أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان وثقافتان / دراسة في بنية العقل عند العرب وتاريخ الأدب العربي)















المزيد.....


الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان وثقافتان / دراسة في بنية العقل عند العرب وتاريخ الأدب العربي)


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 21:10
المحور: الادب والفن
    


الفكر الإنساني والأدب
قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان وثقافتان / دراسة في بنية العقل عند العرب وتاريخ الأدب العربي)
 
إن إشكالية الخطاب العربي المعاصر في بناء الإنسان والانطلاق به من الواقع الثقافي الذي ينتمي إليه، وعلى الأصعدة كافة تتمثل في عدم الوعي والتمييز بين (مصادر الفكر، والفكر نفسه)، بين مصادر (الحقيقة الحياتية ومصادر الخرافة والميتافيزيقيا المتخيلة)، ولذلك لا يأتينا الخطاب الفلسفي الرامي إلى بناء الإنسان بقدراته الحديثة إلاّ موهومًا فقط، بل أحيانا نجده لا يعبر عن موقف عقلاني فلسفي، بل عن أيديولوجية تربك المفكر وهو يبحث عن العقلانية دون الرجوع إلى مصادر الفلسفة الاصلية في البحث عن معطيات العقل الإنساني والانفراد بما هو موجود بين يدي المفكر الذي يزعم مع نفسه انه يعرف كل ما يتصل بالخطاب الفلسفي العقلاني ويرى من منظور غير موضوعي أن غيره لا يعرف الحقيقة، بل يعرفها كاتبـًا ومفكرًا وعقلانيـًا.
ولعل من المفارقات التي نجدها تقول وبسذاجة غير مسبوقة: إن العقل يمكن أن يكون متخلفـًا، أمام النصوص التي تحوطها هالة القداسة، ولذلك هو من يحتاج بالضرورة إلى النقد والتطويع لقبول ذلك النص والتعامل معه فلسفيـُا وكشف مبانيه الخرافية التي تحول دون بناء أواصر ثقافية تجمع الإنسان في اطر مجتمعية مستديمة التطور والنمو.
إن نظرية الاتصال بين الفلسفة والدين، بين العقلانية والخرافة التي دعا إليها الفلاسفة العرب وفي مقدمتهم (ابن رشد) في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة)، الذي قارب فيه حدًا كبيرًا المنهج الفلسفي الديني المقارن، كما اتضح ذلك في قوة ادلته العقلية في بحث العقيدة يُعد بحق أهمّ المحاولات وأنضجها لتوظيف العقل توظيفـًا يُسهم في حلحلة الكثير من أواصر الجمود والتحجر.
ومع ذلك فقد وقفت العقلانية العربية في الإسلام من الفلسفة والدين موقفـًا واضحـًا بين الاتباع والابداع، فلم تنفع مشكلة العقل، أو مشكلة النقل أي محاولة من الشكليين الذين أفسدوا على العقل دوره في الادراك والتمييز والفهم بما عليه الوعي الذاتي في كلّ اتصال بين العقل والشريعة.
وبمفهوم المنظور العقلاني والمنظور اللاعقلاني، فكانت ردود فعل العقائد التي جردت العقل من دور الحكم المتعالي لما تفتضيه حركة الوعي بالاتصال بين الفلسفة والدين، فسار الوعي اللاهوتي بالفلسفة نحو الحداثة، في حين تأثر النهضويون العرب في القرن التاسع عشر بما تركه المشروع العقلاني في التراث الفلسفي وصراعه مع الفقهاء وعلماء الكلام من العرب والمسلمين.
وهكذا لم يؤثر دور (ابن رشد) في تثبيت سلطة العقل الذي هدف إليه في فكر الإنسان ودينه، إلا في الدوائر الأوربية، في حين عجزت دوائر الشرق (العربية، والإسلامية) عن استيعاب المدى الحقيقي الذي يمكن تمييز العقلاني عن اللاعقلاني في التراث من منظور عصري جديد.
