|
إضاءة: حضارة المشهد/ لماريو فارغاس يوسا/ إشبيليا الجبوري - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
أكد الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 04:45
المحور:
الادب والفن
مقدمة عامة مبسطة؛ نشر ماريو فارغاس يوسا (1936-)، أحد أهم الكتاب والمفكرين في القرنين العشرين والحادي والعشرين، كتاب "حضارة المشهد" في عام 2012، وهو يعبر بثقل واضح عن حالة الثقافة المعاصرة. بسقوط الثقافة في عصر السطحية. إذ يتخذ المؤلف الحائز على جائزة نوبل للآداب موقفًا نقديًا وثاقبًا بشأن تدهور القيم الثقافية، ويندد بتحويل الثقافة إلى مجرد ترفيه ويحذر من العواقب الضارة لهذه الظاهرة على الحياة الفكرية والسياسية والأخلاقية للإنسان. مجتمع.
لا يقتصر فارغاس يوسا على الرثاء الحنين إلى الماضي الثقافي الأكثر ثراءً، بل يبني حجة صارمة، مترابطة مع تقليد فكري يضم مفكرين مثل أورتيجا إي جاسيت، وت. س. إليوت، وجاي ديبورد، وآلان بلوم. وتشكل مقالته جزءًا من نقاش حاسم حول اتجاه الحضارة الغربية وتحويل الثقافة إلى مشهد مذهل.
1. تشخيص فارغاس يوسا: الثقافة تتحول إلى مجرد تسلية؛ تتمحور النقطة المركزية في الكتاب/"المقال" إن جاز التعبير. حول فكرة مفادها أن الثقافة، التي كان يُنظر إليها في السابق على أنها أداة للارتقاء الفكري والجمالي، قد انحصرت في مجرد استهلاك سطحي للترفيه. بالنسبة لفارغاس يوسا، لعبت الثقافة دائمًا دورًا تكوينيًا، حيث قدمت للأفراد شعورًا بالتسامي والرقي الأخلاقي والتطور النقدي. لكن في أواخر الحداثة، تم قمع هذا الدور واستبداله بمنطق المشهد، حيث أصبح البحث عن المتعة الفورية والمرح المحرك الرئيسي للحياة الثقافية.
يقدم المؤلف تناقضا بين ثقافة الماضي وثقافة الحاضر. في الماضي، كانت الثقافة مجالاً للنزاعات الفكرية والجمالية، تتخللها أعمال ذات كثافة فلسفية وأدبية. أما اليوم، فعلى العكس من ذلك، فنحن نعيش في مجتمع حيث أصبح المحتوى قابلاً للاستخدام مرة واحدة، ومخففاً في سيل متواصل من المحفزات الحسية والروايات الفارغة.
ويمكن تحليل هذا التحول في ضوء نظرية جاي ديبور حول مجتمع المشهد. بالنسبة لديبور، أصبحت الحداثة المتقدمة مسرحًا عظيمًا حيث يتم التوسط في الواقع من خلال الصور والتمثيلات. ويعمق فارغاس يوسا هذه الحجة من خلال إظهار كيف تسلل منطق المشهد إلى مفهوم الثقافة ذاته، وحوله إلى آلية للإلهاء بدلاً من أن يكون وسيلة للتساؤل والتأمل.
2. ثقافة الزوال وموت الثقافة الرفيعة؛ هناك نقطة أساسية أخرى في مقال فارغاس يوسا وهي انتقاد زوال الإنتاج الثقافي المعاصر. في الماضي، كان العمل الفني أو النص الفلسفي يسعى إلى حوار دائم مع الروح الإنسانية، ويتم صياغته بعمق وتعقيد. لكن الثقافة اليوم أصبحت رهينة للسرعة والتقادم المخطط له.
إن ثقافة الزوال هي أحد أعراض ما أسماه زيجمونت باومان بالحداثة السائلة: مجتمع لا يوجد فيه شيء ثابت، كل شيء عابر، والقيم يتم استبدالها باستمرار باتجاهات جديدة. ويستنكر فارغاس يوسا هذه السيولة الثقافية من خلال ملاحظة أن معايير التميز الفني والفكري قد تم التخلي عنها لصالح الشعبية وإمكانية الوصول.
