|
(خطاب المنزلة بين المنزلتين: من ربض الشعر، إلى ربض النقد) / (مقدمات في سياق خلخلة آليات اشتغال قصيدة النثر الحداثية).
عبد الرحمن بوطيب
الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 10:41
المحور:
الادب والفن
1/ مقدمات أطروحة: = الإبداع حامل منهج قراءته: قال د. عبد الله الصائغ: (إن على الشاعر — كما قال الفرزدق — التنزيل، والناقد عليه التأويل...). د. عبد الله الصائغ / دلالة المكان في قصيدة النثر / ط 1 / 1999 / الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع / سورية / ص 32. التنزيل في هذا المقام هو القول الشعري، الذي نسمه بوسم "قصيدة النثر الحداثية"، والتأويل، هنا وهناك، رهين بمتلق قارئ، (ولا يخفى ما للقارئ من دور، هنا، في تحقيق أدبية النص وجماليته، ذلك أن أدبيته تلك تبقى معلقة منتظرة في حيز القوة، ما لم يتدخل القارئ لتحقيقها، فالنص بلا قراءة مجرد علامات متضامٍّ بعضها إلى بعضها الآخر، لا ترتقي إلى درجة الأدب إن لم يباشر القارئ وظيفة القراءة الأولية، فالتأويلية، فالمتدبرة، ذلك أن النص هو الذي يدعو، بنظامه العلامي الجمالي إلى التأويل فالفهم، وإنه لَكذلك لأنه يخيب لدى القارئ ما يسمى في علم الأسلوب الحديث بأفق الانتظار...). محمد بن عياد / التلقي والتأويل /مجلة علامات / 13 غشت 2020 / مع إحالة على حسين الواد في "مناهج الدراسات الأدبية / ص 67. عطفا عليه نقول: . التنزيل أقوى سلطة من التأويل، والتنزيلُ مراتبُ ودرجاتٌ، منها أنه قد يكون شعراً، أو قد يكون نظماً، أو قد يكون تأليفاً لبديع كلام، وقد يكون، خارج هذا وذاك، من باب سقط متاع. . التنزيل الشعري الرفيع يشب عن الطوق، فلا يخضع لقراءة نقدية واحدة ووحيدة... تتعدد رؤى التلقي حسب تعدد مقامات كل قراءة وسياقاتها الوظيفية... ومنه، فالإبداع حامل مناهج قراءته، وفارض وجوب التمايز والتناغم والتكامل بين أوجه القراءات المختلفة. . أفق الانتظار المفترَض من القراءة النقدية الممنهجة يتعين في محاولة استكشاف آليات اشتغال متن معين، بما يدل على أنه نوع خاص من جنس الشعر العام، كما يتم التنصيص على ذلك تجنيساً في غلاف المتن بأنه "شعر"، من زاوية نظر معينة ترى أن الشعر "لغة"... لغة تهرب من حد تعريف مسكوك بأنها "أصوات يقضي بها الناس أغراضهم"، إلى حد تعريف وظيفي مرن بأنها "لغة شعرية... بها يتحقق كيان الشعر". . القراءة العالِمة للغة الشعرية مشروطة بوجوب أن تكون مؤطِّرة لآلياتِ اشتغالٍ شعريةٍ دلاليةٍ، وفنيةٍ جماليةٍ، وتواصليةٍ إبلاغيةٍ تأثيريةٍ، من منظور نقدي نراه بالضرورة يجب أن يكون ملائمًا كوسيلة للقبض على اللغة الشعرية الحاملة معالم سطح المتن، ومكنونات عمقه... منهج يمتح آليات اشتغاله من قاعدة اتجاه نقدي معين، منفتح على إمكان توظيف إطار تداولي مسعف في تعميق المناولة القرائية هذه، على اعتبار أن النوع الشعري قد لا ينضبط لمعاييرِ تقييدِ نقدٍ قديم متجدد لخّصه المرزوقي في أنه «قول موزون مقفى يدل على معنى...»، وقد وجب التنبيه، فهندسة اشتغال الفضاء الورقي في المتن الشعري النثري تحيل إلى نوع من الشعر جديد حددت سوزان برنار بعضَ معاييره في قولها: (إنه قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحدة، مضغوطة، كقطعة من بلور... خَلْقٌ حر، ليس له من ضرورة غيرُ رغبة المؤلف في البناء خارجاً من كل تحديد، وشيءٌ مضطربٌ، إيحاءاتُه لا نهائية»، إنه قصيدة النثر المشاغبة... "نوع" من الشعر يقتحم بقوة صرح "جنس" الشعر، وقد فرض نفسه. . التباعد بين التعريفين يطرح إشكالات عديدة حول مفهوم الشعر وألوان تصريفه تناولها النقد والنقد المقابل، إما بكل تطرف وصدامية، وإما بكل توسط وموضوعية... ومن بين هذه الإشكالات تساؤلٌ وجب أن يُطرح: ــــ هل التعبيرات الأدبية والفنية الجمالية ثابتة على أصل نموذج سابق؟ أم هي متغيرة سائبة غير منضبطة؟ أم هي بين ذاك وذاك؟ . قد لا نكون من المجازفين بالرأي إن قلنا ابتداءً إن التطور سنة كونية شمولية... سُنَّةٌ تمتد من تمظهرات القوانين الفيزيائية، إلى تمظهرات الظواهر الإبداعية الإنسانية وتعبيراتها الحاملة معها رؤى وتصورات ومواقف، بشكل فني خاص، وبلون تعبيري خاص، في إطار المشترك الفني العام... فلا معنى لاحتمال وجود "نموذج" ثابت يقاس عليه، ولا يُتَمَرَّد على سلطته. . نؤمن بأن "قدسية النموذج" مجروحة، فلا حدود للتعبيرات الشعرية المحكومة، وجوباً، بشرط ضرورة الانضباط لِسُنَّة التطور الكونية في اجتراح جريرة غواية شعر متمرد على بعض، أو على كل القيود... وفي هذا قال د. كمال أبو ديب ــــ نقلاً عن د. صلاح بوسريف: (لقد طرحت الحداثة مقولةَ التجاوز المستمر ورفض التشكل النهائي ومفهوم الكمال، وكانت الحداثة في الجوهر قلقَ النمذجة ورفضَ النموذج وسلطة المتشكل السائد). د. كمال أبو ديب، جماليات التجاوز أو تشابك الفضاءات الإبداعية، دار العلم للملايين، ط 1، 1971. نقلاً عن: د. صلاح بوسريف، حداثة الكتابة في الشعر العربي المعاصر، عمان، دار فضاءات للنشر والتوزيع، 2017، ص 138. ـــ التجنيس الصريح محصِّن أساس لموضوعية المقاربات القرائية للمتون: . وضوح التجنيس بلفظ متعارف عليه نقدياً — في نسبيته التي نعتقد بصدقيتها — قاعدة انطلاق سليمة يمكن الركون إلى مخرجاتها، ولو في أبسط الحدود. . سبق القول بأن "قدسية النموذج" مجروحة، فلا حدود للتعبيرات الشعرية المحكومة، وجوبا، بمعيار ضرورة الانضباط لسنة التطور الكونية في اجتراح جريرة غواية شعر متمرد على بعض، أو على كل القيود. . ومنه، أنه واهمٌ كل الوهم من يظن أن الشعر كائن مقبوض عليه في قفص حدود تعريفات مسكوكة، فسلطة "النموذج"ــــ قديمه وحديثه ــــ لا مشروعية لها في هيمنةٍ على الإبداع مقصودةٍ، أو غير مقصودة، وبالتالي لا مشروعية لقدسيةٍ محتمَلةٍ في الركون إلى منطق هذه الهيمنة التي لا منطق لها. . ومنه، أن كل الأشكال التعبيرية الأدبية والفنية الكونية، وعبر كل مراحل التاريخ، لم يستحمَّ فيها المبدعون في نفس ماء نفس النهر مرتين، ولو ادّعوا ذلك وفاءً منهم لأصول "يقدسونها". ــــ مفارقة بسيطة، تابعة، غير أنها حاسمة، تحمل في طياتها تساؤلاً مشروعاً: ما الداعي إلى "تحفظ"، بعضِ المنتصرين للقصيدة الموزونة، مبدعين ونقادا، وفاءً منهم للنموذج القديم في باب الشعر، مقابل تساهلِهم في مقام تطور أشكال إبداع أخرى نثرية ثبت بالملموس التاريخي خضوعُها لقوانين تطور حتمية... دون أدنى اعتراض من "متحفظين"، بين مزدوجتين حذر السقوط في شرك اتهام مجاني غير مسؤول؟ بناء عليه، ومن باب التفكير التشاركي في سبل خلخلةِ شعريةِ شعرٍ على مِحَكِّ منهجيةِ نقدٍ، نتقدم بطرح بعضِ مسلَّماتِ منطلقاتٍ مؤسِّسة: 1 ــــ في مغامرة استكشاف بنياتِ تعبيرِ محمولاتٍ دلاليةٍ، من حد تيمات دالة، إلى حد قيمة مهيمنة، نرى أن (اللغة الشعرية الوظيفية) هي الحاملةُ محمولاتٍ دلاليةً قضوية، بها تحتمي، وعلى متنها تركب في رحلتها بين مبدع وقارئ. 2 ــــ في مغامرة استكشاف بنيات تأثير شعرية جمالية، نرى أن البنيات الفنية التكوينية محكومة بأداء عديد وظائف: (وظيفة دلالية تعبيرية / وظيفة جمالية تأثيرية / وظيفة تواصلية توجيهية)، ومع قصيدة النثر الحداثية، هي مغامرة لعبة تكسير ما وجب في حقه تكسير من إكراهات واقع ضاغط لا تستسلم أمامه ذات ثائرة، تتجلى وحدة عناصر تأثيث رسالتها الملتزمة بوحدة موضوعية، ووحدة عضوية معبرتين ضمنياً عن وحدة تصور قرائي لصراع وجودي بين حد انكسار وحد انتصار، في ظل حامل شعري موسوم بأنه قصيدة نثر حداثية. 3 ــــ لعبة اللغة / المعجم الوظيفي الحاملِ شعريةً إدهاشيةً، هي لعبة حارقة، أو محروقة. وفي باب لغة الشعر / المعجم، هذه، في قصيدة النثر قال الناقد نور الدين حنيف أبو شامة: (أكاد أجزم في طرحي المتواضع بعض الصواب في عزلي قصيدة النثر عن سياق ردّة الفعل، على اعتبار أنها كيان عضويُّ الوجود لا صوري، وأصيل الكينونة لا متناسل عن أبوة، وحتميُّ الحدوث لا عابر، ومستقلّ الكينونة لا تابع، ودليلي في ذلك وجود بعض المتون الإبداعية القديمة التي انفلتت من قبضة التجنيس، وأذكر منها مواقف النفري التي جدّد فيها "اللغة الشعرية" ورفع الكتابة إلى مراتب إدهاشية غريبة. ولقد كان المتنُ النّفريُّ ـــ على حد قول أدونيس ـــ "يتحرك صامتاً في نطقه، وناطقاً في صمته، فهو يستخدم اللغة لا لكي يعبّر بالكلمات، فهذه عاجزة، وإنما لكي يعبّر بما يقدر أن ينسج بها من علاقات هي رموز وإشارات... اللغة هنا، جوهرياً، مجازية... إنها تُخْرِجُ ما تفيده الكلمات عن موضعه من العقل إلى ما لا يمكن فهمه إلا تأويلاً"...). أدونيس، الشعرية العربية، دار الآداب، بيروت، الطبعة الأولى 1985، ص 71 نقلاً عن نور الدين حنيف أبو شامة / في استشكال قصيدة النثر / مقدمة كتاب قيد الإعداد. وفي هذا الباب قال د. عبد الله الصائغ: (إن الشاعر مريض بالرؤيا غير المدجنة، منحرف عن يقينيات الآخرين، مدجج بأحلام نظافة المكان، مسحور "بطلسم الكلمات الفاعلة"، وهاجس الشعر الحداثوي الأصيل هو التواصل مع هموم الناس الطيبين خلالَ شعرية مونقة قوامها جماليات البنيتين: الداخلية "المعنى"، والخارجية "الشكل"، وغاية المبدع اليوم ليست واحدة، وإنما هي غايات متداخلة، فالمتلقي ليس تقليدياً كما كان...). د. عبد الله الصائغ / دلالة المكان في قصيدة النثر / ط 1 / 1999 / الأهالي للطباعة والنشر والتوزيع / سورية / ص 32. 