ولا نغفل محاولات التجديد الواعية التي جاءت بعد ظهور عصر المطابع وعلى رأس هذه المحاولات التي تكاد تعد بالأصابع: محاولات الدكتور طه حسين في رسم خريطة التجديد والتحديث وإن كانت هذه المحاولة لا تخلو من الوقوع في التلفيق بين المذاهب الفلسفية واستخدام أدوات إجرائية تكاد تكون شبه متناقضة في معالجة مشكلات تراثية عويصة.
وكذلك تعد محاولة محمد عابد الجابري، محاولة جادة لتقصي مناهج الدرس العقلي ولكنه وقع اسير تفكيك التراث الفلسفي فسقط منهجه اسيرًا في فوضى أوربية موهومة كذلك تُعد تجربة: جورج طرابيشي، ونصر حامد أبوزيد من أهم التجارب العربية في هذا المجال.
نحن نحاول ردم الهوة الكبيرة التي تفصلنا عن عصر العقل الذي ينبذ التحجر والتناحر ويسعى لقبول الاخر المختلف لونـًا وعقيدةً وجنسـًا. ومن أجل الفصل بين آليات بناء الإنسان وهيمنة أواصر الخرافة التي تجره إلى عصور سحيقة ينبغي التمييز بين تاريخين للعرب بحسب سليمان العطار: تاريخ منسي مكبوت وتاريخ معروف يعيش في ذاكرته الحية جذوره القديمة التي انقطعت في الظاهر لتتفرع وتتكاثر كخلايا سرطانية متعفنة في عقله الباطن وهذه الجذور في انقطاعها المزيف وامتدادها الحقيقي المشوه والخفي تمثل قوة إيمان خرافية قمعية تهيمن على أشكال التفكير العقلاني العربي، وتملأ حياة الإنسان العربي بسياط يجلد بها نفسه ويمزق ذاته فيذهب للبحث عن هويته في ركام كلّ هذا وذلك قاصدًا ترميم ما تكسر بداخله.
ومن هنا ينشأ للمواطن العربي في حياته ووجوده ذلك المأزق الحرج القائم على الصراع بين الحاضر المتقدم المبني على أسس حديثة ومتطورة بشكل سريع، والماضي المقدس المبني على أساس غيبي مقيد بسلاسل الخرافة، وسيجد نفسه أمام احتمالين، "فإما هو قادر على تجسيد ذاته بزمنها الوجودي الحاضر وأعمال العقل من اجل حياة أكثر استقرارًا وأقل خوفـًا وأكثر قبولًا للمختلف من باب التنوع والتكامل كما استطاع بلوغها مواطن مثالي معين يعيش معه على نفس الكوكب، وأما أن يوقف عقله بذريعة الغيب، والخوف، والخرافة ويعيش في زمن غابر توقفت فيه آلة الزمن والحضارة وتقدم العقل وتطوره وغابت فيه الأسئلة"، وهنا سيغلب عليه التستر على ضعفه أمام مواجهة الاسئلة المصيرية التي تفرضها حركة الحياة والتستر والتظاهر بالحقيقة المقدسة سيحميه أمام المجتمع حتى لا يكون موضع ازدراء، فيلجأ الى ازدواجية مأمونة العواقب من وجهة نظره وبمعنى اخر، أن يتظاهر بما هو أفضل ويعلق أسئلته الملحة على شماعة اجوبة (ميتافيزيقية) مقدسة فيقهر عقله كي لا يقع تحت طائلة المؤاخذات الفكرية والفلسفية ويرجئ إشباع جوانب ضعفه وضياعه الوجودي إلى حين يحتمي وراء الجدران فلا تقع عليه الابصار خوفـًا من منظومة التراث ومقدساتها المتكاثرة والمنشطرة (كالمايتوكوندريا).
