أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة














المزيد.....

مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة


إسلام حافظ
كاتب وباحث مصري

(Eslam Hafez)


الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 16:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحل علينا اليوم الذكرى العاشرة لمجزرة الدفاع الجوي، المذبحة التي راح ضحيتها عشرون شابًا من مشجعي نادي الزمالك، قُتلوا بدم بارد على يد نظام لا يرى في الجماهير سوى خطر يجب سحقه، حتى لو كانوا مجرد عشاق لكرة القدم. في مثل هذا اليوم من عام 2015، خرجت الجماهير لمشاهدة فريقها، لكنها لم تكن تعلم أن النظام قرر أن يجعل من المباراة فخًا قاتلًا، ليحكم قبضته الأمنية ويؤكد أن حتى المدرجات لن تكون بمنأى عن قمعه. لم يكن الضحايا مجرد مشجعين، بل كانوا رمزًا لجيل لم يعرف سوى القهر، ولم يُسمح له حتى بالحلم بمتنفس بسيط في مدرجات الكرة.

منذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن ما جرى كان مذبحة مُخططة. أجهزة الأمن، التي لطالما تعاملت مع الجماهير كتهديد أمني، فرضت ترتيبات دخول مهينة، ووضعت قفصًا حديديًا أشبه بسجن، أجبرت المشجعين على المرور عبره كأنهم ماشية، لا بشر لهم حق في الحضور الآمن. وحين امتلأ الممر الضيق بآلاف المشجعين، جاء الأمر بإطلاق قنابل الغاز عليهم دون إنذار، ليُحاصروا بين الدخان السام والبوابات المغلقة، في مشهد لم يكن قتلًا غير مقصود، بل جريمة مدروسة بسبق الإصرار. لا يمكن لأحد أن يصدق أن قادة الأمن، الذين يمتلكون كل تفاصيل المكان، لم يكونوا على دراية بأن إلقاء الغاز في ممر حديدي ضيق سيؤدي إلى الاختناق والموت.

لكن الأمر ليس مجرد "خطأ أمني"، بل هو جزء من سياسة كاملة ينتهجها النظام في التعامل مع الجماهير، التي طالما كانت شوكة في حلق السلطة. فمنذ صعود روابط الأولتراس كقوة شبابية مستقلة، تعبّر عن نفسها في المدرجات، وتحمل وعيًا جمعيًا خارج سيطرة الدولة، أصبح قرار تفكيكها أمرًا حتميًا لدى النظام. لم تكن معركة السلطة مع كرة القدم، بل مع أي شكل من أشكال التنظيم الشعبي المستقل. فالمدرجات كانت آخر المساحات العامة التي لم تخضع للرقابة الكاملة، ومكانًا يولّد شعورًا بالانتماء والتحدي، وهو ما لا يمكن لنظام استبدادي أن يسمح به.

لم تكن مجزرة الدفاع الجوي حادثًا استثنائيًا، بل كانت امتدادًا لنفس النهج الذي رأيناه في مذبحة بورسعيد عام 2012، عندما قُتل 72 مشجعًا من جماهير الأهلي، في جريمة حملت بصمات النظام الانتقامي الذي أراد تحطيم أي جماعة منظمة قد تشكل نواة لمعارضة مستقبلية. لكن الاختلاف هذه المرة أن الدولة لم تحتَج إلى استخدام طرف ثالث، بل نفّذت الجريمة بنفسها، بيد قواتها الأمنية، في رسالة واضحة بأن لا أحد في مأمن، وأن من يخرج عن سيطرتها حتى ولو في مدرجات كرة القدم، سيكون مصيره القتل.

وكما هو متوقع، لم تتم محاسبة القتلة، ولم يُقدَّم أي مسؤول أمني إلى العدالة. بل على العكس، تم تحميل الضحايا أنفسهم المسؤولية، في محاكمات صورية أظهرت مدى تحكم السلطة في القضاء، ومدى تفاهة أي حديث عن العدالة في ظل نظام عسكري يرى في القانون مجرد أداة لقمع المعارضين، وليس لتحقيق الإنصاف. أما الإعلام، فقام بدوره المعتاد في تبرير القمع، والترويج لروايات السلطة، وتصوير الجماهير على أنهم المشاغبون الذين استحقوا الموت، وهو نفس الخطاب الذي استخدمه النظام في كل مجازره ضد الشباب، من محمد محمود، إلى رابعة، إلى استاد الدفاع الجوي.

اليوم، وبعد عشر سنوات، يحاول النظام دفن ذكرى المجزرة، كما حاول دفن كل جرائمه السابقة. لكنه ينسى أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن الذاكرة الجماعية للشعب لا يمكن محوها بالإعلام الموجّه أو بالقوانين القمعية. هؤلاء الشباب الذين سقطوا لم يكونوا مجرد أرقام، بل كانوا جزءًا من جيل لا يزال يواجه الاستبداد في كل تفاصيل حياته.

