|
الطائفية السياسية تعقيداتٍ ومساراً
سعد الله مزرعاني
الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 10:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُنسب إلى الرئيس المكلَّف القاضي نواف سلام أنه يضع مسألة تطبيق النص الدستوري بشأن إلغاء الطائفية السياسية في أولويات جدول أعماله. هذا أمر يدعو، بلا شك، إلى الارتياح.
هو من حيث لا يقصد (أو، ربما، يقصد) يواصل محاولة بدأها الرئيس الراحل المرحوم سليم الحص. هذا الأخير، سارع بعد تشكيله أولى حكومات «الطائف»، إلى تقديم اقتراح تعديل دستوري بإضافة البنود الإصلاحية في «تسوية الطائف» إلى متن الدستور.
هذا ما حصل فعلاً بتعاون وثيق، آنذاك، مع رئيس المجلس النيابي (الذي سُمي «عراب الطائف») المرحوم السيد حسين الحسيني. إلى ذلك فقد واصل الرئيس الحص تطوير موقفه بشأن إلغاء الطائفية وصولاً إلى اعتبارها، في مقدّمة كتابه الصادر عام 2003 بعنوان «نحن... والطائفية»: «آفة لبنان المركزية». استطرَد: «فلا إصلاح يُرتجى على الصعد السياسية أو الإدارية، أو حتى الاقتصادية، في ظل استشراء آفة الطائفية في البلاد».
ينبغي القول، من دون المجازفة بمجانبة الحقيقة، إن القاضي نواف سلام لم يجرِ تفضيله وتكليفه بتشكيل الحكومة بسبب موقفه المنسوب إليه، أو المكتوب في مؤلفاته، من مسألة تحرير النظام السياسي اللبناني من القيد الطائفي.
لو أن القاضي سلام كُلِّف إثر الموجة الأولى من انتفاضة 17 تشرين الأول عام 2019 حين كان من أبرز مطالبها أو شعاراتها إلغاء الطائفية السياسية، لاختلف الأمر جوهرياً، عمّا حصل، من أمر وسبب التكليف، بعد حوالي ست سنوات من ذلك التاريخ.
الأحرى والأصح القول بأن سبب التكليف مرتبط وينطلق من هدف سياسي كبير وراهن. هذا الهدف هو إحداث تحوّل سياسي جوهري في السلطة، عبر إقصاء ممثّلي المقاومة عن الحكومة في نطاق خطة أو مخطط يؤدي، في أقرب أجل ممكن، إلى التطبيع بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
يقع ذلك ضمن مشروع يشمل المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط عموماً. إلى ذلك فليس معروفاً للقوى التي ضغطت وتضغط من أجل هدف إضعاف وإقصاء المقاومة، أي موقف مؤيّد لإلغاء الطائفية السياسية في لبنان أو في أي مكان في المنطقة أو العالم.
على النقيض من ذلك، هي تحاول دائماً، اليوم وفي السابق، تغذية الانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية والإثنية ضمن مبدأ راسخ في القاموس الذي اشتقّه الاستعمار البريطاني وسار على خطاه شركاؤه وورثته: «فرِّق تسُد»! إدراج هذا البند الإصلاحي هو، إذاً، قرار «سْلامي» صرف. أولويته كذلك، اجتهاد يخص الرئيس المكلَّف، ولا علاقة لداعميه الدوليين، أو الإقليميين، أو المحليين، بذلك إطلاقاً.
أشير، مرةً جديدة، إلى أن مسألة إلغاء الطائفية السياسية، حتى في حدود تطبيق النصوص الدستورية ذات الصلة (المواد 22 و24 و95)، تشكّل ثورة كبيرة في المسار السياسي اللبناني. لكن، طبعاً، لا يمكن إخضاع هذه المسألة للرغبات أو الارتجال أو المناورة السياسية، كما حصل في مراحل سابقة، حين استُحضر ملف إلغاء الطائفية للتخويف والابتزاز ولتحقيق مكاسب في حقل آخر.
إنّ افتراض أن الرئيس المكلَّف سيُصرّ على وضع هذا البند في سلّم الأولويات، قد يتحوّل، إلى «دعسة ناقصة»، وبالتالي، إلى خطوة إضافية إلى الوراء، ما لم تُعتمد آلية مناسبة لتوفير شروط تطبيقه.
الواقع أن مجرّد محاولة وضع مسألة إلغاء الطائفية السياسية موضع التطبيق، هي مرفوضة اليوم، كما في السابق، من قبل القوى المقرِّرة في الشأن اللبناني سواء كانت خارجية (كما هو الوضع اليوم) أو داخلية.
هذه الأخيرة، عملت وتعمل أكثريتها، ليس فقط على منع تطبيق البنود المؤجّلة، بل هي تواطأت على منع تنفيذ البنود النافذة كإلغاء القيد الطائفي في كل الوظائف والحقول باستثناء الفئة الأولى فقط! البورجوازية اللبنانية الكبرى ذات الأصول الإقطاعية المتحوّلة، وجناحها التجاري والمصرفي المرتكز على الخدمات والوساطة والسمسرة والربح الريعي السهل، تدافع، بشراسة، عن استمرار استخدام الطائفية وإقحامها في المناصب السياسية والإدارية، وحتى في منظمات المجتمع المدني كالنقابات المهنية وسواها.
