سماك العبوشي
الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 00:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ قرار التقسيم عام 1947، مرورا بحرب 1948، ثم حرب حزيران عام 1967، ثم حرب تشرين 1973، فإنه لم يتجرأ نظام عربي واحد على قبول قرار التقسيم أو التفكير (مجرد التفكير) بالترويج لما يسمى بـ (السلام!!) وحل الدولتين الذي يتم تداوله في الآونة الأخيرة، باستثناء الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي غرّد خارج السرب القومي آنذاك مرتين:
المرة الأولى: كانت في الثالث من آذار / مارس من عام 1965 حين زار مدينة أريحا الفلسطينية؛ بهدف إقناع الفلسطينيين والعرب بقبول قرار مجلس الأمن رقم 181 والقاضي بمنح دولة لعرب فلسطين ما نسبته42.3% من الأراضي مقاسمة مع "إسرائيل"، مع جعل القدس عاصمة مستقلة حيادية تحت إدارة الأمم المتحدة، حيث رفضت الدول العربية ذاك الطرح، ورفضوا فكرة التعايش معها آنذاك، وتعهدوا بشن حروب متواصلة حتى تحرير الأرض والقدس.
والمرة الثانية: حين القى خطابا بتاريخ 2 تموز / يوليو 1973 طرح فيه مبادرته لفكرة قبول إسرائيل بمبدأ تقسيم فلسطين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 وترسيم الحدود بين الدول العربية والكيان اللقيط من خلال مفاوضات مباشرة وإقامة دولة فلسطينية!!، ولقد صدرت في أعقاب مبادرته وطروحاته تلك ردود أفعال عربية شديدة اللهجة وُصِفَت بأنها تهوين للقضية من جانب، وإهدار للحق الفلسطيني في أرضه ووطنه من جانب آخر، كما عمّت المظاهرات الجماهيرية في بغداد والقاهرة ودمشق وغيرها من العواصم العربية تنديدا بخطابه ذاك وتم وصفه بالخيانة والعمالة!!
واستمر رفض جماهيرنا وأنظمتنا العربية لذاك الكيان اللقيط، حتى قيام السادات عام 1979 بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد، والتي كانت شؤما وبؤسا حيث فتحت الباب على مصراعيه لأنظمة عربية لتتشجع وتهرول ملهوفة بعد سنوات من التمنع لتقوم بطرح فكرة التطبيع مع الكيان اللقيط والتصالح معه وإقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية وسياحية، وقبولها بأن يكونوا جارا حميما ودودا (لسارق مجرم مغتصب أثيم)!!
وما هي إلا سنوات قليلة تلت توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وتحديدا في 19 تشرين أول / أكتوبر 1991، فنفاجأ بخبر دعوة موجهة من كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي الى كل من الكيان اللقيط ومصر والأردن والفلسطينيين وسوريا ولبنان لعقد مؤتمر للسلام يضمهم في مدريد بإسبانيا، وفعلا تمت تلبيتهم للدعوة في 30 تشرين أول / أكتوبر 1991، وبعد سنتين فقط من مؤتمر مدريد، وفي عام 1993، إذا بالأنباء تنقل لنا أن السيد ياسر عرفات، زعيم منظمة التحرير الفلسطينية، قد أعلن عن موافقته على حل الدولتين وتقاسم ارض فلسطين مع عصابات وشذاذ آفاق تم لملمتهم وجمعهم من شتى بقاع الأرض ومنحهم بقعة في أرض فلسطين، وسرعان ما اخذ هذا الكيان اللقيط بالتوسع والانتشار كالورم السرطاني الخبيث الى أن وصل الى ما نعيشه ونراه في يومنا هذا، والأدهى من هذا وذاك، فبرغم اتفاقية أوسلو المشؤومة التي جلس فيها الجلاد والضحية وجها لوجه على مائدة التفاوض والتوقيع، إلا أن الكيان اللقيط – كعادته - لم يحترم أي اتفاق ولم ينفذ أي بند من بنوده كما هو مقرر، بل زاد قضما واستيلاء للأرض وإقامة المستوطنات في الضفة الغربية الواقعة تحت سيادة السلطة الفلسطينية، حيث يقدر عدد المستوطنين فيها الأن حوالي 700 ألف إسرائيلي!!
وما هي إلا سنوات، حتى سمعنا بمصطلح ومفهوم سياسي جديد يطلق عليه تسمية "التطبيع"، والذي سعى إليه عدد من أقطارنا العربية بغية إقامة علاقات اقتصادية وسياحية وصولا للدبلوماسية مع الكيان اللقيط، في وقت رفضته وبشدة جماهيرنا العربية قاطبة حتى داخل هذه الأنظمة العربية التي سعت للتطبيع الرسمي دون الشعبي!!
