|
إعادة ترسيم العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وباكستان
فاطمة رضا عطية
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 23:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن إعادة ترسيم العلاقات الباكستانية الأميركية على أسس استراتيجية أمر ضروري لبناء علاقة مفيدة للطرفين على المدى الطويل وهو مايراه الكاتب والمحلل الامني والعسكري الدكتور راشد والي. ونظراً للطبيعة العابرة لمشاريع الأمن والاحتواء السابقة، فقد اكتسبت مجموعة من المتشككين الأميركيين أرضية في باكستان، الأمر الذي شجع الخطاب الشعبوي الناري من قِبَل الجهات السياسية الساعية إلى اكتساب بعض النقاط الإيجابية لدى الناخبين. إن الولايات المتحدة، التي كثيراً ما يطلق عليها وصف "جار كل دولة" بسبب نفوذها وامتدادها العالميين، تحتل مكانة مهمة في الشؤون العالمية. وبالتالي، فإن إفساد العلاقات مع مثل هذا الجار الدائم الوجود أمر عقيم بالنسبة لباكستان. إن العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان تحتاج إلى تجاوز قالب العميل والراعي القديم والابتعاد عن المنافسة العالمية على القوة التي تهيمن على المشهد الجيوسياسي اليوم. ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً إعادة تقييم ميلها إلى النظر إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان من خلال عدسة علاقاتها مع الصين والهند. ويهدد هذا النهج بخسارة كبيرة للنفوذ الجيوسياسي في منطقة تعمل كجسر حاسم بين جنوب وغرب/وسط آسيا. ويتعين على المجتمع الاستراتيجي الأميركي أيضاً أن يقيم بشكل واقعي قدرة الهند على العمل كشرطي إقليمي نيابة عن الولايات المتحدة. إن تطلعات الهند إلى الاستقلال الاستراتيجي، إلى جانب القيود التي تواجهها في مواجهة الصين المتفوقة بشكل كبير وباكستان القوية عسكريا والمسلحة نوويا، ينبغي أن تثير قلق صناع السياسات في الولايات المتحدة. ومع فرض العقوبات على إيران وعدم استقرار أفغانستان الذي يعيق خيارات الاتصال بغرب ووسط آسيا، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تترك هذه المنطقة الجيوسياسية مفتوحة لنفوذ الصين وروسيا المتوسع. وتعمل الدولتان بنشاط على تحقيق تقدم في المنطقة، وهو ما قد يأتي على حساب المصالح الأميركية. و هنا يُطرح السؤال: ما هي المصالح الأميركية التي قد تبرر معاملة جنوب آسيا باعتبارها منطقة حيوية استراتيجيا، على الرغم من الاتجاه الحالي لإعطاء الأولوية لشرق آسيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ؟ تنبع هذه المصالح إلى حد كبير من الحاجة إلى مواجهة طموحات الصين الاستراتيجية، والتي تدعمها مبادرات الاتصال الاقتصادي والبنيوي مثل مبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. تتمتع منطقة جنوب وغرب آسيا، الغنية بالموارد المعدنية والطبيعية غير المستغلة، بإمكانات اقتصادية هائلة. ويمكن لأي مستثمر لديه الموارد التكنولوجية والمالية المناسبة أن يكتسب ميزة كبيرة في المنطقة. لقد كشفت الاضطرابات في إيران والشرق الأوسط بعد خطة العمل الشاملة المشتركة عن نقاط الضعف الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها في غرب آسيا. ويتفاقم هذا الضعف بسبب غياب الوجود الأمريكي الكبير في جنوب ووسط آسيا. وقد لا تكون استثمارات الولايات المتحدة في تحالفات آسيا والمحيط الهادئ مثل الاتفاقية الأمنية الثلاثية AUKUS و الدول الرباعية QUAD و الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي و الهادئ IPEF كافية عندما تتصاعد التوترات، خاصة في ضوء إحجام الهند وعدم قدرتها على مواجهة الصين. إن التحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة وباكستان هو تطوير نموذج جديد ومستدام للمشاركة يتقارب في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية. ومن الناحية الاستراتيجية، يمكن أن يشمل هذا النموذج التعاون في مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات ومنع الانتشار النووي. ومن الناحية الاقتصادية، يمكن أن ينطوي على ربط شبكة التجارة والاقتصاد في آسيا والمحيط الهادئ بمبادرة الحزام والطريق. ومن خلال تعزيز التقارب بين الهند وباكستان وتعزيز الاتصال بين الشرق والغرب ــ ربط الهند وباكستان وآسيا الوسطى ــ يمكن تنفيذ مشاريع مثل خط أنابيب تابي (خط أنابيب تركمانستان ــ أفغانستان ــ باكستان ــ الهند) ومشروع نقل الكهرباء والتجارة بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا. ومن شأن هذه المبادرات أن توفر فرصاً كبيرة لمشاركة القطاع الخاص الأميركي في مشاريع البنية الأساسية الضخمة. ومن الممكن أن تعود على الولايات المتحدة ميزتان واضحتان من مبادرات الاتصال هذه. أولاً، من شأنها أن توفر للقطاع الخاص الأميركي القدرة على الوصول إلى موارد المعادن النادرة في أفغانستان وباكستان. وثانياً، من شأنها أن تمنح الولايات المتحدة نفوذاً اقتصادياً كبيراً على أفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى، الأمر