أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - التحرر (٧_٨_٩)















المزيد.....


التحرر (٧_٨_٩)


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 02:12
المحور: الادب والفن
    


_٧_
كنت دوما" ناشطة نسوية ملتزمة ،إلى الحد الذي وصفت به على الدوام بالنسوية الفظة ،رغم أنني كنت أعمل موسيقية لا أكثر،وحين كانوا يضيعونني كانوا يجدونني في المستشفيات ومراكز التأهيل النفسي للمغتصبات في السجون .
نشأت في منزل علماني مع أب كاتب ومفكر غيب قسريا" من قبل أمن الأسد فتربينا أنا و أخي على حب الأدب والفن والثقة بأنهما الوسيلة الوحيدة لمواجهة ديكتاتورية الأسد .
اعتقلت و أخي ونحن نحتفل بتوقيع روايته الأولى في مقهى ثقافي ،بتهمة التعامل مع منظمات متطرفة .
التقيت في المعتقل بشابة تبدو عليها أمارات الثراء والجاه ،كانت معتقلة للسبب نفسه ،واستطاعت إقناع السجان بالمال بتمرير الكتب إليها .
كانت تقرأ على الدوام كتبا" صوفية ،وكتابي القصص القرآني والكتاب والقرآن لمحمد شحرور ،وأحيانا" كانت تقرأ الإنجيل المقدس .
قالت بأنها خريجة كلية الطب وأنها اعتقلت من الجامعة نفسها في يوم الاحتفال بتخرجها ،بعد أن اجتمع جميع الخريجون لأخذ صورة جماعية تذكارية وهم يرمون بالمراويل البيضاء في الهواء الطلق احتفالا" بالتخرج .
حين خرجت من المعتقل بحثت عن شقيقي لكن لم ألق له أثر مع أنه كان لا أدريا" و حتى ملحدا" على نحو أشد مني ولم يكن يشغله سوى استعادة معشوقاته الكثيرات .
وحين يئست من العثور عليه قررت أن أرحل إلى بلدة والدي الكاثوليكية على الحدود السورية أعالج بها روحي المحطمة .
حين وصلت سحرت بأزقتها القديمة التي تشبه شوارع إيطاليا أو اسطنبول العتيقة .
تعرفت بنسوة عجائز هناك سافر أبناؤهن هربا" من بطش الاستبداد ،وصرت أجتمع بهن وأقرأ لهن مقاطعا" من غراتسيا ديليدا وإيزابيل ألليندي وآليس مونرو ،حيث تسنى لي العيش وفق حياة نسوية لطالما حلمت بها .
كنت أقرأ إيميلي برونتي في الشتاء إلى جانب مدفأة الحطب في منزل أجدادي الريفي و أبكي حزنا" على فراق أخي .
أسست مكتبة في الريف وجمعية للنساء القارئات وعرفتهن على الأدب العالمي ،فتغيرت حياتهن وخرجن من حزنهن وعزلتهن وغدون واعيات لما يحصل حولهن وكيف يمكنهن مواجهة ديكتاتورية الأسد التي لا تتلائم معها سوى صورة المرأة المنحطة ،أو النسوة اللواتي بعن شرفهن من أجل التنعم بخيرات السلطة الفاسدة .

_٨_
درست الطب مثل أي شاب يحلم بمستقبل جيد يليق بإسم عائلته ويحقق طموحاتها في ولدها الوحيد ،وافتتحت مخبرا" للتشخيص وفق اختصاصي .
وذات يوم زارتني سيدة أنيقة المظهر مضطربة الأوصال برفقة حارس شخصي وطلبت مني إجراء تحاليل عامة لها .
راحت تغازلني أثناء أخذ عينة الدم وقالت بأنني أشبه ملوك جمال الكون الذين ينتخبونهم في المسابقات العالمية وأنها ترغب إن لم يكن لدي مانع في أن أصاحبها ،فأخبرتها بأنه ليس لدي مانع بأن نكون صديقين .
اتصلت بي ذات يوم وطلبت ان نلتقي في المركز الثقافي لحضور فيلم سينمائي ،وهناك طلبت مني بأن أكتب تقريرا" طبيا" يقر بأن دمها خال من المواد المخدرة ،وأنها مستعدة أن تغدق علي بالمال الوفير إن استجبت لطلبها .
بكت وهي تخبرني بأنها ابنة ضابط كبير في مخابرات الأسد وبأنه يهددها بإيداعها في مركز إعادة تأهيل وحرمانها من كل حقوقها .
لم تسمح لي أخلاقي المهنية طبعا" بأن أتلاعب بنتائج التحاليل الطبية ورفضت طلبها ،حينها أخبرتني بأنني من جنى على نفسه .
في اليوم التالي جاءت دورية من أمن الدولة تابعة لنظام الأسد الهستيري و فتشت المخبر وعثرت على مخدرات تعطى عبر الحقن الوريدي فيه ،كانت قد وضعتها لي حتما" تلك الساقطة فاتهمتني بتحويل المخبر إلى مركز لبيع المخدرات و تعاطيها سرا"،وقبضت علي .
في الزنزانة حيث زججت فوجئت بتلك المرأة في الزنزانة تنتظرني ،وعقدت معي صفقة بأن تخرجني مقابل الرضوخ لطلبها ،فقبلت بعرضها .
حين خرجت أطلقت صرخة من القهر وبكيت بشدة ،واتخذت قرارا" سريعا" بمغادرة البلاد .
بعد أسابيع من وصولي اسطنبول ،سمعت بأن المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام الأسد قد ملأت شوارع البلاد ،فقفلت راجعا" للمشاركة فيها .
اجتمعت بداية بأصدقاء لي في مقهى ثقافي في اللاذقية ،وانطلقنا منه ،وبعد عدة أيام اتجهنا صوب حمص للمشاركة في مظاهراتها وهناك قتل الكثير من المتظاهرين عراة الصدورعلى أيدي شبيحة النظام الأسدي .
قررت بعدها الانضمام إلى الثورة المسلحة وحمل السلاح في وجه هذا النظام البربري ،نظام الأسد القادم من الجحيم .