واليوم ... وبعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، بتنا نسمع عبر الاعلام العربي من يروج على لسان بعض من يدعي الثقافة والدراية والعلم من أبناء جلدتنا بأن حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على القدس الشرقية هو جلّ ما نرجوه متذرعين بالتوازنات الإقليمية والدولية وسياسة الأمر الواقع!!، ضاربين عرض الحائط الحق الذي تم سرقته من أرض العرب في غفلة من الزمن، ومتناسين تلك الحقبة العروبية الجميلة التي طغى خلالها الحديث عن تحرير أرض فلسطين وأنه أمر مقدس وحتمي ولا رجعة عنه!!
فأي نكوص هذا وأي تقهقر بالمبادئ والقيم بتنا نعيشه ونراه ونسمعه، بل ويروج له البعض تهليلا وتطبيلا!!؟
وإنعاشا للذاكرة السمكية، سواء للأنظمة العربية أولا، والتي ربطت مصيرها بما تفرضه وما تمليه عليها قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تحمي كراسي قادتها وحكامها، وللمحللين والمثقفين ثانيا من أبناء جلدتنا ممن فقدوا البوصلة القومية العروبية وراحوا يهللون ويمجدون ويمهدون لفكرة حل الدولتين، وأن هذا يُعد نصرا عظيما للأمة عموما ولشعب فلسطين خاصة، أقول لهم جميعا:
هل نسيتم أم تناسيتم كيف ابتدأت قصة ضياع ونكبة فلسطين!؟
وهل تتخيلون بأن ما جرى لفلسطين سيتوقف عند حدودها الجغرافية فقط، أم أنكم ستشعرون بوطأتها يوما قريبا وتعضون بعدها أصابع الندم والحسرة وترددون في سركم وعلنكم عبارة: " قد أكلت يوم أكل الثور الأبيض"!!،
ولمن نسي أو تناسى من هؤلاء قصة الورم الخبيث الذي زرع في فلسطين يوما، وانتشر واستفحل، فإليه قصة ذاك الورم الخبيث الذي بدأ يوما ما صغيرا مستضعفا والمسمى "إسرائيل" كيف ظهر من العدم فجأة، وكيف تم التمهيد له ورعايته، وكيف استفحل شأنه وأمره اليوم، وبات قريبا من حدودكم، وإليكم القصة بمختصر شديد:
يحكى يا سادة يا كرام، أن بقعة عربية تدعى (فلسطين) كانت تحت سلطة الانتداب البريطاني للفترة من 1922 حتى عام 1948، ولقد أصدرت حكومة الانتداب البريطاني قرارات وخطوات معادية لشعب فلسطين قبل وعد بلفور وبعده لتسهيل عمليات الهجرة اليهودية، تزامنا مع عمليات نفذتها قوات الانتداب البريطاني لطرد السكان الفلسطينيين بشتى الذرائع والحجج، وهدم للقرى والمنازل وارتكاب المجازر حتى إعلان قيام الكيان اللقيط رسميا عام 1947 وانتهاء انتداب بريطانيا على فلسطين!!
لقد تفننت الحكومة البريطانية بابتداع وإصدار قوانين جائرة من أجل الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية من أيدي أصحابها الشرعيين، وتسليمها ليهود الشتات الذين ارسلتهم الوكالة اليهودية، حيث أصدرت حكومة الانتداب البريطاني في أكتوبر/ تشرين الأول 1920 مراسيم تحد من انتقال الأراضي، وتعد حيازة الأراضي المحلولة (تلك التي توفي صاحبها، أو لم يزرع فيها لأكثر من 3 سنوات) والأراضي الموات (تلك التي لم تزرع ولم تعمل وليست ملكا لأحد) موجبا للعقاب الشديد والمساءلة القانونية، كما وقامت سلطات الانتداب البريطاني عام 1928 بإصدار قانون يقضي بأن يسلم الفلاحون الفلسطينيون أراضيهم الزراعية لأغراض المنفعة العامة لقاء تعويض زهيد، لتقوم بعد ذلك سلطات الانتداب بتسريبها ومنحها لليهود مما منحهم سيطرة أكبر على الأراضي الفلسطينية!!.
كما ومارست بريطانيا شتى أساليب الخداع والتضليل حين أقدمت عام 1922 بإصدار "الكتاب الأبيض" البريطاني الأول، المعروف باسم وثيقة تشرشل البيضاء (وزير المستعمرات البريطانية آنذاك)، جددوا فيه التزام بلادهم بوعد بلفور(وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، وان الالتزام به لا يعني تهويد فلسطين كلها، وأن الاستيطان لن يؤثر على وجود شعب فلسطين، في محاولة خبيثة منها لاحتواء الغضب العربي عموما والفلسطيني خصوصا، في وقت كانت بريطانيا تعزز قدرات العصابات الصهيونية التسليحية حيث قد قامت عام 1944 بإنشاء الفيلق اليهودي ويضم 5 آلاف عنصر باعتبارها وحدة عسكرية مستقلة في الجيش البريطاني، ذاك الفيلق الذي لعب دورا كبيرا في توطيد كيانهم!!
