإصلاحات اللازمة، فإن أربع سنوات في السلطة وأربع سنوات أخرى في المعارضة الراديكالية جعلته حاملاً مقتنعًا لأيديولوجية محددة للغاية. وترامب، كما يتضح من أول أسبوعين له في البيت الأبيض، ينوي تنفيذ هذه الأيديولوجية بأي ثمن.

ما هي هذه الأيديولوجية؟

أولاً وقبل كل شيء، يجب تسجيل سمتها الرئيسية والمحددة: ترامب هو خصم مقتنع ومتسق للعولمة والليبرالية على جميع المستويات، في جميع المجالات وبكل المعاني.

ترامب هو خصم للعولمة، إن ترامب يرفض أي مؤسسات فوق وطنية (الأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية، الاتحاد الأوروبي، إلخ) ويعتقد، مثل الواقعيين الكلاسيكيين، أن أعلى سلطة هي الدولة القومية ذات السيادة، والتي لا يوجد فوقها شيء ولا يوجد أحد. هذا هو معنى أطروحته "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (MAGA). وفقًا لها، فإن الولايات المتحدة هي في المقام الأول قوة عظمى يجب أن تتصرف في السياسة العالمية ككيان متكامل مهتم فقط وبشكل حصري بتحقيق أهدافه الخاصة، وحماية قيمه ومصالحه. يرفض ترامب وأيديولوجيته أي تلميح إلى الأممية internationalism، وأي خطاب حول "القيم العالمية"، و"الديمقراطية العالمية"، و"حقوق الإنسان"، وما إلى ذلك.
أمريكا وازدهارها فقط هما أمران ضروريان للغاية. أولئك الذين يتفقون مع هذا المشروع هم أصدقاء أو حلفاء، وأولئك الذين يعارضونه هم أعداء. ليس للولايات المتحدة أهداف أخرى غير ازدهارها، ولا يحق لأي سلطة أن تملي على الأميركيين ماذا وكيف ومتى يفعلون، وكيف يتصرفون، وماذا يؤمنون به وماذا يعبدون.

إن العولمة مبنية على منطق معاكس تمامًا: فوفقًا لهذا المنطق، فإن دور الولايات المتحدة هو أن تكون بمثابة قاعدة متقدمة وحامية وراعية للديمقراطية الليبرالية، وأن تخدم المصالح فوق الوطنية والأيديولوجية الليبرالية المتطرفة، وأن تتغلب على مصالحها الخاصة بل وحتى تندم على حقيقة وجودها على الإطلاق. يفكر العولميون من منظور الإنسانية، أما ترامب فيفكر من منظور أمريكا. وهذا يعكس التناقضات الأساسية في نظرية العلاقات الدولية بين الواقعيين (ترامب نفسه) والليبراليين (بايدن، وكذلك أوباما وكلينتون وحتى الجمهوري بوش الابن).

علاوة على ذلك، يرفض ترامب الليبرالية بشكل جذري باعتبارها أيديولوجية جنسانية وتقدمية progressivism وفردية مفرطة وما بعد الحداثة. على هذا المستوى، يتصرف كمحافظ كلاسيكي، يدافع بقوة عن القيم التقليدية: جنسان طبيعيان وهبهما الله (ذكر وأنثى)، وأسرة صحية، ودين، وانضباط، وثقة بالنفس، وتفاؤل ورفض النسبية relativism، وشرعنة الانحرافات والتوبة المفروضة بالقوة - لكونه رجلاً، أبيض، مسيحيًا، وطنيًا، إلخ. ترامب يعارض بشكل قاطع ثقافة الإلغاء والرقابة الليبرالية وإلغاء جميع أشكال الهوية الجماعية. على العكس من ذلك، حولت الليبرالية كل هذا إلى نوع من العبادة، والإيمان الطائفي، حيث يُنظر إلى أي تلميح إلى انتقاد المثليين جنسياً أو المتحولين جنسياً على الفور على أنه فاشية ويستلزم تدابير قمعية من الليبراليين.

وبالتالي، فإن أيديولوجية ترامب تتناقض بشكل أساسي مع التوجه الجيوسياسي والأيديولوجي الذي هيمن على الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن العشرين.

كان هذا التوجه قائمًا على التقدمية الليبرالية liberal progressivism، التي أصرت على أن الفرد يحرر نفسه أكثر فأكثر من أي روابط والتزامات اجتماعية، بما في ذلك الانفصال التام ليس فقط عن الجنس gender، بل وأيضًا عن الطبيعة البشرية نفسها (ومن هنا جاء موضوع السايبورغ cyborg وما بعد الإنسانية posthumanism).
في السياسة العالمية، كان هذا يعني الانتقال التدريجي من الدول القومية إلى عالم واحد تحت حكومة عالمية مع إلغاء موازٍ للسيادة (على نموذج الاتحاد الأوروبي الحديث).

رفض ترامب بشدة كليهما - كل من الإيديولوجية الليبرالية والجغرافيا السياسية للعولمة. لم يرفض فقط، بل بدأ في إعادة تشكيل الواقع العالمي بنشاط محموم، بعد أن غير بالفعل كل شيء تقريبًا فيه بشكل كبير خلال الأسبوعين اللذين قضاهما في البيت الأبيض.

نوعية العالم الذي رفضه ترامب ويخضعه الآن للتصفية السريعة أمر واضح إلى حد ما. هذا هو العالم الذي تصوره العولميون وبدأوا في بنائه. إن معالمه الأساسية واضحة، وأساليبه واضحة أيضا، وليس من الصعب أن نتخيل ما قد يؤدي إليه منطقيا. لكن ترامب قطع هذا التوجه. وهنا يمكننا أن نقول إن أفعاله لا رجعة فيها بالفعل.

ملامح العالم وفقا لترامب

الآن دعونا نحاول أن نفهم أي نوع من العالم بدأ ترامب في بنائه في مكان العالم المدمر.
ء
سيكون من المغري أن نصفه بالتعددية القطبية، كبشرية تتكون من حضارات حيث لم يعد هناك أي مهيمن منفرد - لا إيديولوجي ولا جيوسياسي، تم إلغاء أحادية القطبية، وجميع الشعوب والثقافات، بعد أن تخلصت من نير العولمة، يمكنها أخيرا أن تتنفس الصعداء وتبدأ عملية بناء حضارتها السيادية. نحن أنفسنا، وكذلك الحضارات العظيمة الأخرى: الصين والهند والعالم الإسلامي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، نريد بوضوح أن نرى ونبني مثل هذا النظام العالمي. لهذا، في الواقع، اتحدوا في مجتمع البريكس. ربما قد تؤدي إصلاحات ترامب موضوعيا إلى هذا بالضبط، ولكن من الواضح أنه يرى الأمور من زاوية مختلفة. ومن غير المرجح أن يكون مستعدا للموافقة بشكل مباشر وواع على التعددية القطبية، على الرغم من أن بعض أنصاره، وخاصة مارك روبيو، قد اعترفوا بالفعل علنا بالتعددية القطبية كواقع موجود موضوعيا. وهذا بالطبع يناسب الجميع، ولكن من غير المرجح أن يكون ترامب مستعدا شخصيا لهذا التوجه.

بل إنه يرى في النظام العالمي الجديد قطيعة نهائية مع نظام "يالطا" ولحظة القطب الواحد للعولمة. ولذلك شرع في تدمير كل المؤسسات الدولية التي كانت رمزا للثمانين عاما الماضية: الأمم المتحدة والهياكل العالمية مثل منظمة الصحة العالمية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID وحتى حلف الناتو . ويرى ترامب في الولايات المتحدة إمبراطورية جديدة، ويقارن نفسه بوضوح بأغسطس قيصر الذي ألغى في النهاية الجمهورية المتدهورة. ومن هنا جاءت مطالباته بغرينلاند وكندا وقناة بنما وحتى المكسيك. وفي نظره، الولايات المتحدة قوة عظمى، تجسد حلم البشرية جمعاء، ولكنها في الوقت نفسه تركز على نفسها وتتألق على التل كمثال جذاب. وكل الأمم تحترمها وتخشاها. ولا يجرؤ أحد على تحديها، وفي الوقت نفسه لا تدين بأي شيء لأحد. إنها ليست مانحا عالميا، بل كيانا عالميا. والولايات المتحدة لا تحل محل البشرية، بل تمثل فقط أفضل جزء منها، الجزء الأكثر كفاءة ونجاحا وثراء وحرية وازدهارا على هذا الكوكب. إن الدخول في هذا المجال يتطلب بذل الجهد. ومن هنا جاءت كراهية ترامب للمهاجرين غير الشرعيين. فالولايات المتحدة ليست ممراً للرعاع الكسالى غير المهرة الذين يعيشون على الإعانات ويحتقرون القيم التقليدية. إن كونك أميركياً يشكل امتيازاً وعلامة على اختيارك. ويمكن لأي شخص آخر أن يعجب بالولايات المتحدة أو يلعنها من مسافة بعيدة. وهذا لا أهمية له. ولكن إذا تحدى أحد هذا العملاق، فإن القوة الكاملة للآلة العسكرية الأميركية سوف تسقط على رؤوسهم.

