|
قراءة نقدية في نص هوية حلم
سي مختار حمري
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 06:06
المحور:
الادب والفن
قراءة نقدية في نص هوية حلم للأديبة فاطمة عبدالله الحلم العربي في التغيير.. بين صخرة سيزيف.. وعودة غودو وغناء الحوريات.. ................. 1--العتبة : "هوية حلم " جملة اسمية من نكرتين ، مركب انشائي تام لا يصح فيه الصدق او الكذب ، بلاغيا جاء في صورة استعارة تشبيهية تم من خلالها شخصنة الحلم في كائن بشري يستوجب ان تكون له هوية يتميز بها .يمكن اعتبار العتبة مركب تقييدي فلو ذكرت كلمة هوية لوحدها ،لظل الغموض يلفها..لكن بإضافة حلم صارت كلمة "هوية" معلومة بارتباطها بكينونة الحلم . ترى ما هو هذا الحلم ؟ وما هي الرؤية و الأبعاد التي تتجلى فيها هويته؟ الحلم إبداعياً: هو الخطوة الأولى لتحقيق الطموحات والآمال والأماني فمن طيات الأحلام تنطلق الرغبة في التغيير وهو يشكل القوة التي بها يمكن تغيير واقع صار مريرا مزريا... الحلم إبداعياً دائم التجدد والانكسار يغيب او ينكسر ليقوم مقامه حلم اخر فالمبدع مهموم على الدوام بان يكون الواقع جميلاً والحياة أفضل واحسن .. الهوية: في المعنى التقليدي العام تتجلى الهوية في إحساس الشخص بوجوده وشعوره بالانتماء إلى مجتمع ما ، وحضارة ما ولكي يتم ذلك لابد من توفر عدة عناصر تساهم في إثبات الشخص لذاته داخليا وفي إثباته لها امام الاخرين في العالم الخارجي وهذا يتبدى في عدة عناصر مترابطة فيما بينها اهمها : العنصر البيولوجي (الفيزيولجي) / التاريخي / الاجتماعي /النفسي ... وهذه العناصر تتكاثف من أجل بلورة ما يمكن تسميته أبعاد الهوية وهي : البعد الانطولوجي( الوجودي )/ البعد الابستيمولوحي ( المعرفي)/ البعد القيمي (القيم والاخلاق) / البعد التاريخي/ الارث الثقافي والحضاري .. وهذا يشمل كل ماهو : ثقافي / ديني / أيديولوجي ( سياسي)/عرقي / لغوي/ عادات وتقاليد... يظهر لنا من خلال هذه العجالة ان مفهوم الهوية يتمطط ليشمل حقولاً وارفة الظلال تشمل ماهو ذاتي ، اضافة لما هو مرتبط بالاخر سواء اعتبر شبيهاً او مختلفاً والكل مرتبط بما عليه العالم حاضره ، ماضيه ومستقبله. الهوية ليست جلمود صخر صلب فهي مرنة في تحول وتغيير مستمر في( صيرورة دائمة ) وكما يقول هيراقليطس " لا يمكن أن يستحم المرء في نفس النهر مرتين " فالمياه تتغير باستمرار والمستحم أيضا ...
2--[استنطاق النص مع ارجاء المعاني والدلالات ]
حلم تسلل في الفجر على اجنحة النور توشح بنمش الفراشات وتعرش على ضفائر الامل تضرع الى السماء باكف المنى كسنونوة هائمة بالدفء برز الحلم خفية في الفجر يمتطي أجنحة النور وبالتالي فهو حلم مشرق يحمل كل ماهو جميل ظهر مزيناً ومزخرفاً بحبيبات اجنحة الفراشات في لوحة تشكيلية تستمد خلطة ألوانها من الفراشات ويطلق الحلم عروشه المخضرة على ضفائر الأمل كشجرة دالية وهي تفرش أغصانها على الأعمدة القصبية او الخشبية في فصل الربيع ويتوجه متضرعاً الى السماء بأكف الأمنيات في تشبيه بالسنونوة الحالمة العاشقة الولهى بالدفء في هذا المقطع تم تقديم الحلم في شكل لوحة تشكيلية مضاءة بأشعة الفجر وبألوان أجنحة الفراشات واخضرار النباتات وهي تتعرش في فصل الربيع.. من الناحية الفكرية حلم جميل مشرق مرتبط بالفراشات رمز الحرية والانفتاح وتجدد العقلية ببعد رومانسي ، وبالسنونوة رمز الوفاء والحرية والحظ السعيد ، جاء الحلم مرتبطا بالنور أي بالعقل والفكر ، وبالبعد الديني في التضرع الى السماء .. يبدو إذا حلماً جميلاً بريئاً كبراءة الطفولة او (اليوتوبيا) فهو وردي كما هي الأحلام في بداية انبجاسها وصياغتها ...
انه حلم البنفسج سقط بغير عمد في سحيق الشقاء بات حكاية الخواء وشحوب ربيع والهباء
انه حلم كما يرمز له البنفسج يتجلى فيه الاستعداد للتضحية وللتكفير عن الذنب والتوبة في تواضع وايغمان ..لكنه يسقط سهوا في الشقاء العميق القعر ، فيتحول الى مجرد حكاية فارغة من أي معنى والى ربيع شاحب خال من الاخضرار ودينامية الحياة .. في هذا المقطع نلاحظ بداية تحول الحلم من التحليق والاشراقة الى السقوط في الشقاء والخواء والهباء والربيع الشاحب قد يرمز الى البعد السياسي في إشارة إلى أحداث الربيع العربي السيء الذكر..
هناك فوق الارصفة الباردة اموت واحيا واتجرع السقم أنا المجرجر فوق نصال الألم سيزيف أنا ...! يتحول الوضع الى صراع موت /وحياة وأمراض تطال المجتمع الذي أصبح عرضة للتشرد على الأرصفة بمحادة الطرقات التي ترمز الى سبل الحياة والعيش والوجود لتبرز الأنا (=نحن) وهي تجر أذيال الخيبة فوق نصال الألم ولتعبر بشكل واضح على انها سيزيف ، تقول" سيزيف أنا " وهي تجعلنا نستحضر الشعر العربي القديم في التفاخر والاعتزاز بالأنا او القبيلة او في تحدي الآخر .. ومن ناحية آخرى نسجل تناصاً مع أسطورة سيزيف الإغريقية التي حوكم من خلالها سيزيف بأن يعيش حياة أبدية في عمل غير مجدي بان يدفع بصخرة الى أعلى الجبل ويتركها تتدحرج الى الأسفل ويعيد الكرة مراراً وتكراراً والى الأبد دون جدوى ، في عبثية مطلقة ، وهو مايرمز الى قضية المعنى في حياة الإنسان.. ويرى الروائي والفيلسوف الوجودي العبثي "البير كامو": ان اسطورة سيزيف لا تعكس فقط ماساة الانسان في عبثية الحياة وفي غياب المعنى لكن يمكن فهمها أيضاً بأنها تحدي وكفاح الانسان المستمر في مواجهة القدر والمضي قدماً في الحياة فسيزيف(= الذات الشاعرة هنا) اختارا ان يتحدايا القدر وان يمضيا قدماً في مواجهة القدر والمصير لتحقيق الحلم في التغيير إلى الأفضل ...
المشهد في هذا المقطع يوحي بالصراع الذي يتأرجح بين الحياة/ الموت والمرض والألم الذي يعاني منه المجتمع ما يتطلب التحدي والمضي قدماً في مواجهة المصير أسوة بسيزيف حتى و وان كان الوضع يبدو بلا جدوى وبدون معنى ..
يغشى الضباب انتظاري العبثي مثل انتظار غودو كبحار مهزوم يعود بملح الخسارات والمخدوع بغناء السيرينات يتحول الحلم الى وضعية الانتظار العبثي الشبيه بما تعبر عنه مسرحية ( عودة غودو) لصموئيل بيكيت التي تعكس الفكر العبثي الذي يعبر عن حالة اللاهدف في انتظار أبدي للخلاص الذي يأتي او لا يأتي فالمسرحية تقوم على ثنائية الشك / اليقين 3--[الدراسة الأسلوبية ]: ---المعجم: يمكن اعتبار المعجم الشعري من أهم المكونات الأسلوبية فهو عنصر أساسي ومهم في بناء النص الشعري وبواسطته يمكن لنا تحديد هوية الشاعر والكشف عن توجهاته الثقافية ومستواه الاجتماعي كما أن دراسة المعجم والثروة اللفظية يتيح لنا فهما اعمق للنص ..لكن في هذه الدراسة لا يجب أن نعزل الكلمة عن سياقها الذي وردت فيه..
[العناصر الطبيعية]: الفراشات- السنونوة- البنفسج -- الربيع - الضباب- القصب-الصفصاف- التراب-... هذه الكلمات تشير مباشرة إلى أحد عناصر الطبيعة لكن هناك مفردات أخرى تشير إلى الطبيعة بطريقة غير مباشرة .. هذه العناصر الطبيعية وردت في النص اما للتعبير عن وضعية متفائلة مشرقة او عن ماهو مأساوي (سوداوي ) وهي تخبر عن البيئة الطبيعية التي كانت تتواجد في نطاق خيال الشاعرة أثناء إنجاز النص وفي بعض الكلمات كان التصور دقيقا للغاية "كنمش الفراشات " مايعني ان تصور الشاعرة كان مترسباً في الذاكرة بشكل عميق ربما يعود لمرحلة الطفولة وبالتالي فهو صادق صادر من صور مخزنة حقيقية في الذاكرة وهذا يعطي للنص تأثيراً بالغاً على نفسية القارئ كما نلاحظ أن الشاعرة تعاملت مع الطبيعة كفنانة تشكيلية بامتياز من حيث الألوان والاضاءة ...
[عناصر الانكسار والإحباط ]: شقاء - خواء - هباء- سقم - الم -باردة - انتظار عبثي - خسارات - الانكسار- النحيب - بكاء - جرح - وجع. - -صدع - سراب .. وهي ألفاظ من معجم نفسي تعبر عن المعاناة التي يعيشها الإنسان الحالم ما يخبر عن واقع مزري ومرير وعن الصراع الداخلي والخارجي
[عناصر الاشراقة والامل والتفاءل ] الفجر- النور -ضفائر الامل - الفراشات- السنونوة - البنفسج- الهدوء- الدفء... كلها كلمات تعبر عن الأمل والهدوء والسكينة والأمن والأمان وبالتالي يمكن اعتبار النص متوازن فهو في شق منه متفائل يوحي بجمال الطبيعة ومن ناحية اخرى يعبر عن مأساة
4--[البعد الأسطوري ]:
تم توظيف الأسطورة في النص بشكل ساهم في تعميق دلالات ومعاني النص وتجذير الوعي بالواقع المعاش وجاء في:
-[أسطورة سيزيف ]: هي أسطورة إغريقية تحكي ان سيزيف كان رجلا ً ذكياً وماكراً استطاع ان يخدع إله الموت " ثاناتوس" فقيده بأصفاد محكمة ما منعه من إزهاق أرواح الناس فحكمت عليه الألهة الأولمبية بأن يعيش حياة أبدية في عمل غير مجدي عبثي يتمثل في دحرجة صخرة صعوداً ونزولاً من جبل مراراً وتكراراً وإلى الأبد .. يتساءل البير كامو : هل يمكن لنا أن نتخيل حياة عبثية إنسانية اكثر من هذه ؟ أليست حياة الإنسان في هذا العالم تشبه الشقاء الذي حكم به على سيزيف ؟ ويرى البير كامو ان سيزيف يجسد سخافة ولا عقلانية الحياة الإنسانية و من جهة اخرى مناقضة يرى : ان الأسطورة يمكن أن تعكس تحدي وكفاح الانسان في شجاعة واستماتة في مواجهة القدر والمضي قدما في مواجهة المصير...
يبدو ان توظيف هذه الأسطورة في النص جاء حاملاً لوجهين من جهة فهي تعبر عن عبثية الحياة وعن وهم الأحلام ومن جهة آخر جاءت للحث على التحدي والمضي قدما في محاولة التغيير .. [حوريات البحر او عرائس البحر ]: هي كائنات اسطورية خيالية تستوطن البحار والبحيرات وهي تجمع بين صفات البشر والأسماك ، النصف العلوي بشري والسفلي سمكي.. وهن جميلات وساحرات وغناؤهن يغري ويغوي البحارة لتجنح سفنهم الى المناطق الصخرية وتدمر وهناك قصصا وروايات عديدة ومتناقضة حسب الثقافات والبلدان وكتبت عنهم حكايات شعبية وروايات ومسلسلات تلفزيونية.. الهدف الذي وردت من اجله في النص هو غواية البحارة من أجل التدمير ..
