أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوتان زيباري - بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير














المزيد.....


بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 04:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في محاريب الفكر، حيث تتصارع الحقائق في ميدان الإدراك، يسطع مفهوم بناء الذات الثورية كنجم يرشد السائرين في دياجير التاريخ. ليس هو تهيئة الجسد فحسب، ولا مجرد الفهم العابر لمبادئ التمرد، بل هو ارتقاء الذات إلى أوجها، حيث تستعيد جوهرها الأصيل، فتتجلى في أبهى كمالها وتكاملها.

أركان التأسيس: إرادة ووعي وحرية
لا سبيل إلى بعث الذات من ركام التبعية إلا عبر الاعتراف بثلاثية محورية: أولها أن الإنسان، بإرادته الحرة، هو صانع التاريخ لا صنيعة الأقدار. وثانيها أن الوعي الجمعي، إن لم يكن مشبعًا بروح الثورة، يظل أسير الانتهازيين والمتخاذلين الذين يئدون كل ميلاد قبل أن يكتمل. أما ثالثها، فهو أن الإنسان، وإن تقيّد بأغلال بيئته وثقافته، فإنه قادر على كسر قيوده وإعادة نحت هويته على صخرة الإيمان بالتغيير.

في ضوء هذا التصور، تتجلى الرؤية القرآنية للإنسان باعتباره كائنًا متأرجحًا بين قمم الكمال وحافات الهاوية، بين وعيه بمسؤوليته التاريخية وسقوطه في مهاوي الضياع، فإما أن يسمو إلى مراتب الأنبياء، وإما أن ينحدر إلى درك الحيوانية.

التحرر بين زيف الحداثة وقيد التقليد
ما أشد دهاء الاغتراب حين يتجلى في ثوبين متناقضين: الأول هو التقليدية، حيث يسير الإنسان على هدي أسلافه بلا تفكر، خاضعًا لإرث لم يختبر صدقه. والثاني هو الحداثة الزائفة، التي تتظاهر بتحرير العقل، لكنها تستبدل قيود الماضي بقيود مستحدثة، تصوغ الروح في قوالب جديدة لكنها لا تقل استعبادًا عن سابقاتها.

التحرر، إذن، لا يكون في الهروب من قيد إلى آخر، بل في استعادة الإنسان لجوهره، في العودة إلى قيمه الأصيلة التي تناسختها العصور، في امتلاك الوعي الذي يحطم أصنام الاستلاب ويعيد رسم درب الانعتاق.

التكامل التاريخي: مثلث التغيير
وللتاريخ قوانينه، فلا ينهض شعب إلا بثلاثة أضلاع تتشابك لترسم هرم النهوض: أولها الحماس العاطفي، وهو الشرارة التي توقد جذوة الثورة في الصدور. ثانيها التطوير الذاتي، إذ لا إصلاح للمجتمع دون إصلاح للفرد، عبر إدراك نقاط ضعفه وقوته، فيسمو بالأولى ويتجاوز الثانية. وثالثها هو الارتقاء الروحي، حيث تسمو القيم على الواقع، وحيث يتوسل الإنسان بالعلم والتاريخ والتضامن الاجتماعي ليكسر قيود الحتميات المادية، ويحقق إرادته الحرة، وينحت مصيره بيديه.

النماذج الثلاثة: أفق واحد بمسالك شتى
بين الغرب والشرق والإسلام، تقف الذات أمام مفترق طرق، لكل منها دربها وفلسفتها. فماركس وسارتر من الغرب قدّما رؤية تستند إلى جدلية المادة والوجود، والحلاج وبوذا في الشرق رسما مسلكًا صوفيًا نحو الفناء في المطلق، أما الإمام علي، فكان نموذجًا أصيلاً للثائر العارف، الذي جمع بين المعرفة والتضحية والعدل. ولئن بدت هذه الطرق متعارضة، فإن جوهرها واحد: البحث عن الخلاص، لكن الصراع التاريخي ألبسها لبوس التنافر.

وسائل البناء: عبادة، وعمل، ونضال
ليس البناء مجرد تأملات فكرية، بل هو تجربة تفاعلية يعيشها الإنسان عبر ثلاث أدوات لا غنى عنها: العبادة، ولكن ليس بمعناها التقليدي المحدود، بل كتجربة روحية تعيد تشكيل الكيان وتربطه بالمطلق. والعمل الصالح، لا كطقوس فردية، بل كفعل اجتماعي يتجاوز الأنا إلى الجماعة. وأخيرًا، النضال الاجتماعي، الذي يترجم الفكر إلى فعل، والوعي إلى حركة، فلا يكفي أن تدرك الحقيقة، بل لا بد أن تسعى لتحقيقها على أرض الواقع.

الخاتمة: الذات بين الانقياد والقيادة
هكذا تتجلى معادلة بناء الذات الثورية في اكتمال أبعادها الثلاثة: النضال الاجتماعي، الوعي التاريخي، والتطور الروحي. ومن وعى هذه الحقيقة، وألزم نفسه بتحقيقها، كان هو القادر على أن يكون قبطان سفينته، وأن يرسم درب مجتمعه نحو أفق جديد.

وما بناء الذات الثورية إلا مفتاح تحرير الإنسان من قيوده، ليصير صانع التاريخ لا أسيره، ومهندس المصير لا تابعًا لرياح القدر.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوباني ذاكرة الصمود الكردي ورمز سوريا الجديدة
- الكورد في سوريا: جدلية الهوية والسلطة في متاهة التاريخ


المزيد.....




- الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين ...
- قصة أسيرين التقيا توأميهما اللذين أنجبا بنطف مهربة
- رئيس الوزراء الفرنسي يعتزم إقرار الميزانية في التفاف على الب ...
- إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
- زيلينسكي: سيتعين علينا الانتقال إلى المفاوضات مع روسيا بعد ل ...
- الجيش الأمريكي يكشف هوية الجندية في المروحية التي اصطدمت بطا ...
- إسبانيا.. إقالة السفير الإسباني في بروكسل لسبب غريب
- سفير روسيا في الدنمارك: موسكو لن تسمح بتحويل البلطيق إلى بحر ...
- -أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي ...
- وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بوتان زيباري - بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير