|
دولة سيناء ومدى الواقعية في الرفضين المصري والاردني
هاني الروسان
(Hani Alroussen)
الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 08:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لا شك فيه ان الموقفين الاردني والمصري الرافضان لمقترح ترامب بتهجير مواطني قطاع غزة لبلديهما، هما موقفان وازنان ولهما ثأتيرهما في معادلة محاولات تجاوز الحقوق الوطنية الفلسطينية، غير انهما ليسا كافيين لاغلاق ملف التهجير واجبار الولايات المتحدة ومن خلفها اسرائيل للاستجابة لاستحقاقات اقامة السلام العادل، اذ لا يمكن طي هذا الملف وايداعه رفوف النسيان الا بتحقيق هذا السلام، بفتح ملف حل الدولتين بمضمون يخلو من اي التباس ويكون استجابة حرفية لمنطوق القانون الدولي الذي يحدد ماهية الدولة المستقلة ذات السيادة وبعيدا عن اي مساحة للتأويل مهما تضاءل حجمها. كذلك فان موقف البلدين غير كاف لان فعالية الرفض والمقاومة فيهما محدودة جدا، باستثناء التهديد الجاد بانهاء العمل باتفاقيتي السلام بينهما كل على حدى وبين اسرائيل وهو قرار يصعب الاعتقاد بقدرة او استعداد اي من البلدين على الاقدام عليه على الاقل في المدى المنظور، وان اجبار واشنطن لدفع اسرائيل للقبول بحل الدولتين يتطلب موقفا حازما وواضحا من دول قيادة النظام الاقليمي العربي، اذ بدون موقف حاسم لدول الخليج العربي بالمطالبة بتطبيق حل الدولتين، اي حل اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة وعلى كامل الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، فانه سيكون من العبث والركض وراء السراب الاعتقاده بامكانية طي ملف التهجير وتهويد الارض الفلسطينية ومنع تمكين اسرائيل من التقدم خطوة اضافية نحو مشروعها التاريخي باقامة اسرائيل الكبرى وتقسيم المنطقة مجددا في السياق الذي يخدم هذا المشروع. فمن نافل القول او التأكيد على انه يستحيل المراهنة على امكانيات المصريين والاردنيين لوحدها، فضلا عن طبيعة علاقة النظامين المصري والاردني بالولايات المتحدة على استمرار صمود البلدين في مواجهة الضغط الامريكي لاستقبال سكان غزة ومخيمات الضفة الغربية التي يجري تدميرها الان بنفس منهجية تدمير قطاع غزة، وان رضوخهما هو مسألة وقت وانضاج لسياقاتها الاقل اضرار بالهيبة والمكانة، وربما الانقلاب بصورتها من الرضوخ والاذعان الى الحمية والشهامة والانسانية التي تقتضي نجدة الملهوف، وفي هذا الاطار فان الحديث يخلو من اي دلالة عن التواطؤ او المؤامرة او غيرها من التوصيفات التي يمكن لها ان تحيل الى غير الضعف والعجز وعدم التحسب لجدية المخاطر التي يحملها مشروع زراعة اسرائيل في قلب المنطقة، وانتهاك القيم الاساسية لمفهوم الامن القومي العربي والاطاحة بها واعلاء قيم الامن الوطني لدول النظام على حسابها، والمراهنة على صداقة واشنطن التي تفتقر لادنى شروط ومستلزمات مفهوم الصداقة الذي يقوم على التوازن في القوة واتساع نطاق ومساحات المصالح المشتركة. وهنا لابد من تفصيل صغير نعتقد انه سيشكل فارقا طفيفا بين الرفضين الاردني والمصري، وايضا لاعتبارات اسرائيلية بعيدة المدى اكثر منها اعتبارات اردنية، اذ ان جغرافية الاردن ومتاخمته لحدود فلسطين على امتداد نحو 335 كيلو مترا، وصعوبة خلق زمن كاف للانذار المبكر خاصة على طول نحو 100 كيلو متر من الحدود الاردنية مع الضفة الغربية الذي من شأنه حماية اسرائيل في ظل وجود نظام سياسي معاد في الاردن وغير ذلك من الاعتبارات الجيوسياسية قد يدفع الولايات المتحدة واسرائيل للامتناع عن القيام باي خطوات اضافية قد تؤدي الى اخلال في التوازن الديمغرافي الهش في الاردن الذي من شأنه ان ينقلب بوضعه السياسي، ليس من الضروري ان يكون كما يعتقد البعض لاسباب انتمائية جغرافية بل لاسباب انتماء سياسي، اذ يدرك الشعب الاردني بسواده الاعظم مخاطر المشروع الصهيوني واطماعه