|
تقرير عن رحلتي إلى سوريا ما بعد الأسد
فابيو بوسكو
الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الحادي والعشرين من هذا الشهر، بدأت رحلة مدتها ستة أيام إلى سوريا، بدعوة من منيف ملحم، القيادي التروتسكي السابق في حزب العمل الشيوعي السوري (POC). لقد تعرض POC للقمع الشديد من قبل النظام الدكتاتوري وقضى هو نفسه (منيف ملحم) 16 عاما في السجن، ثمانية منها في سجن صيدنايا سيئ السمعة. وعلى الحدود مع لبنان، كان الدخول مسموحا بناء على دعوة من مواطن سوري. لا يُسمح بالدخول للأشخاص الذين يحملون جوازات السفر الإسرائيلية والإيرانية. بمجرد دخولك إلى دمشق تظهر لك علامات الفقر التي يعاني منها كافة سكانها. يتم بيع خمسة لترات من غالونات البنزين في الشوارع مقابل 10 دولارات أمريكية لتزويد السيارات بالوقود وتدفئة المنازل، حيث تنقطع الكهرباء لساعات طويلة (في الحي الذي كنت فيه كانت متوفرة ساعتين فقط في اليوم). منذ سقوط الدكتاتورية في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول، انخفضت أسعار المواد الغذائية، باستثناء الخبز، لأن المزارعين أصبحوا قادرين على نقل منتجاتهم إلى المدن دون الحاجة إلى دفع رسوم المرور عند كل نقطة تفتيش يواجهونها على طول الطريق. علاوة على ذلك، انخفض النقص بسبب الواردات من تركيا، وارتفعت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، حيث بيعت بسعر 11 ألف ليرة للدولار الواحد (أثناء فترة وجودي هناك، بينما انخفض سعر الدولار اليوم لما دون 8000 ليرة سورية).
دمشق القديمة
في اليوم التالي، ذهبت لاستكشاف مدينة دمشق القديمة الجميلة، مع أسواقها الصاخبة حول المسجد الأموي الشهير. يعد هذا المجمع الديني، في حد ذاته، رمزاً للتسامح الديني. ويوجد هنا رفات القديس يوحنا المعمدان، وكذلك رفات القائد الكردي صلاح الدين الأيوبي الذي حكم مصر وسوريا وحارب لطرد الصليبيين. هناك حالة من الغليان السياسي بين السكان. الجميع يناقش كل خطوة من خطوات الحكومة الانتقالية. لقد أجريت محادثة مع مجموعة من الأشخاص الذين، عندما علموا أنني من البرازيل، سألوا على الفور عن موقف لولا ضد الإبادة الجماعية في فلسطين. ومن المثير للاهتمام أن نرى أن ما يظهر خارج البرازيل هو هذا الموقف وليس موقف الحكومة البرازيلية ضد تصرفات المقاومة المسلحة في فلسطين واليمن. كان موضوع النقاش اليوم هو عملية “التمشيط الدقيق” في محافظة حمص والتي وردت فيها تقارير عن انتهاكات ضد السكان وقتل 14 عسكرياً من النظام القديم، العديد منهم من ذوي الرتب العالية. وانقسمت الآراء. اعتقد البعض أن هذا كان إجراءً صحيحاً ضد النظام القديم، بينما اعتقد آخرون أن الأمور يمكن أن تتم بطريقة تحافظ على الحقوق الفردية. سألت عن الدروز، فقال لي أحد سكان مدينة السويداء إنه في الآونة الأخيرة كان هناك إجماع بين السكان والمجموعات المسلحة في المدينة والمشايخ حول وحدة سوريا وديمقراطيتها. وقال شخص آخر مازحا، إن الدروز أصبحوا تروتسكيين لأن الثورة بالنسبة لهم دائمة. في اليوم نفسه ذهبت للمشاركة في اجتماع دعا إليه اتحاد المحامين في المقر السابق لحزب البعث الأسدي، والذي حوله الناس إلى ملتقى جرمانا الاجتماعي في ضاحية دمشق. ودار النقاش حول الدفاع عن الحريات الديمقراطية والدستور. شارك في الاجتماع 150 شخصاً. وفي نفس المكان، حضرت اجتماعاً آخر مع 150 شخصاً من أجل حقوق المرأة وتوسيعها في كافة أنحاء سوريا. لقد كان هناك مناخ من التفاؤل