أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني جرجس عياد - مُؤَسَّسَاتُ الرِّعَايَةِ وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الأَحْدَاثِ















المزيد.....

مُؤَسَّسَاتُ الرِّعَايَةِ وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الأَحْدَاثِ


هاني جرجس عياد

الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 05:40
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فِي مُؤَسَّسَاتِ الْأَحْدَاثِ، يَجِبُ أَنْ تَتَوَفَّرَ مَجْمُوعَةٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَسَاسِيَّةِ لِضَمَانِ تَوْفِيرِ بِيئَةٍ آمِنَةٍ وَمُلَائِمَةٍ تُسَاعِدُ فِي إِعَادَةِ تَأْهِيلِهِمْ وَتَوْجِيهِهِمْ نَحْوَ التَّفَاعُلِ الْإِيجَابِيِّ مَعَ الْمُجْتَمَعِ. أَوَّلًا، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ بَرَامِجُ تَعْلِيمِيَّةٌ وَتَدْرِيبِيَّةٌ تَهْدِفُ إِلَى تَنْمِيَةِ مَهَارَاتِهِمْ وَتَطْوِيرِ قُدُرَاتِهِمْ الْفِكْرِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ. ثَانِيًا، يَجِبُ أَنْ تَشْمَلَ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتُ بَرَامِجَ عِلَاجِيَّةً وَنَفْسِيَّةً لِدَعْمِ اَلصِّحَّةِ اَلنَّفْسِيَّةِ لِلْأَحْدَاثِ الَّذِينَ قَدْ يَكُونُونَ تَعَرَّضُوا لِصَدْمَةٍ أَوْ صُعُوبَاتٍ نَفْسِيَّةٍ. ثَالِثًا، مِنْ اَلضَّرُورِيِّ تَوْفِيرُ بِيئَةٍ تَضْمَنُ احْتِرَامَ حُقُوقِهِمْ وَتَلْبِيَةَ اِحْتِيَاجَاتِهِمْ الْأَسَاسِيَّةِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالرِّعَايَةِ الصِّحِّيَّةِ. وَرَابِعًا، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هُنَاكَ جُهُودٌ مُوَجَّهَةٌ نَحْوَ تَحْفِيزِ الْقِيَمِ الْإِيجَابِيَّةِ مِنْ خِلَالِ الْوَعْيِ الْمُجْتَمَعِيِّ وَالتَّوْجِيهِ الْأَخْلَاقِيِّ لِضَمَانِ أَنْ يَعُودَ الْأَحْدَاثُ إِلَى الْمُجْتَمَعِ كَأَفْرَادٍ صَالِحِينَ قَادِرِينَ عَلَى الْمُشَارَكَةِ الْفَعَّالَةِ.

وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُهِمِّ أَنْ تَكُونَ مُؤَسَّسَاتُ رِعَايَةِ الْأَحْدَاثِ أَصْغَرَ حَجْمًا لِتَتَمَكَّنَ مِنْ تَوْفِيرِ رِعَايَةٍ أَفْضَلَ وَأَكْثَرَ تَخْصِيصًا لِكُلِّ حَالَةٍ عَلَى حِدَةٍ. هَذَا الْحَجْمُ يُسَاعِدُ عَلَى بِنَاءِ بِيئَةٍ أَكْثَرَ أُسْرَةً وَأَقَلَّ قَسْوَةً، بَعِيدًا عَنْ الطَّابَعِ الْعِقَابِيِّ التَّقْلِيدِيِّ. مِنْ خِلَالِ هَذَا التَّصْغِيرِ، يُمْكِنُ تَصْنِيفُ النُّزَلَاءِ بِنَاءً عَلَى الْفُرُوقِ الْعُمْرِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، مِمَّا يُسَاعِدُ الْقَائِمِينَ عَلَى الْعِلَاجِ فِي فَهْمِ شَخْصِيَّاتِهِمْ بِشَكْلٍ أَفْضَلَ. وَهَذَا بِدَوْرِهِ يُمَكِّنُهُمْ مِنْ تَقْدِيمِ الدَّعْمِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي يَتَلَاءَمُ مَعَ احْتِيَاجَاتِ كُلِّ فَرْدٍ، مَا يُعَزِّزُ فُرَصَ نَجَاحِ الْعِلَاجِ وَإِعَادَةِ التَّأْهِيلِ.