بالاراضي الاردنية، الذي سيجد نفسه منخرطا بقوة اكبر في موقف موحد الى جانب الفلسطيني الذي لن ينسى ان له وطن قد سرق منه تحت مظلة العجز العربي. هذا التفصيل الذي يمكن التفصيل به اكثر هو ما قد يعطي للموقف الاردني بعض من واقعية الرفض، لان اسرائيل تدرك جيدا مدى المخاطر الاستراتيجية لوجود نظام سياسي معاد لها في الاردن، خاصة وانها لم تجد بعد علاجا ناجعا للصداع اللبناني الخليط من بعدي العقيدة والنفوذ، وهو اعتبار قد يحول دون المجازفة والاسرع باغراق الاردن بمزيد من السكان الذين تفوق احتياجات حياتهم امكانيات جغرافيا الدولة مهما كان مستوى المساعدات التي يمكن ان توعد بها الاردن، وبالتالي اثقال كاهل الحكم هناك بمزيد من الازمات الاجتماعية الى جانب الضغط السياسي التي قد تهدد بتغيير طبيعته الاميل راهنا للقبول بالحلول الوسطى، ولذا فان ثقل الضغط الحقيقي سيتجه نحو مصر للقبول بفتح صحراء سيناء لتكون المدى الاستراتيجي للدولة الفلسطينية، وهنا ايضا يمكن التفصيل اكثر ليس لان مشروع سيناء مشروع سبق حرب عام 1967 ورافق امتناع اسرائيل على الالتزام بقرار التقسيم والتوسع بحصتها على حساب الدولة الفلسطينية التي كان من المزمع اقامتها الى جانب دولة اسرائيل، بل لاعتبارات امنية وجيوسياسية توفر لكل من مصر واسرائيل امكانيات كبيرة للانذار المبكر على عكس الوضع مع جغرافية الاردن. صحيح انه قد مر زمن طويل على مشروع يغال آلون غير الرسمي، ورؤية اريه شليف عن الاهمية الامنية والاستراتيجية للضفة الغربية على امن اسرائيل، غير انهما وغيرهما من الدراسات والاراء الاخرى المشابهة لهما لا زالت تشكل الاساس المادي او الفلسفي للرؤية الاسرائيلية في ادارة فصول الصراع وليس حله، لانه لا يوجد من الناحية الواقعية في الفكر السياسي الاسرائيلي-الصهيوني ما يؤكد على الرغبة الاسرائيلية او الاستعداد للعيش المشترك مع الاخرين وان كل ما تقوم به من مناورات سياسية يدخل في اطار ادارة الصراع حتى يبلغ اهدافه القصوى، وفي هذا السياق يدخل التهديد بما يسمى بالوطن البديل الذي كان اول ما اشار الي بصورة رسمية ارئيل شارون عقب الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، لاثارة مخاوف النظام بالاردن وابتزازه وربما تحريضه على الوجود الفلسطيني بالاردن ونقل المعركة الى ساحة اخرى، توفر لاسرائيل الوقت والغطاء الكافيين لاستكمال مشاريعها في ضم الضفة الغربية نهائيا. واليوم وبعد حرب الابادة الجماعية التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة، وفشل نظرية الغيتو التي شكلت اساس فلسفة شارون للانسحاب من هناك ، فانه لا يمكن العودة الى نفس التجربة حتى ولو كانت خلف نهر الاردن، وان التهديد بها لن يتجاوز حدود المناورة والابتزاز، لان جغرافية الاردن لا تسمح باعادة تجربة قطاع غزة او جنوب لبنان، فضلا عن ان لا فرق كبير في حجم الخطر الذي يتهدد الدولة الاسرائيلية بين ما تشكله جغرافية الضفيتن الغربية او الشرقية في حال اندلاع حرب او مواجهة ذات معنى على الدولة الاسرائيلية، مما يرجح في ظل استحالة تنفيذ ابادة جماعية لاكثر من ثمانية ملايين فلسطيني وللتعامل مع احتمالات الواقع الاقل خطرا، ان يكون البديل هو اقامة الدولة الفلسطينية على جزء صغير من جنوب قطاع غزة على ان يكون جزؤها الاكبر في صحراء سيناء، الذي يتم الاعداد له الان في الكواليس وان المفاوضات الامريكية مع اليمين الاسرائيلي والزيارة المتوقع ان يقوم بها لاحقا لواشنطن نتنياهو لامكانية بلورة تصريحات ترامب وتحويلها الى مشروع عمل، تدخل في هذا السياق كما اشار لذلك موقع اكسيوس الامريكي ، وان السماح لسكان الشمال بالعودة الى اماكن سكناهم بدون توفير ادنى مقومات للحياة ومنع اعادة التعمير هو مدعاة للتأكد من ان النية المبيتة من قبل الولايات المتحدة واسرلئيل تتجه لمحاولة خلق الاسباب الموضوعية