الكبير. وفي يوم الجمعة 24 كانون الثاني، شاركت في مظاهرة للمختفين سياسياً في ساحة الشهداء (وتعرف أيضاً باسم “ساحة المرجة”)، وسط المدينة، مع 250 شخصاً، وكان العديد منهم يحمل صور أقارب وأصدقاء اختفوا في السجون. ويقدر عدد الذين اختفوا بنحو 200 ألف شخص. بالنسبة لهذا الحدث، كان من الضرورة بمكان الوصول إلى ساحة المرجة برفقة مشاركين آخرين بحافلة تضم 40 شخصاً مشاركاً. ثم أخذني ثلاثة أصدقاء فلسطينيين، وليد ومعتصم ومصطفى، لزيارة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وهو أكبر مخيم للاجئين خارج فلسطين. تعرض المخيم للدمار نتيجة القصف الجوي الذي نفذه الدكتاتور الأسد. مررنا أمام مستشفيين كانا على الأرض مدمرين، ومساجد، أحدها شهد أول مذبحة كبرى عندما قصف الديكتاتور الأسد المسجد يوم الجمعة عندما كان هناك حركة أكبر للناس الذين يحرصون على أداء صلاة الجمعة. قال سكان المخيم أن المعارك الأولى كانت بين قوات الدكتاتورية والشباب الفلسطيني داخل المخيم، الذي دخلته التنظيمات السلفية لاحقا. أثناء سيرنا في الميدان، التقط أحدهم صورة لبعض الكتابات على الحائط، وأوضح لي أنها تكريم لصديق منشق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تم اختطافه وإعدامه من قبل “فرع فلسطين” (أحد الأجهزة القمعية الثمانية عشر للدكتاتورية) بسبب دعمه للثورة. وأوضحوا أن هذا القصف الواسع النطاق لم يكن لأسباب عسكرية فقط، بل بالأساس لأن الأسد، قرر طرد السكان الفلسطينيين بالكامل لإفساح المجال أمام الحي لسكن عائلات المسلحين الذين قدموا من بلدان أخرى لدعمه. وأخبروني أيضاً أنهم نظموا احتجاجاً أمام مقر السلطة الفلسطينية في دمشق في أوائل يناير/كانون الثاني احتجاجاً على الحملة الأمنية في جنين. بعد ذلك، في 15 يناير/ كانون الثاني، عندما أُعلن عن وقف إطلاق النار في غزة، اندلعت مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين في مختلف أنحاء البلاد. الأسد لم يسمح أبدا بالمظاهرات المتعاطفة مع فلسطين أثناء حكمه. وكانت هناك نقطة مهمة أخرى وهي إطلاق سراح نحو 700 أسير فلسطيني ما زالوا على قيد الحياة في سجون الدكتاتورية الأسدية، بما في ذلك 67 من أعضاء حركة حماس. ومن المهم أيضاً أن نتذكر أن جزءاً من أراضي سوريا كانت محتلة من قبل دولة إسرائيل منذ عام 1967. وعلى مدى خمسين عاماً لم يسمح الأسد لأحد بإلقاء حجر واحد على الجنود الإسرائيليين المحتلين للأراضي السورية. واليوم ليس من الممكن معرفة ما إذا كانت الحكومة الانتقالية سوف تتحرك ضد الاحتلال الإسرائيلي وتتضامن مع الشعب الفلسطيني خارج نطاق الاحتجاجات الدبلوماسية. ومن المؤكد أن الشعب السوري يحب فلسطين، وبطريقة أو بأخرى فإن هذا التضامن سيصل إلى الشعب الفلسطيني. في اليوم التالي ذهبت لزيارة سجن صيدنايا سيء الصيت، السجن الأكثر شهرة في البلاد، برفقة الناشطين لجين ومعتز وفارس الذين ينحدرون من محافظة درعا. وكان السجن يضم مبنى للمعارضين، كان يحتوي 15 ألف معتقل حتى عام 2018، عندما بدأ تنفيذ 30 إلى 40 عملية إعدام أسبوعيا بطرق مختلفة: إعدامات عسكرية رميا بالرصاص، والباقي بالتسميم أو الاختناق بوضعهم على الصليب، مثل يسوع المسيح. تم إذابة العديد من الجثث في الحمض بحيث لم يتم العثور عليهم مرة أخرى. بعد ذلك اتجهنا إلى ساحة الأمويين مركز الاحتفالات بسقوط النظام الدكتاتوري. وفي يوم الأحد عدت إلى لبنان عبر الحدود البرية من نقطة جديدة يابوس دون أي تعقيدات.