هذا كما ويحكى أيضا أن كان هناك في زمن الانتداب ما يسمى بـ (الوكالة اليهودية لأجل إسرائيل (، وهي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية، والتي كانت قد أُنشأت في 1908 باسم «مكتب فلسطين» في يافا كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين أيام الحكم العثماني، اضطلعت بمهمة تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى وشراء الأراضي لليهود بمساعدة الصندوق القومي اليهودي ليستوطنوا!!، ومن الجدير بالذكر فإن اسم هذه الوكالة قد ظهر لأوّل مرة في صك الانتداب البريطاني الذي أشار في مادته الرابعة وأقتبس نصا: (ان وكالة يهودية مناسبة سوف يُعترف بها كهيئة استشارية لإدارة فلسطين والتعاون معها في المسائل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ما قد يؤثر في إقامة وطن قومي يهودي وحماية مصالح السكان اليهود في فلسطين)، وهكذا بدأت هذه الوكالة في أيام الانتداب البريطاني ( والتي صار اسمها الكامل حالياً "الوكالة اليهودية لإسرائيل") تعمل كحكومة "للمستوطنين الصهيونيين" في فلسطين، وتحت حماية ورعاية الانتداب البريطاني بقصد إنشاء وطن قومي لليهود!!
وهكذا عرفنا، وباختصار شديد، كيف تمت زراعة الكيان اللقيط كورم سرطاني صغير خبيث، ومن زرعه، وكيف تمت رعايته لينتشر ويكبر بمرور الوقت حتى صدر قرار التقسيم المشؤوم المرقم 131 بتاريخ 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947، والذي رفضته الأنظمة العربية، ووصفته بالمجحف في حق الأكثرية العربية التي تمثّل 67% مقابل 33% من اليهود، فقد أعطى الاقتراح 56.5% من فلسطين لليهود الذين كانوا يملكون 7% فقط من التراب الفلسطيني، (ولا أريد الخوض كثيرا ومطولا بمقالي هذا عن الطرق الالتفافية التي جعلت نسبة اليهود في فلسطين ترتفع خلال فترة الانتداب البريطاني لتصل الى نسبة 7%، حيث تطرقت لبعض بسيط منها آنفا)!!
باختصار شديد، وزبدة مقالنا هذا، فإننا نستشف مما سبق ذكره آنفا، أن سبب انتشار واستفحال الورم السرطاني المتمثل بالكيان اللقيط إنما يقع على عاتق قادة أنظمتنا العربية منذ يوم التقسيم حتى يومنا هذا، كما أن الفرق شاسع بين قادة وسياسيي أنظمتنا العربية بمختلف مراحل الصراع وبين قادة وسياسيي الكيان اللقيط، حيث نرى ضعف التزامنا، وقصر نظرنا، وقلة تدبرنا، وضعف تخطيطنا، مقابل قوة وعظم ومتانة التزامهم وجدهم ونشاطهم ودأبهم بتنفيذ مخططاتهم وتحقيق أحلامهم!!
لقد كانت فلسطين رمزًا للوحدة العربية، وعنوانا للعدالة التي ينتظر تحقيقها كل من آمن بالحرية والكرامة الإنسانية، ولكن، ومع مرور السنوات، تغيّر المشهد وتبدّلت المواقف، فمن العجز الجلي للأنظمة العربية، التي تركت القضية خلف ظهورها، إلى العجز التام للشعوب التي باتت اليوم غارقة في حالة من الخمول والتقاعس واليأس، بفضل الأنظمة العربية القمعية التي تكبل الحريات وتقمع الحراك الجماهيري العربي!!
إن اتفاقيات السلام المزعوم، التي أبرمتها بعض الأنظمة العربية مع الكيان اللقيط الغاصب، كانت خصما للقضية الفلسطينية؛ حيث منحت الكيان السرطاني اللقيط شرعية احتلالها للأراضي الفلسطينية مقابل وعود واهية بالسلام والاستقرار من أجل وهم وسراب، وكان من نتائج اتفاقيات السلام تلك استفحال شأن هذا الورم السرطاني الخبيث وبات من الصعوبة بمكان القضاء عليه واستئصاله في ظل أنظمة عهر وانحطاط عربي!.
ختاما ...
خير من وصف حالنا هذا المتمثل بالوهن والضعف والهوان هو نبينا وشفيعنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت".
وخير من وصف حال قادة أنظمتنا العربية في قرن الشيطان هذا، ما جاء بأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال وأكتفي بحديثين شريفين:
- "ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم".
- "لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمت الرهبان وليس لهم رغبة، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم".
بغداد في 8 شباط 2025
#سماك_العبوشي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