والضرورية عند الفلسطيني للهجرة الطوعية كخيار قد يكون وحيدا قبل اختيار قرار الموت جوعا وعطشا في العراء. والحقيقة التي لا يجب اغفالها او المجاملة في الكشف عنها او الخوف والتردد في اعلانها صراحة ان اصرار اسرائيل على محاصرة السلطة الوطنية الفلسطينية وافراغها من محتوى الاهداف الاساسية التي قامت لاجلها وتحويلها الى سلطة اشبه بسلطة الادارة المدنية لتحمل اعباء ومهام سلطة الاحتلال الامنية والخدماتية، والتوسع بسياسات مصادرة الاراضي الفلسطينية واستيطانها والتدمير الممنهج الان للمخيمات الفلسطينية باعتبارها مصدر قلق امني، بتواطؤ امريكي كامل لخلق واقع شديد التعقيد يجعل من اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية والقدس، ان لم يكن امرا مستحيلا فانه سيكون طويلا عبر زمن يمتد لعشرات السنين، هذا الى جانب ما ادت اليه حرب التدمير الشامل لنحو 80% من مساحة قطاع غزة، فانه لم يعد امامنا الا احد احتمالين وهما: اما يقول العرب وخاصة عرب الخليج الذين يمتلكون اوراقا هائلة وكبيرة وخطيرة كلمتهم النهائية للضغط على واشنطن لاجبارها على تنفيذ حل الدولتين وفقا لمفهومه التقليدي في قواعد القانون الدولي وفقهه واعرافه التي استند اليها تاريخيا، او ان يستمر صمتهم هذا وترك الحرية كاملة للولايات المتحدة في هندسة اقامة شبه دولة فلسطينية في صحراء سيناء لن تكون على المدى البعيد مصدرا لامن الاقليم واستقراره، فالفلسطيني وحده وان كان قادرا على صناعة الصبر والصمود الاسطوريين، فانه لن يكون قادرا على صناعة الانتصار لانه يواجه عالما كاملا وان عمقه العربي فقط سيشكل النقطة الفارقة في هذه الحرب الشاملة. هاني الروسان/ استاذ الاعلام بجامعة منوبة
#هاني_الروسان (هاشتاغ)
Hani_Alroussen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيفهمون الدرس ؟؟؟.
-
هل بدأ العد العكسي لاقامة الدولة الفلسطينية في سيناء؟؟
-
اي رجل سلام سيكون ترمب؟ وهل سيجعل من غزة نواة الحل؟
-
هل سيكون الشرق الاوسط الجديد تركيا ام اسرائيليا ام للسعودية
...
-
هل سيكون الاسلام التركي بديلا امريكيا عن الاسلام الشيعي؟
-
سقط الاسد عندما اسقط شرط الاستمرار في مواجهة اسرائيل
-
هل اقتربت امريكا من اتخاذ قرار الهجوم على ايران ؟
-
ما يحدث في سوريا قد يكون خطيرا وجدير بالمتابعة
-
هل سيكون الاستثمار التركي في لجظة سوريا الراهنة مجديا ؟؟.
-
بعد التردد في المواجهة: سيكون سقوط النظام السوري خطوة ما قبل
...
-
لحماية حزب الله فاننا نختلف مع نعيم قاسم
-
احتمالات انتهاء الحرب وولادة اسرائيل الثالثة
-
لماذا تعمد الشيخ نعيم قاسم عدم الربط الصريح بين لبنان وفلسطي
...
-
لن يكون ترمب فلسطينيا او عربيا او ايرانيا.
-
ترامب-الجديد-: استراتيجية بيع القوة وتغيراسس التحالفات الدول
...
-
التسريبات الامنية: بناء اسرائيل الجديدة والسيطرة على الاقليم
...
-
السياقات الترجيحية لرد اسرائيلي حاسم
-
المواجهة الايرانية مع اسرلئيل والولايات المتحدة بين خطابين
-
اسرائيل في الاستراتيجية الامريكية: من قيادة تحالف امني اقليم
...
-
هل ما زالت امام ايران فرصة ؟؟؟
المزيد.....
-
بمن فيهم مجرمون.. السلفادور تستقبل مهجرين وسجناء أمريكيين في
...
-
المدعية العامة في نيويورك تتحدى ترامب
-
أ ب: الصين تعلن فرض رسوم إضافية على العديد من المنتجات الأمر
...
-
نتنياهو يمدد زيارته إلى واشنطن
-
لابيد: وقف إطلاق النار لن يسقط حكومة نتنياهو
-
هزة أرضية بقوة 6.2 درجة في إندونيسيا
-
القناة -12- الإسرائيلية: 6 إصابات بعملية إطلاق للنار قرب حاج
...
-
فضيحة تهز فرنسا.. اتهام طبيب بالاعتداء الجنسي على 299 طفلا ت
...
-
ترامب عن دور ماسك في الإدارة: موظف خاص بصلاحيات محدودة
-
السودان.. القوة المشتركة تتصدى لهجوم عنيف من -الدعم السريع-
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|