كوسلا ابشن
الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 21:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ النصف الثاني من القرن العشرين حاول بعض مؤدلجي النظام الكولونيالي إيجاد منفذ لنفي وجود أدلة عن قيام الدولة أريفية ( الجمهورية الإتحادية لقبائل أريف ) ذات سيادة, و إعتبروا محمد عبد الكريم الخطابي مجاهدا مغربيا تحت إمرة السلطان آل علوي. لكن هذه الأكاذيب و المغالطات الإيديولوجية فندتها المعطيات و الحقائق التاريخية.
أولا: الوجود المادي للجمهورية ترك إرث شفوي راسخ في الذاكرة الجماعية لشعب أريف.
ثانيا: الحقيقة المادية للجمهورية تناولتها الدراسات و الأبحاث التاريخية بدقة و بدون خلفية إيديولوجية بإعتبارها وليدة العشرينات من القرن العشرين, و لم يكن لها وجود إفتراضي في فترة بعيدة, في القرن السابع أو العاشرة, حتى يشك في حقيقتها, مثل ( الإسلام المحمدي أو إمارة الأدارسة).
أرشيف حرب أريف خلق عقدة للنظام الكولونيالي مما وفر من وثائق للحكومة أريفية و منها ما يدين السلطة آل علوي, و بهذا يسعى هذا الأخير جاهدا للإستلاء على هذا الأرشيف لتزويره أو طمس حقائقه. و بين هذا و ذاك يحاول أقزام النظام, نشر معلومات خاطئة و أكاذيب تضليلية عن محتويات وثائق الأرشيف.
لم تتوقف معارك التضليل الإيديولوجي و المغالطات التاريخية بهدف تفنيد قيام الدولة أريفية, و في عملية إستمرارية التقية, تطل علينا الخريطة المعجزة, لمكتشفها الشاب العبقري, بقوله "أن الخريطة تؤرخ لفترة المقاومة الريفية المسلحة, تثبت السيادة المغربية الكاملة على شمال المغرب". لا أدري على أية سيادة يتحدث الشاب, و المنطقة كلها تحت الأستعمار, و هو من يتحكم في خيراتها و مواردها الطبيعية, و يتحكم في حدودها, و خير دليل الجنوب الشرقي ( بشار و تيندوف).
الخريطة التي إستشهد بها الشاب, قد سبق أن أشار مورير جيرار في دراسة " عبد الكريم و جمهورية أريف", عن خريطة تظهر الحدود في سنة 1925, في أوج الحرب العدوانية. و خريطة الشاب في حد ذاتها تظهر حدود لدولة و ليس لمنطقة المقاومة. خرائط تحديد مواقع المقاومة, تكون أصلا محدودة في مناطق صغيرة, وغالبا تكون متوزعة في مناطق معينة, ليس مثل الخريطة الجغرافية و السياسية, التي إكتشفها الشاب و التي تشمل كل جغرافية أريف. كما أن الشهيد رئيس دولة أريف, حدد الخريطة السياسية و الجغرافية لدولة أريف, من تصريح لرئيس جمهورية أريف سنة 1926, قال :" خلال يوليو 1921 أبلغنا سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا, في أنه أعلنا جمهورية أريف ونحن نخوض حربا رابحة ضد اسبانيا للدفاع عن استقلالنا, وسنستمر في ذلك حتى تحقيق السلام والحرية والإعتراف بإستقلالنا بما في ذلك جميع مناطق الجمهورية الممتدة من الحدود مع المغرب حتى البحر الأبيض المتوسط ومن ملوية إلى المحيط الأطلسي", الحدود التي رسمها الرئيس تتطابق مع خريطة التي عرضها الشاب.
خريطة أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية لا تثبت عدم قيام الدولة أريفية من جهة و جهة آخرى, أن فرنسا دولة حماية سلطة آل علوي, و فرنسا لم تعترف بدولة أريف, كما أنها شاركت بجانب إسبانيا و معهما أعوان آل علوي في الحرب الكيماوية العدوانية ضد دولة أريف و أهله العزل من السلاح. فرنسا الإستعمارية فاقدة للمصداقية.
الشاهد على قيام الدولة أريفية من عدمها هو التاريخ. فالحقائق التاريخية التي سردها من عاين هذه الفترة من قريب, و من عاش أوضاعها, و من صنع أحداثها, هي الحقيقة الموضوعية. بشهادة صانع تاريخ الجمهورية يمكن إثبات حقيقة التأسيس و الوجود الفعلي, بشهادة بيان تأسيس الجمهورية, الذي جاء به, مايلي:" نحن حكومة جمهورية أريف, التي تم تشكيلها في يوليو 1921, نود إبلاغ الدول الموقعة على معاهدة الجزيرة الخضراء عام 1906 , أن طموحاتها لن تنجح. لقد أثبت التاريخ ذلك لهم في الأيام الأخيرة. إنهم مخطئون إذا اعتبروا أن أريف جزء من المغرب. جغرافيا, جمهوريتنا جزء من أفريقيا. تختلف لغتنا بشكل فريد عن كل اللغات الأخرى, المغربية أو الافريقية أو سواها. نحن ريفيون ولسنا مغاربة البتة". هذه وثيقة ميلاد الجمهورية أريفية, و ليس دراسة كولونيالية كما إدعى الشاب القليل المعرفة بمكنيزمات العلاقة بين المركز الباريسي و المخزن التبعي. المدرسة الكولونيالية العروبية, بنزعتها العنصرية, لا ترى في معارضة أجندتها السياسية و الإيديولوجية, إلا مؤامرة غربية و صهيونية.
