|
دروس المأساة السورية (4) الاسلاميين والديموقراطية ...
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 20:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يسأل سائل .. لماذا كل هذا القلق مما يحدث في سوريا ؟! لماذا تحزنون علي شعب نال حريته ، وقد قالت السلطة الجديدة ان هناك فترة انتقالية مدتها ثلاثة شهور فقط ، وبعدها انتخابات يقول الشعب فيها كلمته بحرية ...
ماذا يقلق في هذا ؟! لماذا كل هذا الخوف من الديموقراطية ؟! بالتأكيد انتم - أي نحن - علي الجانب الخاطئ من التاريخ .. انتم مع الاستبداد وقمع الشعوب .. وهو ضد منطق العصر ...
هل لأن الديموقراطية ستأتي بالاسلاميين .. وما الذي يخيفكم كل هذا الخوف من الاسلاميين .. اليس هو دين الأغلبية .. اليس هو دين العدل والرحمة ؟! اننا نتعجب منكم .. لماذا كل هذا الخوف من الديموقراطية ؟! ولماذا كل هذا الخوف من الاسلام ؟!
والاسئلة السابقة تبدو منطقية لمن بدء سنة اولي سياسة من سنة او من سنوات قلائل ...
والان .. فلنجب علي هذه الاسئلة .. هل نحن نخاف من الديموقراطية ؟ هل نحن مع الاستبداد والقمع ؟!
وهل نحن ضد الاسلام وان يكون حاكما ؟!
السؤال الاول .. هل نحن ضد الديموقراطية ؟!
قولا واحدا لا لبس فيه .. لا . نحن لسنا ضد الديموقراطية ، ولا يمكن لانسان عاقل ان يكون ضد الديموقراطية ...
ولكن ما هي الديموقراطية ؟! الديموقراطية هي منافسة بين البشر علي خدمة بشر مثلهم ، وبالتالي ليس لها علاقة بالمقدس ، فالديموقراطية تفترض ان التنافس بين التيارات السياسية يكون طبقا لعلمها او تجربتها او ذكاءها او حسن سياستها وتصريفها للأمور ... لا تعرف الديموقراطية التنافس في الدين .. بمعني اي الاحزاب اكثر تدينا او ان تكون المباراة الديموقراطية تنافسا علي من اكثر تدينا او قربا من الله ...
وبالتالي فليس في اي دولة ديموقراطية في العالم احزاب دينية ، اي تستخدم المقدس الديني للوصول الي السلطة وفي نفس الوقت تتهم الاحزاب الاخري بأنها بعيدة عن الدين .. او كافرة .. هل هذه ديموقراطية او تنافس ديموقراطي ؟! في اي دولة ديموقراطية يحدث ذلك ؟! في امريكا ام فرنسا ام اليابان ام ألمانيا ام بريطانيا ام كندا .... او اي بلد يستحق ان يقال عنه ان فيه تنافسا ديموقراطيا وتداولا للسلطة ...
والسؤال الثاني .. وهل لتلك التيارات أدني علاقة بالديموقراطية اصلا ؟!
ارجو من كل انسان ان يقرأ كل تراث وكتابات تيار الاسلام السياسي ويري رأيهم الحقيقي في الديموقراطية .. يقرأ ما كتبه حسن البنا عن الاحزاب والتعدد الحزبي ، ويقرأ ما كتبه سيد قطب عن الحاكمية لله وليس للبشر ( ومعناها الواضح انهم رسل الله علي الارض الذي سيطبقون ما يقولون انها شريعته وما علي باقي الشعب سوي السكوت والا عد كافرا يحارب الله ورسوله !! ) .
اقرأ ما كتبه ويكتبه رجال تنظيم القاعدة وداعش وكل تياراتهم .. واسأل نفسك هل يؤمنون حقا بالديموقراطية ، وهل يؤمنون حقا بتداول السلطة ؟!
ربما يقول قائل ان الاخوان - علي الاقل - تغيروا وخرحوا من افكار حسن البنا وسيد قطب وهم الأن اقرب الي افكار القرضاوي وسليم العوا .. وبرغم ان حول ذلك شكوك هائلة لكن اين حدث ذلك ؟! ان كل تجارب الاخوان تقول ان اول شئ يفعلونه في السلطة هو اخونتها .. اي جعل الادارة الحكومية والجيش والبوليس اخواني الطابع والهيكل ...
واذا حدث اخونة لمفاصل الدولة الرئيسية فلن يترك تيار الاسلام السياسي السلطة الا بحرب أهلية او تدخل خارجي ...