وهذا واضح، على سبيل المثال، في الأدب المعاصر، الذي يفضل الكتب الأكثر مبيعاً والتي يمكن هضمها بسهولة على الأعمال التي تتطلب جهداً تفسيرياً. وتحدث الظاهرة نفسها في الصحافة، حيث يؤدي البحث عن المباشرة إلى المساس بعمق التحليل. ويستشهد فارغاس يوسا، على سبيل المثال، بانهيار النقد الأدبي الجاد، الذي حل محله الآراء السطحية ومنطق الخوارزميات الرقمية.
ويمكن مقارنة هذا التراجع بالنقد الذي قدمه آلان بلوم في كتابه "تراجع الثقافة الغربية"، حيث يندد المؤلف بتدهور التعليم الإنساني في الجامعات وصعود ثقافة النسبية والرديئة الفكرية. ويتفق المؤلفان على أن إفقار الثقافة لا يقتصر على المجال الجمالي، بل له آثار عميقة على الحياة السياسية والأخلاقية.
3. الثقافة والسياسة: إفراغ النقاش الفكري؛ ويقوم فارغاس يوسا أيضًا بتحليل عواقب ثقافة المشهد على النقاش السياسي. في مجتمع حيث يتم توجيه الثقافة من خلال الترفيه، تصبح السياسة لعبة إعلامية، حيث تكون صورة المرشح أكثر أهمية من أفكاره. وتتجلى ظاهرة الإثارة السياسية في صعود الزعماء الشعبويين الذين يتواصلون من خلال شعارات فارغة ويستغلون سطحية الرأي العام.
يدور هذا البحث حول الحوار مع نقد نيل بوستمان في كتاب "تسلية أنفسنا حتى الموت"، حيث يندد المؤلف بكيفية تحويل التلفاز للخطاب العام إلى عرض ترفيهي. ويقوم فارغاس يوسا بتحديث هذا التحليل من خلال النظر في تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي عملت على تضخيم تأثير ثقافة المشهد، وتقليص النقاش العام إلى مجرد ميمات وفضائح وشعارات.
وعلاوة على ذلك، يزعم فارغاس يوسا أن هذا التدهور الثقافي له آثار مباشرة على نوعية الديمقراطيات. إن المجتمع الذي يستهلك فقط المحتوى السهل والمباشر يفقد قدرته على التفكير النقدي، ويصبح عرضة للتلاعب والشعبوية. ويحذر المؤلف من أن سطحية النقاش العام تشكل تهديدا للحريات، لأنها تضعف المؤسسات الديمقراطية من خلال استبدال التداول العقلاني بالمشهد الإعلامي.
4. التسامي الثقافي: هل هناك أمل؟ وعلى الرغم من النبرة النقدية المتشائمة لفارغاس يوسا، فإن المقال لا ينتهي بخيبة أمل كاملة. ويقترح المؤلف أن مقاومة ثقافة المشهد يجب أن تأتي من جهد فردي. ويدافع عن ضرورة إنقاذ الثقافة الرفيعة، مطالبا بالأدب والفلسفة العميقة والفن الذي يتحدى العقل.
ويشير هذا التموضع إلى أورتيغا إي جاسيت، الذي حذر في كتابه ثورة الجماهير من خطر تحويل الثقافة إلى رداءة جماعية. بالنسبة لفارغاس يوسا، فإن الطريق لتجنب هذا المصير هو إعادة التأكيد على قيم التعليم الإنساني والثقافة الكلاسيكية، والتي لا يمكن التخلص منها باسم السطحية.
ورغم أنه من الصعب عكس عملية إضفاء الإثارة على الثقافة، إلا أن فارغاس يوسا يعتقد أن الأفراد والجماعات قادرون على محاربة هذا الاتجاه، من خلال تعزيز الذوق للمعرفة الحقيقية والفن الحقيقي. لكن هذه المقاومة تحتاج إلى جهد وانضباط، لأنها تتعارض مع التيار اللذة والكسل في المجتمع المعاصر.