بشهادة مؤرخين و كتاب لا علاقة لهم بالإمبريالية و لا بالصهيونية و لا بالمؤامرة ضد جماعة التخريب و الترهيب, أكدوا حقيقة تأسيس "الجمهورية الاتحادية لقبائل أريف" ( دولة أريف), من دون خلفية سياسية و لا قومية, تحدثوا عن حقيقة تاريخية بعيدة عن الهواجس الإيديولوجية أو النزعات العنصرية.
يقول جرمان عياش, في حديثه عن كفاح ثوار أريف:" ... أنهم دشنوا منذئذ, و دائما للإستجابة لمتطلبات كفاحهم, حركية دؤوبة و مستمرة في التعزيز العسكري و التوحيد السياسي و التوسع الترابي, تلك الحركية التي ستتمحض في نهاية المطاف عن تأسيس جيش و دولة أريف". ( أصول حرب الريف).
كما أثار الكاتب السوفياتي بونداريفسكي موضوع الدولة أريفية, بقوله:" في عدد من المعارك الكبيرة, سحقت فصائل أهل الريف الجيش الاسباني. في سبتمبر 1921, أعلن المنتصرون عن تأسيس جمهورية الريف, و نودي بالقائد العسكري و الفقيه البارز عبد الكريم أميرا عليها. إن تأسيس دولة الريف المستقلة, و الإنتصارات الكبيرة التي أحرزتها قواتها في سنتي 1922و 1923 بقيادة عبد الكريم على الجيش الإسباني, قد كان لها تأثير كبير في عموم العالم الإسلامي". (الغرب ضد العالم الإسلامي).
يقول الكاتب يورغ تيدين, في دراسة بعنوان(عبد الكريم, معركة أنوال وحرب الريف, في ذكرى حرب منسية):" وأخيرا, في عام 1923, أعلن عبد الكريم جمهورية الريف. لقد وضع دستورا وأنشأ برلمانا مكونا من ممثلين عن جميع القبائل, وأنشأ إدارة مدنية موحدة وفقها قائما على الشريعة كان تقدميا مقارنة بالقانون العرفي, وكسر سلطة القواد والمرابطين, بدأ في بناء الطرق والجسور والاتصالات الهاتفية. حاولت جمهورية الريف يائسة الحصول على الاعتراف الدولي. وطالبت بحق تقرير المصير. لكن وفود عبد الكريم تم رفضهم في كل مكان, سواء من قبل وزارتي الخارجية في باريس ولندن, أو من قبل محكمة لاهاي. بالكاد ظهرت كلمة حقيقية عن الريف في الصحافة الأوروبية".
في نفس الصدد و تأكيدا على قيام جمهورية أريف, و لضرورة التحقيق من مادية دولة أريف, نورد ما عبر عنه مورير جيرار في كتابه (بلاد الريف و ما قبل الريف), باب: الخلفية ما قبل التاريخ وحرب الريف وجمهورية الريف. يقول مورير جيرار : " في يونيو 1922 أبلغ عبد الكريم أهالي الريف أنه يخطط لإقامة جمهورية مستقلة بحكومتها وجيشها. وفي يومي 18 و22 يناير و1 فبراير 1923, أعلن أهم الزعماء في الريف ولاءهم لعبد الكريم في إعلانات سياسية, فعينوه قائدا عليهم دينيا وسياسيا. وكان يوم الأول من فبراير 1923 هو أيضا تاريخ إعلان جمهورية الريف. ويجب أن ننظر إلى تأسيس دولة الريف في سياق التطورات المماثلة في بلدان إسلامية أخرى. أطلق عبد الكريم وأخوه سي محمد على دولتهم إسم " الجمهورية الريفية".
من عمل جماعي سوفياتي, نورد مقتطف حول إعلان دولة أريف :"... تم تعزيز النصر العسكري للقبائل البربرية المجزأة سابقا من خلال عمل سياسي ذو أهمية كبيرة. في نهاية عام 1921, عقدت قبائل أريف, مجلس الشعب وأعلنوا الجمهورية. وكان على رأسها عبد الكريم الخطابي" (الكفاح المسلح لشعوب أفريقيا من أجل الحرية والاستقلال), إصدار جماعي, دار النشر "العلوم" موسكو 1974.
