|
بين الرياح والحنين: رحلة عبر مدينة لا تُنسى قراءة نقدية تحليلية لقصيدة : مدينة الرياح – للشاعرة : سينسيا روتا – ايطاليا . بقلم : كريم عبدالله – العراق .
كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 13:17
المحور:
الادب والفن
بين الرياح والحنين: رحلة عبر مدينة لا تُنسى قراءة نقدية تحليلية لقصيدة : مدينة الرياح – للشاعرة : سينسيا روتا – ايطاليا . بقلم : كريم عبدالله – العراق . المقدمة: قصيدة /مدينة الرياح/ للشاعرة الإيطالية سينسيا روتا تنتمي إلى الفضاء الشعري الذي يلتقط حالة مَشْحونة بالعاطفة والتوق، لكنها في ذات الوقت تحتفظ بكثير من الغموض والتعقيد. تتداخل فيها صورٌ حسّية مع عوالم نفسية تعكس تقاطعات الذاكرة والمكان، ما يجعل القصيدة شديدة الرقة والعمق. في هذه القصيدة، لا يُفترض بالمكان أن يكون مجرد خلفية للأحداث، بل يتحوّل إلى شخصية قادرة على التأثير في الوعي الشعري وتوجيهه نحو آفاق من الحنين والذكريات، بل وأحيانًا الألم. المدينة بين التجسيد والتعالي: في مطلع القصيدة، تخلق الشاعرة علاقة استعارة مكثفة بين الذات الحبيبة والمدينة. في هذا السياق، تُقدّم المدينة ككائن حي، حيث تقول: أنتِ مثل هذه المدينة التي تأخذ أنفاسك بمجرد رؤيتها. هنا، نجد أن المدينة تصبح حالة شعورية تعبر عن اضطراب داخلي، فهي ليست مجرد معمار أو فضاء جغرافي، بل هي تجسيد للمشاعر التي تهب حياة للأماكن، بل وتستحوذ على كل الحواس. على مستوى السطح، هذا التصوير يعكس الجمال الذي يمكن أن يبعث الحياة في الذهن، ولكنه يتعدى ذلك ليجسد علاقة الشخص بالمدينة بوصفها تجسيدًا لتلك اللحظات المفاجئة التي تدهش الذات وتدهشها، وكأنها تسلبها أنفاسها. لكن المدينة ليست مجرد مكان للمشاعر، بل هي أيضًا وعي مستمر، تجسد عبره الرياح وهي عنصر يتحكم في حركة الشاعر ومسيرته. تأتي الرياح هنا كرمزية للمجهول، الخارج عن إرادة الشاعرة، الذي يُساقُ نحو المجهول بفعل هذه الرياح التي تدفعه وتحمله بعيدًا. تعكس الرياح في القصيدة معنى التحول المستمر، حيث لا تقف الحياة عند لحظة أو مكان معين، بل تظل تتجدد في حركة دائمة. القصيدة تُقدّم لنا مدينة لا تسكن، كما لو كانت تُحيي كل لحظة بتجددها المتواصل. البحر: بين الاستقرار والتمرد: الانتقال من المدينة إلى البحر في القصيدة ليس اعتباطيًا، بل يعكس تطورًا في تصوّر الشاعرة للحالة النفسية التي تمرّ بها. البحر، بما هو عنصر طبيعي مهيب، يتجسد هنا كرمز للمشاعر الجياشة والهادئة في ذات الوقت. تقول الشاعرة: أنتِ هذا البحر / دَفْءٌ على جوانب الأرض. هنا، تضاف إلى البحر صورة أخرى تتعلق بالاحتضان والراحة، كما لو أن المدينة والبحر يعكسان نوعًا من التناغم الذي يجمع بين القسوة والحنان. لكن، في المقابل، يتخذ البحر في أماكن أخرى من القصيدة بعدًا مغايرًا، وهو ما يبدو في تصويره كعنصر يثير القشعريرة ويُثير الجسد: رؤية فاتنة عند الغروب، قشعريرة / عندما يذوب الجسد، وخزة مرحة. هنا، البحر يزداد قوةً وحضورًا، ولكنه في ذات الوقت يثير في الشاعرة حالة من التوتر الداخلي، مما يعكس علاقة أكثر إرباكًا مع المشاعر الإنسانية المتقلبة. البحر هو المكان الذي تتنفس فيه الشاعرة بحرية، لكنه في ذات الوقت هو المكان الذي يفتح الجرح ويشعر بالنزيف العاطفي. الرحيل والحنين: إن فكرة الرحيل تشغل جزءًا كبيرًا من القصيدة، وهي لا تتعلق فقط بمغادرة المكان، بل هي تمثل هجرًا عاطفيًا وغيابًا إنسانيًا. تُصور الشاعرة السفن المغادرة في صورة رمزية قوية، وتقول: أنتِ السفن المغادرة / عندما تفصلين الأسوار. هذا الرحيل ليس مجرد حركة جسدية، بل هو إعلان عن المسافة العاطفية، وكأن المكان والإنسان يرتبطان ارتباطًا لا يُنفصل، وأن المغادرة هي نوع من الانقطاع بين الجسد والذاكرة. الحنين في القصيدة يُصوَّر كنوع من التعذيب المستمر الذي يُجسّد شعاع الشمس الملون والمُلعون في الوقت ذاته: أنتِ الحنين / شعاع من الشمس، ملعون، / الذي يجرح الروح أولًا. يطوّق الحنين الشاعرة كظل لا ينفك يلاحقها. والمفارقة هنا تكمن في أن هذا الحنين ليس تعبيرًا عن اشتياق سهل ومحبب، بل هو ألم مُستمر، تتفتح أمامه الجروح، لكنه في الوقت نفسه يشعّ نورًا غامضًا، كما في ثم يظهر مجددًا في الشوارع الخالية. الشوارع هنا، التي تبدو مهجورة، تتحوّل إلى فضاء موحش يحضر فيه الحنين كمُتربّص لا يرحم. إنها شوارع مليئة بالغياب، الشوارع التي لا تعود إلى سابق عهدها بعد أن تخلفها الذكريات. العزلة والصمت: في الجزء الأخير من القصيدة، تتجسد العزلة بشكلٍ حاسم، حيث تسير الشاعرة وحيدًة بين /المباني الصامتة/، في رحلة داخلية في ظل صمتٍ غارق في التأمل: وحيدة، أسير بين المباني الصامتة / ألوان خفية تضيء. العزلة في هذه اللحظة تتخذ بعدًا وجوديًا، فالشاعرة لا تعاني فقط من الافتراق عن المدينة أو الحبيبة، بل تعاني من الفقد المستمر لذاتها وسط هذا الصمت. هذا الصمت الذي يتجسد في المباني الصامتة، تُشعر الشاعرة وكأن العالم الخارجي قد سكنه الفراغ، ليبقى /ألوان خفية/ هي الرفيق الوحيد، تلك الألوان التي لا تراها إلا من هو في حالة وعي داخلي شديد. الختام: أنّ قصيدة /مدينة الرياح/، تقدم لنا سينسيا روتا مكانًا ليس مجرد فضاء مادي، بل هو مادة حية، مليئة بالذكريات، بالصراع، وبالحنين. المدينة، في هذه القصيدة، ليست محض جغرافيا، بل هي كائن يتنفس ويؤلم ويحمل في طياته لحظات الغياب والانقطاع. والمفارقة التي تكمن في هذه القصيدة هي أن الشاعر لا يبحث عن الحلول، بل يكتفي بالتعبير عن الفوضى الداخلية التي تسكنه. في النهاية، لا تكون المدينة فقط خلفيةً للمشاعر، بل هي تشبع كل أفق داخلي، وتصبح مرآةً للروح المتحولة، تمامًا كما الرياح التي تحملنا بلا عودة. القصيدة : مدينة الرياح
أنتِ مثل هذه المدينة التي تأخذ أنفاسك بمجرد رؤيتها ساحرة على وقع الرياح التي تدفعني وتحملني بعيدًا... ذلك الوَلْسِ السحري الذي يحول... أنتِ هذا البحر دَفْءٌ على جوانب الأرض رؤية فاتنة عند الغروب، قشعريرة عندما يذوب الجسد، وخزة مرحة تسقط البخار في السماء... أنتِ السفن المغادرة عندما تفصلين الأسوار كلما رأيتكِ تغادرين... أنتِ الحنين شعاع من الشمس، ملعون، الذي يجرح الروح أولًا ثم يظهر مجددًا في الشوارع الخالية. وحيدة، أسير بين المباني الصامتة ألوان خفية تضيء تدفئ حتى الحدّ بينما اليوم يتغلب على الحزن. الرائحة نفسها، الطعم المكثف. النظرة نفسها التي لا تُدرك...
سينسيا روتا
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة تحليلية أسلوبية في قصيدة : قسوة الحياة – بقلم : الشاعر
...
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /ديسمبر العجوز/ لأحلام ا
...
-
النفق الأبدي: بين الوجود والولادة الجديدة قراءة نقدية تحليلي
...
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /دفءُ ديسمبر يتحدّى¤
...
-
بين سماء الأم وثلج الهوية: تناثر الذكريات في فصول البياض قرا
...
-
قراءة نقدية أسلوبية في القصة القصيرة:سوء فهم – للكاتب : علي
...
-
قراءة نقدية اسلوبية في قصيدة : هذه هي مشاعري – للشاعرة الايط
...
-
بين الوجد والغياب: مناجاة الروح في مرآة الأنا قراءة صوفية في
...
-
سيدة الضوء في عالم الذرّ
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /دفءُ ديسمبر/ لعلاء الدل
...
-
قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (تحت زبد الخيال) – للشاعر : أحم
...
-
سيدة الفوضى المكبوتة
-
قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة (عطر الروح في رحلة الحب) – للشا
...
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /حلمٌ في الليالي الحرُم
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /لأنك متعب/ لقصي حزام عي
...
-
جوائز تجديد
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /معطف ديسمبر/ لسمر الديك
...
-
قراءة نقدية أسلوبية في قصيدة /بهجة الروح/ لسونيا عبداللطيف –
...
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة /ديسمبر المضيء/ لفراس ال
...
-
قراءة نقدية أسلوبية مختصرة في قصيدة (قَمْحُ شَّيْبَتِي) لشاع
...
المزيد.....
-
أفراد يحتجون.. إطلالة على علم النفس الاجتماعي للاحتجاج
-
الشرطة تناشد الشهود لتزويدها بأفلام وصور إطلاق النار في المد
...
-
المشهور الغامض.. وفاة الفنان المصري صالح العويل
-
جسد شخصيته في فيلم -الشبكة الاجتماعية-.. جيسي أيزنبرغ لا يري
...
-
مع ختام معرض الكتاب.. متى يعلن وزير الثقافة واتحاد الناشرين
...
-
لوحات 18 فنانا مصريا تشارك في معرض لوحة في كل بيت بأتيليه جد
...
-
وفاة الفنان المصري الكبير صالح العويل
-
إيرادات فيلم الدشاش في السعودية 2025 في الأسبوع الأول بعد ال
...
-
المنافسة تشتعل.. أوفر 10 أفلام حظا للفوز بجوائز الأوسكار 202
...
-
الموصل تنهض من رماد: السوداني واليونسكو يشهدان إحياء روح الم
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|