وهي تسعى لتغذيتها وتأبيدها بكل الوسائل والأساليب، ما أسهم، بشكل كبير، في حصول الانهيار الشامل بدءاً من أواسط العقد الثاني الماضي.
يفرض ذلك، بالضرورة، اعتماد مقاربة متكاملة ومُمرحلة ومصمّمة. هذا كان، أيضاً، اقتراح الرئيس الحص، بهذا الصدد، استناداً، كما كتب، إلى تجربته في السلطة ابتداءً من عام 1976. اقترح أن يكون الإلغاء «مساراً متدرّجاً لتجاوز الحالة الطائفية لا مجرّد قرار».
يتصل بهذا الأمر، فيما لو أصرّ الرئيس المكلَّف، وتغاضى مؤيدوه الخارجيون والداخليون، على السعي لإلغاء الطائفية، عدد من المسائل أهمها توفير ميزان قوى، شعبي وسياسي، مواكب وداعم، وضاغط في الشارع إذا لزم الأمر. إن ذلك يتطلب، أيضاً، توجهاً وخططاً مدروسيْن بدقة وحِرص، من قبل قوى وأحزاب ومنابر التغيير لتوليد قوة شعبية نقابية شبابية نسائية... مؤثّرة وجاهزة للتدخل كلما تطلّب الأمر ذلك.
ربما كانت البداية، وهي التي اشتملت عليها آلية التطبيق المنصوص عنها في الدستور (المادة 95)، بتشكيل «الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية» برئاسة رئيس الجمهورية. هذه، بدورها، تضع اقتراحاً بإقرار صيغة قانون انتخاب في ربيع العام المقبل يشكّل نقلة نوعية في تكوين سلطة محررة، ولو بشكل جزئي، من القيد الطائفي مع استحداث «مجلس شيوخ» على أساس طائفي (وضمناً على أساس «المناصفة») كما في نص المادة 24 من الدستور.
يمكن لهذه المرحلة، من قبيل استكمال وتوفير المقوّمات والاستعدادات والشروط الضرورية، أن تمتدّ إلى نهاية ولاية المجلس القادم لعام 1926، بحيث يكون الوضع مهيّأً تماماً لانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي في عام 2030. سيكون ذلك أضعف الإيمان بعد تعطيل استمر 20 عاماً وسادت خلاله حالة شاذة ومشوّهة من الحكم!
حريٌّ بالرئيس نواف سلام الذي تكوّنت تجربته في مناخ نشاط تغييري كبير، ثم أصبح عضواً ورئيساً في أكبر محكمة دولية، أن يولي أهمية استثنائية لاحترام الدستور بوضع كل بنوده موضع التطبيق!
ما تقدّم، قد يصبح نقاشاً عابثاً أو عبثياً، إذا ما تم الإصرار، في ظل الوصاية الأميركية الآخذة في الترسُّخ بشكل مباشر ووقح، على تحويل لبنان إلى «جمهورية موز» تابعة ومفكّكة ومنتهكة السيادة... في خدمة مشروع السيطرة الأميركية الصهيونية، بالقوة والعنف والفاشية، على مقدّرات المنطقة العربية والشرق أوسطية، وعلى مصائرها جميعاً.
#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة وإسنادها اللبناني: بعض خلاصات الميدان والسياسة
-
الحكومة العتيدة و«تطبيق الدستور»
-
مفارقات وإشكاليات و...تجاوز
-
بين «الوساطة» والوصاية
-
من التوازن إلى الاختلال
-
بين عامين واستعمارين!
-
مهمّة لا تحتمل التأجيل!
-
مرحلة تحرّر وجبهات مُواجهة
-
نسبية الانتصار والخسارة
-
مواجهة الكيان المغتصِب والسيطرة الأميركية معركة في صراع كوني
-
الخيار الوحيد
-
جذريّة الخطّة وجذريّة الردّ
-
تناقض البنية الفئوية والتابعة مع مشروع التحرّر
-
تميّز المقاومة اللبنانية
-
أي موقع في هذا الصراع؟
-
الغياب الطويل إلى متى؟!
-
هل ينجح نتنياهو؟
-
الثنائي بلينكن نتنياهو: المشروع الأصلي!
-
القلق والاستعصاء الإيجابي
-
واشنطن دائماً وأبداً!
المزيد.....
-
شاهد كيف علق ترامب على ظهور إيلون ماسك جالسا على كرسي الرئاس
...
-
الأردن.. ولي العهد الأمير الحسين يستذكر جده الملك الحسين بصو
...
-
كيف تتحكّم بخوفك من الطيران مع تزايد حوادث الطيران في الآونة
...
-
الكوت.. فيديو -تفحيط- خلال ملاحقة سيارة الأمن يثير تفاعلا وا
...
-
دول البلطيق تنفصل عن شبكة الكهرباء الروسية الموصولة بها منذ
...
-
دبلوماسي أمريكي سابق يشبه إصلاحات ترامب بعملية جراحية لقلب ا
...
-
-ذا هيل-: القضاء الأمريكي يوقف مؤقتا خطة ترامب لسحب موظفي US
...
-
الصين تقدم احتجاجا لبنما بشأن قرارها الانسحاب من مبادرة -الح
...
-
استعدادات إسرائيلية لعودة المحتجزين من غزة (فيديو+صور)
-
فريق الصليب الأحمر يصل إلى موقع تسليم المحتجزين الإسرائيليين
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|