الكتابات الموضوعية من دون خلفيات, كيفما كان نوعها, تأكد حقيقة تأسيس جمهورية أريف, دولة مستقلة حداثية, بمؤسساتها الدستورية و قوانين ومعايير و قواعد لتسيير شؤونها, لها جيشها النظامي و مؤسساتها الإدارية و علمها, و طبعت عملتها (المستقبلية), ونص دستورها على كون أجدير هي العاصمة السياسية لجمهورية أريف. وكان إسم الرئيس عبد الكريم يذكر في خطبة الجمعة و الدعاء له, رغم أنه لم يأمر بذلك.
حتى ألد أعداء محمد عبد الكريم الخطابي, لم ينفي قيام جمهورية أريف. الضابط الفرنسي جورج سبيلمان في كتاب " المغرب من الحماية الى الإستقلال (1912-1956)" ترجمة محمد المؤيد. قد أشار هذا الضابط الى تأسيس جمهورية أريف بقوله:"وفي 1922 أسس جمهورية أريف محتفظا لنفسه بالرئاسة وما فتئ أن رجع الى التقليد فنصب نفسه أميرا للمسلمين".
تعرف الدولة بالمفهوم القانوني بثلاث عناصر: الشعب والأرض و المؤسسات السلطوية. و هذه العناصر الثلاثة متوفرة في جمهورية أريف. الأرض و الشعب و هيئة حكومية تمارس سلطتها و سيادتها. كان لدولة أريف حكومتها برئاسة محمد عبد الكريم الخطابي, حكم على أعضاء الحكومة أريفية بالنفي بعد حرب الآبادة الجماعية. و الحكومة برهان عن وجود دولة قائمة تسير شؤونها هيئة سياسية سلطوية.
في سياق الأرشيف, يقول الشاب :" أن نفس الوثائق الأرشيفية الفرنسية تشير إلى أن محمد بن عبد الكريم الخطائي كان على تواصل مع السلطات المركزية المغربية, وكان هدفه دحر الزحف الإسباني وتخفيف حدة الاستعمار وليس تأسيس جمهورية مستقلة".
الوثائق الفرنسية ليس لها مصداقية إذا كانت صادرة عن الإستعمار الغير المعترف بدولة أريف. و رغم ذلك لم يتحفنا الشاب بوثيقة واحدة حول فانتازيا ولاء الشهيد محمد الخطابي للسلطة آل علوي.
لتفنيد أكذوبة ولاء عبد الكريم الخطابي للقصر آل علوي, يكفي سرد كلمة خادم الإستعمار الفرنسي يوسف آل علوي, سنة 1926. بزيارته لباريس بمناسبة الإحتفال بالقضاء على دولة أريف و في رفقته ملك إسبانيا, حيث ألقى الخائن يوسف آل علوي كلمة شكر لدولة الحماية جاء فيها:"قدمنا الى هاته الديار عقب الإنتصار الباهر الذي أحرزه الجنود الفرنساوية و المغاربة, الذين يرجع إليهم الفضل في قطع جرثومة العصيان من ولايتنا ، وتدعيم النظام و السلام, وإننا لنجد نوعا من الإرتياح في الإعراب لفخامتكم عن التأثر الذي خامر نفسنا لحظة شاهدنا مرور الأليات المتآخية التي تنثل أولئك الشجعان الأشداء الذين أظهروا في ميادين ايالتنا آيات ومعجزات من البطولة و الصبر و الثبات, فلشخصكم يا فخامة الرئيس نرجوا خير الرجاء وكامل السعادة , ونرفع كأسنا لنشربها نخب عظمة فرنسا و رفاهيتها ... ". جيش يوسف الخائن شارك فعليا في الحرب اللاعادلة, حرب آبادة شعب أريف, ( حسب الباحث سبستيان بيلفور, لقد جند يوسف الخائن الآلاف من جنود المخزن ووضعهم تحت إشراف القيادة العسكرية الفرنسية من أجل الزج بهم في الحرب أريف).
في إحدى الحوارات التي أجريت مع عبد الكريم الخطابي, في موضوع يوسف آل علوي, صرح الخطابي قائلا: " وجود سلطان في المغرب من عدمه أمر لا يهمني, الشيْ الوحيد الذي يهمني هو الاستقلال التام للشعب أريفي".
لم يكن يوسف آل علوي يصف عبد الكريم إلا بالمتمرد و الزنديق. في إحدى رسائله الى أحد قواده جاء فيها:"ما حدث من فتنة ببعض القبائل الجبلية اللاحقة بالثائر, الذي جاء من الجبهة الريفية ليوقظ نار الثورة والفساد".
الولاء و التواصل مع السلطة آل علوي, فنده عبد الكريم, كما فنده يوسف آل علوي نفسه بأقوال الحقد و الكراهية و العداوة إزاء رئيس جمهورية أريف. أكذوبة الولاء لا توجد إلا في تخيلات أبناء المدرسة الكولونيالية.
#كوسلا_ابشن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