المستقبل في أيدي الطبقة العاملة الشعب السوري سعيد جداً بسقوط النظام ومتفائل. لكن هناك العديد من العوائق أمام تحقيق أهداف الثورة: الحرية، والخبز، والعدالة الاجتماعية.
والمسألة الرئيسية هي الحكومة الانتقالية نفسها. تريد هذه الحكومة إعادة بناء اقتصاد رأسمالي متكامل مع الأسواق العالمية. ومن أجل تحقيق ذلك، توجهت إلى كل الدول الإمبريالية، الولايات المتحدة، والأوروبيين، وروسيا والصين، فضلاً عن القوى الإقليمية، وخاصة تركيا والمملكة العربية السعودية. ولكن هذه السياسة سوف تشكل عائقا أمام ضمان تحسن نوعية حياة السكان. وتريد الحكومة الانتقالية أيضاً إعادة بناء الدولة البرجوازية، وخاصة القوات المسلحة التي دمرتها الثورة، وكذلك النظام البونابرتي، أي النظام الذي يحكم بدعم من الجيش. علاوة على ذلك، فإنهم يريدون كتابة الدستور من دون مشاركة شعبية، والدعوة إلى انتخابات في غضون أربع سنوات. وتهدد هذه الإجراءات حريات الشعب وحقوقه الديمقراطية في تقرير مستقبل البلاد. والتهديد الآخر هو وجود قوات عسكرية أجنبية في البلاد. يحتل الجيش الإسرائيلي منطقة في الجنوب ويسعى إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث دول. للولايات المتحدة قاعدة رئيسية شرقي البلاد ونحو 2000 جندي في الشمال الشرقي حيث يعملون جنباً إلى جنب مع ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية الكردية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، وأخيراً، تحتل القوات التركية مناطق على الحدود وتعمل جنباً إلى جنب مع ميليشيا تسمى الجيش الوطني التي يتمثل هدفها الرئيسي في منع حق السكان الأكراد في أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو تقرير المصير. إن الطريقة الوحيدة لضمان مبادئ الثورة هي التنظيم الذاتي للطبقة العاملة والشباب والفقراء للنضال من أجل الحريات الديمقراطية والحقوق الاجتماعية والسلطة. من المهم جداً أن يكون لدينا حزب ثوري يرتكز على الطبقة العاملة وبمنظور اشتراكي. ويواجه هذا الهدف صعوبة تمثلت في خيانة أغلبية القوى اليسارية التي لم تدعم الثورة السورية: إما دعمت الأسد أو وقفت على الحياد. كما قدم الحزب الدكتاتوري نفسه على أنه اشتراكي لفترة كاملة، وكانت الأحزاب الشيوعية الرئيسية في البلاد جزءًا من حكومة الديكتاتورية لمدة 50 عاماً، وبالتالي فقد فقدت مصداقيتها تماماً بين السكان. ولكن هذه الصعوبات لا يجب أن تمنع الطبقة العاملة والشباب من بناء حزب لقيادة عملية تنظيمهم الذاتي ونضالاتهم ومستقبل اشتراكي لسوريا.
ترجمة فيكتوريوس بيان شمس
#فابيو_بوسكو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يسقط الانقلاب العسكري في تونس
-
وفاة المفكرة المصرية نوال السعداوي
-
عشر سنوات على الثورات في العالم العربي
-
ماهر الاخرس والطريق لتحرير فلسطين
المزيد.....
-
شاهد كيف علق ترامب على ظهور إيلون ماسك جالسا على كرسي الرئاس
...
-
الأردن.. ولي العهد الأمير الحسين يستذكر جده الملك الحسين بصو
...
-
كيف تتحكّم بخوفك من الطيران مع تزايد حوادث الطيران في الآونة
...
-
الكوت.. فيديو -تفحيط- خلال ملاحقة سيارة الأمن يثير تفاعلا وا
...
-
دول البلطيق تنفصل عن شبكة الكهرباء الروسية الموصولة بها منذ
...
-
دبلوماسي أمريكي سابق يشبه إصلاحات ترامب بعملية جراحية لقلب ا
...
-
-ذا هيل-: القضاء الأمريكي يوقف مؤقتا خطة ترامب لسحب موظفي US
...
-
الصين تقدم احتجاجا لبنما بشأن قرارها الانسحاب من مبادرة -الح
...
-
استعدادات إسرائيلية لعودة المحتجزين من غزة (فيديو+صور)
-
فريق الصليب الأحمر يصل إلى موقع تسليم المحتجزين الإسرائيليين
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|