إِنَّهُ فِي هَذَا السِّيَاقِ، لَابُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الْأُسْلُوبَ الْجَمَاعِيَّ يُعَدُّ وَسِيلَةً هَامَّةً وَفَعَّالَةً فِي الْعِلَاجِ، حَيْثُ يُتِيحُ لِلْأَفْرَادِ فُرْصَةَ التَّفَاعُلِ مَعَ الْآخَرِينَ الَّذِينَ يَمُرُّونَ بِتَجَارِبَ مُشَابِهَةٍ. هَذَا الْأُسْلُوبُ يُسَاعِدُ فِي تَقْلِيلِ الشُّعُورِ بِالِانْعِزَالِ وَيُعَزِّزُ مِنْ الشُّعُورِ بِالِانْتِمَاءِ إِلَى مَجْمُوعَةٍ، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي بِنَاءِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ الْمَشَاعِرِ وَالْأَفْكَارِ. مِنْ خِلَالِ النِّقَاشِ الْجَمَاعِيِّ، يَتَبَادَلُ الْأَفْرَادُ تَجَارِبَهُمْ، وَيُقَدِّمُونَ الدَّعْمَ وَالْمَشُورَةَ لِبَعْضِهِمْ الْبَعْضِ، مِمَّا يُسَاهِمُ فِي تَعْزِيزِ عَمَلِيَّةِ التَّعَافِي. كَمَا أَنَّ الْأُسْلُوبَ الْجَمَاعِيَّ يُسَاعِدُ فِي اكْتِسَابِ مَهَارَاتِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ الْجَمَاعِيَّةِ، وَهُوَ مَا يُعَزِّزُ مِنْ التَّفَاعُلِ الْإِيجَابِيِّ وَيُحَفِّزُ الْأَفْرَادَ عَلَى التَّغْيِيرِ. فِي النِّهَايَةِ، يُعْتَبَرُ هَذَا الْأُسْلُوبُ أَدَاةً قَوِيَّةً لِتَحْفِيزِ الْأَفْرَادِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ الْفَعَّالَةِ فِي عَمَلِيَّةِ الْعِلَاجِ، مِمَّا يَزِيدُ مِنْ فُرَصِ نَجَاحِهِ.

وَكَيْ يَكُونَ النَّجَاحُ حَلِيفًا لِمَبْدَأِ الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ فِي الرِّعَايَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، يَجِبُ تَوَافُرُ عِدَّةِ شُرُوطٍ أَسَاسِيَّةٍ. أَوَّلًا، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُشْرِفُونَ مُخْتَصُّونَ فِي الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ، يَمْتَلِكُونَ الْخِبْرَةَ وَالْقُدْرَةَ عَلَى إِدَارَةِ الْمَجْمُوعَاتِ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ، مَعَ فَهْمٍ عَمِيقٍ لِدِينَامِيكِيَّاتِ الْمَجْمُوعَةِ وَاحْتِيَاجَاتِ الْأَفْرَادِ دَاخِلَهَا. ثَانِيًا، يَجِبُ أَنْ تَتَمَيَّزَ الْمَجْمُوعَةُ بِتَنَوُّعِ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ يَتِمُّ اخْتِيَارُهُمْ بِنَاءً عَلَى مَعَايِيرَ مِثْلِ الْعُمْرِ، وَالِاحْتِيَاجَاتِ النَّفْسِيَّةِ، وَالْخَلْفِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، لِضَمَانِ أَنْ تَكُونَ الْمُنَاقَشَاتُ وَالْحُلُولُ الْمُقَدَّمَةُ مُلَائِمَةً لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ. ثَالِثًا، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْبِيئَةُ الَّتِي يُنَفَّذُ فِيهَا الْعِلَاجُ الْجَمَاعِيُّ آمِنَةً وَمُرِيحَةً، حَيْثُ يَشْعُرُ الْمُشَارِكُونَ بِالثِّقَةِ وَالِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ. رَابِعًا، يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ تَحْدِيدُ أَهْدَافٍ وَاضِحَةٍ وَمُحَدَّدَةٍ لِلْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ، مَعَ ضَمَانِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُسَاهِمُ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْأَهْدَافِ. وَخَامِسًا، يَجِبُ أَنْ يَتِمَّ دَعْمُ كُلِّ فَرْدٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ بِشَكْلٍ فَرْدِيٍّ أَيْضًا، حَيْثُ يُقَدَّمُ لَهُ الْعِلَاجُ وَالدَّعْمُ الْمُنَاسِبُ لِحَالَتِهِ الْخَاصَّةِ، مِمَّا يُعَزِّزُ مِنْ فَعَالِيَّةِ الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ وَيُسْهِمُ فِي تَحْقِيقِ نَتَائِجَ إِيجَابِيَّةٍ.