وقد ترمز أيضاً لغباء المواطن العربي وتصديقه للخرافات والحكايات السادجة التي تؤدي في نهاية المطاف الى التهلكة والاقتتال ... نلاحظ ان هناك تداخل بين ماهو أسطوري وماهو واقعي مرتبط بالحلم في تغيير الواقع إلى الأفضل وان هناك تداخل بين ماهو ذاتي وما هو مجتمعي فالأنية جاءت لتعبر عن نحن" ولا يمكن باي شكل التفرقة بينهما ...كما أن ضمير الغائب في النص عامة ما يشير الى المجتمع في هيئة الاخر
5--[البعد الثقافي_التاريخي والتناص ]
[عودة غودو ]: عودة غودو مسرحية كتبها صموئيل بيكيت سنة 1953 وهي تعبر عن الانتظار العبثي الذي لا طائل من ورائه المتمثل في انتظار قدوم " غودو" الذي لن ياتي ابداً. هذه المسرحية تعكس الفكر العبثي الذي تعبر عنه حالة الانتظار واللاهدف فالكاتب هنا يسخر من حقيقة الحياة الإنسانية في تحديد الأهداف ، والسعي وراء الرفاه والبحث عن الخلاص فكل هذا شبيه بانتظار غودو الذي لن يأتي أبداً المسرحية تقوم على ثنائية الشك/ اليقين.. يمكن اعتبارها مسرحية كوميدية مأساوية ( تراجيدية)
الغرض من توظيفها في النص كان من أجل اثبات عبثية الحياة الإنسانية وعبثية انتظار الخلاص او تحقيق الأحلام والآمال التي طال انتظارها زمنا طويلا في الوطن العربي فتحول الحلم بالتغيير الى انتظارية غودو "الذي لن يأتي ابداً.
[الشيخ والبحر ]: رواية لارنست همنغواي كانت سبباً في حصوله على جائزة نوبل للآداب وهي قصة بحار صياد مسن خرج في مركبه للصيد وحيداً بعد ان تخلى عنه معاونه و بعد طول انتظار اصطاد أكبر سمكة ( مارتن ) في حياته.. لكنه واجه وحيداً التيه والضياع في البحر إضافة لأهواله وهجوم أسماك القرش عليه و أكلها للسمكة تقريبا بالكامل فحولت حلمه الى سراب ولم تترك له الا هيكلها الذي أحضره الى المرفأ كملح خسارة كما تقول الشاعرة في النص
[جلال الدين الرومي ] جاء استحضار جلال الدين الرومي في تناص مع نحيب القصب وله في هذا الباب أقوال وحكم خالدة تصف الناي المصنوع من القصب بانه يرمز إلى الحنين و الغربة والاغتراب وألم الفقد فهو قطع من الأخضر وتم تجفيفة وثقبه بالنار فصار لحنه وصوته يعبر عن الحزن والم الغربة والاغتراب.. وجاء في النص ليعبر عن غربة المواطن عن الوطن والمجتمع
[كذبة نيسان ]: في الفاتح من نيسان من كل سنة بحتفل بيوم الكذب ويتبادل الناس الكذب خلال هذا اليوم بشكل ساخر ممزوج بالنكتة والفكاهة .واستعمل هذا في النص . إنجاز سي مختار حمري
#سي_مختار_حمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقدة بريميثيوس
المزيد.....
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
-
أحلام سورية على أجنحة الفن والكلمة
-
-أنا مش عايز عزاء-.. فنان مصري يفاجئ متابعيه بإعلان وصيته
-
ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟
...
-
دور غير متوقع للموسيقى في نمو الجنين!
-
الممثلة السعودية ميلا الزهراني بمسلسل -فضة- في رمضان
-
منظمة -الرواية اليهودية الجديدة- تندد بشكل لا لبس فيه خطة تر
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|