اليس ذلك ما حدث في افغانستان .. اليس ذلك ما حدث في السودان مع حسن الترابي - وهو زعيم الاخوان في السودان - وعمر البشير ، أليس ذلك ما حدث مع حركة حماس في غزة ، اليس ذلك ما حدث في ايران - والاسلام السياسي في ايران مناظر لحركة الاخوان في الدول السنية - هل يسمح في ايران بالترشح في الانتخابات - مجرد الترشح وليس الفوز - الا من يوافق عليه المرشد واجهزة السلطة التابعة له ؟!
قد يقول قائل .. ولكن الاخوان في تونس وفي المغرب وفي الاردن وفي الكويت دخلوا الانتخابات وفازوا بها وفي الانتخابات التالية وعندما خسروا الانتخابات احترموا اللعبة الديموقراطية ...
وهو قول يبدو للمتابع من بعيد انه صحيح ، ولكن هو غير صحيح ... لماذا ؟!
اولا الاردن والمغرب والكويت دول يحكمهما نظام ملكي ، وهم فوق ذلك علي علاقة قوية بالغرب ، وليس بمقدور الاخوان فيهم اخونة الدولة ومؤسساتها .. جيش وشرطة وقضاء وادارة حكومية .. فالمؤسسة الملكية وفي يدها الشرعية لن تقبل ، وسرعان ما ستدعو الي انتخابات مبكرة اذا حدث ...
اما تونس فقد كانت اول دولة طبق فيها الغرب تجربة الربيع العربي وكان يريدها نموذجا يغري الاخرين وليس وحشا يخيفهم ، فطلب من الاخوان ان يخففوا من غلواءهم ...
ولكن ماذا فعل الاخوان في مصر عندما جاءتهم الفرصة وماذا سيفعلون في سوربا ...
في مصر .. دخلوا في صراع مع مؤسسات الدولة المصرية بغية تطويعها ... وبالنسبة للجيش قاموا بحملة كبري ضده ثم غيروا قيادته - وزير الدفاع ورئيس الاركان - ثم حاولوا اقامة حرس ثوري يكون بمثابة جيشهم الحقيقي ، ثم كان قرارهم الاحمق بإرسال الجيش المصري لكي يحارب في وديان وجبال سوريا ، ويتخلصون بالتالي الي الابد من الجيش المصري ، الذي كان سيقاتل هناك الجيش السوري والجيش الايراني والجيش الروسي !!
وبتخلصهم من جيش الدولة المصرية الوطني سوف يتم تكوين جيشهم الخاص الذي سيدين لهم فقط بالولاء ، ثم تأتي الخطوة التالية بأخونة الاداة الحكومية ، واذا حدث هذا من كان بمقدوره الحديث عن اي ديموقراطية في مصر ؟!
المشكلة الاخطر ان تلك التيارات بتزمتها وانغلاق عقلها تجد نفسها في صدام مع كل المكونات السياسية والثقافية في البلدان التي تتواجد فيها ، والاخطر من ذلك انها تستثير النزعات الانفصالية لدي اهل الاديان او الطوائف الاخري ، التي تجد ان الحل الوحيد امامها - هربا من جحيم تحكم دين واحد وفصيل معين داخل ذلك الدين بكل رؤاه المختلف عليها حتي من ابناء دينه انفسهم - هو الانفصال ...
وذلك بالضبط ما حدث في السودان ، وما كادوا ان يحدث في مصر ، وذلك ما بدأت الاصوات تعلو به من اهل الطوائف الاخري - غير المسلمين السنة - في سوريا ...
ولنرجع الي سوريا ... لقد اعلنت سلطة الامر الواقع ان هناك فترة انتقالية مدتها ثلاثة شهور ، وان هناك مؤتمرا وطنيا سيضم كل الاطياف السياسية في سوريا لترتيب المرحلة الانتقالية ...
ولكن ماذا حدث ؟!
حدث ان قرر الاسلاميين الذين وصلوا الي السلطة في دمشق ان الانتخابات مؤجلة لأربعة سنوات قادمة ، وكذلك كتابة الدستور الجديد !! ثم اعلن رئيس المجموعات المسلحة التي وصلت الي الحكم نفسه رئيسا لسوريا بدون اخذ رأي احد من الشعب السوري ... والدستور .. والانتخابات ... ومشاركة باقي اطياف الشعب السوري في الحكم ... تبخر كل ذلك فجأة ...