وَإِضَافَةً إِلَى ذَلِكَ، يَجِبُ عَلَى الْأَخِصَّائِيِّ الِاجْتِمَاعِيِّ أَنْ يَأْخُذَ فِي اعْتِبَارِهِ مَا يَحْتَفِظُ بِهِ النُّزَلَاءُ مِنْ مَشَاعِرَ وَاتِّجَاهَاتٍ تُجَاهَ بَرَامِجِ التَّقْوِيمِ الْمُسْتَخْدَمَةِ فِي الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ. حَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ لَدَيْهِمْ آرَاءٌ أَوْ مُقَاوَمَةٌ غَيْرُ مُعْلَنَةٍ تُجَاهَ بَعْضِ الْأَسَالِيبِ الْعِلَاجِيَّةِ أَوْ قَدْ يَشْعُرُونَ بِعَدَمِ الرَّاحَةِ فِي الْبِدَايَةِ، مِمَّا قَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ وَتَفَاعُلِهِمْ مَعَ الْآخَرِينَ. مِنْ هُنَا، يُعَدُّ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يُخَصِّصَ الْأَخِصَّائِيُّ الِاجْتِمَاعِيُّ وَقْتًا لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى هَؤُلَاءِ الْأَفْرَادِ بِشَكْلٍ فَرْدِيٍّ أَوْ جَمَاعِيٍّ، وَيُرَاعِي الْفُرُوقَ النَّفْسِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ بَيْنَ النُّزَلَاءِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَجِّلَ تَفْصِيلَاتِ كُلِّ جَلْسَةٍ جَمَاعِيَّةٍ، بِمَا فِي ذَلِكَ مُلَاحَظَاتُهُ حَوْلَ التَّفَاعُلِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَتَطَوُّرِ الْحَالَاتِ، لِتَوْفِيرِ مَرْجِعِيَّةٍ تُسَاعِدُ فِي مُتَابَعَةِ التَّقَدُّمِ وَمُعَالَجَةِ أَيِّ مَشَاكِلَ قَدْ تَظْهَرُ. هَذَا التَّسْجِيلُ الدَّقِيقُ يُتِيحُ لِلْأَخِصَّائِيِّ الِاجْتِمَاعِيِّ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَدَى تَقَدُّمِ الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ، وَيُمَكِّنُهُ مِنْ اتِّخَاذِ الْإِجْرَاءَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِتَعْدِيلِ الْأَسَالِيبِ الْعِلَاجِيَّةِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ احْتِيَاجَاتِ كُلِّ فَرْدٍ دَاخِلَ الْمَجْمُوعَةِ.