مجزرة الدفاع الجوي ليست مجرد حادثة في سياق كرة القدم، بل هي جزء من صراع طبقي أوسع، حيث السلطة العسكرية والبيروقراطية تخشى أي تنظيم شعبي قد يهدد سيطرتها. فالكرة، كما علّمتنا تجارب أمريكا اللاتينية وأوروبا، ليست مجرد لعبة، بل قد تكون مساحة للمقاومة والتعبير عن الغضب الجماعي، وهو ما لا يمكن لنظام قائم على القمع والاستغلال أن يقبل به. ولهذا السبب، كان القضاء على الأولتراس أولوية للنظام، مثلما كان القضاء على النقابات المستقلة، والجمعيات الأهلية، وكل أشكال التنظيم التي لا تمر عبر قنوات السلطة الرسمية.

لكن، ورغم كل القمع، لا تزال ذكرى شهداء الدفاع الجوي تطارد هذا النظام. عشر سنوات مرت، ولم ينجح في إسكات الحقيقة. لأن العدالة، حتى لو تأخرت، قادمة لا محالة. وكما سقطت أنظمة ظنّت أنها باقية للأبد، سيسقط هذا النظام، وستتحقق العدالة يومًا ما، وسيذكر التاريخ أن هناك من دفع حياته ثمنًا في معركة لم تكن أبدًا عن مباراة كرة قدم، بل عن حق الإنسان في الحياة، والكرامة، والحرية.

عشر سنوات مرت، لكن الدماء التي سالت أمام بوابات استاد الدفاع الجوي لم تجف بعد، والوجوه الشابة التي أُزهقت أرواحها لم تُنسَ. هذه لم تكن مجرد جريمة عابرة، بل وصمة عار في تاريخ نظام لم يعرف سوى القتل والتنكيل بشعبه. قد يظن القتلة أنهم أفلتوا من العقاب، وقد يظن النظام أن القمع قد يطمس الحقيقة، لكن التاريخ لا يُنسى، والدم لا يضيع هدراً. الأجيال القادمة ستعرف من قتل هؤلاء الشباب، وستحفظ أسماءهم كما حفظت أسماء كل الشهداء الذين سقطوا برصاص الاستبداد. العدالة المؤجلة ليست عدالة ضائعة، ويوم الحساب قادم، مهما طال الزمن.



#إسلام_حافظ (هاشتاغ)       Eslam_Hafez#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذبحة بورسعيد.. جريمة العسكر التي لن يغفرها التاريخ
- -المنفى وطنٌ من رماد-
- إضراب ليلي سويف: صرخة أمٍّ في وجه الظلم
- 25 يناير: أنشودة الحرية التي لا تموت
- -عصر السيسي الذهبي للنساء: أكذوبة تُخفي القمع والاستغلال-
- -القمع خلف ستار التحرر: معتقلات المنازل ومعاناة المرأة السعو ...
- -نظام السيسي: شعارات للبرمجة وقمع للحرية... مصر تحتضر في ظل ...
- إحنا بتوع التحرير..!
- -الظلم لا يدوم... وصوت الحق أقوى من السجون-
- نظام السيسي: استغلال الضرائب لتكريس الفشل الاقتصادي
- -2024: عام القمع والإخفاء القسري في مصر-
- رسالة الي الوالي..
- ثورة يناير: الحلم الذي لن يموت
- خطر الجولاني على سوريا: هل ينتظر السوريون نفس مصير المصريين ...
- القصور الفاخرة مقابل العيش الكريم.. كيف يرسخ النظام فجوة الط ...
- -حين ينكر الواقع نفسه: عن الدم والمال... والأيدي البيضاء-
- شوارع المحروسة
- مصر السجن الكبير
- مصر .. السجن الكبير
- السيسي بين الحقيقة والخيال


المزيد.....




- حذّر من -أخطاء- الماضي.. أول تعليق لخامنئي على المحادثات مع ...
- نتنياهو لماكرون: -نرفض إقامة دولة فلسطينية لأنها ستكون معقلا ...
- خامنئي: لا تفاؤل مفرط ولا تشاؤم بشأن المحادثات النووية مع وا ...
- الأردن يعلن إحباط مخططات -تهدف إلى المساس بالأمن الوطني-
- حماس تدرس مقترحاً إسرائيلياً جديداً لهدنة في غزة وإطلاق الره ...
- مئات الكتاب الإسرائيليين يدعون إلى إنهاء الحرب في غزة
- هجوم لاذع من لابيد على نتنياهو مستندا إلى قضية -قطر غيت-
- الاستخبارات الروسية: أهداف روسيا في أوكرانيا لن تتغير قيد أن ...
- الإمارات.. حريق برج سكني في الشارقة يودي بحياة 5 أشخاص (صورة ...
- الذكاء الاصطناعي يكتشف 44 نظاما كوكبيا مثيلا للأرض في درب ال ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إسلام حافظ - مجزرة الدفاع الجوي: عشر سنوات على الجريمة والعدالة الغائبة