وحتي يتم كتابة دستور جديد ، وحتي تنظم انتخابات جديدة ، ماذا ستفعل السلطة الجديدة في المرحلة الانتقالية ، وهل ستجعل جهاز الدولة جهازها الخاص ، وهل ستقيم جيشا من لون واحد ...
وكيف يستقيم ذلك مع اي ديموقراطية مفترضة ؟! يقول بعض السوريين المتحيزين للسلطة الجديدة ، لماذا صبرتم علي بشار الاسد ولا تستطيعون الصبر علي الجولاني ، وهل كان بشار الاسد ديموقراطيا ؟!
ولكن المبرر - المعلن علي الاقل - لكل ما فعلته المجموعات المسلحة خلال اربعة عشر سنة كان لتخليص سوريا من نظام استبدادي واقامة الديموقراطية في سوريا ، وما معني ادخال سوريا في حرب أهلية دامية وتهجير نصف الشعب السوري تقريبا وتدمير الدولة السورية عمليا اذا كان كل المطلوب استبدال ديكتاتور علماني بديكتاتور ديني متطرف ، علي الاقل الديكتاتور الاول كان متعلما تعليما راقيا وكان مثقفا، بينما الديكتاتور الثاني تقلب في التنظيمات الارهابية منذ صباه، ولا يعرف احد يقينا تعليما محددا له او تخصصا في علم ما ...
اغلب الظن ان سوريا مقبلة علي ديكتاتورية دينية ، وهو خبر سئ ولا شك ، ولكن أغلب الظن علي المدي القصير فقط ، وربما تثبت الحوادث - وربما لا تثبت - ان ذلك لم يكن سيئا جدا علي المدي الطويل ، اذا استطاع الشعب السوري وطلائعه المثقفة وقواه الحية ان يجد طريقا جديدا بعيدا عن ديكتاتورية حزب البعث وديكتاتورية تنظيمات الاسلام السياسي ، واذا حدث ذلك فربما قدمت سوريا لنفسها ولأمتها العربية يدا بيضاء جديدة كما قدمت مرارا من قبل ، وأعطت مصلا واقيا للشعوب العربية ضد تلك التيارات الهاربة من العصور الوسطي وتريد ان تفرض قيمها في قلب القرن الواحد والعشرين ...
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دروس المأساة السورية (3) تنشيط الحياة السياسية...
-
دروس المأساة السورية (2) التوازن في العلاقات الاقليمية والدو
...
-
دروس المأساة السورية (1) طول بقاء الحاكم في مقعده ....
-
الألهة التي تفشل دائما ...
-
هل كان استخدام القوة افضل الخيارات العربية في هذه المرحلة ؟!
-
وقف الحرب في غزة...
-
الجندول....
-
أعطني الناي ... وغني.
-
يامه القمر علي الباب ... وكيف كانت الأغاني الخليعة قديما !!
-
ثورة الشك ...
-
هل الخطر من الداخل ... أم من الخارج ؟!
-
مصر ... وسوريا الجديدة .
-
أنور السادات ...
-
قنوات الاخوان ... وهل نحن خائفون مما حدث في سوريا ؟!
-
فصل جديد ...من قصة طويلة !!
-
محمد مرسي .. وأحمد الشرع !!
-
فيم واين اخطأ بشار الاسد بالضبط ؟!
-
اسئلة اليوم التالي ...
-
يوم حزين .. ويوم سعيد ...
-
هل ما حدث في سوريا ممكن الحدوث في مصر ؟!
المزيد.....
-
-الشامي- يغني شارة مسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
-
وزير داخلية فرنسا يحذر من -تسونامي الكوكايين-
-
الجيش السوداني يهاجم القصر الجمهوري لحسم معركة السيطرة على ا
...
-
ليبيا تقتاد مهاجرين إلى سجونها وتحذيرات من كارثة قرب مالطا
-
كتاب عبري يكشف ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة
-
مصراتة الليبية تستعد لإطلاق سفينة إغاثية ثانية إلى قطاع غزة
...
-
إسرائيل.. كاتس يجري مشاورات أمنية حول خيارات تهجير سكان قطاع
...
-
وزير الكهرباء السوري يبحث مع وفد إماراتي مشاريع توليد الكهرب
...
-
السفير الروسي لدى هلسنكي: السلطات الفنلندية تحث مواطنيها على
...
-
مصر.. حبس راقصة متهمة بالتحريض على الفسق من خلال فيديوهاتها
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|