بالنسبة لترامب، فإن هيمنة الغرب ليست هي التي تكتسب معنى، بل الهيمنة الوطنية المباشرة للولايات المتحدة. وهذا ليس قبولاً للتعددية القطبية ــ إنه مشروع لعالم أحادي القطب يقوم على فرضيات مختلفة جذرياً عن تلك التي يتبناها الليبراليون والعولميون.

هكذا يرى ترامب المستقبل ويبني سياساته في الوقت الحاضر حسب هذا النموذج.

الولايات المتحدة وكل البقية

في الولايات المتحدة نفسها، يعني هذا تفكيك النخب الليبرالية العولمية، ربما من خلال تطهير قاس. لقد أصبح ترامب نفسه هدفا للمضايقات والاضطهاد وحتى محاولات الاغتيال. وهو يدرك جيدا أن حجم إصلاحاته لن يترك له أي فرصة إذا تعثر وسلّم المبادرة لأعدائه. لذا فهو يضرب أولا، وإذا لزم الأمر، سيدمر بشكل منهجي أعداءه داخل البلاد. وقد بدأ بالفعل في القيام بذلك. ولن يتوقف.

اوروبا

ربما يكن ترامب مشاعر سلبية للغاية تجاه أوروبا بشكل عام. فقد أعلن إيلون ماسك، أقرب حليف لترامب، مؤخرا عن أطروحة "جعل أوروبا عظيمة مرة أخرى" MEGA، والتي تعني الإطاحة بالنخب الأوروبية العولمية وصعود الشعبويين اليمينيين إلى السلطة، كما هو الحال في أمريكا، أي الأوروبيين الترامبيين. لكن ترامب لا يؤمن بجدية بأوروبا العظيمة. سوف تكون منافسا للولايات المتحدة نفسها. وإلى جانب ذلك، طالما أن الاتحاد الأوروبي في السلطة، فإن أولئك الذين يشكلون جزءا لا يتجزأ من الشبكة الليبرالية العولمية الوحيدة التي بدأ ترامب في اقتلاعها في الداخل هم في السلطة. إن الاتحاد الأوروبي عدو أيديولوجي ومنافس جيوسياسي للولايات المتحدة. قد يحاول أن يصبح قوة عظمى، لكن هذا شأنه الخاص. ترامب مهتم بأمريكا، وليس برفاهية منافسيها. إنه يفضل تفكيك أوروبا وإعادتها إلى نظام الدول القومية، بدلاً من تعزيز وحدتها. هذه هي معضلة الأوروبيين الترامبيين. من ناحية، هم معارضون للنخب الأوروبية العولمية، ولكن من ناحية أخرى، هم وطنيون أوروبيون ويرغبون في رؤية أوروبا ذات سيادة وعظمة. أن نكون مثل أمريكا ترامب لا يعني أن نكون أداة مطيعة لأمريكا ترامب.
الدرس ليس: يجب أن نطيح بالعولميين الأوروبيين الليبراليين باسم السيادة الأوروبية الإيديولوجية والجيوسياسية الكاملة. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فإن أوروبا القوية تحتاج إلى ثقل موازن للهيمنة الأمريكية الجديدة. هذا هو عهد ترامب: كونوا أصحاب سيادة! هذا هو القانون للولايات المتحدة، ولكن لجعله قانونًا لأوروبا، يجب ألا نتبع أمريكا بشكل أعمى، بل يجب أن نعتمد على قوتنا الخاصة. أو على بعض التحالفات والائتلافات المعقدة الأخرى. وهذا يعني أن ترامب الأوروبي سوف يكتشف بشكل طبيعي في مرحلة ما عالمًا متعدد الأقطاب. فيه هيمنة أمريكية، ولكن هناك مجال لكيانات ذات سيادة أخرى. يريد ترامب السيادة لنفسه. لكنه يقدم مثالاً للآخرين: أرفضوا نير العولميين الليبراليين وكونوا مثلنا. ومن هنا جاء الانتقال من MAGA إلى MEGA.