وَنَافِلَةُ الْقَوْلِ إِنَّ الْعِلَاجَ الْجَمَاعِيَّ يُعْتَبَرُ نَاجِحًا وَفَعَّالًا إِذَا تَمَّ رَبْطُ الْحَدَثِ الْمُنْحَرِفِ بِمُجْتَمَعِهِ الْأَكْبَرِ وَبِيئَتِهِ، بِمَا فِي ذَلِكَ أُسْرَتُهُ وَالْأَوْسَاطُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الْأُخْرَى الَّتِي سَيَعُودُ إِلَيْهَا بَعْدَ انْتِهَاءِ مَرْحَلَةِ الْإِيدَاعِ الْمُؤَسَّسِيِّ. إِنَّ إِدْمَاجَ الْحَدَثِ فِي هَذَا السِّيَاقِ الِاجْتِمَاعِيِّ يُعَزِّزُ مِنْ فَاعِلِيَّةِ الْعِلَاجِ. وَرَغْمَ أَهَمِّيَّةِ الْعِلَاجِ الْجَمَاعِيِّ فِي هَذَا الصَّدَدِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّقْلِيلُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ الْأَنْوَاعِ الْأُخْرَى مِنْ الرِّعَايَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي تُسْتَخْدَمُ دَاخِلَ الْمُؤَسَّسَةِ. يَجِبُ أَنْ تَتَكَامَلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ الرِّعَايَةِ لِتَوْفِيرِ بِيئَةٍ شَامِلَةٍ تُسْهِمُ فِي تَعْزِيزِ التَّأْهِيلِ. بِالْإِضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَعْمَلَ الْبَرْنَامَجُ عَلَى شُعُورِ الصَّغِيرِ بِأَنَّ الْعِلَاجَ لَا يَتَّسِمُ بِطَابَعٍ سُلْطَوِيٍّ، سَوَاءٌ كَانَتْ السُّلْطَةُ مُتَمَثِّلَةً فِي الْمُؤَسَّسَةِ نَفْسِهَا أَوْ فِي التَّعْلِيمَاتِ الصَّارِمَةِ الَّتِي قَدْ تُفْرَضُ عَلَيْهِ. مِنْ هُنَا، يُعَدُّ أَنْ يَكُونَ الْبَرْنَامَجُ مِنْ صُنْعِ الْحَدَثِ نَفْسِهِ، وَأَنْ يُشَارِكَ فِي وَضْعِهِ بِشَكْلٍ فَعَّالٍ، هُوَ الْمَنْطِقَ الرَّئِيسِيَّ لِلْعِلَاجِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْجَمَاعِيِّ النَّاجِحِ. هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُشَارَكَةِ يُعَزِّزُ مِنْ شُعُورِ الْحَدَثِ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ وَيُحَفِّزُهُ عَلَى التَّغْيِيرِ، مِمَّا يُعَزِّزُ مِنْ فَعَالِيَّةِ الْبَرْنَامَجِ وَنَجَاحِهِ فِي تَحْقِيقِ الْأَهْدَافِ الْمَنْشُودَةِ.

وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُرَاقَبَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ تُعَدُّ أَفْضَلَ وَسِيلَةٍ لِلْعِلَاجِ الِاجْتِمَاعِيِّ، حَيْثُ تَتَضَمَّنُ الْإِشْرَافَ الشَّامِلَ عَلَى الْحَدَثِ أَثْنَاءَ تَوَاجُدِهِ مَعَ أُسْرَتِهِ. لِذَلِكَ، يَجِبُ عَدَمُ سَحْبِ الطِّفْلِ مِنْ أُسْرَتِهِ إِلَى أُسْرَةٍ بَدِيلَةٍ أَوْ مُؤَسَّسَةِ رِعَايَةٍ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ عَدَمُ صَلَاحِيَةِ بِيئَةِ أُسْرَتِهِ تَمَامًا لِرِعَايَتِهِ وَتَنْشِئَتِهِ، أَوْ إِذَا ظَهَرَتْ مَخَاطِرُ تُهَدِّدُ سَلَامَتَهُ نَتِيجَةَ وُجُودِهِ مَعَ الْأُسْرَةِ. وَفْقًا لِهَذَا الْأُسْلُوبِ، تُرْعَى الْأُسْرَةُ وَالْحَدَثُ مَعًا فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، إِذْ إِنَّهُمَا يُشَكِّلَانِ وَجْهَيْنِ لِعَمَلِيَّةِ رِعَايَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَكَامِلَةٍ. وَتَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أُسْلُوبَ الْمُرَاقَبَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ يَحْمِلُ الْعَدِيدَ مِنْ الْمَزَايَا الْعَامَّةِ.

مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، يَرَى الْبَعْضُ أَنَّهُ يَجِبُ تَجَنُّبُ عَرْضِ الْحَدَثِ الْمُعَرَّضِ لِلِانْحِرَافِ أَمَامَ الْمَحْكَمَةِ، حَيْثُ إِنَّ انْتِقَالَهُ مِنْ يَدِ الشُّرْطَةِ إِلَى نِيَابَةِ الْأَحْدَاثِ يُعَرِّضُهُ لِتَجَارِبِ الِاحْتِكَاكِ مَعَ أَحْدَاثٍ آخَرِينَ وَعَامِلِينَ فِي تِلْكَ الْجِهَاتِ، مِمَّا يَتْرُكُ أَثَرًا عَلَى شَخْصِيَّتِهِ. كَمَا أَنَّ تَنَقُّلَ الطِّفْلِ بَيْنَ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَتَعَرُّضَهُ لِمُعَامَلَةٍ تَتَفَاوَتُ بَيْنَ اللِّينِ وَالْقَسْوَةِ قَدْ يَخْلُقُ لَدَيْهِ مَشَاعِرَ وَاتِّجَاهَاتٍ سَلْبِيَّةً وَمُتَنَاقِضَةً، مِمَّا قَدْ يُشَكِّلُ عَائِقًا أَمَامَ إِصْلَاحِهِ وَتَقْوِيمِهِ. وَمِنْ الْمُلَاحَظِ أَنَّ عَدَمَ مُثُولِ الْأَحْدَاثِ الْمُعَرَّضِينَ لِلِانْحِرَافِ أَمَامَ الْقَضَاءِ لَهُ مَزَايَا عَدِيدَةٌ، مِنْ أَبْرَزِهَا مَا يَلِي:
- تَوْفِيرُ وَقْتِ اَلْقُضَاةِ وَجُهْدِهِمْ لِلنَّظَرِ فِي اَلْقَضَايَا اَلْأُخْرَى اَلَّتِي تَتَّسِمُ بِأَوْلَوِيَّةٍ أَكْبَرَ وَخُطُورَةٍ.
- تَجَنُّبُ تَعَرُّضِ الْمُعَرَّضِينَ لِلِانْحِرَافِ لِلتَّجَارِبِ السَّابِقَةِ يُسَاعِدُ فِي تَقْلِيلِ احْتِمَالِيَّةِ تَحَوُّلِهِمْ إِلَى مُنْحَرِفِينَ فِعْلًا. كَمَا أَنَّ خَوْضَ الْحَدَثِ الْمُعَرَّضِ لِلِانْحِرَافِ فِي تَجَارِبَ مِثْلَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَإِحَالَتِهِ إِلَى التَّحْقِيقِ، وَالْمُثُولِ أَمَامَ الْمَحْكَمَةِ، وَاحْتِكَاكَهُ بِمُنْحَرِفِينَ أَخْطَرَ مِنْ فِئَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، يُؤَدِّي إِلَى تَقْلِيلِ هَيْبَتِهِ تُجَاهَ الْمُؤَسَّسَاتِ الْقَانُونِيَّةِ مِثْلَ الْقَضَاءِ وَالشُّرْطَةِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يَعْتَادُ عَلَى الْإِجْرَاءَاتِ الْمُتَّبَعَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَحَتَّى الْمُحَاكَمَةِ.

