دونالد ترامب

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 11:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

أول مرة شاهدت فيها دونالد ترامب وهو يتحدث كان فى ثمانينيات القرن المنصرم. رأيته يتحدث فى برنامج شهير تقدمه أوبرا وينفرى . كان شابا فى الأربعينات من عمره لكنه لم يكن عدونيا أو صداميا. لقد وجهت له أوبرا وينفرى سؤالا: هل تنتوى الترشح فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟ الغريب أنه نفى تماما أية نية للترشح مؤكدا أنه لا يرغب فى السياسة بل يرغب فى التفرغ لأعماله الخاصة. ومن المعروف أن ترامب ملياردير كون ثروته من العمل فى مجال العقارات، وهو المجال الذى ورثه عن والده الذى كان يصطحبه إلى موقع العمل حيث دأب على جمع قطع الخشب ومخلفات البناء بعد انصراف عمال البناء. إذن ترامب لم يكن سياسيا ولم يتقلد أى منصب سياسى كما كان الحال بالنسبة للرؤساء السابقين من أمثال بايدن واوباما وكلينتون وجورج بوش وريجان، وهؤلاء كانوا أعضاء فى الكونجرس أو حكام ولايات. فماذا الذى دفع دونالد ترامب إلى معترك السياسة ليتولى أخطر منصب فى العالم؟

فى الفترة الأولى لتولى أوباما الرئاسة الأمريكية دعى ترامب إلى الحفل السنوى (عشاء المراسلين) الذى أقامه البيت الأبيض فى عام ٢٠١١م، وهو حفل تلقى فيه خطابات تتخلها نكات وأقوال ساخرة تهدف إلى اثارة الضحك. وفى هذا الحفل سخر أوباما من ترامب وجعل منه أضحوكة وسط ضيوف الحفل وخاصة حول الشائعة التى أطلقها ترامب تجاه أوباما على اعتبار أنه لم يولد فى الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالى فإن انتخابه رئيسا يعد مخالفة صريحة للدستور الأمريكى (المادة الثانية). وفى هذه الليلة أتخذ ترامب قرارا بالترشح فى انتخابات الرئاسة. وبالفعل تقدم للترشح واستطاع أن ينجح فى الانتخابات فى عام ٢٠١٧م لكنه فشل فى إعادة انتخابه لفترة ثانية فى عام ٢٠٢٠م حيث فاز بايدن فى الانتخابات. لم يشعر ترامب باليأس كما فعل سابقيه من الرؤساء الذين اكتفوا بفترة واحدة (كارتر أو جورج بوش الأب) بل استطاع أن يحقق فوزا تاريخيا فى انتخابات ٢٠٢٤م.

من الملاحظ أن لفظة trump فى قاموس كمبريدج تشير إلى عدة معان: ورقة رابحة عند اللعب أو شخص موثوق ومعناها أيضا فساء (بضم الفاء). أما الفعل (trump up) فمعناه يفبرك أو يختلق. ولا أدرى هل يمكن أن يكتسب المرء الصفات التى يشير إليها اسمه. يقول الدكتور فيصل الجبلى فى مقال له فى صحيفة "أعماق النفس" إن دراسات علم النفس الاجتماعى تشير إلى أن
"الأسماء هي أول انطباع نأخذه عن شخص ما، ويعتبر علماء النفس أن الأسماء تؤثر على توقعاتنا وسلوكياتنا تجاه الآخرين. يُعرف هذا التأثير بـ تأثير الاسم (Name Effect) الذي يظهر في طريقة تفاعل المجتمع مع الأفراد بناءً على أسمائهم". لقد اصبت بدهشة بالغة وأنا أشاهد المؤتمر الصحفى لترامب ونتنياهو يوم الاثنين ٤ فبراير الحالى حيث أعلن ترامب عن قراره بضم غزة إلى الممتلكات الأمريكية، كما أعلن عن سعيه إلى تحويلها إلى منتجع سياحى فاخر شأنها فى ذلك شأن الريفييرا الفرنسية. الغريب أنه لم يستطع الرد على مراسلة السى أن أن عندما طرحت عليه سؤالا بديهيا: وأين يذهب سكان غزة؟ وفى الحقيقة كنت متوجسا من لقاء ترامب ونتنباهو؛ لأن نتنياهو سياسى محنك وله خبرة أكثر من أربعين عاما حيث كان يشغل المندوب الدائم للكيان فى الأمم المتحدة فى عام ١٩٨٤م. وهذا الرجل استطاع أن يتعرف على مفاتيح شخصية ترامب، ومنها أنه لا يستطيع مقاومة كلمات المديح والتفخيم، ويهوى ألفاظ التفضيل superlative . وقد ظهر هذا جليا فى المؤتمر الصحفى حين أشار إليه نتنياهو بأنه--فى نظر الإسرائيليين --أعظم رئيس أمريكى جاء إلى البيت الأبيض، قالها نتنياهو وهو يضع ابتسامة متكلفة على وجهه. واذا كان نتنياهو قد نطق بعبارات التفخيم على مرأى ومسمع من جميع الحاضرين، فماذا قال فى الغرف المغلقة؟

وفى ظنى فإن ما قاله ترامب فى هذا المؤتمر الصحفى لا يختلف كثيرا عن تصريحاته السابقة تجاه دول أخرى. لقد أعلن ترامب من قبل أنه يرغب فى ضم غرينلاند، وهى جزيرة تابعة للملكة الدنماركية وتقع بين القطب الشمالى والمحيط الأطلسى. كما أعلن عن رغبته فى ضم كندا لتصبح الولاية رقم ٥١ على أن يصبح جاستن ترودو (رئيس وزراء كندا) حاكما على هذه الولاية. ولم يتردد فى الإعلان عن "استعادة" قناة بنما --التى تعتبر حلقة الوصل بين المحيط الأطلسى والمحيط الهادى--إلى الحظيرة الأمريكية. المثير للدهشة أنه لن يستطيع تحقيق مثل هذه الأهداف والطموحات والأحلام التى تخالف كل القوانين والأعراف الدولية. والسؤال: هل يمكن ضم تصريح ترامب حول غزة إلى قائمة تصريحاته التى تعتبر فقاعات أو غازات هوائية خرجت من الجسد على حين غفلة من العقل.

#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات