|
البكاء على التدخل في الشأن الداخلي !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1793 - 2007 / 1 / 12 - 12:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا أحد ينكر أن الدول التي تنبسط على وجه الأرض قد اقترب بعضها من بعض في الاتصال أكثر من أي وقت مضى ، وقد حدث هذا بفضل المكتسبات الرائعة التي حققها الإنسان في مضمار العلم ، وحقول المعرفة المختلفة ، والى الحد الذي بات فيه حملة الخرافة ، والفكر المتخلف ، والأعمال القذرة ، والتصرف المشين يعيشون في تناقض مر مع البشرية الخيرية التي تخطو بثبات نحو قيم الخير والفضيلة والمعارف ، تلك القيم التي ناضل الإنسان على مدى دهور طويلة من أجل رفع رايتها خفاقة في سماء هذه الأرض التي ابتلت بشرور الأشرار من الناس ، والذين تحكم بعضهم برقاب الناس في هذه الدولة أو تلك من الدول ، وراح يعبث ببني البشر مثلما يريد ، ومثلما يحلو له ذلك ، وحين ترتفع الأصوات الخيرية في هذه الأرض راح هذا الشرير ، والمصفقون له يشهرون سيف " عدم التدخل في الشؤون الداخلية " بوجه كل من يعترض على هذا الحاكم المستبد ، أو ذاك الذي يمارس القتل بالطرق التي تأنف منها حتى الحيوانات . هذه الحقيقة تجعل من التحجج بمسألة التدخل في الشأن الداخلي أشبه بخرافة تريد حكومة الاحتلال الرابعة في العراق إقناعنا بصبيانية أفعالها ، وبخسة تصرفاتها ، مع أن هذه الحكومة التي كان جل أعضائها ، وقبل أن تحملهم الدبابات الأمريكية على ظهورها ، وتجلسهم على كراسي الحكم في العراق ، مرميين على أرصفة الكثير من الدول ، وكان الواحد منهم لا تطربه نغمة " عدم التدخل في الشأن الداخلي " أبدا ، تلك النغمة التي كان صدام يغنيها حين تهب دولة من الدول شاجبة ما يقوم به من أعمال قتل وتدمير بحق العراق والعراقيين ، وكانوا هم أول من يستنكر عليه كل فعل مشين ، ولكنهم حين صاروا حكاما تحت ظلال المدفع الأمريكي ، الذي شيد قواعد ثابتة للاستعمار الأمريكي على أرض العراق لا يمكن لأي دعي وطنية أن ينكر ذلك ، بكوا على " التدخل في الشؤون الداخلية " ، ومتى ؟ ذلك حين افزعوا العالم بالميتة التي اختاروها لصدام ، والتي استنكرها عليهم حتى أسيادهم في واشنطن ولندن . والعجيب في الأمر أن رجال أمريكا في العراق ، وفي المقدمة منهم عبد العزيز الحكيم ، قد احتج على العرب فقط ، ولم يحتج على جورج بوش ، والمنظمات الأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان ، ووسائل الإعلام الأمريكية ، هؤلاء الذين استقبحوا ذاك الفعل المشين الذي رفع صداما الى مصاف الشهداء ، مثلما جاء ذلك في أغلب الصحف البريطانية التي صدرت غب إعدام صدام ، والتي طفحت بأصوات الاستنكار من قبل الكثير من الساسة الانجليز بما فيهم توني بلير ، رئيس وزراء بريطانيا التي غربت عن أرضها الشمس ! هذا فضلا عن الساسة الأوربيين ، والساسة في الدول الإسكندنافية مجتمعة ، وكان هذا الاستنكار منصبا على تلك الطريقة المشينة التي نفذ بها حكم الإعدام بصدام ، تلك الطريقة التي أفزعت الكثيرين رغم رقص الصعلوك كريم شهبوري ( موفق الربيعي ) خادم المستعمرين الأمريكان . سألت جاري السويدي ، هل شاهدت كيف أعدم صدام ؟ رد علي بفزع ، ولماذا تريد لي مشاهدته ؟ هل تريدني لا أنام ؟ لذلك صاح هذا العالم بصوت قوي لا لهمجية الموت هذه ، ولا للرقص حول جثث الموتى ، ولكن دعي التشيع في العراق ، عبد العزيز الحكيم ، وأحد مريدي الولي الفقيه ، جورج بوش ، راح يحاول التستر على تلك الفضيحة ، التي أساءوا بها للشيعة العرب في العراق قبل أن يسيئوا بها لغيرهم ، وذلك بقوله الكاذب من أن عدد المستنكرين لتلك الفعلة الشنيعة كانوا قليلين في الدول العربية وفي دول العالم الأخرى ، وإذا كان الأمر كذلك ، وكانت البشرية في مطلقها تؤيد تلك الأفعال المشينة ، فعلام يشهر رجال الحكومة الأمريكية في العراق سيف " التدخل في الشؤون الداخلية " لبلد مثل العراق ! عجبي ! كان الأولى برجال الزمن الأمريكي أن يحتجوا على تواجد الجنود الأمريكان الذين يدبون كجرب على أرض العراق الطاهرة ، أم أن أشباه الرجال هؤلاء ، على حد تعبير الإمام علي عليه السلام ، لم يعتبروا ذلك تدخلا فظا في الشؤون الداخلية للعراق ؟ ها انتم ـ يا رجال حكومة الاحتلال الرابعة ـ ترون المئات من جنود لدول متعددة ، اعتدوا على العراق لسنوات ، وداسوا على كرامة العراقيين لسنوات ، واغتصبوا أعراض العراقيات لسنوات ، وكان كل هذا أمام أعينكم ، ولكنكم ، ولبئس المنطق ، لا تعتبرون هذا تدخلا في الشؤون الداخلية ! عجبي والله ثم عجبي ! هل يستطيع أحد منكم أن يقول لنا كيف عبثت إيران بالعراق والعراقيين ؟ وكم من عراقي وعراقية قتلت على يد فرق الموت الإيرانية ؟ ألم يعتبر هذا تدخلا في الشؤون الداخلية ؟ ألم يدفع بكم الفرس الإيرانيون الى ملاحقة الشاعر المتنبي ، رغم المسافة الزمنية بينكم وبينه ، وتعمدون الى رفع كل كلمة كان المتنبي يفتخر بها من أنه شاعر عربي من المنهج الدراسي للطلاب العراقيين العرب ؟ فالمتنبي ، كما تعلمون أو لا تعلمون ، عربي ، وفخر بالعرب ، والعروبة في زمن كان الفخر يعد من أشهر الأغراض الشعرية في الشعر العربي الكلاسيكي ، فلا يمكنكم أن تحاكموا المتنبي بمنطق العنصرية الفارسية ، وذلك وفقا لأهواء زمرة حاقدة جاءت من طهران لتستنكر على الشاعر ما قاله بعد ألوف السنين ، لكن رغم ذلك فهذا المتنبي يصرخ فيكم ، مثلما يصرخ الكثيرون من أبناء شعبنا الذي ما خرج من ظلم صدام حتى وقع في ظلمكم ، هذا هو المتنبي اسمعوه يقول : وإنما الناس بالملوك وما تصلح عرب ملوكها عجم أتعلمون لماذا قال ابن الكوفة هذا ؟ لأنه يعرف أنكم ستأتون محمولين على الدبابات الأمريكية الى بغداد ، بعد أن جاء أجدادكم الفرس البويهيون إليها من قبل ، تلك المدينة التي اغتصبتموها على زمن الشاعر ظلما وعدوانا في القرن الرابع الهجري ، وقد شان على الشاعر المتنبي أن يدخلها ، فوجه وجهه صوب الشام الذي توجه له اليوم الملايين من العراقيين ، تاركين بغداد نهبا لعصاباتكم وطائرات حلفائكم بعد أن تحالفتم على إبادة الشعب العراقي ، وعاصمته الخالدة التي ينشدها من قبره ابن الناصرية وشاعرها ، مصطفى جمال الدين قائلا : بغداد ما اشتبكت عليك الأعصرُ ....إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ أقول ، علام لا تعتبرون هذه الأوامر الصادرة لكم من إيران تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق الذين تبكون عليه نفاقا ؟ كونوا على ثقة من أنكم تثبتوا بأفعالكم هذه للعراقيين ، وفي المقدمة منهم الشيعة ، بأنكم ليس من أهل العراق ، وأنكم مستعدون أن تقدموا للمستعمرين الأمريكان كل ما يطلبونه منكم شرط أن تبقيكم أمريكا في مناصب حكم لفترة محدودة من الزمن ، وإذا كنت أنا على باطل فيما أقول ، فلماذا لا تعتبرون بناء الحصن الأمريكي في بغداد ( السفارة الأمريكية ) تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق ؟ تلك الشؤون الداخلية التي يبكي عليها وكيل وزير خارجيتكم نبيل عباوي ؟ هل سألكم المستعمرون الأمريكان من أنهم سيبنون سفارة لهم في القلب من بغداد ، وبمساحة هي بضعف مساحة دولة الفاتكان ؟ أتعلمون على أية شاكلة ستكون تلك السفارة ؟ إنها دولة داخل دولة ، لها جيش ، وشرطة ، ودوائر ، وبيوت ، وأسواق ، ومراقص ، وملاهي ، وحانات خمور ، وفي حال ما رفع أحد منكم عقيرته ستنقض عليه الطائرات الأمريكية ، وتجعله عصفا مأكولا ، وساعتها لا ينفعكم البكاء على التدخل في الشؤون الداخلية !
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموافقة الأمريكية والرغبة الإيرانية قتلتا صداما !
-
حصيلة إعدام صدام نبذ الشيعة !
-
هل تعدم أمريكا صداما ؟
-
عرب الأهوار ، الضيف والشاهد . 8
-
7عرب الأهوار ، الضيف والشاهد
-
( الغزال ( 1
-
تقرير جيمس بيكر- هاملتون : الفشل والانسحاب !
-
(عرب الأهوار ، الضيف والشاهد (6
-
عرب الأهوار ، الضيف والشاهد (5)ه
-
عرب الأهوار ، الضيف والشاهد(4)ه
-
عرب الأهوار ، الضيف والشاهد(3 )ه
-
( عرب الأهوار ، الضيف والشاهد ( 2
-
عرب الأهوار ، الضيف والشاهد*
-
أطلال الديمقراطية في العراق !
-
اقرؤوا هذه المقالة ثانية !
-
الشاعر الشيوعي يوسف أتيلا : 4
-
الفيدرالية تصعد من وتائر الموت في العراق !
-
وأخيرا بصق بوش عليهم !
-
الفيدرالية شرذمت الكتل قبل أن تشرذم الوطن !
-
الشاعر الشيوعي يوسف أتيلا:3
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|