إِنَّنَا فِي هَذَا السِّيَاقِ نُنَوِّهُ بِأَنَّ الِاهْتِمَامَ بِالْعُنْصُرِ الْبَشَرِيِّ الْعَامِلِ مَعَ الْأَحْدَاثِ الْمُودِعِينَ فِي الْمُؤَسَّسَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ يُعَدُّ مِنْ الرَّكَائِزِ الْأَسَاسِيَّةِ لِنَجَاحِ بَرَامِجِ التَّأْهِيلِ وَالْإِصْلَاحِ. فَاخْتِيَارُ مُوَظَّفِينَ ذَوِي كَفَاءَةٍ عَالِيَةٍ، قَادِرِينَ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الْأَحْدَاثِ بِفَهْمٍ وَمُرُونَةٍ، يُسْهِمُ فِي خَلْقِ بِيئَةٍ مُنَاسِبَةٍ تُسْهِمُ فِي تَعْدِيلِ سُلُوكِهِمْ وَتَوْجِيهِهِمْ بِشَكْلٍ إِيجَابِيٍّ. وَمِنْ الضَّرُورِيِّ تَوْفِيرُ تَدْرِيبٍ مُسْتَمِرٍّ لِلْعَامِلِينَ فِي هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتِ، لِتَعْزِيزِ مَهَارَاتِهِمْ فِي التَّعَامُلِ مَعَ قَضَايَا الشَّبَابِ الْمُودِعِينَ، مِنْ خِلَالِ بَرَامِجَ مُتَخَصِّصَةٍ تَهْدِفُ إِلَى تَحْسِينِ قُدُرَاتِهِمْ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْمِ النَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ الْمُنَاسِبِ. كَمَا أَنَّ التَّعَامُلَ الْإِنْسَانِيَّ مَعَ الْأَحْدَاثِ، بَعِيدًا عَنْ الْقَسْوَةِ أَوْ التَّعَسُّفِ، يُعَزِّزُ مِنْ ثِقَتِهِمْ فِي الْمُؤَسَّسَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَيُسْهِمُ فِي تَحْسِينِ نَتَائِجِ التَّأْهِيلِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ سِيَاسَةَ اَلرِّعَايَةِ الْمُؤَسَّسِيَّةِ يَجِبُ أَنْ تُخَطَّطَ وَتُنَفَّذَ، بَلْ وَتُقَيَّمَ فِي إِطَارِ خُطَّةٍ تَنْمَوِيَّةٍ شَامِلَةٍ تَهْدِفُ إِلَى تَحْقِيقِ أَقْصَى اسْتِفَادَةٍ مِنْ الْإِمْكَانَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الْمُتَاحَةِ. فَإِعْدَادُ هَذِهِ السِّيَاسَةِ يَتَطَلَّبُ النَّظَرَ بِعِنَايَةٍ فِي الْمَوَارِدِ الْبَشَرِيَّةِ الْقَائِمَةِ، وَالْعَمَلَ عَلَى تَطْوِيرِهَا وَتَحْقِيقِ أَقْصَى اسْتِفَادَةٍ مِنْهَا ضِمْنَ الْأَهْدَافِ التَّنْمَوِيَّةِ الْعَامَّةِ. هَذَا يَتَضَمَّنُ تَوْفِيرَ التَّدْرِيبِ وَالتَّطْوِيرِ الْمُسْتَمِرِّ لِلْعَامِلِينَ فِي الْمُؤَسَّسَاتِ، وَتَعْزِيزَ مَهَارَاتِهِمْ وَقُدُرَاتِهِمْ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ التَّحَدِّيَاتِ الْمُتَزَايِدَةِ الَّتِي تُوَاجِهُهَا الْمُؤَسَّسَاتُ فِي تَقْدِيمِ الرِّعَايَةِ الْفَعَّالَةِ.

إِجْمَالًا، يُعَدُّ انْحِرَافُ الْأَحْدَاثِ قَضِيَّةً اجْتِمَاعِيَّةً مُعَقَّدَةً تَتَطَلَّبُ تَضَافُرَ الْجُهُودِ بَيْنَ الْمُؤَسَّسَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالتَّرْبَوِيَّةِ وَالْقَضَائِيَّةِ لِلْحَدِّ مِنْ تَفَشِّيهَا. وَمِنْ الْمُهِمِّ أَنْ تُرَكِّزَ السِّيَاسَاتُ الْمُتَّبَعَةُ عَلَى الْوِقَايَةِ مِنْ الِانْحِرَافِ وَتَوْفِيرِ بِيئَاتٍ أُسَرِيَّةٍ آمِنَةٍ وَصِحِّيَّةٍ، إِضَافَةً إِلَى تَحْسِينِ الْبَرَامِجِ التَّرْبَوِيَّةِ الَّتِي تَهْدِفُ إِلَى تَعْدِيلِ سُلُوكِيَّاتِ الْأَحْدَاثِ الْمُنْحَرِفِينَ. وَيَجِبُ أَنْ تُعْطَى الْأَوْلَوِيَّةُ لِأَسَالِيبِ الْإِصْلَاحِ الَّتِي تُرَاعِي مَصْلَحَةَ الْحَدَثِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِعَادَةِ دَمْجِهِ فِي الْمُجْتَمَعِ بِشَكْلٍ إِيجَابِيٍّ.

وَلِهَذَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ مُؤَسَّسَاتِ الْأَطْفَالِ تُعْتَبَرُ أَكْثَرَ مِنْ مُجَرَّدِ أَمَاكِنَ يُوَدَّعُ فِيهَا الطِّفْلُ لِتَوْفِيرِ طَعَامِهِ وَكِسَائِهِ أَوْ لِإِتَاحَةِ بَعْضِ الْمُقَابَلَاتِ الْعِلَاجِيَّةِ لَهُ. فَالْأَهَمِّيَّةُ الْكُبْرَى تَكْمُنُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتِ تُشَكِّلُ بِيئَةً حَاضِنَةً تُسْهِمُ فِي تَقْدِيمِ عِلَاجٍ شَامِلٍ لِلطِّفْلِ. إِذْ يُعَدُّ جُزْءٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ الْعِلَاجِ هُوَ مَوْقِفَ الْحَيَاةِ الْجَمَاعِيَّةِ الْيَوْمِيُّ، حَيْثُ يَتَفَاعَلُ الطِّفْلُ مَعَ الْآخَرِينَ فِي إِطَارٍ مُنَظَّمٍ يُسْهِمُ فِي بِنَاءِ شَخْصِيَّتِهِ وَتَعْدِيلِ سُلُوكِيَّاتِهِ. إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ، تَتِمُّ مُمَارَسَةُ خِدْمَاتٍ أُخْرَى مِثْلِ خِدْمَةِ الْفَرْدِ، الَّتِي تُرَكِّزُ عَلَى التَّعَامُلِ الْفَرْدِيِّ مَعَ احْتِيَاجَاتِ الطِّفْلِ، وَالْعِلَاجِ النَّفْسِيِّ الَّذِي يُسَاعِدُ فِي مُعَالَجَةِ الِاضْطِرَابَاتِ النَّفْسِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ ، فَضْلًا عَنْ التَّعْلِيمِ الْمَدْرَسِيِّ الَّذِي يُسْهِمُ فِي تَطْوِيرِ مَهَارَاتِهِ الْمَعْرِفِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ. وَعَلَيْهِ، يَجِبُ أَنْ تَعْمَلَ هَذِهِ الْخِدْمَاتُ بِشَكْلٍ مُنَسَّقٍ وَمُتَنَاسِقٍ لِصَالِحِ الطِّفْلِ، بِحَيْثُ تَتَكَامَلُ جُهُودُ جَمِيعِ هَذِهِ الْعَوَامِلِ لِتَحْقِيقِ أَفْضَلِ النَّتَائِجِ فِي رِعَايَتِهِ وَتَطْوِيرِهِ.



#هاني_جرجس_عياد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قهر الوصمة وكسر قيود التمييز: نحو مجتمع أكثر إنصافًا وشمولية
- الوصمة المزدوجة: تداخل العوامل الاجتماعية وتأثيراتها على الأ ...
- الموظف والسوشيال ميديا: التأثير السلبي والإيجابي لوسائل التو ...
- الإعلام والسياسة: من يقود من؟
- حق المؤلف بين النظرية والتطبيق
- الشخصية الإدارية
- فن الاتصال والتأثير على الناس
- لمحات من حياة القديس مارمرقس مؤسس الكنيسة المصرية
- نظرية الوصم (الجذور التاريخية والافتراضات النظرية)
- إدارة التنوع في الموارد البشرية
- العواطف في العمل
- النسوية العربية: رؤية نقدية
- الفرق بين المهارات الصلبة والمهارات الناعمة
- «العربية» في أفريقيا
- الجامعات الافتراضية: إيجابياتها وسلبياتها
- أنواع دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع
- معوقات الموهبة لدى الأطفال والحلول المقترحة للعلاج
- الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم إحسانا أم التزاما تتحمله الدولة؟ ...
- جرائم الاتجار بالبشر : المفهوم – الأسباب – سبل المواجهة
- الزواج السياحي في مصر


المزيد.....




- المهاجرون المرحّلون يعرفون من يخادع التونسيين
- الإمارات تعلن استئناف الرحلات الجوية مع سوريا
- “حماس” تصدر بيانا بشأن المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار
- مصدر إسرائيلي: فجوات كبيرة مع حماس الغذاء والوقود سينفدان قر ...
- لافروف: ترامب يتبع المنطق السليم في السياسة الخارجية
- لافروف: المخططات الأوروبية للسلام تهدف إلى الحفاظ على نظام ز ...
- لافروف: ظهر أخيرا أشخاص عقلاء في الإدارة الأمريكية ولا نسعى ...
- لماذا يستخدم نظام كييف المدنيين دروعا؟
- إسرائيل تسلم مصر مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار في غزة
- وزير الداخلية الفرنسي: ليس لدي أي هوس بالسلطات الجزائرية ولا ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني جرجس عياد - مُؤَسَّسَاتُ الرِّعَايَةِ وَإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الأَحْدَاثِ