_٩_
حين قصفت قريتنا بطيران نظام الأسد المجرم ،بعد اندلاع الثورة توجهنا أنا وزوجي وطفلي باتجاه الأراضي اللبنانية ،ثم انضم زوجي إلى الثوار وغادرنا أنا وطفلي ولم يعد بعد ذلك ،وقيل بأنه استشهد في إحدى المعارك .
صرت بعدها في كل ليلة أضم ملابسه إلى صدري وأبكي وتراودني رغبة في أن أحمل السلاح وأحارب عصابات الأسد بنفسي انتقاما" لزوجي .
كان يأتيني في الحلم ليطمئنني أنه بخير وهو ينعم في جنات الخلد والنعيم ،وتارة كانت تراودني ذكرياتي معه في فرحنا وخصامنا ،وحين كان يلقي لي قصائدا" من شعر نزار قباني .
أنا اليتيمة التي وجدت فيه الأب والصديق والحبيب ،الذي رعاني و شجعني على إكمال دراستي الجامعية ،حتى حصلت على شهادة في الأدب العربي ،وأهداني في حفل تخرجي مجموعة كتب للروائي السوري خيري الذهبي.
تزوجته وعشت معه حياة بسيطة في منزل صغير كان قد استأجره ،لكن رغم كل الفقر كنت سعيدة معه وكنت على ثقة تامة بأنني لن أجد زوجا" أفضل منه وأنني لن أعرف السكينة والراحة إلا بين يديه .
كنا مختلفين في الثقافة بأميال ،فعلى الرغم من أنه توقف عن الدراسة عند المرحلة الثانوية ،إلا أنه كان يكلمني على الدوام بأشياء لم أسمع بها من قبل كجدار برلين ،وأهمية حدث سقوطه وأنه يمثل علامة فارقة في التاريخ ،وكان يشبه الأسد المجرم بهيرودوس قاتل أطفال بيت لحم .
حين انتفض الجميع ضد الظلم بكى ،وحين سألته عن السبب قال بأننا أخيرا" تحررنا من الخوف وهوأعظم ما قد يحصل لشعب مقهور .
وكم تذكرت كلامه وأبقاني قوية في سنوات النزوح في بيروت ،حيث عملت في بيوت كثيرة واضطررت أحيانا" لدفع طفلي للعمل أيضا" ،وكنا نسكن أحيانا" في بيوت بلا جدران في أقصى شهور الشتاء بردا" .
لم يتسن لولدي (عمر ) أن يلتحق بمدرسة إلا أنني علمته بنفسي واشتريت له مجلات أطفال ،وروايات لما كبر سنه ،كما وعدت والده .
وكنت حين يطيب الزمن معي ،أصطحبه في نزهة إلى مار مارون وشارع مار الياس التجاري وأشتري له كل ما يطيب له.
مر بائع أزهار سوري بقربنا ذات يوم فاشتريت لولدي زهرة ،فأخبرني بأنه سيزرع مثلها في أرض سوريا حين يعود إلى سوريا و يهديها لوالده ،مهما تأخرت هذه العودة .
زرع كلامه الأمل في قلبي بأننا سننتصر لا محالة ذات يوم على نظام الطاغية الأسدي ونعود لبلادنا الغالية .



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحرر (٣_٤_٥_٦)
- التحرر (الجزء الثاني)
- التحرر (الجزء الأول)
- القمع (كاملة)
- ما الذي لم يقنعني في الأديان؟ (محاضرة)
- أزهار أبدية(الجزءالثاني)
- أزهار أبدية (الجزء الأول)
- القمع (٨)
- القمع (٨)
- القمع (٧)
- القمع (٦)
- القمع (٥)
- القمع (٤)
- القمع (٣)
- القمع (٢) منقحة
- القمع (٢)
- القمع (الجزء الأول)
- قم هات عودا-
- سوق السلام
- اعترافات البومة القاتلة


المزيد.....




- أزياء وفنون شعبية وثقافة في درب الساعي
- رحيل أسامة منزلجي.. رحلة حياة في ترجمة الأدب العالمي
- مصر.. مفاجأة في قضية طلاق الفنان الراحل محمود عبد العزيز وبو ...
- السودان : تدمير مباني الاذاعة والتلفزيون والمسرح من قبل الدع ...
- بعد سرقة تصاميمها... فنانة وشم بلجيكية تربح دعوى قانونية في ...
- من باريس إلى نيويورك.. أهم متاحف العالم تُطلق خططا تجديدية
- جائزة الكتاب العربي تكرم الفائزين في دورتها الثانية
- لغة الكتاب العربي.. مناقشات أكاديمية حول اللسان والفلسفة وال ...
- عاصمة الثقافة الأوروبية 2025.. مدينة واحدة عبر دولتين فرّقته ...
- تحذيرات من تأثير الشاشات على تطور اللغة والذكاء لدى الأطفال ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - التحرر (٧_٨_٩)