إن هيمنة الماضي على الحاضر  في العقلية العربية، واستفحال سلطة التراث التي تحدث عنها الكثير من الكتاب والمفكرين العرب واحدة من أهم وأعقد المشكلات التي يعاني منها عالمنا العربي، ولكن هذه المشكلة في مجملها ليست دعوة بالضرورة إلى نبذ التراث كلّه وطرحه جانبـًا، فهذا غير علمي وغير منصف، فإننا نستطيع الاخذ من تراث الأقدمين ما يمكن "تطبيقه اليوم تطبيقًا علميًا، فيضاف إلى الطرائق الجديدة المستحدثة؛ فكلّ طريقة للعمل اصطنعها الأقدمون وجاءت طريقة جديدة أنجح منها، كان لابد من طرح الطريقة القديمة ووضعها على رف الماضي الذي لا يعنى به إلا المؤرخون،  وبعبارة أخرى: إن الثقافة – ثقافة الأقدمين أوالمعاصرين- هي طريقة عيش، فاذا كان عند أسلافنا طريقة تفيدنا في معاشنا الراهن، أخذناها وكان ذلك هو الجانب الذي نحييه من التراث؛ أما ما لا ينفع نفعـًا علميـًا تطبيقيـًا فهو الذي نتركه من اسلافنا غير اسفين"
‎ولكن رؤية زكي نجيب محمود  هذه وهو رائد المنطقية الوضعية وصاحب كتاب (الموقف من الميتافيزيقا) رغم أهميتها لا تنطبق كليـًا على مفاصل التراث كله فهناك من التراث ما لا يمكن الاستفادة منه بطريقة علمية وتطبيقيه، بل هو يخضع إلى معيار اخر، ألا وهو معيار المثل والمقدسات التي غالبـًا ما يكون الإيمان بها إيمانـًا تسليميًـا انقياديـًا، كالأفكار والمعتقدات الدينية مثلا، وكذلك المعتقدات الشعبية وهذا ما يوقع الكثير من أفكار التراث في أحضان الإيمان (الميتافيزيقي) أو الخرافة التي تكون بالضد من إعمال العقل، فديمومة الخرافة توقف انسيابية إعمال العقل وكذلك  الاعتقادات الدينية تحيط الأفكار بهالة من التقديس الذي لا يخضع لمجرى الزمان "فالقداسة غير خاضعة لمجرى الزمن لثباتها في الزمن مهما تغير المكان، وهكذا –الحال- إذا اكتسب ما هو أرضي قداسة فإن تلك القداسة تنتج الديمومة الزمانية للنمط ويصبح كلّ ما هو جزئي ومؤقت ومرتبط بمناسبة وواقعة كليـًا ودائمـًا ومطلقـًا"
كيف للخرافة أن تتربع في الاذهان في زمن يتصف بانه زمن العلم؟ إنها تسكن في الفجوات المعرفية الباقية في خارج منطقة المعرفة "وكلّما أضاء العلم شبرًا من هذه الغياهب انسحبت منه الخرافة وهي تلمٌّ أذيالها وتعصب عينيها من خشية الضوء" ولكن الامر ليس بهذه البساطة كما قلنا سلفـًا فهي لا تخضع للمنطق العلمي، بل لها منطقها الخاص بها فهي التمثيل الممكن لمنحى التفكير لدى البدائيين، ولا يمكن للعلم أن يقتحمه بسهولة أو يتمازج معه ويفككه ويكشف زيفه لانهما منطقان متعارضان في التوجه، يعد (شترأوس) أول من حلل الخرافة بطريقة علمية حيث درس بدوره بنية الخرافة ليقول: إن لها دلالة ما يجب ألا تهمل، بل يجب مقابلتها بسائر الخرافات ولدى سائر الشعوب.
وبذلك استطاع (شترأوس) التحدث عن مجموعة من الخرافات تمثل بعضها البعد الديني في الحياة البدائية وتمثل الأخرى البعد الاقتصادي أو الأخلاقي أو الفلسفي. أتاحت هذه الدراسات المجال لظهور علم شبه مستقل، يستند إلى (الانثروبولوجيا) و(الاتنوغرافي)، هو علم الخرافات وعلى اساسه بُحث العدد الهائل من الخرافات التي تتكاثر لدى الشعوب البدائية وغير البدائية.
أما الخرافة في الفلسفة فترتبط مع الخطاب المتهافت منطقيا ومعرفيا ووجوديا، لذلك الخرافة خطاب عقلاني معتم يمكن موازنته مع اللامعقول. فالعقل الخرافي مضاد للعقل العلمي والعقل الفلسفي معا.
‎وبصيغة مختصرة الخرافة هي الممكن اللامعقول في العقل لهذا لا تصلح أفقا للحرية لأنها هروب نحو الزائف كما أنها لا تصلح حقلا للإنشاء المبدع لأنها تستمد قوتها من استعمال مجاني للحديث-الشفهي. بالتالي هي تزييف
وكذلك ارتبطت الخرافة بالغيب المحرك لكثير من جوانب الحياة والطبيعة وهذا أحد مداخل الخرافة كمعتقد ديني ولعل علي حرب فرق جيدًا بين مسالة الغيب (اللاهوتي) والغيب (الأنطولوجي) "فالغيب الوجودي أعمّ من الغيب الإلهي، بحيث يمكن القول إن الغيب الإلهي شكل من اشكال الأول وتجسد له كيفية ترتبط بوضع الإنسان ومشروطتيه، بتناهيه وتعاليه في آن.
والحال فإن الغيب الوجودي يشمل كلً ما هو غائب عن مدارك الإنسانمن العلوم والأكوان والصيرورات، أي كلّ ما نجهله من أمر من الوجود، مما هو واقع الآن كعلم الحياة، أو واقع ماضيـًا عند نشوء الكون، أو يمكن أن يقع مستقبلاً فيما يخص مصير الإنسان والعمران على هذا الكوكب" .وبذلك يسهل التفريق بين الغياب الوجودي وهو يتماهى مع (المجهول) بمفهومه (الابستمولوجي)، بينما يكون الغائب مفهوما (أنطولوجيا) فـ" المجهول هو ما لا نعلمه، بينما الغيب يشير إلى وجود قوامه ألا يحضر، إلى شيء سره وقوته في أنه لا ينكشف كلّ الانكشاف" وإذا أردنا التأسيس والانطلاق من التقسيم الذي اعتمده المفكر علي حرب فإننا نضع الخرافة في خانة المجهول الذي فسر بطريقة بدائية غابت فيها منطق الكشف العلمي قصة أو حدث تاريخي معين. إن فكرة الوجود الملغز التي حيرت الإنسان منذ بداياته الأولى وسيطرت على مشاعره، كانت هي الهاجس الأول في طرح سؤاله الأنطولوجي ومحاولة الإجابة عليه، ولكن ماهية الإنسان التي تتصف بالعقل والتفكير، أي أن امتلاكه هذه التي يستطيع بواسطتها "أن يميز بين الأشياء وأن يصطفي منها ما هو سليم ويترك ما هو فاسد، كما ان له ثوابت جوهرية"
‎يطرح العطار في هذا الكتاب الذي قمنا بإعادة تحريره واضافة مجموعة من المقالات التي تنسجم وفكرة الكتاب، مجموعة من الأفكار التي تشير الى تحديد الفواصل والدوافع التي شكلت بنية العقل عند الإنسان العرب وبنية العقل عند الإنسان الغربي، وتفكيك عوامل هذا البنية التي رصدها بدقة وتفصيل مدهش فالجغرافية والطبية التي عاش فيها العربي والتي اعتمد على الصحراء وما فيها من قساوة وتفكك وافق شاسع، غير تلك الجغرافية الشمالية التي شكلت العقل الغربي بما فيها من جبال وجليد وغابات تحجب الرؤية الممتدة، وهنا انبرى العربي يجمع شتات الرمل من اجل البحث عن التماسك في قبيلة أو في دين أو معتقد، وراح الغربي يفكك كلّ هذا الجبال والغابات ويبحث عن مكوناتها ليولد العقل التحليلي أمام العقل التقديسين.