كيف ستتفاعل روسيا مع ترامب؟

مرة أخرى، مع الاعتراف بصحة وعدالة الترامبية في معارضتها للعولمة، العدو الرئيسي لروسيا، لا يمكننا التحدث عن أي تنازلات عن السيادة هنا. دافعت بلادنا عن سيادتها في مواجهة ضغوط من الغرب الجماعي بأكمله (عندما كان لا يزال موحدا وخاضعا بالكامل لسيطرة العولميين) وبعد انقسام الغرب، ستتمسك بها أكثر من ذلك. وترامب يفعل الشيء نفسه.

له إمبراطوريته، ولنا إمبراطوريتنا. يمكن أن يتصادما، ولكن في سياق جديد تمامًا، في عالم القوى العظمى. على الجانب الآخر من العولمة.

أين الصين من كل ما بحدث؟

تتلقى الصين أقوى ضربة في عهد ترامب. حتى وقت قريب جدًا، كانت جمهورية الصين الشعبية تتنقل بمهارة بين العولمة والسيادة، في محاولة للاستفادة من استراتيجيتين في نفس الوقت: المشاركة القصوى في الاقتصاد العالمي وتعزيز استقلال الصين واستقلالها كقوة عظمى. من الصعب تحديد إلى أي مدى تعتمد عظمة الصين على العولمة. لكننا سوف نفهم هذا قريبا، لأن ترامب يعتزم قطع كل الفرص أمام الصين لمواصلة مسارها السابق.

يرى ترامب أن الصين هي المنافس الرئيسي للهيمنة الأمريكية وقد بدأ بالفعل جولة جديدة من الحرب الاقتصادية والتجارية، والتي كانت بالمناسبة من سمات إدارة بايدن، ولكن ليس بهذه الشدة. سيحاول ترامب تقليص ذلك الجزء من الربح الذي كسبته الصين من الولايات المتحدة وعلى حساب الولايات المتحدة في مناطق أخرى من العالم إلى الصفر.
لا شك أن الصين ستظل ذات سيادة، مما يعني أنها ستستمر في كونها قوة عظمى، ولكن فقط في ظل ظروف أكثر صعوبة بسبب المعارضة المباشرة من قبل الولايات المتحدة. من الواضح أن روسيا لا تشكل تهديدًا كبيرًا لترامب، لكن الصين تشكل تهديدًا. لذلك، من المحتمل أن ينتقل مركز الثقل في السياسة الخارجية الأمريكية من روسيا إلى الصين.

الشرق الأوسط

ستكون المنطقة الاشكالية الثانية لترامب بعد الصين هي الشرق الأوسط. هنا، على عكس معظم الواقعيين الأمريكيين (جون ميرشايمر، جيفري ساكس)، يلتزم ترامب بتوجه مؤيد لإسرائيل بشكل صارم. في رأيه، إسرائيل هي الولايات المتحدة في صورة مصغرة، والسياسي اليميني المتطرف نتنياهو هو الأنا البديلة للإمبراطور ترامب نفسه. وهنا أعداؤه هم إيران والعالم الشيعي والمقاومة، أي التحالف المعادي لإسرائيل من الشعوب الإسلامية والفلسطينيين أنفسهم.
من الصعب أن نقول إلى أي مدى سيذهب ترامب في سياسته في الشرق الأوسط، ولكن بالنسبة له، كما هو الحال بالنسبة لأغسطس قصير الجديد، فإن إسرائيل هي مستعمرة لا لبس فيها، ومختارة ومقدسة في هذا السياق. أعداء إسرائيل هم أعداؤه. لذلك، من الواضح أن ترامب لن يحب فكرة تحول إيران إلى قوة عظمى أو توحيد الأمة الإسلامية في كيان سياسي وديني واحد.
في ولايته الأولى، عبر بشكل عام عن مشاعر معادية للإسلام، ثم خفف من حدة خطابه. ولكن في كل الأحوال، فإن فكرة القطب الإسلامي والنهضة الإسلامية تثير اشمئزازه بالتأكيد. إذا كان هناك شيء واحد لا يخطط له، فهو "جعل الإسلام عظيماً مرة أخرى"، ولكن قد يكون ذلك في خطط المسلمين أنفسهم. إذا كان الجميع من حولهم سيصبحون عظماء، فلماذا لا يحذو المسلمون حذوهم؟