الذي من شأنه أن يقوض الهيمنة الاقتصادية الساحقة للمنافسين العالميين مثل الصين وروسيا. ولكن تحقيق هذه المكاسب الجيوسياسية والاقتصادية يتطلب الابتعاد عن العقلية الاستراتيجية المحافظة الجديدة التي تفضل حاليا نهج الانفصال. وبدلا من ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تتجاوز استراتيجية جورج كينان للاحتواء وتتبنى استراتيجية المشاركة التي وضعها إليوت كوهين، مع التركيز على المصالح الضيقة والمحددة. وينبغي لإدارة ترامب المنتخبة حديثا أن تقاوم نفوذ المستشارين المناهضين لباكستان. ذلك أن المشاركة الاستراتيجية مع باكستان من شأنها أن توفر للولايات المتحدة نفوذا أكبر في مواجهة الصين والهند، في حين تعمل على توسيع خياراتها للمشاركة في آسيا الوسطى. وتشكل باكستان، التي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة ــ 64% منهم تحت سن الثلاثين ــ لاعبا مهما في المنطقة. والواقع أن الجيل الشاب ثنائي اللغة في وضع أفضل للاندماج في الثقافات الأكاديمية والعملية في الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الجالية الباكستانية في الولايات المتحدة، بما في ذلك 13 ألف طبيب، تمثل أصلا لا يقدر بثمن لتعزيز العلاقات الأقوى. إذ تقدم باكستان فرصًا اقتصادية جذابة للمستثمرين الأميركيين في قطاعات مثل الزراعة والطاقة واستكشاف الموارد المعدنية وأمن المعلومات. حيث تظل الولايات المتحدة أكبر سوق تصدير لباكستان، وقد وقعت الدولتان على اتفاقية إطار التجارة والاستثمار (TIFA) منذ عام 2003. تتمتع هذه الاتفاقية بإمكانية تعزيز التجارة والاستثمار الثنائيين بشكل كبير. ومن خلالها يمكن لباكستان توسيع صادراتها إلى الولايات المتحدة إلى 5 مليارات دولار على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة في صناعات مثل المنسوجات والأغذية وتكنولوجيا المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للولايات المتحدة مساعدة باكستان في تنويع مصادر اقتراضها من خلال تسهيل الضمانات المتعددة الأطراف من شركاء مثل قطر والمملكة العربية السعودية. وعلى صعيد المناخ، قد يعمل صندوق المناخ الإقليمي الهادف إلى مكافحة تغير المناخ كمظهر ملموس لإمكانية التعاون بين البلدين. ويمكن أن تلعب الجالية الباكستانية في أميركا دوراً محورياً في تسهيل عودة الاستثمارات الرأسمالية إلى باكستان. وفي الوقت الحالي، تعمل نحو 80 شركة أميركية في باكستان، وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، لم تبلغ أي منها عن خسائر. ومع ذلك، يتعين على باكستان تحسين آليات حل النزاعات بين الشركات والبيئة التنظيمية مع تشجيع دخول البنوك التجارية الأميركية لجذب المزيد من الاستثمارات. باكستان هي بالفعل الدولة المتلقية لأكبر برنامج فولبرايت في العالم وثاني أكبر برنامج دولي للتعليم والتدريب العسكري بعد الأردن. ويمكن توسيع نطاق هذه المبادرات لتعزيز الممر التعليمي بين الولايات المتحدة وباكستان وتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا المعلومات، والاستفادة من وجود الجالية الباكستانية في وادي السليكون والمشهد التكنولوجي الأوسع في الولايات المتحدة. ومن الممكن أن يسفر مثل هذا التعاون عن مكاسب استراتيجية كبيرة لكلا البلدين، مما يمنح الولايات المتحدة ثقلاً جيوسياسياً أكبر ومرونة اقتصادية في مواجهة منافسيها العالميين. إن إعادة ترسيم العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان من شأنها أن تعيد تعريف العلاقات الثنائية على نحو يعود بالنفع على البلدين. ومن خلال تعزيز الشراكة القائمة على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية المشتركة، تستطيع الولايات المتحدة أن تعزز موقفها الجيوسياسي في جنوب ووسط آسيا، في حين تستطيع باكستان أن تكتسب الدعم الاقتصادي والتكنولوجي الذي تحتاج إليه بشدة. إن إعادة ترسيم العلاقات بين البلدين تتطلب من البلدين أن يتحررا من قيود الأطر القديمة وأن يتبنيا شراكة مستقبلية مفيدة للطرفين. وعندئذ فقط يمكن تحقيق الإمكانات الكاملة لهذه العلاقة الحاسمة.
#فاطمة_رضا_عطية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رابيندرا مودي : أمة هندوسية بأربعمائة 400 مقعد
المزيد.....
-
خطط ترامب في غزة: أنباء عن كون المغرب من المناطق المرشحة لنق
...
-
مخطّط ترامب في غزة: ليبيا تعلن رفض سياسات التهجير والتغيير ا
...
-
مصراتة
-
ردا على مخطّط ترامب: الجزائر ترفض بشكل قاطع تهجير وإفراغ قطا
...
-
تونس: عائلات مفقودين في عمليات هجرة غير نظامية تحتج أمام الس
...
-
تونس: اعتصام ثان لقيادات في اتحاد الشغل والأزمة تتفاقم
-
النائب الجمهوري جو ويلسون: -الرئيس التونسي قيس سعيد ديكتاتور
...
-
3 سنوات على بدء الهجوم الروسي في أوكرانيا: هل بوتين مستعد لل
...
-
أحكام سجن مشدّدة في تونس: محاكمة نزيهة أم -محاكمة سياسية ظال
...
-
صورة متداولة لشبان جذابون ووسيمون: هل هؤلاء هم أعضاء فريق شر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|