وكان للماء الدور الفاعل في تعزيز فكرة العطار وتحليله لبنية العقل(العربي/ الغربي) وإثارة الأسئلة الوجودية والفلسفية منذ الأزل، كان الماء جزءًا أساسيًا من حياة البشر، ليس فقط كمصدر للحياة ولكن أيضًا كمحفز للتفكير الفلسفي والوجودي. في الأدب الحديث، حيث يُعد الماء أكثر من مجرد عنصر طبيعي؛ فهو رمز معقد يعبر عن بنية العقل الإنساني وسعيه للتحضر، فضلاً عن دوره في إثارة الأسئلة العميقة حول الوجود والمعنى.
الماء كبنية للعقل بصفته مادة سائلة ومتغيرة باستمرار يعكس طبيعة العقل البشري. العقل، بحسب العطار، مثل الماء، مرن ودائم التغير، يتدفق بحرية ويعيد تشكيل نفسه باستمرار. هذا التشابه بين العقل والماء يتجلى في العديد من الأعمال الأدبية القديمة والحديثة، حيث يتم استخدام الماء كرمز للتفكير الديناميكي والإبداعي، ففي رواية "أوليسيس" لجيمس جويس، يتم استخدام البحر كرمز لتدفق الوعي البشري. البحر هنا يمثل العقل البشري في حالته الخام، مليء بالأفكار والمشاعر المتناقضة التي تتلاطم مثل الأمواج. هذه العلاقة بين الماء والعقل تعكس كيف يمكن للأفكار أن تكون متغيرة ومعقدة مثل المياه الجارية.
    تاريخيًا، كانت الحضارات العظيمة تعتمد على الماء ليس فقط كعنصر للحياة ولكن أيضًا كمحفز للتحضر. الماء يشجع على الاستقرار وبناء المجتمعات، مما يتيح تطور الفنون والعلوم والفلسفة. في الأدب يتم تصوير الماء كمحفز للتحضر والنمو
في كتاب "النيل: نهر الحضارات" لبريان فاغان، يتم استكشاف كيف أن نهر النيل كان محوريًا في تطوير الفكر والفلسفة في مصر القديمة.وكذلك صنع الفراتان في العراق في توليد ثلاث حضارات وأكثر، النهر لم يكن فقط مصدرًا للمياه بل كان أيضًا محفزًا للتأمل الفلسفي والروحي، مما أثرى الفكر الإنساني وأدى إلى تطورات حضارية هامة.
‎رصد العطار أخطر الأمراض التي يواجهها العقل العربي إلا وهي قضية (التبعية) وهو الانقياد إلى أفكار (الاخر) وبالتحديد (العقل الغربي) واتباع أفكاره دون المساهمة في انتاجها لأنه وقع في دائرة (الدهشة والابهار) عند دوي مدافع نابليون، بعد عصور من التخلف والاستعمار التركي... "القضية الغائبة عن الرؤية وعند المفكرين العرب هي قضية التبعية، مع أنها قضية القضايا، وكلّ معالجة لمشاكلنا تدخل في نطاق الجزء الذي يصب في بحيرتها الآسنة أو الذي ينبع من تلك البحيرة المجهولة الساكنة. وقد تحدث هؤلاء المفكرون في السنوات الأخيرة عن أننا نعيش في الزمن الرديء، ثم كشفوا عن أعراض هذه الرداءة، وكأنهم في هذا تابعون لأسلافنا في سب الدهر، رغم ما جاء في الأثر " لا تسبوا الدهر، فإن الدهر هو الله". أيضـًا تحدثوا عن التخلف وآثاره المفزعة في كلّ جوانب الحياة، وكادوا أثناء هذا الحديث أن يصلوا بنا إلى وحدات أو أكثر من القناعات التي ترجع التخلف إلى الاستعمار أو انعدام الديمقراطية أو السلفية أو الفقر والفساد وسوء توزيع الثروة، وربما إلى الجهل أو إلى ذلك الزمن العربي الرديء الذي نعيشه حاليا. والصواب – في رأيي – أن كلّ ما يذكرونه من علل ومعلولات ما هي إلا أعراض ومضاعفات لحالة تاريخية مزمنة اسمها " التبعية “!