4 ـــ شعرية تعبير هارب إلى فضاء استغلال شعرية رموز وصور وأساطير، لازمةٌ فنيةٌ مؤثثةٌ فضاءَ قصيدة نثر حداثية، إذ الشعر القابضُ على الأنفاس لا يكون إلا بتلويناتِ فسيفساءِ بنياتِ تعبيرٍ وتأثير... لغةً وصورةً ورمزاً وأساطير وإيقاعاً... ومن شعرية هذه المكونات البنيوية ما خلق دهشة. 5 ـــ لذة هروب من قبضة وزن إلى نبض أنامل بإيقاعات، سحرٌ داخلي يهدف إلى خلق نبضات "هَزٍّ" روحي عميق... فالشعر موسيقى... همسُ نغماتٍ تنسل من منبع روح صافٍ، لتقع في أعماق بحار أرواح عطشانة... إن لم يبلغ الشعر بصاحبه رعشةَ "هَزٍّ"، على حد قول ابن خلدون، فهو مجرد سبكِ بَهِيِّ نظمٍ، أو مجرد تأليف بديع كلام. . الموسيقى نغمتان: أوزان، وإيقاعات... أولاهما بنيةٌ وزنية خارجية مسكوكة قابضة على نَفَسِ تعبير... سلطةُ "مقدسٍ" لا مهرب منه لشاعر "محافظ" إلا إليه... فهو الكلام الموزون المقفى. وثانيتهما بنيةٌ إيقاعية داخلية مرنة، تتلون بألوان طيف غير مقصودة لذاتها... غير منضبطة لحدود مرسومة لها، ومنها "هًزٌّ" عميم. 6 ـــ مغامرة استكشاف بنيات إشراك تواصلية غائية، هي عمدة الخطاب الشعري في رحم المنجزات القولية الإبلاغية التأثيرية، التي تحيل على أنواع مختلفة من الرؤى، وذلك باختلاف أشكال التواصل والتفاعل بين الأطراف التداولية، وللغة الشعرية دور هام في هذا المقام، لأنها هي الشفرة الرمزية المهيمنة في العمليات التواصلية، فكل متكلم يهدف إلى تحقيق مقصدية معينة، غالباً من أجل التأثير والإقناع في ذوات الآخرين، والاشتغالات التواصلية التداولية للغة عديدة. الوظائف المقصدية، في الخطاب الشعري النثري الحداثي، ليست بمنأى عن هذه المباحث التي تقوم على مقاصد مستهدَفة بين المتكلم والمتلقي. وعليه، فإن القول بأن الشعر كائن حي يتطور، هو قول مؤسَّس على مرتكز نقدي نظري محدد، وهو بذاك ليس من باب القول السائب الذي لا يتأسس على منظومة مرتكزات نقدية نظرية... وإنْ هذا إلا مقدمات في أطروحة (خطاب المنزلة بين المنزلتين: من ربض الشعر، إلى ربض النقد). وللطرح بقية.
#عبد_الرحمن_بوطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة نقدية (رؤى الناقد): نقد نقد / قراءات في أعمال نقدية لل
...
-
-المشروع الفكري والنقدي للدكتور جمال بندحمان- (من التنظير ال
...
المزيد.....
-
هل تؤثر الشاشات على ذكاء طفلك؟.. كشف العلاقة بين وقت الشاشة
...
-
-سنجعله عظيما مرة أخرى-.. ترامب يعين نفسه رئيسا لمركز -جون ك
...
-
قناة RT العربية تعرض فيلم -الخنجر- عن الصداقة بين روسيا وسلط
...
-
مغامرة فنان أعاد إنشاء لوحات يابانية قديمة بالذكاء الاصطناعي
...
-
قتل المدينة.. ذكريات تتلاشى في ضاحية بيروت التي دمرتها إسرائ
...
-
في قطر.. -متى تتزوجين-؟
-
المنظمات الممثلة للعمال الاتحاديين في أمريكا ترفع دعوى قضائي
...
-
مشاركة عربية في مسابقة ثقافة الشارع والرياضة الشعبية في روسي
...
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|