- الخلاصة: دعوة للتفكير النقدي؛ يمكن أن نخلص لما ورد أعلاه. على إن كتاب "حضارة المشهد" هو كتاب يتجاوز مجرد الإدانة ليصبح دعوة للتأمل النقدي. يقدم فارغاس يوسا حجة قوية، مبنية على تقليد فكري صارم، ويقدم تشخيصًا مباشرًا لتدهور الثقافة في عصر السطحية.
وتكمن قوة العمل في قدرته على التعبير بوضوح وسعة اطلاع عن التحديات التي تفرضها الحداثة السائلة على الحياة الثقافية والفكرية. تدفعنا المقالة إلى التساؤل حول ما نستهلكه، وكيف نتفاعل مع الثقافة، وما هو الدور الذي نريد أن نلعبه في الحفاظ على الفكر العميق.
إذا كانت حضارة المشهد تمثل تراجع الثقافة، فإن الأمر متروك لكل فرد ليقرر ما إذا كان يرغب في أن يكون مجرد متفرج سلبي أو ما إذا كان يسعى إلى المهمة الصعبة ولكن الأساسية المتمثلة في مقاومة تهميش الذكاء وتفتيت المعرفة. وكما قال فارغاس يوسا، يجب أن تكون الثقافة أكثر من مجرد مشهد، بل يجب أن تكون أداة للتحرر والتنوير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Copyright © akka2025 المكان والتاريخ: طوكيو ـ 02/02/25 ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).
#أكد_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضاءة: أهمية رواية -مذكرات منزل الأموات- لفيدور دوستويفسكي/إ
...
-
قصيدة: المكان/ لشاعر بنما الثائر ديماس ليديو بيتي* - ت: من ا
...
-
إضاءة: ملحمة -الأوديسة- لهوميروس/ إشبيليا الجبوري - ت: من ال
...
-
إنجلز ودوستويفسكي: الإدمان على الكحول والفقر/الغزالي الجبوري
...
-
العمى الأخلاقي و الحداثة السائلة/ شعوب الجبوري - ت: من الألم
...
-
إلى الغائب أوزوالدو إسكوبار/بقلم روبرتو ارميخو
-
الشاعر روبرتو ارميخو... بين العزلة والمنفى/إشبيليا الجبوري -
...
-
DeepSeek تهز وول ستريت: بداية تحول الصراع في الهيمنة التكنول
...
-
إضاءة: عمل -الليفياثان- لتوماس هوبز/ إشبيليا الجبوري - ت: من
...
-
نزفي بطيء/بقلم روبرتو ارميخو - ت: من الإسبانية أكد الجبوري
-
إضاءة: رواية -أيام ضائعة- للوسيو كاردوسو/ إشبيليا الجبوري -
...
-
الضياع / بقلم هيرمان هيسه - ت: من الألمانية أكد الجبوري
-
إضاءة: -الفردوس المفقود- لجون ميلتون/ إشبيليا الجبوري - ت: م
...
-
إضاءة: رواية -عش النبلاء- لإيفان تورغينييف/ إشبيليا الجبوري
...
-
-اليسار ليس مستيقظا” وفقا لسوزان نيمان/الغزالي الجبوري - ت:
...
-
إضاءة: رواية -الإنسان بلا صفات- لروبرت موزيل/إشبيليا الجبوري
...
-
الصهيونية: نظرة إلى الوراء/ بقلم حنة آرندت -- ت: من الألماني
...
-
أعود إلى وطني/بقلم روبرتو ارميخو - ت: من الإسبانية أكد الجبو
...
-
إضاءة: رواية -المراهق- لفيودور دوستويفسكي/إشبيليا الجبوري -
...
-
الصهيونية: نظرة إلى الوراء/ بقلم حنة آرندت - ت: من الألمانية
...
المزيد.....
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
-
الفنانة دنيا بطمة تنهي محكوميتها في قضية -حمزة مون بيبي- وتغ
...
-
دي?يد لينتش المخرج السينمائي الأميركي.. وداعاً!
-
مالية الإقليم تقول إنها تقترب من حل المشاكل الفنية مع المالي
...
-
ما حقيقة الفيديو المتداول لـ-المترجمة الغامضة- الموظفة في مك
...
-
مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
-
مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب
...
-
انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني-
...
-
الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|