رشيد عوبدة
الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 10:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يذهب المفكر المغربي طه عبد الرحمن في كتابه "بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين" إلى نقد الحداثة الغربية وما أسماه بـ"الدهرانية"، التي تقوم على فصل الأخلاق عن الدين واستقلال العقل عن أي مرجعية إيمانية، معتمدة على مبادئ العقلانية الفلسفية المجردة: "الهوية"، التي ترى أن الشيء مطابق لذاته، "عدم التناقض"، التي تمنع اجتماع النقيضين، و"الثالث المرفوع"، الذي يرفض وجود منزلة بينهما. ويرى طه عبد الرحمان أن هذه العقلانية المجردة أفضت إلى أزمات أخلاقية ومعرفية لأنها عزلت العقل عن القيم الروحية وأفرغت الأخلاق من جوهرها الإيماني.
في مقابل ذلك، يقدم طه مشروع "العقلانية الائتمانية" التي ترتكز على ثلاث مبادئ عليا: "الشهادة"، حيث يصبح العقل مسؤولاً أمام الله ومرتبطاً بقيم عليا؛ "التزكية"، التي تهدف إلى تهذيب النفس من الأهواء والأنانية؛ و**"الأمانة"، التي تتطلب من العقل الالتزام بالحق والصدق في الفكر والعمل. كما يُكمل هذا التصور بمفهومي "العقلانية المؤيدة"، التي تُعزز الإيمان بالعقل ليكون أداة داعمة لليقين، و"العقلانية المسددة"، التي تُوظّف العقل في تصحيح السلوك وتسيير الواقع بما يوافق القيم الأخلاقية.
طه عبد الرحمن يرى في هذا المشروع تجاوزا جذريا لاختلالات العقلانية الغربية، حيث يقول: "إذا كانت الحداثة الدهرانية قد فكت الارتباط بين الأخلاق والدين، فإن العقلانية الائتمانية ترهن الأخلاق بوجوب التزكية، وتجعل الدين سندا للسلوك العقلي والعمل الواقعي، فتتحقق بذلك الحرية الراشدة، حيث يكون العقل شاهدا ومسؤولا أمام خالقه." (بؤس الدهرانية).
بذلك، لا يصبح العقل مجرد أداة للتحليل والتجريد، بل وسيلة إيمانية تحقق التوازن بين الروح والفكر في خدمة الإنسان والمجتمع.
#رشيد_عوبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