الهند

إذا كانت روسيا مسألة ثانوية بالنسبة لترامب، والصين، على العكس من ذلك، هي الخصم والمنافس الأكثر خطورة، فإن ترامب ينظر إلى الهند، التي شرعت بوضوح في مسار التحول إلى قوة عظمى، كحليف وصديق. تلعب المنافسة الإقليمية مع الصين، من ناحية، والتوترات مع الإسلام، من ناحية أخرى، دورًا مهمًا هنا.
يرى ترامب شيئًا مفهومًا لنفسه في ناريندرا مودي: السياسة اليمينية، والسيادة، والقيم التقليدية. لذا فإن "جعل الهند عظيمة مرة أخرى" (MIGA) مقبول تمامًا بالنسبة لترامب.

أمريكا اللاتينية

إن أمريكا اللاتينية ككل تزعج ترامب من خلال وجودها: يتدفق تيار من اللاجئين من هناك عبر الحدود الجنوبية، وتتسلل عصابات المخدرات والعصابات الإجرامية من هناك، وتغسل أمواج المحيط للسكان اللاتينيين هوية الأميركيين الأنجلوساكسونيين. وهذا هو بالضبط السبب وراء بناء ترامب لجداره. خلف حدوده تبدأ منطقة الفوضى والجريمة والفجور والتخلف. يكاد يكون من المستحيل التحدث هنا عن الرغبة في "العظمة".

ولكن قد يكون لأميركا اللاتينية وشعوبها أفكارهم الخاصة في هذا الشأن. إن الإطاحة بالعولميين في الولايات المتحدة نفسها تفتح فرصاً جديدة لأميركا اللاتينية. وإذا كان الجميع من حولنا أصبحوا عظماء، فلماذا لا تحذو الدول والشعوب اللاتينية حذوهم؟
قد لا يريد ترامب هذا، لكن الأمر يتعلق بالمبادئ. وبطبيعة الحال، في يوم من الأيام، سوف تظهر قوى تعلن: "دعونا نجعل أميركا اللاتينية عظيمة مرة أخرى!"

افريقيا

وأخيراً، أفريقيا. إن مستوى التكامل هناك أضعف كثيراً. لكن ترامب نجح بالفعل في تحديد أولوياته. فقد أدان بشدة ممارسة انتزاع الأراضي من ملاك الأراضي البيض من قبل السكان الأفارقة الأصليين في جنوب أفريقيا، وهدد باتخاذ تدابير صارمة. ومن غير المرجح أن تجد الفكرة الأفريقية الشاملة المتمثلة في جعل أفريقيا عظيمة مرة أخرى وإنهاء ماضيها الاستعماري المخزي مرة واحدة وإلى الأبد دعماً منه، لكن هذا لا يعني أنها ستوقف الأفارقة أنفسهم.

لقد اتضح أن النظام العالمي الجديد ما بعد الليبرالي الذي بدأ ترامب في بنائه يتوافق موضوعياً مع التعددية القطبية.

من خلال الإعلان عن مسار إنشاء قوة عظمى، فتح ترامب عن غير قصد الطريق أمام قوى عظمى أخرى - سواء تلك التي هي بالفعل (روسيا والصين والهند) أو تلك التي بدأت للتو في هذا المسار. قد تنوي أوروبا، وكذلك العالم الإسلامي وأميركا اللاتينية وحتى أفريقيا، أن تصبح قوة عظمى بجدية. على الرغم من أن هذا بعيد المنال، فإن ظروف الجغرافيا السياسية ما بعد العولمية تدفع الجميع نحو هذا.
سواء أراد ذلك أم لا، فإن ترامب يفتح عصر القوى العظمى وبالتالي يساهم بشكل موضوعي في التأسيس السريع لعالم متعدد الأقطاب، على الرغم من أنه قد لا ينظر إلى ما هو أبعد من الشكل الجديد للهيمنة الأميركية والنسخة المحدثة، هذه المرة الإمبراطورية البحتة، من أحادية القطب.

نعم، يزعجه البريكس وحتى أنه يهدد بالعقاب في حالة التخلي عن الدولار في التجارة العالمية، محذرًا من الانتقام لمحاولة بريكس إعتماد عملة احتياطية عالمية أخرى. ولكن في الوقت نفسه، ينفذ ترامب بنشاط اقتصاد العملة المشفرة، والذي هو في جوهره فصل التمويل العالمي عن احتكار طباعة النقود. لذلك، ينبغي لنا أن ننتبه ليس إلى التصريحات الفردية والإيماءات وحتى الخطوات السياسية المحددة لترامب، بل إلى النموذج الأيديولوجي والجيوسياسي الذي يتبعه. ومن الجدير بالذكر بشكل خاص أن نأخذ في الاعتبار عداءه ومعارضته المباشرة للعولمة الليبرالية التي سادت حتى وقت قريب في الولايات المتحدة والعالم.

يفتح ترامب رمزياً عصر القوى العظمى. بعد عصر العولميين ونهاية قوتهم المطلقة في السياسة العالمية، تنفتح آفاق جديدة تمامًا.



#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوفان الأقصى 491 - ريفييرا غزة - ملف خاص - 1
- ألكسندر دوغين - دليل دوغين -يالطا الجديدة – النظام العالمي ب ...
- طوفان الأقصى 490 - خطط ترامب لقطاع غزة - ليست غير واقعية تما ...
- طوفان الأقصى 489 - ولاية ترامب الثانية - الخطوط العريضة لسيا ...
- طوفان الأقصى 488 - بعد لقائه بأمير قطر، توجه زعيم سوريا الجد ...
- ألكسندر دوغين - تدمير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (SAI ...
- طوفان الأقصى487 - قطر ضد السعودية - من سيحدد سياسات سوريا ال ...
- ألكسندر دوغين – في روسيا، نحتاج إلى إلغاء ديكتاتورية الفاشلي ...
- طوفان الأقصى 486 – ترامب – سنقوم فقط بتنظيف هذا المكان!
- طوفان الأقصى 485 – ترامب وصنع السلام الوهمي للتغطية على خطط ...
- طوفان الأقصى 483 – ترامب يجسد إمبراطورية الشر الأمريكية بدون ...
- طوفان الأقصى 484 - لقد أدى تدمير غزة إلى تقويض أسس دولة إسرا ...
- مخاطر الإقتصاد الإفتراضي - وكيف خسرت امريكا تريليون دولار في ...
- طوفان الأقصى 482 – بتدمير غزة، وقعت إسرائيل على حكم الإدانة ...
- ألكسندر دوغين – هناك تغييرات كبيرة في معسكر العدو، ويجب فهمه ...
- طوفان الأقصى 481 – معركة الإتفاقيات في الشرق الأوسط
- طوفان الأقصى 480 – ترحيل الفلسطينيين من غزة – إلى اندونيسيا ...
- ألكسندر دوغين – إصلاحات ترامب تستبعد العودة إلى القيم السابق ...
- طوفان الأقصى 479 – حول إتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا ...
- الأقصى 478 - حول إتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران ...


المزيد.....




- ملعب يشهد لحظة بطولية.. كيف أنقذ مدرب حياة أطفال من تهديد مر ...
- ترامب: لا حق للفلسطينيين في العودة بموجب خطة غزة.. وبإمكاننا ...
- حماس تعلن تأجيل إطلاق سراح الرهائن من غزة حتى إشعار لآخر
- مصادر: الائتلاف الوطني السوري يعتزم حل نفسه
- باستخدام الذكاء الاصطناعي.. محتالون يستنسخون صوت وزير الدفا ...
- ترامب: سنتملك قطاع غزة ونعمرها.. ونتنياهو يقترح السعودية لتح ...
- أبو عبيدة يعلن تأجيل تسليم الرهائن الإسرائيليين حتى إشعار آخ ...
- شولتس يتعهد بالرد بإجراءات انتقامية إذا فرض ترامب رسوما جمرك ...
- الشرع يسرد تفاصيل عن حياته الشخصية والتطوع في الجيش السوري و ...
- -تذكرة ذهاب دون عودة-.. ترامب يعلن تفاصيل -مرعبة- عن خطة بشأ ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد الزبيدي - ألكسندر دوغين - ترامب لديه خطة - تنظيم الفضاءات الكبرى