في دوامة هذا الانغلاق حلل العطار الثنائيات المتقابلة والمهيمنة على التفكير (وراثة/ ذاكرة) مقابل (متغطرسة، بيروقراطية نصية) والثنائية الثانية (خوف/ عجز) مقابل زوج (اندفاع/ طغيان) وكذلك ثنائية (التصلب/ المقاومة) يقايلها (المرونة/ الطوائفية) وأهم تلك الثنائيات (خيال/ واقع) يقابلها (وهم/ عالم زائف) وثنائية (تفكيك السياق/ تبديد الثروة) يقابلها (البلاغة الفاحشة/ الثراء الفاحش) إن أزواج الثنائيات المتقابلة بلا حدود، وكلّ زوج يتكون من وحدات أصغر فأصغر حتى التفتيت الذرى وكلّ ثنائية من زوجين متقابلين تحمل في ثناياها كلّ الثنائيات الأخرى. ويصبح علينا أن نطرح سؤالا استقرائيـًا لأحداث الزمان (ولا أقول التاريخ) عند التابعين لمعرفة كيفية نشوء التبعية: كيف صار التابع تابعـًا والمستقل مستقلًا؟
والخلاصة أن التبعية ليست إلا بنية عقلية تعكس واقعـًا انعكاسـًا مرآويـًا، وليست إلا واقعـًا يعكس بنية عقلية انعكاسـًا مرآويـًا، التفاعل بينهما دائم وفي اتجاهين متعاكسين يكرس كلّ منهما الآخر.
"إن حيلتنا الثقافية العربية قد بلغت هذا الحد من الضحالة والعوز، ...أننا أمام عقبة يستحيل علينا اقتحامها، بل الامر فيها على غير ذلك، لان نقص الادراك نقيصة تعالجها في جيل واحد تربية سليمة وتعليم منتج وليس في اصلاح المرحلة الادراكية أو في تغييرها من"
اليوم يعاد هذا الكتاب الفكري والفلسفي العميق للواجهة بعد إعادة تحريره وتغيير عنوانه الذي ظلمه كثيران فقد كان يحمل اسم (مقدمة في تاريخ الأدب العربي/ دراسة في بنية العقل العربي) وهو يحمل اليوم عنوان أحد أهم بحوثة وهو (عقلان وثقافتان) وهذا عنوان أكثر دلالة على العمق النقدي والفلسي الذي يحمله الكتاب، وكذلك قمنا بتقصي مجموعة من مقالات الراحل التي لم تنشر في كتاب سابق وضممناها في ملحق عن الفكر والثقافة، وكذلك ترجم الزميل والصديق الودود الدكتور محمد أحمد علي مرسي، مقالة للعطار كتبت بالإسباني تعد نواة لفكرةترجمة هذا الكتاب إلى الاسبانية، فيعجز اللسان عن شكره فهو من أولاد العطار الابرار. هذا الكتاب واحد من أهم المنجزات الفكرية في العصر الحديث لم يتبه له الكثيرون أتمنى أن يكون متاحـًا بين يدي كلّ قارئحصيف يبحث عن العلم والمعرفة والجمال



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)
- علم طفلك نطق الــ(لا)
- تشرين ولادة وطن اجهض في اسبوعه الأول
- مسلسل -الجنة والنار- وانعكاس لذّة العنف والبكاء
- الموت من أجل البقاء…
- الموت يسلبنا القدرة على الاعتذار …
- مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة
- حوار في الثقافة والادب
- شراء الديون: شبكة فساد مُحكمة في العراق**
- المثقف والهوية الطائفية .
- دعونا نقول شكرًا لمن يعمل…
- محنة السادس الاعدادي في العراق
- الحلاج من جديد…
- الخيال ونظرية الخلق الفنى عند سليمان العطار
- الكتاب الذي لم تقرأه النساء…(تحرير المرأة)


المزيد.....




- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
- عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
- موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن ...
- زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
- أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي ...
- الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
- عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان وثقافتان / دراسة في بنية العقل عند العرب وتاريخ الأدب العربي)